شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [10]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وحينئذ فهؤلاء الذين أثبت لهم القرآن والسنة الإسلام دون الإيمان، هل هم المنافقون الكفار في الباطن؟ أم يدخل فيهم قوم فيهم بعض الإيمان؟ هذا مما تنازع فيه أهل العلم على اختلاف أصنافهم، فقالت طائفة من أهل الحديث والكلام وغيرهم: بل هم المنافقون الذين استسلموا وانقادوا في الظاهر، ولم يدخل إلى قلوبهم شيء من الإيمان ] .

هذا القول الأول، وهو قول الإمام البخاري وبعض أهل الكلام من الخوارج والمعتزلة، قالوا: هؤلاء الذين نفي عنهم الإيمان وأثبت لهم الإسلام في قوله تعالى: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14] ، هم منافقون، وهذا إسلام المنافقين .

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأصحاب هذا القول قد يقولون: الإسلام المقبول هو الإيمان؛ ولكن هؤلاء أسلموا ظاهراً لا باطناً فلم يكونوا مسلمين في الباطن، ولم يكونوا مؤمنين، وقالوا: إن الله سبحانه يقول: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85] ].

هذا دليلهم، وهو قوله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85]، قالوا: المراد بالإسلام الإيمان، والإيمان هو الإسلام فهما مترادفان عند هذه الطائفة ولا فرق بينهما، فمن ابتغى غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه، والإسلام هو الإيمان، ومادام نفي عنهم الإيمان، فلا يقبل منهم، ودل على أنهم منافقون.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ بيانه: كل مسلم مؤمن فما ليس من الإسلام فليس مقبولاً، يوجب أن يكون الإيمان منه، وهؤلاء يقولون: كل مؤمن مسلم وكل مسلم مؤمن إذا كان مسلماً في الباطن، وأما الكافر المنافق في الباطن، فإنه خارج عن المؤمنين المستحقين للثواب باتفاق المسلمين ] .

عندهم أن كل مسلم مؤمن وكل مؤمن مسلم، أما الكافر منافق الباطن فلا شك أنه ليس من المؤمنين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولا يسمون بمؤمنين عند أحد من سلف الأمة وأئمتها، ولا عند أحد من طوائف المسلمين، إلا عند طائفة من المرجئة وهم الكرامية الذين قالوا: إن الإيمان هو مجرد التصديق في الظاهر، فإذا فعل ذلك كان مؤمناً، وإن كان مكذباً في الباطن، وسلموا أنه معذب مخلد في الآخرة، فنازعوا في اسمه لا في حكمه ].

الكرامية جمعوا بين المتناقضين في مسمى الإيمان، وفي اسم المؤمن وحكمه، قالوا: إذا نطق الإنسان بالشهادتين نسميه مؤمناً كامل الإيمان، وإن كان مكذباً في الباطن فهو مخلد في النار، فجمعوا بين المتناقضين، ولهذا كان من أفسد تعاريف الإيمان قول الكرامية، يليه في الفساد قول الجهمية الذين يقولون: الإيمان معرفة الرب بالقلب، والكرامية يقولون: الإيمان النطق اللسان ولو كان مكذباً في الباطن، فإذا نطق باللسان فهو مؤمن كامل الإيمان، ثم بعد ذلك ننظر إلى قلبه، إن كان مصدقاً فإنه يدخل الجنة، وإن كان مكذباً فهو مخلد في النار، وهذا من أفسد ما قيل.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ومن الناس من يحكي عنهم أنهم جعلوهم من أهل الجنة، وهو غلط عليهم ] .

هذا ليس بصحيح، فالذين يجعلونهم من أهل الجنة هم المرجئة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ومع هذا فتسميتهم له مؤمناً بدعة ابتدعوها مخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، وهذه البدعة الشنعاء هي التي انفرد بها الكرامية دون سائر مقالاتهم أي: تسمية المكذب بالباطن مؤمناً بدعة ابتدعوها مخالفة للكتاب والسنة، حيث سموا من نطق بالشهادتين مؤمناً ولو كان مكذباً في الباطن.

قول الجمهور فيمن أثبت الإسلام دون الإيمان

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال الجمهور من السلف والخلف: بل هؤلاء الذين وصفوا بالإسلام دون الإيمان، قد لا يكونون كفاراً في الباطن، بل معهم بعض الإسلام المقبول ] .

هذا هو القول الثاني: أن المسلم غير المؤمن، فالمسلم هو الذي دخل في الإسلام ولكنه مقصر في بعض الواجبات، أو فاعل لبعض المحرمات، والمؤمن هو الذي أدى الواجبات وترك المحرمات، فالآيات التي أثبتت الإسلام ونفت الإيمان محمولة على ضعيف الإيمان، وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية وجمهور من السلف والخلف.

مثل قوله تعالى: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، والأعراب ليسوا كلهم منافقين، ولكنهم ضعيفو الإيمان، دخلوا في الإسلام وعندهم ضعف.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وهؤلاء يقولون: الإسلام أوسع من الإيمان فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً].

الإسلام أوسع دائرة من الإيمان؛ لأن الإسلام يطلق على العاصي وعلى المطيع، أما الإيمان فلا يطلق إلا على المطيع، فالعاصي لا يسمى مؤمناً بإطلاق، وكل المسلمين يدخلون في الإسلام، العصاة والمطيعين؛ لكن الإيمان لا يدخل فيه إلا المطيع، ودائرته أضيق.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويقولون في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) إنه يخرج من الإيمان إلى الإسلام ] .

هذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي وابن حبان والبغوي وابن أبي شيبة وغيرهم.

وفي هذا الحديث نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الزاني والسارق والشارب، وفي لفظ: عن الناهب قال: (ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن).

وهذه فسرها الجمهور فقالوا: إن الزاني والسارق خرجوا من الإيمان عند الإطلاق إلى الإسلام، فيسمى الزاني مسلماً ولا يسمى مؤمناً؛ لأنه فعل كبيرة، وإلا فمعه أصل الإيمان، وليس بكافر، فالإسلام لابد له من إيمان، فيؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر لكن لما فعل الكبيرة لم يسم مؤمناً حتى يتوب فيسمى مسلماً.

وكذلك السارق وشارب الخمر عند جمهور أهل السنة، فلا نقول عن الزاني إنه مؤمن ولا نقول ليس بمؤمن، بل نقول: إنه مؤمن ضعيف الإيمان، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وفي النفي لا نقول: إن الزاني ليس بمؤمن لأن هذا معناه أنه كافر، ولكن نقول: ليس بصادق الإيمان، وليس بمؤمن حقاً، وهذا مذهب جماهير أهل السنة وعلى رأسهم، شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ودوروا للإسلام دارة، ودوروا للإيمان دارة أصغر منها في جوفها، وقالوا: إذا زنى خرج من الإيمان إلى الإسلام ولا يخرجه من الإسلام إلى الكفر. ] .

جعلوا دائرتين دائرة كبيرة وفي وسطها دائرة صغيرة وقالوا: إذا أدى المؤمن الواجبات وترك المحرمات فهو في الدائرة الصغيرة، فإذا زنا خرج من الدائرة الصغيرة إلى الدائرة التي هي أكبر منها، فإذا خرج من الدائرة التي أكبر منها خرج إلى الكفر، فيكون للإسلام دائرة، في وسطها دائرة صغيرة، ومن وراء الإسلام دائرة كبرى، فالمؤمن إذا أدى الواجبات وترك المحرمات صار في الدائرة الصغيرة، وإذا زنى أو فسق أو سرق خرج من الدائرة الصغيرة إلى دائرة الإسلام، وإذا فعل مكفراً خرج من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر، نسأل الله السلامة والعافية.

ودائرة الإحسان تكون دائرة أصغر من دائرة الإسلام، فدائرة الإحسان صغيرة ثم أكبر منها دائرة الإيمان، ثم دائرة الإسلام، ثم بعد ذلك دائرة الكفر.

والإحسان: أن يعبد الله على المشاهدة، ويراقب ربه، والمؤمن هو الذي فعل الطاعات وترك المحرمات، لكن ما وصل إلي درجة المراقبة والمشاهدة التي هي درجة الإحسان.

أدلة الجمهور على إثبات الإسلام لضعيف الإيمان

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ودليل ذلك أن الله تبارك وتعالى قال: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:14-17] ] .

هذه الآيات استدل بها أهل القول الثاني من جمهور السلف والخلف على أن ضعيف الإيمان يثبت له الإسلام وينفى عنه الإيمان، والدلالة أنه نفى عنه الإيمان وأثبت له الإسلام قوله تعالى: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، وهؤلاء الأعراب دخلوا في الإسلام من جديد وعندهم ضعف ونقص.

والبخاري وجماعة يقولون: هؤلاء منافقون، والإسلام الذي أثبت لهم هو إسلام المنافقين؛ لأن الإيمان والإسلام شيء واحد.

وهناك مرجحات للقول بأنهم ضعفاء الإيمان وليسوا منافقين، منها قوله تعالى: وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14] أي: لما يدخل الإيمان الكامل فيكم ويتوقع دخوله.

منها أنه أثبت لهم طاعة حيث قال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الحجرات:14]، ولو كانوا منافقين فليس لهم طاعة.

ومنها أنه أثبت لهم ثواباً.

ومنها أنه بين المؤمنين الخلص الكاملين بقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الحجرات:15]، ثم قال: قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ [الحجرات:16]، فأثبت لهم الدين، ثم قال: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا [الحجرات:17]، فأثبت لهم الإسلام، ولو كانوا منافقين ما أثبت لهم الإسلام.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال الجمهور من السلف والخلف: بل هؤلاء الذين وصفوا بالإسلام دون الإيمان، قد لا يكونون كفاراً في الباطن، بل معهم بعض الإسلام المقبول ] .

هذا هو القول الثاني: أن المسلم غير المؤمن، فالمسلم هو الذي دخل في الإسلام ولكنه مقصر في بعض الواجبات، أو فاعل لبعض المحرمات، والمؤمن هو الذي أدى الواجبات وترك المحرمات، فالآيات التي أثبتت الإسلام ونفت الإيمان محمولة على ضعيف الإيمان، وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية وجمهور من السلف والخلف.

مثل قوله تعالى: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، والأعراب ليسوا كلهم منافقين، ولكنهم ضعيفو الإيمان، دخلوا في الإسلام وعندهم ضعف.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وهؤلاء يقولون: الإسلام أوسع من الإيمان فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً].

الإسلام أوسع دائرة من الإيمان؛ لأن الإسلام يطلق على العاصي وعلى المطيع، أما الإيمان فلا يطلق إلا على المطيع، فالعاصي لا يسمى مؤمناً بإطلاق، وكل المسلمين يدخلون في الإسلام، العصاة والمطيعين؛ لكن الإيمان لا يدخل فيه إلا المطيع، ودائرته أضيق.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويقولون في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) إنه يخرج من الإيمان إلى الإسلام ] .

هذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي وابن حبان والبغوي وابن أبي شيبة وغيرهم.

وفي هذا الحديث نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الزاني والسارق والشارب، وفي لفظ: عن الناهب قال: (ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن).

وهذه فسرها الجمهور فقالوا: إن الزاني والسارق خرجوا من الإيمان عند الإطلاق إلى الإسلام، فيسمى الزاني مسلماً ولا يسمى مؤمناً؛ لأنه فعل كبيرة، وإلا فمعه أصل الإيمان، وليس بكافر، فالإسلام لابد له من إيمان، فيؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر لكن لما فعل الكبيرة لم يسم مؤمناً حتى يتوب فيسمى مسلماً.

وكذلك السارق وشارب الخمر عند جمهور أهل السنة، فلا نقول عن الزاني إنه مؤمن ولا نقول ليس بمؤمن، بل نقول: إنه مؤمن ضعيف الإيمان، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وفي النفي لا نقول: إن الزاني ليس بمؤمن لأن هذا معناه أنه كافر، ولكن نقول: ليس بصادق الإيمان، وليس بمؤمن حقاً، وهذا مذهب جماهير أهل السنة وعلى رأسهم، شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ودوروا للإسلام دارة، ودوروا للإيمان دارة أصغر منها في جوفها، وقالوا: إذا زنى خرج من الإيمان إلى الإسلام ولا يخرجه من الإسلام إلى الكفر. ] .

جعلوا دائرتين دائرة كبيرة وفي وسطها دائرة صغيرة وقالوا: إذا أدى المؤمن الواجبات وترك المحرمات فهو في الدائرة الصغيرة، فإذا زنا خرج من الدائرة الصغيرة إلى الدائرة التي هي أكبر منها، فإذا خرج من الدائرة التي أكبر منها خرج إلى الكفر، فيكون للإسلام دائرة، في وسطها دائرة صغيرة، ومن وراء الإسلام دائرة كبرى، فالمؤمن إذا أدى الواجبات وترك المحرمات صار في الدائرة الصغيرة، وإذا زنى أو فسق أو سرق خرج من الدائرة الصغيرة إلى دائرة الإسلام، وإذا فعل مكفراً خرج من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر، نسأل الله السلامة والعافية.

ودائرة الإحسان تكون دائرة أصغر من دائرة الإسلام، فدائرة الإحسان صغيرة ثم أكبر منها دائرة الإيمان، ثم دائرة الإسلام، ثم بعد ذلك دائرة الكفر.

والإحسان: أن يعبد الله على المشاهدة، ويراقب ربه، والمؤمن هو الذي فعل الطاعات وترك المحرمات، لكن ما وصل إلي درجة المراقبة والمشاهدة التي هي درجة الإحسان.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ودليل ذلك أن الله تبارك وتعالى قال: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:14-17] ] .

هذه الآيات استدل بها أهل القول الثاني من جمهور السلف والخلف على أن ضعيف الإيمان يثبت له الإسلام وينفى عنه الإيمان، والدلالة أنه نفى عنه الإيمان وأثبت له الإسلام قوله تعالى: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14]، وهؤلاء الأعراب دخلوا في الإسلام من جديد وعندهم ضعف ونقص.

والبخاري وجماعة يقولون: هؤلاء منافقون، والإسلام الذي أثبت لهم هو إسلام المنافقين؛ لأن الإيمان والإسلام شيء واحد.

وهناك مرجحات للقول بأنهم ضعفاء الإيمان وليسوا منافقين، منها قوله تعالى: وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14] أي: لما يدخل الإيمان الكامل فيكم ويتوقع دخوله.

منها أنه أثبت لهم طاعة حيث قال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الحجرات:14]، ولو كانوا منافقين فليس لهم طاعة.

ومنها أنه أثبت لهم ثواباً.

ومنها أنه بين المؤمنين الخلص الكاملين بقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الحجرات:15]، ثم قال: قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ [الحجرات:16]، فأثبت لهم الدين، ثم قال: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا [الحجرات:17]، فأثبت لهم الإسلام، ولو كانوا منافقين ما أثبت لهم الإسلام.