شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [18]


الحلقة مفرغة

عقيدة الخوارج والمعتزلة في صاحب الكبيرة ونتيجة الخلاف بينهما

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فصل.

فهذان القولان: قول الخوارج الذين يكفرون بمطلق الذنوب ويخلدون في النار، وقول من يخلدهم في النار ويجزم بأن الله لا يغفر لهم إلا بالتوبة، ويقول: ليس معهم من الإيمان شيء، لم يذهب إليهما أحد من أئمة الدين أهل الفقه والحديث، بل هما من الأقوال المشهورة عن أهل البدع ].

هذان القولان: القول الأول: قول الخوارج، والقول الثاني: قول المعتزلة، لم يذهب إليهما أحد من أئمة الدين، بل هما قولان مبتدعان:

القول الأول: قول الخوارج الذين يكفرون بمطلق الذنوب ويخلدون في النار، فهذا قول باطل ما قاله أحد من أهل السنة والجماعة، إنما هو لأهل البدع، يقولون: يكفر المسلم بمطلق الذنب، بعضهم يقول: بأي ذنب، وبعضهم يقول: بالذنب الكبير فقط، ويخلد في النار، فالشخص إذا فعل الكبيرة كفر وخلد في النار عندهم، وهذا قول باطل أنكره أهل السنة والجماعة، وضللوا الخوارج بهذا وبدعوهم.

القول الثاني: قول المعتزلة، وأشار إليه المؤلف بقوله: (وقول من يخلدهم في النار، ويجزم بأن الله لا يغفر لهم إلا بالتوبة، ويقول: ليس معهم من الإيمان شيء)، فهذا هو قول المعتزلة، وهم يوافقون الخوارج بالتخليد في النار، ويجزمون بأن الله لا يغفر لهم إلا بالتوبة، ويقولون: إنه ينتهي إيمان المؤمن بالكبيرة، لكن لا يصل إلى حد الكفر، فالخلاف بين الخوارج والمعتزلة في الحكم على صاحب الكبيرة في الدنيا، أما في الآخرة فقد اتفقوا على أن صاحب الكبيرة يخلد في النار.

إذاً: اختلفوا في الدنيا، فقالت الخوارج: صاحب الكبيرة يخرج من الإيمان ويدخل في الكفر، وقالت المعتزلة: يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر، بل يبقى في منزلة بين المنزلتين -بين الإيمان والكفر- وإنما يسمى فاسقاً ليس بمؤمن ولا كافر.

فإن قيل: هل لهذا الخلاف بين الطائفتين ثمرة؟

فالجواب: في الآخرة لا توجد ثمرة، أما في الدنيا فله ثمرة، فالخوارج يقولون: خرج من الإيمان ودخل في الكفر، فيستحلون دمه وماله، ويعاملونه معاملة الكفار، أما المعتزلة فيقولون: خرج من الإيمان لكن ليس بكافر، فلا يقتلونه ولا يستحلون دمه وماله؛ لأنه خرج من الإيمان، لكن ما دخل في الكفر الذي يوجب قتله وأخذ ماله.

فهذان القولان يقول عنهما المؤلف: (لم يذهب إليهما أحد من أئمة الدين أهل الفقه والحديث، بل هما من الأقوال المشهورة عن أهل البدع).

عقيدة غلاة المرجئة والملاحدة في صاحب الكبيرة وفي الوعد والوعيد

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وكذلك قول من وقف في أهل الكبائر من غلاة المرجئة، وقال: لا أعلم أن أحداً منهم يدخل النار، هو أيضاً من الأقوال المبتدعة، بل السلف والأئمة رحمهم الله متفقون على ما تواترت به النصوص، من أنه لابد أن يدخل النار قوم من أهل القبلة، ثم يخرجون منها، وأما من جزم بأنه لا يدخل النار أحد من أهل القبلة فهذا لا أعرفه قولاً لأحد.

وبعده قول من يقول: ما ثم عذاب أصلاً، وإنما هو تخويف بما لا حقيقة له، وهذا من أقوال الملاحدة الكفار ].

يعني: هناك قولان أيضاً للمرجئة:

القول الأول: قول غلاة المرجئة، وهو التوقف في العصاة، والتوقف معناه أنهم يقولون: لا ندري هل يدخلون النار أو لا يدخلون النار.

فهم يتوقفون في أهل الكبائر، إذا سألت أحدهم: أصحاب الكبائر يدخلون النار؟ يقول: أنا متوقف، لا أقول: يدخلون النار ولا أقول: لا يدخلون النار، ولهذا قال المؤلف: (كذلك قول من وقف في أهل الكبائر من غلاة المرجئة وقال: لا أعلم أن أحداً منهم يدخل النار، وهو أيضاً من الأقوال المبتدعة) يعني: قولهم هذا بدعي، والتوقف لا وجه له، والصواب أن أهل الكبائر قسم منهم وجملة منهم يدخلون النار، وقسم يعفى عنهم، ليس كلهم يدخلون وليس كلهم يعفى عنهم، بل لابد أن يدخل النار جملة من أهل الكبائر؛ لأنه قد تواترت الأخبار والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لابد أن يدخل النار جملة من أهل الكبائر وهم مؤمنون مصلون، ولا تأكل النار وجوههم، فهذا يدخل النار لأنه زنى ولم يتب، وهذا يدخل النار لأنه عاق لوالديه، وهذا يدخل النار لأنه تعامل بالربا، وهذا يدخل النار لأنه اغتاب الناس أو نم عليهم أو أكل أموال الناس بالباطل، ومنهم من يعفى عنه، ولكن جملة منهم لابد أن يدخلوا النار.

إذاً: نقول: لا وجه لهذا القول، لابد أن تجزم بأنه يدخل النار جملة من أهل الكبائر، وهناك من يعفى عنهم، ولهذا قال المؤلف: (بل السلف والأئمة متفقون على ما تواترت به النصوص من أنه لا بد أن يدخل النار قوم من أهل القبلة), يعني: من المؤمنين الذين يتجهون إلى القبلة بالصلاة والذكر والذبح وغيره، ثم يخرجون من النار.

وهناك قول آخر في المسألة: وهو الجزم بأنه لا يدخل النار أحد من أهل القبلة، قال المؤلف: (وهذا القول لا نعرفه قولاً لأحد)، وهو ضد قول الخوارج والمعتزلة, فالخوارج والمعتزلة يجزمون بأن العصاة مخلدون في النار، أما هؤلاء فيجزمون بأنه لا يدخل النار أحد من أهل القبلة.

إذاً: بعض غلاة المرجئة يتوقفون في صاحب الكبيرة، وهناك بعض غلاة المرجئة كالجهمية يجزمون بأنه لا يدخل النار أحد من أهل القبلة، مادام أنه مؤمن يعرف ربه بقلبه، يقولون: لا تضره جميع الكبائر ولا يدخل النار، ويدخل الجنة من أول وهلة.

وبعده هناك قول آخر: وهو قول من يقول: ما ثمَّ عذاب أصلاً، وإنما هو تخويف بما لا حقيقة له.

يعني: أنه ليس هناك عذاب ولا نار، فإذا قيل له: النصوص دلت على أنه يوجد عذاب، قال: هذا مجرد تخويف، وهذا هو قول الملاحدة الذين لا يؤمنون بالجنة ولا يؤمنون بالنار.

والملاحدة أشد من الكفار، فكفرهم أعظم من كفر اليهود والنصارى، فهؤلاء الملاحدة من القرامطة وغيرهم يقولون: ليس هناك عذاب ولا جنة ولا نار، فإذا قيل لهم: كيف؟ قالوا: هذه أمثال مضروبة من النبي وهي من السياسة، فهو قالها حتى يسوس الناس حتى يتعايشوا بسلام، وحتى لا يبغي بعضهم على بعضهم إذا علموا أن هناك جنة وهناك ناراً، وسيذكر المؤلف لهم شبهة، ويبين خطأهم وباطلهم.

شبهة الملاحدة من القرامطة والإسماعيلية والنصيرية وغيرهم في دين الرسل والرد عليهم

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وربما احتج بعضهم بقوله تعالى: ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ [الزمر:16].

فيقال لهذا: التخويف إنما يكون تخويفاً إذا كان هناك مُخوف يمكن وقوعه بالمخوَّف، فإن لم يكن هناك ما يمكن وقوعه امتنع التخويف، لكن يكون حاصله إيهام الخائفين بما لا حقيقة له كما يوهم الصبي الصغير، ومعلوم أن مثل هذا لا يحصل به تخويف للعقلاء المميزين؛ لأنهم إذا علموا أنه ليس هناك شيء مَخوْف زال الخوف.

وهذا شبيهٌ بما تقول الملاحدة المتفلسفة والقرامطة ونحوهم: من أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم خاطبوا الناس بإظهار أمور من الوعد والوعيد لا حقيقة لها في الباطن، وإنما هي أمثال مضروبة لتفهم حال النفس بعد المفارقة، وما أظهروه لهم من الوعد والوعيد وإن كان لا حقيقة له فإنما يعلق لمصلحتهم في الدنيا، إذ كان لا يمكن تقويمهم إلا بهذه الطريق ].

يعني: هؤلاء الملاحدة الذين ينكرون العذاب ويقولون: ليس هناك عذاب ولا نار، بعضهم يحتج بقوله تعالى: ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ [الزمر:16]، قالوا: النصوص التي فيها العذاب هي للتخويف فقط، وإلا ليس هناك نار ولا عذاب، فالمؤلف رحمه الله أجاب عليهم وقال: إن قوله: ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ [الزمر:16] يعني: الله يخوف عباده بشيء له حقيقة؛ لأنه لا يسمى تخويفاً إلا إذا كان له حقيقة، ولهذا يقول: (فيقال لهذا: التخويف إنما يكون تخويفاً إذا كان هناك مخوف) وهو النار يخوف بها (يمكن وقوعه بالمخوف، فإذا لم يكن هناك ما يمكن وقوعه امتنع التخويف)؛ لأنه إذا لم يكن هناك نار فليس هناك تخويف، وإنما هو إيهام الخائفين بما لا حقيقة له كما يوهم الصبي الصغير، ويقال له: إذا فعلت كذا حصل لك كذا وكذا، وهو إيهام، ومعلوم أن مثل هذا لا يحصل به تخويف للعقلاء المميزين، إنما يحصل التخويف للصبيان الصغار الأطفال، أما العقلاء المميزون فلا يخوفون بالأشياء التي لا حقيقة لها؛ لأنهم إذا علموا أنه ليس هناك شيء مخوف زال الخوف.

يقول المؤلف: (وهذا شبيه بما تقول الملاحدة المتفلسفة والقرامطة) الملاحدة أقسام: ملاحدة المتفلسفة، وملاحدة القرامطة، وملاحدة الصوفية، وهؤلاء الذين يقولون: إن العذاب تخويف لا حقيقة له يشبه قول الملاحدة المتفلسفة والقرامطة الذين يقولون: الرسل يسوسون الناس، ويقولون: النبي رجل عبقري عنده ذكاء وعنده كذا ويسوس الناس، ويخبرهم أن هناك جنة وناراً وملائكة، وهذا لا حقيقة له، وإنما هي أمثال مضروبة تناسب العوام، وإلا فليس هناك جنة ولا نار، وليس هناك أمر ولا نهي ولا حلال ولا حرام عند هؤلاء الملاحدة والعياذ بالله.

ويقول بعضهم: إن هذه من سياسة النبي، وهو رجل عبقري، يسوس الناس ويخوفهم بأن هناك عذاباً وناراً وجنة؛ حتى يتعايش الناس بسلام، وحتى لا يعتدي أحد على أحد، ولهذا قال بعض الملاحدة: إن النبي فيلسوف العامة، وأما الفيلسوف فهو نبي الخاصة، ولهذا قال بعضهم: أنا لا أريد النبوة، أي فهو يريد شيئاً أعلى من النبوة وهي الفلسفة، ويقول: الفلسفة نبوة الخاصة، وأما النبي فهو يسوس العامة، وفرق بين سياسة الخاص وسياسة العام، فالفلاسفة جعلوا أنفسهم أعلى من الأنبياء نعوذ بالله، وكفر هؤلاء فوق كفر الذين قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ [الأنعام:124].

فهؤلاء الملاحدة يقولون: الرسل خاطبوا الناس بإظهار أمور من الوعد والوعيد لا حقيقة لها في الباطن، وإنما هي أمثال مضروبة لتفهم حال النفس بعد المفارقة ، وما أظهروه لهم من الوعد والوعيد وإن كان لا حقيقة له، لكن من أجل مصلحتهم في الدنيا؛ لأنه لا يمكن تقويمهم ولا إصلاحهم إلا بالكذب، ويقولون: الأنبياء كذبوا على الناس لمصلحتهم، ويقولون: هناك فرق بين من يكذب لك ومن يكذب عليك، فالأنبياء كذبوا للناس لا على الناس، كذبوا لمصلحة الناس، ولم يكذبوا عليهم؛ لأنه لو لم يكذبوا لهم لصار بينهم نزاع وقتل واختلت أمورهم، وقد يبغي بعضهم على بعض، فإذا كذبوا لهم قالوا: هناك جنة وهناك نار وهناك قصاص صلحت أحوالهم واستقاموا، هكذا يقولون! نسأل الله السلامة والعافية.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وهذا القول مع أنه معلوم الفساد بالضرورة من دين الرسل؛ فلو كان الأمر كذلك لكان خواص الرسل الأذكياء يعلمون ذلك، وإذا علمو زالت محافظتهم على الأمر والنهي، كما يصيب خواص ملاحدة المتفلسفة والقرامطة من الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم، فإن البارع منهم في العلم والمعرفة يزول عنه عندهم الأمر والنهي، وتباح له المحظورات، وتسقط عنه الواجبات، فتظهر أضغانهم، وتنكشف أسرارهم، ويعرف عموم الناس حقيقة دينهم الباطن؛ حتى سموهم باطنية؛ لإبطانهم خلاف ما يظهرون، فلو كان والعياذ بالله دين الرسل كذلك لكان خواصه قد عرفوه، وأظهروا باطنه، وكان عند أهل المعرفة والتحقيق من جنس دين الباطنية.

ومن المعلوم بالاضطرار أن الصحابة رضوان الله عليهم الذين كانوا أعلم الناس بباطن الرسول صلى الله عليه وسلم وظاهره، وأخبر الناس بمقاصده ومراداته، كانوا أعظم الأمة لزوماً لطاعة أمره سراً وعلانية، ومحافظة على ذلك إلى الموت، وكل من كان منهم إليه أقرب، وبه أخص، وبباطنه أعلم، كـأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كانا أعظمهم لزوماً لطاعته سراً وعلانية، ومحافظة على أداء الواجب، واجتناب المحرم باطناً وظاهراً ].

يعني: أن قول هؤلاء الملاحدة: إنه ليس هناك جنة ولا نار وإنما هو تخويف، وكذلك قول ملاحدة الفلاسفة والقرامطة: إن الرسل جاءوا بالإخبار عن الجنة والنار من باب استصلاح الناس، وإلا فليس هناك جنة ولا نار، هذا القول مع أنه معلوم الفساد بالضرورة في دين الرسل، لو كان الأمر كما يزعمون لكان خواص الرسل الأذكياء يعلمون ذلك، و(لو) حرف امتناع لامتناع، وهذا هو الشرط التقديري، والشرط التقديري لا يمكن حصوله، ولا يمكن القول به، مثل قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65] والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الشرك، فهذا من باب التقدير.

والمعنى: لو كان الأمر كما يزعم هؤلاء أن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما لبس على الناس لأجل مصلحتهم وليس هناك جنة ولا نار، لكان خواص الرسل الأذكياء يعلمون الحقيقة، وخواص الرسل هم الملازمون للرسل، فلو كان الأمر كما يقولون وأن الرسل إنما كذبوا على الناس، لكان خواصهم الملازمون لهم مثل خواص النبي صلى الله عليه وسلم كـأبي بكر وعمر وغيرهما يعلمون الحقيقة، ويعلمون الباطن، وإذا علموا بذلك ما تعبدوا ولا عملوا أعمالاً صالحة، ولفعلوا المنكرات؛ لأنهم يعلمون حقيقة من لازموه، وهذا من أبطل الباطل، فإن خواص الأنبياء هم أعظم الناس محافظة على أوامر الله وأوامر رسله وأنبيائه.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (لو كان الأمر كذلك لكان خواص الرسل يعلمون ذلك، وإذا علموه زالت محافظتهم على الأمر والنهي) يعني: لما امتثلوا الأمر ولا اجتنبوا النهي؛ لأنهم يعلمون الحقيقة، (كما يصيب خواص ملاحدة المتفلسفة والقرامطة)، فحالهم حال سيئ؛ لأنهم يعتقدون في الباطن الإلحاد والزندقة، ولذلك لا يلتزمون بالشرائع، ومن هؤلاء الإسماعيلية والنصيرية، فهم يدعون أن الله حل في علي .

يقول: (فإن البارع منهم في العلم والمعرفة يزول عنه عندهم الأمر والنهي) أي: البارع من هؤلاء الملاحدة الإسماعيلية والنصيرية لا يمتثل الأوامر ولا النواهي، وتباح له جميع المحرمات، وتسقط عنه الواجبات، وتظهر أضغانهم، وتنكشف أسرارهم، ويعرف عموم الناس حقيقة دينهم الباطن حتى سموهم باطنية؛ لأن الباطنية يقولون: ليس هناك صلاة ولا صيام ولا زكاة، ويقولون: الصلاة لها ظاهر ولها باطن؛ ظاهرها الصلوات الخمس التي يصليها المسلمون، وهؤلاء يسمونهم عامة، والباطن عندهم خمسة أسماء: علي وفاطمة وحسن وحسين ومحسن خمسه أسماء تعدها.

والصيام عندهم له باطن وله ظاهر، ظاهره صوم المسلمين شهر رمضان ويسمونهم عامة، والباطن كتمان أسرار المشايخ.

والحج عندهم له ظاهر وله باطن، الحج الظاهر هو الحج إلى بيت الله الحرام، والباطن زيارة قبور مشايخهم.

هؤلاء هم الملاحدة يقول: (فلو كان والعياذ بالله دين الرسل كذلك لكان خواصه قد عرفوه وأظهروا باطنه، وكان عند أهل المعرفة والتحقيق من جنس دين الباطنية، ومن المعلوم بالاضطرار أن الصحابة الذين لازموا النبي صلى الله عليه وسلم كانوا أعلم بباطن الرسول صلى الله عليه وسلم وظاهره، وأخبر الناس بمقاصده ومراداته، وكانوا أعظم لزوماً في طاعة أمره سراً وعلانية، ومحافظة على ذلك إلى الموت، وكل من كان منهم إليه أقرب وبه أخص وبباطنه أعلم كـأبي بكر وعمر كانوا أعظم الناس لزوماً للطاعة سراً وعلانية، ومحافظة على أداء الواجب واجتناب المحرم باطناً وظاهراً، فدل هذا على كذب ما يقوله هؤلاء وأنهم ملاحدة).

شبهة ملاحدة الصوفية في حقيقة الدين والرد عليهم

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد أشبه هؤلاء في بعض الأمور ملاحدة المتصوفة، الذين يجعلون فعل المأمور وترك المحظور واجباً على السالك، حتى يصير عارفاً محققاً في زعمهم، وحينئذ يسقط عنه التكليف، ويتأولون على ذلك قوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] زاعمين أن اليقين هو ما يدعونه من المعرفة، واليقين هنا الموت وما بعده، كما قال تعالى عن أهل النار: وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر:45-48].

قال الحسن البصري : إن الله لم يجعل لعباده المؤمنين أجلاً دون الموت، وتلا هذه الآية.

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي عثمان بن مظعون : (أما عثمان بن مظعون فقد أتاه اليقين من ربه) ].

يعني: أن ملاحدة الفلاسفة وملاحدة القرامطة الذين يقولون: إن الشريعة لها ظاهر وباطن، ولا يعملون بالشريعة؛ لأنهم يعتقدون في الباطن الكفر والإلحاد، فملاحدة الصوفية يشبهون ملاحدة الفلاسفة والقرامطة الذين قالوا: الشريعة لها ظاهر ولها باطن كما سبق، فالظاهر للمسلمين والباطن لهم، وملاحدة الصوفية يشبهونهم من جهة أنهم يقولون: الأوامر والنواهي والشريعة إنما تلزم العوام ولا تلزم الخواص، فالصوفي عندهم يسمونه السالك ويسمونه الفقير وله أسماء أخرى عندهم، فالسالك عندهم تلزمه التكاليف من الأوامر والنواهي والصلاة حتى يصل إلى درجة المعرفة عندهم واليقين، فإذا وصل إلى المعرفة سقطت عنه التكاليف، ويصل إلى درجة المعرفة عندهم إذا شاهد الحقيقة الكونية، وإذا شاهد القدر وعلم أن ما قدر سيكون، وألغى صفاته وجعلها صفات الله، فهذا قد وصل إلى الحقيقة، ويستدلون بمثل قوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] ويفسرون اليقين بالمعرفة، فمن وصل إلى المعرفة سقطت عنه التكاليف.

وهذا لا شك أنه كفر وضلال، بل المعلوم من دين الإسلام بالضرورة كما قرر أهل العلم كـشيخ الإسلام وغيره أن من قال: إن أحداً يسقط عنه التكليف وعقله معه فإنه كافر بإجماع المسلمين، ويستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ لأنه لا يوجد أحد رفع عنه التكليف، إلا إذا رفع العقل كالشيخ المخرف الكبير والمجنون والصغير.

فهؤلاء الملاحدة يقولون: يسقط التكليف عن الخواص، ويقسمون الناس إلى عوام وخواص، فالعامة عليهم تكليف من أوامر ونواه، وطاعات ومعاص، أما الخاصة فيسقط عنهم التكليف.

بل إن الصوفية يقسمون الناس إلى ثلاثة أقسام: عامة، وخاصة، وخاصة الخاصة.

فالعامة الذين كلفوا بالأوامر والنواهي.

والخاصة الذي تسقط عنهم الأوامر والنواهي، ليس عليهم تكليف، وكل أعمالهم طاعات ليس فيها معاص، وأي شيء يفعلونه طاعة؛ لأنه يوافق القدر، فالزنا منهم طاعة والسرقة طاعة والكفر طاعة.

يقول أحدهم: أنا إن عصيت أمر الله الشرعي فقد وافقت أمر الله الكوني، ووافقت الإرادة الكونية.

أما خاصة الخاصة فليس هناك طاعات ولا معاص، وهم الذين يقولون بوحدة الوجود، يقولون: إن الوجود واحد، وليس هناك رب ولا عبد، فأنت الرب وأنت العبد، ولذا قال ابن عربي رئيس وحدة الوجود:

الرب عبد والعبد رب يا ليت شعري من المكلف

يعني: لا أدري من المكلف.

إن قلت عبد فذاك ميت أو قلت رب أنى يكلف

يعني: التبس عليه الأمر، فقال: الرب هو العبد والعبد رب، ويقول أيضاً: رب مالك، وعبد هالك، وأنتم ذلك. ويقول: ليس في الوجود واحد، فالخالق هو المخلوق والمخلوق هو الخالق.

نقول: هذا ضلال وكفر وزيغ ووهم وحيرة وشك.

ويقول:

سر حيث شئت فإن الله ثم وقل ما شئت فيه فإن الواسع الله

يعني: كل ما تراه هو الله -نعوذ بالله- فهذا من أعظم الكفر والإلحاد، نسأل الله السلامة والعافية، والسبب في ذلك أنهم يشاهدون الحقيقة الكونية فتسقط عنهم التكاليف.

طبقات الناس عند ملاحدة الصوفية وحكم كل طبقة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وهؤلاء قد يشهدون القدر أولاً وهي الحقيقة الكونية، ويظنون أن غاية العارف أن يشهد القدر ويفنى عن هذا الشهود، وذلك المشهد لا تمييز فيه بين المأمور والمحظور، ومحبوبات الله ومكروهاته، وأوليائه وأعدائه.

وقد يقول أحدهم: العارف شهد أولاً الطاعة والمعصية، ثم شهد طاعة بلا معصية، يريد بذلك طاعة القدر، كقول بعض شيوخهم: أنا كافر برب يعصى، وقيل له عن بعض الظالمين: هذا ماله حرام، فقال: إن كان عصى الأمر فقد أطاع الإرادة.

ثم ينتقلون إلى المشهد الثالث: لا طاعة ولا معصية، وهو مشهد أهل الوحدة القائلين بوحدة الوجود، وهذا غاية إلحاد المبتدعة جهمية الصوفية، كما أن القرمطة آخر إلحاد الشيعة، وكلا الإلحادين يتقاربان، وفيهما من الكفر ما ليس في دين اليهود والنصارى ومشركي العرب. والله أعلم ].

ملاحدة الصوفية يجعلون الناس طبقات: الطبقة الأولى: العامة، والطبقة الثانية: الخاصة، والطبقة الثالثة: خاصة الخاصة، وكل طبقة لها أحكام.

فالعامة عليهم الأوامر والنواهي، من الصلاة والصيام والزكاة والحج وطاعات ومعاص، ويجعلون من العامة جميع الأنبياء والمرسلين، فهنيئاً للعامة فتوحيدهم توحيد الأنبياء والمرسلين.

أما الخاصة عندهم فيرتفعون عن هذه الطبقة، إذا وصل أحدهم إلى العلم والمعرفة، فالعلم المراد به شهود الحقيقة الكونية، يعني: أن يشهد القدر، وهو أن يشهد أن الله قدَّر كل شيء، قدر الكفر والمعاصي والطاعات، وأن الإنسان لابد أن ينفذ فيه قدر الله، ويرون أن الإنسان مجبور على هذا الشيء، فحينئذٍ تسقط عنه التكاليف، وفي هذه الحالة يصل إلى درجة المعرفة ويلغي صفاته وأفعاله ويجعلها صفات لله، فالله هو المصلي والصائم، والعباد وعاء للأفعال، والله هو الفاعل، كالكوز الذي يصب فيه الماء، فالأفعال أفعال الله، وفي هذه الحالة يسقط عنه التكليف، ولا تصير عنده معاص، وكل ما يفعله طاعة، حتى الكفر والزنا والسرقة! فإذا قيل له: أنت عصيت أمر الله الشرعي، قال: لكن وافقت أمر الله الكوني، فإنه قدر علي هذا، وعلى هذا فيعذرون الكفرة من قوم نوح وقوم هود.

الطبقة الثالثة: طبقة خاصة الخاصة، يترقي الواحد منهم من هذه الطبقة إلى القول بوحدة الوجود، وحينئذ لا تكون عنده طاعات ولا معاص، والخاصة عندهم طاعات وليس عندهم معاص، فهؤلاء ملاحدة وصلوا إلى القول بوحدة الوجود والعياذ بالله، ولهذا بين المؤلف رحمه الله ذلك وقال: (إن هؤلاء الملاحدة يجعلون فعل المأمور وترك المحذور واجباً على السالك) يعني: السائر في الطريق إلى الله عندهم، حتى يصير عارفاً محققاً في زعمهم، وحينئذٍ يسقط عنه التكليف، ويتأولون على ذلك قول الله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] زاعمين أن اليقين هو ما يدعونه من المعرفة، الصواب أن اليقين هو الموت، كما قال الله تعالى عن أهل النار: حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر:47] يعني: الموت.

وقال الحسن : إن الله لم يجعل لعباده أجلاً دون الموت، وتلا هذه الآية: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].

وفي الحديث الصحيح لما توفي عثمان بن مظعون قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما عثمان بن مظعون فقد أتاه اليقين من ربه)، وهذا الحديث رواه البخاري في الصحيح.

وهؤلاء الصوفية يشهدون القدر أولاً، وشهود القدر يعني: أن يشهد أن الله قدر الأشياء، وأن كل مخلوق سائر بالقدر شاء أم أبى، وأنه تنفذ فيه قدرة الله، ويلغي النظر إلى الشرع والأوامر والنواهي، ولا ينظر إلا إلى القدر، وحينئذٍ يجعل الصفات صفات الله والأفعال أفعال الله، وحينئذ يسقط عنه التكليف، ويظنون أن غاية العارف أن يشهد القدر، فإذا شهد القدر وفني بهذا الشهود ففي هذا المشهد لا تمييز بين المأمور والمحظور، ومحبوبات الله ومكروهاته، وأوليائه وأعدائه، وليس هناك تمييز بين المحرم والجائز، ولا فرق بين الزنا والنكاح، ولا فرق بين الخمر والماء، ولا فرق بين الربا والبيع، ولا فرق بين المؤمن والكافر.

يقول المؤلف: (وقد يقول أحدهم: العارف شهد أولاً الطاعة والمعصية) يعني: شهد ذلك لما كان في طبقة العامة، ثم يقول: (ثم شهد طاعة بلا معصية) يعني: لما ارتفع إلى الطبقة الثانية وهي طبقة الخاصة (يريد بذلك طاعة القدر) يعني: إذا زنى قال: هذه طاعة، وإذا سرق قال: هذه طاعة، فإذا قيل له: هذه طاعة الشرع؟ قال: لا، هذه طاعة القدر، (كقول بعض الشيوخ الصوفية: أنا كافر برب يعصى) والعياذ بالله، لماذا قال هذا القول: أنا كافر برب يعصى؟

يريد أن يقول: المعصية طاعة لله؛ لأنه قدرها عليه، فليس هناك معصية، فإذا قلتم: إن هناك معصية، يقول هو: أنا كافر برب يعصى، والعياذ بالله.

إذاً: لا توجد معصية حتى لا يعصى الرب، وكل ما يقع فهو طاعة.

وقيل له عن بعض الظالمين: هذا ماله حرام، قال: لا يوجد حرام وحلال، كل شيء حلال، إن كان عصى أمر الله الشرعي فقد أطاع الإرادة الكونية القدرية.

ثم ينتقلون إلى المشهد الثالث ويقولون: لا طاعة ولا معصية، وهذا مشهد خاصة الخاصة، وهم أهل وحدة الوجود، ولذلك يقول: (وهو مشهد أهل الوحدة القائلين بوحدة الوجود، وهذا غاية إلحاد المبتدعة كجهمية الصوفية، كما أن القرمطة آخر إلحاد الشيعة، وكلا الإلحادين يتقاربان، وفيهما من الكفر ما ليس في دين اليهود والنصارى ومشركي العرب).

يعني: كفرهم تجاوز كفر اليهود والنصارى، وتجاوز كفر الوثنية والعياذ بالله، حتى إنهم الآن يقولون: إن فرعون مصيب حينما قال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24]، نعوذ بالله!

وقالوا: إن الرب هو العبد والعبد هو الرب، ولا فرق، فالوجود واحد، والرب عندهم يتمثل في صورة معبود كما في صورة فرعون، بل يتمثل في صورة هاد كما في صورة الأنبياء وهو واحد، والأحداث يلبسها ويخلعها.

وابن عربي صاحب وحدة الوجود له كتاب سماه كتاب (الهو) يقول: العامة لهم ذكر: لا إله إلا الله، سبحان الله، والحمد لله، والخاصة ذكرهم لفظ الجلالة: الله الله الله الله الله الله، كما يحصل هذا، يقول شخص ذهب إلى أفريقيا: وجدناهم يكررون: الله الله من بعد العصر إلى المغرب، وأما خاصة الخاصة فذكرهم: (هو هو هو هو هو) يوهوهون كالكلاب.

وملاحدة الصوفية يعتذرون عن إبليس وعن فرعون، ويقولون: فرعون مصيب لما قال: أنا ربكم الأعلى، وإذا قلنا: لماذا أغرق؟

يقولون: كل من عبد شيئاً دون الله فهو مصيب، فالذي يعبد الأصنام مصيب، والذي يعبد النار مصيب، والذي يعبد البشر مصيب، والذي يمنع الناس من عبادة شيء فهو كافر، وفرعون أغرق ليزول عنه التوهم أنه هو الرب، فأغرق حتى يزول عنه الوهم والحسبان تطهيراً له، فهو لما أغرق تطهر وزال عنه التوهم والحسبان؛ لأنه خص نفسه وقال: أنا الرب، ومنع الناس من أن يكونوا أرباباً، فلذلك أغرق، هكذا في كتاب ابن عربي أعوذ بالله.

وقال: إن عباد العجل من بني إسرائيل على حق، ومعلوم أن موسى عليه الصلاة والسلام لما جاء ووجد بني إسرائيل يعبدون العجل، وعندهم أخوه هارون وكان نبياً مثله جره برأسه ولحيته، وغضب عليه الصلاة والسلام، وألقى الألواح فتكسرت، فعندما جره قال: كيف تركتهم يعبدون الأصنام؟ كما أخبر الله بذلك.

فهؤلاء الملاحدة يؤولون الآيات ويحرفونها ويقولون: إن موسى حينما جر هارون بلحيته ينكر عليه، قال له هارون: لماذا تنكر عليهم عبادة العجل؟ اتركهم يعبدون العجل فهم مصيبون، هكذا -والعياذ بالله- وصل الإلحاد والكفر والضلال بهم إلى هذا الحد، فهذا كفر لم يصل إليه إلا هؤلاء الملاحدة، فهم أعظم الناس كفراً، نسأل الله السلامة والعافية، ونسأله سبحانه أن يهدينا وأن يثبت قلوبنا، ونسأله سبحانه وتعالى ألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يثبت قلوبنا على طاعته.

يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، نسأل الله الثبات على دينه، والاستقامة عليه حتى الممات، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فصل.

فهذان القولان: قول الخوارج الذين يكفرون بمطلق الذنوب ويخلدون في النار، وقول من يخلدهم في النار ويجزم بأن الله لا يغفر لهم إلا بالتوبة، ويقول: ليس معهم من الإيمان شيء، لم يذهب إليهما أحد من أئمة الدين أهل الفقه والحديث، بل هما من الأقوال المشهورة عن أهل البدع ].

هذان القولان: القول الأول: قول الخوارج، والقول الثاني: قول المعتزلة، لم يذهب إليهما أحد من أئمة الدين، بل هما قولان مبتدعان:

القول الأول: قول الخوارج الذين يكفرون بمطلق الذنوب ويخلدون في النار، فهذا قول باطل ما قاله أحد من أهل السنة والجماعة، إنما هو لأهل البدع، يقولون: يكفر المسلم بمطلق الذنب، بعضهم يقول: بأي ذنب، وبعضهم يقول: بالذنب الكبير فقط، ويخلد في النار، فالشخص إذا فعل الكبيرة كفر وخلد في النار عندهم، وهذا قول باطل أنكره أهل السنة والجماعة، وضللوا الخوارج بهذا وبدعوهم.

القول الثاني: قول المعتزلة، وأشار إليه المؤلف بقوله: (وقول من يخلدهم في النار، ويجزم بأن الله لا يغفر لهم إلا بالتوبة، ويقول: ليس معهم من الإيمان شيء)، فهذا هو قول المعتزلة، وهم يوافقون الخوارج بالتخليد في النار، ويجزمون بأن الله لا يغفر لهم إلا بالتوبة، ويقولون: إنه ينتهي إيمان المؤمن بالكبيرة، لكن لا يصل إلى حد الكفر، فالخلاف بين الخوارج والمعتزلة في الحكم على صاحب الكبيرة في الدنيا، أما في الآخرة فقد اتفقوا على أن صاحب الكبيرة يخلد في النار.

إذاً: اختلفوا في الدنيا، فقالت الخوارج: صاحب الكبيرة يخرج من الإيمان ويدخل في الكفر، وقالت المعتزلة: يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر، بل يبقى في منزلة بين المنزلتين -بين الإيمان والكفر- وإنما يسمى فاسقاً ليس بمؤمن ولا كافر.

فإن قيل: هل لهذا الخلاف بين الطائفتين ثمرة؟

فالجواب: في الآخرة لا توجد ثمرة، أما في الدنيا فله ثمرة، فالخوارج يقولون: خرج من الإيمان ودخل في الكفر، فيستحلون دمه وماله، ويعاملونه معاملة الكفار، أما المعتزلة فيقولون: خرج من الإيمان لكن ليس بكافر، فلا يقتلونه ولا يستحلون دمه وماله؛ لأنه خرج من الإيمان، لكن ما دخل في الكفر الذي يوجب قتله وأخذ ماله.

فهذان القولان يقول عنهما المؤلف: (لم يذهب إليهما أحد من أئمة الدين أهل الفقه والحديث، بل هما من الأقوال المشهورة عن أهل البدع).


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [7] 2363 استماع
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [16] 2149 استماع
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [10] 2090 استماع
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [4] 1833 استماع
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [2] 1703 استماع
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [5] 1640 استماع
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [9] 1578 استماع
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [14] 1516 استماع
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [6] 1448 استماع
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [15] 1448 استماع