خطب ومحاضرات
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [11]
الحلقة مفرغة
قال المصنف رحمه الله تعالى:
[ فصل:
لما قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وسار علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى العراق، وحصل بين الأمة من الفتنة والفرقة يوم الجمل ثم يوم صفين ما هو مشهور، خرجت الخوارج المارقون على الطائفتين جميعاً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بهم، وذكر حكمهم ].
الخلاف في الفاسق الملي
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن سعد بن أبي وقاص : (أنه لما أعطى رجالاً وترك رجالاً قال
وهذا الصنف من الناس فيه قولان لأهل العلم:
القول الأول: أن الذين أثبت لهم الإسلام ونفي عنهم الإيمان، إنما هم المنافقون، فيكون الإسلام هو الاستسلام في الظاهر، وذهب إلى هذا الإمام البخاري وجماعة، وقالوا: لأن الإسلام هو الإيمان، والإيمان هو الإسلام.
القول الثاني: قول جمهور العلماء من السلف والخلف: أن هؤلاء الذين أثبت لهم الإسلام ونفي عنهم الإيمان ليسوا منافقين، وإنما هم ضعفاء الإيمان، وهذا هو الذي يسمى الفاسق الملي، وهذا هو الأرجح والأصوب.
ذكر ما يؤيد أن العاصي مؤمن ضعيف الإيمان وليس كافراً
المرجح الأول: قوله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14]، والحرف (لما) ينفى به ما قرب وجوده وانتظر، والمعنى أنه: لم يدخل الإيمان الكامل في قلوبكم، وسوف يدخل قريبا.
المرجح الثاني: أنه أثبت لهم الطاعة لله ورسوله وهم على حالهم، قال الله تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا [الحجرات:14].
المرجح الثالث: أن الله تعالى خاطب هؤلاء بقوله: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الحجرات:14]، ولو لم يكونوا في هذا الحال مثابين لكان خلاف مدلول الخطاب.
المرجح الرابع: أنه وصف المؤمنين الذين حققوا إيمانهم بقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15].
والفاسق الملي أو المؤمن الذي ارتكب بعض الكبائر أو قصر في بعض الواجبات يعطى مطلق الإيمان،أي: أصل الإيمان، وينفى عنه الإيمان المطلق، أي: الإيمان الكامل.
وهذا القسم يسميه بعض الناس الفاسق الملي، أي: أنه فاسق ولكنه داخل في ملة الإسلام، والناس تنازعوا في اسمه لا في حكمه، والذين يدخلون في مسمى الإسلام أقسام:
القسم الأول: المنافقون.
القسم الثاني: الصادقون في إيمانهم.
القسم الثالث: الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب.
القسم الربع: الفاسق الملي، الذي له طاعات وحسنات، وله معاص وسيئات.
القسم الخامس: الكافر ظاهراً وباطناً من اليهود والنصارى والوثنيين.
والخلاف في الفاسق الملي، أول خلاف ظهر في الإسلام في مسائل أصول الدين، فبعد قتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، ظهرت الخوارج وخالفوا في الفاسق الملي، وقالوا: إنه كافر، وخالفوا أهل السنة والجماعة، وأهل السنة والجماعة على أنه مؤمن عاصٍ ضعيف الإيمان.
والخوارج قالوا: إنه كافر في الدنيا أو مخلد في النار في الآخرة، والمعتزلة قالوا: إنه خرج من الإيمان، ولم يدخل في الكفر، وهو مخلد في النار كقول الخوارج.
بيان أصل الخوارج
فإذاً أول خلاف حصل في مسائل أصول الدين في الفاسق الملي، وقد حصل الخلاف بعد قتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، وعندما بويع لأمير المؤمنين علي رضي عنه بايعه أكثر أهل الحل والعقد، وامتنع معاوية وأهل الشام من مبايعته، لا لأنه ليس أهلاً للخلافة بل لأنهم مطالبون بدم عثمان ، وعلي رضي الله عنه لم يمانع من أخذ قتلة عثمان ، ولكنه رضي الله عنه يطلب من معاوية وأهل الشام أن يبايعوه، وإذا هدأت الأمور وثبت على جماعة أنهم قتلوا أمير المؤمنين يقتص منهم.
ولكن أهل الشام امتنعوا اجتهاداً منهم فحصل الخلاف، وكل من الصحابة مجتهد، كما جاء في الحديث: (من اجتهد فأصاب فله أجران) كـعلي وأهل العراق، (ومن اجتهد وأخطأ فله أجر) كـمعاوية وأهل الشام.
فالمؤلف رحمه يبين أن هذا أول خلاف وقع في الإسلام في أصول الدين، وهو خلاف الخوارج، وكان بعد قتل أمير المؤمنين عثمان ، وأصله اعتراض ذي الخويصرة التميمي الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا محمد! اتق الله واعدل، وفي اللفظ الآخر أنه قال: إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله.
وبعد وقعة النهروان خرجت الخوارج، ومرقت مارقة على حين فرقة من المسلمين فقتلهم علي رضي الله عنه وجيشه، قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (تقتلهم أدنى الطائفتين)، أي: أقرب الطائفتين إلى الحق.
فالمؤلف يبين هذا، ويبين أن الخوارج صحت فيهم الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الإمام أحمد: صح حديث الخوارج من عشرة أوجه، بخلاف الأحاديث في القدرية وذمهم فإن رفعها ضعيف، والصحيح أنها موقوفة على الصحابة بخلاف الأحاديث في الخوارج فإنها أحاديث صحيحة ثابتة في الصحيحين وغيرهما.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال الإمام أحمد :
صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه، وهذه العشرة أخرجها مسلم في صحيحه موافقة لـأحمد ، وروى البخاري منها عدة أوجه، وروى أحاديثهم أهل السنن والمسانيد من وجوه أخر ].
الأحاديث صحت في الخوارج من عشرة أوجه، وخروج الخوارج كان في الوقت الذي حصل فيه الخلاف بين أهل الشام وأهل العراق يوم الجمل، ثم يوم صفين خرجت الخوارج على الطائفتين جميعاً: على طائفة علي وأهل العراق، وطائفة معاوية وأهل الشام.
صفات الخوارج
هذا فيه بيان عناية الصحابة رضوان الله عليهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، فـعلي رضي الله عنه يقول: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنا لا أحدث إلا عن يقين، فوالله لأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أكذب عليه، أما إذا حدثت فيما بيني وبينكم بعيداً عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فإن الحرب خَدْعَة، يقال: خَدْعة، ويقال: خَدَعة، ويقال: خِدعْة، ويقال: خُدعة، بالضم لكن فيه ضعف.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ واني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم يوم القيامة) ].
هذا الحديث رواه البخاري رحمه الله، ومسلم ، والنسائي ، وأحمد ، والبغوي ، وابن حبان ، وابن أبي عاصم ، ومعنى: (أحداث الأسنان) أي: صغار الأسنان، وشباب صغار، وسفهاء الأحلام أي: ضعفاء العقول.
أسنانهم صغار وأحلامهم ضعاف تأولوا الأحاديث على غير تأويلها، وما فهموها، وأخذوا الأحاديث التي فيها الوعيد، والأحاديث التي جاءت في الكفار فجعلوها في المسلمين فحكموا على المسلمين بأحكام الكفار.
فإذا زنا المسلم كفروه، وإذا سرق كفروه، وإذا عق والديه كفروه، وإذا قطع رحمه كفروه، وإذا اغتاب كفروه، كل من فعل كبيرة فهو كافر عندهم ويخلدونه في النار؛ لضعف عقولهم وصغر أسنانهم، كما جاء في الحديث: (يقولن من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم)، وفي لفظ: (أنهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم).
وفي اللفظ الآخر: (يمرقون من الدين، ثم لا يعودون إليه)، وفي اللفظ الآخر: (لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد)، شبههم بعاد وهم قوم كفار، وفي لفظ: (لأقتلنهم قتل ثمود).
واحتج بهذا بعض العلماء على كفر الخوارج، وهو رواية عن الإمام أحمد أن الخوارج كفار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يمرقون من الدين)، وأمر بقتلهم، وقال: (في قتلهم أجر لمن قتلهم عند الله)، وقال: (يمرقون من الإسلام، ثم لا يعودون إليه).
قال: هذا دليل كفرهم، وشبههم بعاد وبثمود وهم قوم كفار، فقال: (لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد).
ولهذا ذهب بعض العلماء، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله إلى أنهم كفار، ويختار هذا القول سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أن الخوارج كفار.
والقول الثاني: قول جمهور العلماء: أنهم ليسوا كفاراً ولكنهم مبتدعة؛ لأنهم متأولون، والصحابة رضي الله عنهم عاملوهم معاملة الفساق والمبتدعة، ولم يعاملوهم معاملة الكفار؛ لأنهم متأولون، وهناك فرق بين المتأول وبين الجاهل، فهم تأولوا وغلطوا، وقد استدلوا بقول علي رضي الله عنه لما سئل عن الخوارج: أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا، وعلى قول الجمهور يكونون مبتدعة وليسوا كفاراً.
بداية خروجهم
الأدم: الجلد، ومقروض، أي: مدبوغ بالقرض ، والقرض: شجر يدبغ بورقه وثمره.
فـعلي رضي الله عنه لما كان أميراً على اليمن بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في جلد مدبوغ بالقرض.
وقوله: لم تحصل من ترابها أي: أنها لم تخلص من تراب معدنها؛ لأن الذهب إذا استخرج من الأرض يكون قطعة من الذهب، ثم بعد ذلك يجعل جنيهات، ويجعل حلياً، وغير ذلك، فهذه قطعة من الذهب أخذت من التراب على حالها ولم تصغ، فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين أربعة أشخاص من رؤساء القبائل في نجد وغيرها؛ لأنهم أسلموا حديثاً حتى يقوى إسلامهم.
فلما رأى رجل ذلك، قال: اعدل يا محمد! فطلب خالد رضي الله عنه قتله، فالنبي صلى الله عليه وسلم منعه من قتله، وقال: (إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم -وهم الخوارج- تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم) وهذا هو أصل الخوارج.
هذا الرجل وصفه: أنه غائر العينين من الغور، أي: عيناه داخلتان في محاجرهما لاصقتان بمقر الحدقة، وهو ضد الجحوض، ومشرف الوجنتين أي: بارز العظمين المشرفين على الخدين، وناشز الجبهة أي: مرتفعة جبهته، كث اللحية، محلوق الرأس، وهذه سيما الخوارج، كما في الحديث: (سيماهم التحليق) فعلامة الخوارج حلق الرأس، يشددون ويتعبدون بحلق الرأس حتى يكون أبيض من شدة الحلق بالموسى.
فقال هذا الرجل: اتق الله، يا رسول الله! كيف تعطي الذهب بين أربعة ولا تعطينا؟ وفي اللفظ الآخر قال: اعدل.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله)، وفي اللفظ الآخر أنه قال: (ويلك فمن لم يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله). فهذا الرجل الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم هو أصل الخوارج.
جريان الأحكام على الظاهر
فيه أن الأحكام تجرى على الظاهر فمن كان يصلي فلا يقتل، ولهذا لما استأذن خالد رضي الله عنه أن يضرب عنقه، قال: (لعله أن يكون يصلي، قال
وجاء في اللفظ الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه منعهم من ذلك لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه.
قال المؤلف: (قال: ثم نظر إليه وهو مقف).
قوله: (مقف)، أي: قد ولاه قفاه، وهذا الرجل اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم وقفى، فلما ذهب وأعطاهم قفاه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم عند صلاتهم).
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ (فقال: إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، قال: أظنه قال: لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)، اللفظ لـمسلم.
قوله: (من ضئضئ هذا) من نسله وعقبه، قال: (لأقتلنهم قتل عاد) ذكر في الحاشية أن لفظ: (عاد) من رواية مسلم ، وعند مسلم: (لأقتلنهم قتل ثمود) ].
واحتج بهذا الإمام أحمد في رواية على كفر الخوارج؛ لأنه شبههم بثمود وعاد وهم قوم كفار، وقال: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) في اللفظ الآخر: (ثم لا يعودون إليه)، قالوا: وهذا دليل على كفرهم.
والقول الثاني لأهل العلم وهم الجمهور: أنهم مبتدعة وعصاة وليسوا كفاراً؛ لأنهم متأولون، وهو الذي عليه عمل الصحابة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولـمسلم في بعض الطرق عن أبي سعيد رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحليق) ].
الفُرقة بالضم: الخلاف، أما الفرقة بالكسر: الجماعة، وقوله: (يخرجون في فرقة من الناس) يعني: الخلاف الذي حصل بين علي وأهل العراق، ومعاوية وأهل الشام، وقد خرجوا في وقت الخلاف، وهذا فيه علم من أعلام النبوة، وأنه رسول الله حقاً، حيث أخبر أنهم يخرجون في وقت الفرقة والخلاف فخرجوا بعدما حصل قتال بين علي وأهل الشام.
وقوله: (سيماهم التحليق) أي: علامتهم حلق الرأس، فيشددون في حلق الرأس ولا يتركونه يطول، ويحلقونه حلقاً كاملاً ويشددون في هذا، فهذه علامتهم وسيماهم.
المؤلف رحمه الله يبين الخلاف في الفاسق الملي، وهو: المؤمن العاصي الموحد، الذي وحد الله وأخلص له العبادة، ولم يقع في عمله شرك لكنه اقترف بعض الكبائر، أو قصر في بعض الواجبات، وهذا يسمى الفاسق الملي، وهذا هو الذي جاءت النصوص بإثبات الإسلام له ونفي الإيمان عنه، كقوله تعالى في سورة الحجرات: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، وقوله سبحانه في سورة الذاريات: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:35-36]، وقوله سبحانه في سورة الأحزاب: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35].
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن سعد بن أبي وقاص : (أنه لما أعطى رجالاً وترك رجالاً قال
وهذا الصنف من الناس فيه قولان لأهل العلم:
القول الأول: أن الذين أثبت لهم الإسلام ونفي عنهم الإيمان، إنما هم المنافقون، فيكون الإسلام هو الاستسلام في الظاهر، وذهب إلى هذا الإمام البخاري وجماعة، وقالوا: لأن الإسلام هو الإيمان، والإيمان هو الإسلام.
القول الثاني: قول جمهور العلماء من السلف والخلف: أن هؤلاء الذين أثبت لهم الإسلام ونفي عنهم الإيمان ليسوا منافقين، وإنما هم ضعفاء الإيمان، وهذا هو الذي يسمى الفاسق الملي، وهذا هو الأرجح والأصوب.
وهذا القول يرجح من عدة مرجحات وهي:
المرجح الأول: قوله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14]، والحرف (لما) ينفى به ما قرب وجوده وانتظر، والمعنى أنه: لم يدخل الإيمان الكامل في قلوبكم، وسوف يدخل قريبا.
المرجح الثاني: أنه أثبت لهم الطاعة لله ورسوله وهم على حالهم، قال الله تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا [الحجرات:14].
المرجح الثالث: أن الله تعالى خاطب هؤلاء بقوله: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الحجرات:14]، ولو لم يكونوا في هذا الحال مثابين لكان خلاف مدلول الخطاب.
المرجح الرابع: أنه وصف المؤمنين الذين حققوا إيمانهم بقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15].
والفاسق الملي أو المؤمن الذي ارتكب بعض الكبائر أو قصر في بعض الواجبات يعطى مطلق الإيمان،أي: أصل الإيمان، وينفى عنه الإيمان المطلق، أي: الإيمان الكامل.
وهذا القسم يسميه بعض الناس الفاسق الملي، أي: أنه فاسق ولكنه داخل في ملة الإسلام، والناس تنازعوا في اسمه لا في حكمه، والذين يدخلون في مسمى الإسلام أقسام:
القسم الأول: المنافقون.
القسم الثاني: الصادقون في إيمانهم.
القسم الثالث: الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب.
القسم الربع: الفاسق الملي، الذي له طاعات وحسنات، وله معاص وسيئات.
القسم الخامس: الكافر ظاهراً وباطناً من اليهود والنصارى والوثنيين.
والخلاف في الفاسق الملي، أول خلاف ظهر في الإسلام في مسائل أصول الدين، فبعد قتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، ظهرت الخوارج وخالفوا في الفاسق الملي، وقالوا: إنه كافر، وخالفوا أهل السنة والجماعة، وأهل السنة والجماعة على أنه مؤمن عاصٍ ضعيف الإيمان.
والخوارج قالوا: إنه كافر في الدنيا أو مخلد في النار في الآخرة، والمعتزلة قالوا: إنه خرج من الإيمان، ولم يدخل في الكفر، وهو مخلد في النار كقول الخوارج.
استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [18] | 2638 استماع |
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [7] | 2361 استماع |
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [16] | 2147 استماع |
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [10] | 2088 استماع |
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [4] | 1831 استماع |
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [2] | 1701 استماع |
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [5] | 1638 استماع |
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [9] | 1576 استماع |
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [14] | 1514 استماع |
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [6] | 1446 استماع |