خطب ومحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [5]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
[ وقال تعالى في سورة النساء: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:60-61]إلى قوله: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].
وقال تعالى: فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا * وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [النساء:88-90] الآيات.
وقال تعالى: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء:138-139] إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا * الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ [النساء:140-141] إلى قوله: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:142-143]إلى قوله: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:145-146] ].
إن من الأصول المتفق عليها المعلومة من الدين بالضرورة أن الناس كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أصناف: مؤمنين باطناً وظاهراً، وكفاراً باطناً وظاهرًا، ومسلمين في الظاهر كفاراً في الباطن وهم المنافقون.
ولقد سرد المؤلف رحمه الله الآيات التي فيها بيان صفات المنافقين، وهذا الصنف من الناس كثيرون موجودون في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وما بعده من الأزمان إلى يوم القيامة، فإذا قوي المسلمون صار هناك منافقون يخفون كفرهم ونفاقهم؛ لئلا تقام عليهم الحدود؛ لأنهم لو أظهروا كفرهم قتلوا، فهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، لكن في وقت ضعف المسلمين يعلنون كفرهم ولا يبالون، فوجود المنافقين يدل على قوة المسلمين في المجتمع، ولهذا لم يكن في مكة في أول دعوة النبي صلى الله عليه وسلم منافقون، لم يكن فيها إلا مؤمن أو كافر ظاهراً وباطناً، بل إن بعض المؤمنين يخفون إسلامهم بسبب إيذاء الكفار لهم.
فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكثر الداخلون في الإسلام، ووقعت غزوة بدر، وانتصر فيها المسلمون انتصاراً عظيماً، وأعز الله جنده ورسوله والمؤمنين؛ أظهر بعض الناس الإسلام وأبطنوا الكفر، ممن في قلوبهم مرض من اليهود والمشركين.
ثم بين المؤلف رحمه الله أن الآيات التي فيها بيان صفة المنافقين كثيرة في القرآن العظيم، قل أن تجد سورة مدنية إلا وفيها شيء من صفاتهم.
تحاكم المنافقين إلى الطاغوت
فقوله: ألم تر يفهم منه التعجب.
وقوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أي: يدَّعون.
أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ لا يمكن أن يجمعوا بين أمرين متناقضين: الإيمان بالله وبرسوله وبما أنزل إليه من قبل، والتحاكم إلى الطاغوت؛ لأن التحاكم إلى الطاغوت ينافي الإيمان بما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما أنزل من قبله، ومع ذلك يتحاكمون إلى الطاغوت، وهو ما خالف كتاب الله وسنة رسوله، فالتحاكم إلى الطاغوت ينقض الإيمان بالله ورسوله، والإيمان بالله ورسوله ينافي التحاكم إلى الطاغوت، فإذا جمعوا بينهما دل على كفرهم ونفاقهم.
ثم قال سبحانه: وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا بين الله سبحانه وتعالى أن التحاكم إلى الطاغوت من إرادة الشيطان، وأنه ضلال بعيد عن الحق.
ثم ذكر من أوصاف المنافقين فقال سبحانه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:61] أي: إذا دعوا إلى التحاكم إلى الله وإلى ما أنزل الله لووا رءوسهم وأعناقهم وأعرضوا؛ بسبب كفرهم ونفاقهم.
فإذاً: التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله واجب، ومن تحاكم إلى الطاغوت الذي هو ما خالف كتاب الله وسنة رسوله، فإنه ينافي الإيمان بالله وبرسوله، وهذا من أوصاف المنافقين.
عدم رضا المنافقين بحكم الله ورسوله
وفي سورة العنكبوت: وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ [العنكبوت:10] أي: إذا جاء نصر وفتح وغنيمة قالوا: نحن معكم، وإن حصل هزيمة انضموا إلى الصنف الثاني، يريدون أن يتخذوا مع هؤلاء يداً ومع هؤلاء يداً؛ لكفرهم ونفاقهم، ولهذا يقول عز وجل: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا [النساء:62] أي: نريد التوفيق بين الشريعة والسياسة.
ثم قال سبحانه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] هذه الآية عظيمة، فيها بيان أن من لم يتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه ليس بمؤمن؛ ولذلك أقسم الرب سبحانه بنفسه الكريمة: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ [النساء:65] نفى عنهم الإيمان حتى توجد الغاية، وهي: حَتَّى يُحَكِّمُوكَ [النساء:65] الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65] أي: حتى يحكموا الرسول في موارد النزاع وفيما حصل بينهم من اختلاف وشجار، هذا الأمر الأول.
ثم قال سبحانه: ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ [النساء:65] أي: لا يكفي التحاكم، مع وجود الحرج من حكم الله وحكم رسوله، بل لابد أن يوجد الرضا مع التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله.
قال سبحانه: وَيُسَلِّمُوا أي: لا بد من التسليم وهو الاطمئنان، ولا يكفي هذا حتى يكون الاطمئنان كاملاً وتاماً، ولهذا أكد بالمصدر فقال: وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].
إذاً: أقسم الرب سبحانه بنفسه الكريم أنه لا يحصل لهم الإيمان إلا بهذه الأمور الأربعة:
الأول: تحكيم الرسول عليه الصلاة والسلام في النزاع والخصومة.
الثاني: الرضا بهذا الحكم.
الثالث: الطمأنينة.
الرابع: الطمأنينة التامة.
وهذا يدل على أهمية التحاكم إلى الكتاب والسنة.
إنكار الله على المؤمنين بسبب اختلافهم في المنافقين
وسبب نزول هذه الآية: أنه لما رجع طائفة من المنافقين في غزوة أحد اختلف الصحابة فيهم، فقالت طائفة: نقتلهم لنفاقهم ، وقالت طائفة: لا نقتلهم، فأنزل الله فيهم هذه الآية: فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ [النساء:88] فئة تقول: نقتلهم، وفئة تقول: لا نقتلهم.
قوله: وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا [النساء:88] أي: ردهم إلى ما كانوا عليه.
قوله: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ [النساء:88]، فيه دليل على أنهم ضالون؛ لكفرهم ونفاقهم.
قوله: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:88] أي: من أضله الله فلا يستطيع أحد أن يهديه؛ لأنه سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة، وما أضلهم سبحانه وتعالى إلا عقوبة لهم، حيث إنه تبين لهم الحق واتضح لهم ثم عدلوا عنه فعوقبوا، كما قال سبحانه في الآية الأخرى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5] فالزيغ الأول هو أنهم مالوا وزاغوا عن الحق بعد وضوحه لهم، وعوقبوا بالزيغ الثاني الذي هو أن الله أزاغ قلوبهم.
وقال سبحانه في الآية الأخرى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:110] فكانت العقوبة تقليب القلوب والأبصار؛ بسبب أنهم لم يؤمنوا به أول مرة بعد وضوح الحق لهم، جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ:26]، وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [آل عمران:117].
وفيه دليل على أن الله هو الهادي وهو المضِل، وهو سبحانه يقذف الهداية إلى القلب فضلاً منه وإحساناً، وهو المضل لمن شاء حكمة منه وعدلاً، وهذا فيه الرد على المعتزلة الذين يقولون: إن الإنسان هو الذي يهدي نفسه ويضل نفسه، والله لا يهدي أحداً ولا يضل أحداً، ويجيبون على الآية بقولهم: إن تسمية الله نفسه بأنه الهادي والمضل هو من باب التسمية فقط، وإلا فالعبد هو الذي يهدي نفسه ويضل نفسه، وهذا باطل، قال تعالى: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:178] وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:88].
تمني المنافقين وقوع المسلمين في الكفر الذي وقعوا فيه
فإذاً: الكفار بجميع أصنافهم وطبقاتهم لا يودون الخير للمسلمين، فلا ينبغي للمسلم أن يركن إليهم.
وقال سبحانه في الآية الأخرى: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:105] أي: أن المشركين لو يستطيعون أن يقطعوا المدد من السماء على المسلمين لقطعوه، لكن لا يستطيعون.
قوله: فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ [النساء:89] أي: كيف توالون الكفرة من اليهود النصارى والوثنيين، وهم هذه حالهم؟! وفي الآية الأخرى: وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ [آل عمران:118] أي: يودون كل شيء يشق عليكم ويعنتكم ويؤذيكم، ويسعون في إيصاله إليكم، أَبعد هذا يركن المسلم إلى الكفرة ويتخذهم أولياء من دون المؤمنين؟!
هذا كلام ربنا، ومن أصدق من الله قيلاً، ومن أحسن من الله حديثاً، فهذه نصيحة الله لعباده المؤمنين، فقد نصحنا سبحانه وتعالى وحذرنا من الأعداء فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ [آل عمران:118] أي: لا تتخذوا بطانة ودخلاء من الكفرة، تفاوضونهم وتسرون إليهم أموركم وتفوضون إليهم الأمور، وهم لا يقصرون في إيصال الأذى والشر إليكم بكل طريق.
ثم قال عز وجل: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ [آل عمران:118] أي: ظهرت من أفواههم الكلمات التي تدل على البغضاء.
وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118] أي: أعظم مما يبدو على فلتات ألسنتهم من كلمات تدل على البغضاء والعداوة وشدة الحقد.
ثم قال سبحانه: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118] آيات عظيمة لو تدبرها المسلمون حق التدبر وتعقلوها وتفهموها وامتثلوها لصاروا أعزة، لكن المصيبة أنا نقرأ الآيات وقلوبنا غافلة، ومن تدبر فإنه لا يطبق ولا يمتثل.
قال سبحانه: فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:89] أي: لا تتخذوا منهم أصحاباً وأصدقاء ونصحاء حتى يهاجروا في سبيل الله.
قال تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:89] هذا الأمر في سائر الكفار وهذا مع القدرة، وهذه الآية فيها النهي عن أن يتخذ المسلمون منهم أولياء وأنصاراً.
بيان الأصناف الذين نهى الله عن مقاتلتهم
الصنف الثاني: قال الله سبحانه فيهم: أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ [النساء:90] يعني: ضاقت صدورهم وأبغضوا قتالكم، وكرهوا مع ذلك أن يقاتلوا قومهم معكم، فهؤلاء لا يقاتلون.
قيل: إن هذه الآية نزلت في قوم من المؤمنين في مكة أسروا إيمانهم، فلما كانت غزوة بدر خرجوا فيها مع المشركين مكرهين، فنزلت هذه الآية، ومنهم العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم حين أسر وفدى نفسه.
قال سبحانه: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النساء:90] أي: إذا اعتزلوكم وسالموكم ولم يقاتلوكم فلا تقاتلوهم.
الصفات التي استحق المنافقون بسببها التبشير بالعذاب الأليم
وقال في المؤمنين: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ [التوبة:21] فالبشارة تكون في الخير وتكون في الشر.
وهؤلاء المنافقون وصفهم الله بقوله: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:139] أي: من صفات المنافقين أنهم يتخذون الكافرين أصحاباً وأصدقاء، يوالونهم ويحبونهم ويركنون إليهم.
وهذه الآيات فيها تحذير للمؤمنين من أن يتصفوا بهذه الصفات، فقد قص الله تعالى علينا صفات المنافقين؛ لنحذرها ولنبتعد عنها ولنتخلق بصفات المؤمنين، قال سبحانه: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء:139].
واجب المؤمن تجاه من يكفر بآيات الله ويستهزئ بها
هذه الآية فيها بيان أنه لا يجوز للإنسان أن يجلس في مجلس يعصى الله فيه، ويكفر فيه بآيات الله ويستهزأ بها، وأن من جلس في مثل هذه المجالس فإن عليه أن ينكر، فإن سكت ولم ينكر فحكمه حكمهم، فإذا جلس في مجلس يكفر فيه بالله ويستهزأ به وبكتابه وسكت ولم ينكر، فإن حكمه حكم الكافرين، والراضي بالكفر كافر، وإذا جلس في مجلس غيبة ولم ينكر عليهم، فحكمه حكم المغتابين في الإثم، وإذا جلس في مجلس يشرب فيه الخمر أو الدخان ولم ينكر فحكمه حكم من شرب الخمر أو شرب الدخان.
إذاً: الواجب على الإنسان أحد أمرين: الإنكار، فإن زال المنكر وإلا قام عن المجلس، أما إذا لم ينكر وسكت فحكمه حكمهم.
تربص المنافقين بالمؤمنين والتمسك بالدنيا
أي: من صفات المنافقين أنهم يتربصون بالمؤمنين الدوائر، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:141] أي: أن المنافقين يجعلون لهم يداً مع المؤمنين، ويداً مع المشركين، فهم إذا حدث للمؤمنين فتح ونصر وغنيمة قالوا: نحن معكم، ويظهرون الإسلام، والموالاة للمؤمنين، ويطلبون أن يكون لهم سهم في الغنيمة، وإن حدث للمسلمين هزيمة صاروا مع الكفار، وهكذا يجعلون مع المؤمنين يداً ويجعلون مع الكفار يداً؛ بكفرهم وضلالهم، وليس عندهم إيمان ثابت.
ثم يقول تعالى: فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141].
خداع المنافقين وتذبذبهم وكسلهم في العبادات
قوله: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142] هذا جزاء الله في مقابلة خداعهم، فالله تعالى يخدع من خدعه، ويكيد من كاده، ويمكر بمن مكر به، وهي صفة كمال في حق الله؛ لأنها جزاء لهم في مقابلة مكرهم، فالمكر والخداع والكيد صفة نقص، لكنها إذا كانت جزاء لهم على أفعالهم صارت صفة مدح وكمال، فالله تعالى موصوف بالكمال ولا يشتق لله أسماء من هذه الصفات، فلا يقال: من أوصافه الماكر ولا الخادع، وإنما يقال: إن الله يمكر بمن مكر به، ويخدع من خدعه، ويكيد من كاده، ولا يقال: من أسمائه الماكر والكائد والخادع، وإنما هذا وصف للفعل، فما جاء مضافاً يبقى مضافاً.
ومن أوصافهم الكسل في العبادات، فالصلاة مع أنها أعظم العبادات البدنية، وأفرض الفرائض, وأوجب الواجبات بعد توحيد الله فهذه حالهم معها، قال الله عز وجل: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142]وهذا فيه تحذير للمؤمن من أن يتصف بالكسل؛ فلابد للمسلم أن يقوم للصلاة وغيرها من العبادات وهو نشيط قوي وعنده رغبة؛ لأنه يعلم ما عند الله من المثوبة، بخلاف المنافق الذي لا يرجو ما عند الله، فلا يليق بمسلم أن يتصف بصفة الكسل عند إرادة الصلاة.
قوله تعالى: يُرَاءُونَ النَّاسَ [النساء:142] هذا وصف آخر من أوصاف المنافق وهو الرياء، أي: مراءاة الناس بالأعمال الصالحة، فإن المؤمن يعمل العمل ويخلص لله فيه ولا يرائي؛ لأن الرياء شرك وهو من صفات المنافقين.
قوله تعالى: وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:142] هذا وصف آخر من أوصاف المنافقين، فقد وصفهم بثلاثة أوصاف عند الصلاة: بالكسل والرياء وعدم ذكر الله إلا قليلاً، وجاء في الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى إذا كادت أن تغرب بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً، لا يذكر الله فيها إلا قليلاً).
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم المنافق في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: (أن المنافق يؤخر صلاة العصر يرقب الشمس حتى إذا كادت أن تغرب قام فنقر أربعاً -أي: ينقرها كنقر الغراب لا يطمئن فيها- ولا يذكر الله فيها إلا قليلاً) فالله تعالى يحذر المسلم من أن يتصف بصفات المنافقين.
ثم وصفهم تعالى بقوله: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ [النساء:143] أي: ليس عندهم ثبات، فهم مذبذبون بين المشركين والمؤمنين، فالمنافقون يأتون هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، وجه مع المؤمنين يظهرون الإسلام، ووجه مع الكفار يظهرون الباطل.
فعلى المسلم أن يثبت على التوحيد والطاعة والإيمان ولا يتذبذب ولا يكون مع الكفرة.
ثم قال الله تعالى: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:143]وكما جاء في صحيح مسلم : (إن المنافق كالشاة العائر، تعير إلى هؤلاء وإلى هؤلاء).
المنافقون في الدرك الأسفل من النار
قوله: فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145] أي: أن النار والعياذ بالله دركات سفلى، كل دركة أشد عذاباً من الدركة التي أعلى منها، والجنة درجات، كل درجة أعظم نعيم من الدرجة التي تحتها، والمنافقون أين مكانهم؟ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145] آخر درك، فهم تحت دركة اليهود والنصارى والمشركين.
فالمشركون فوق اليهود والنصارى، واليهود والنصارى فوق المنافقين، وإن كانوا جميعاً معذبين وخالدين في النار، فقد جاء في الحديث (إن أهون الناس عذاباً رجل في أخمصيه -يعني: في أسفل رجليه- جمرتان يغلي منهما دماغه) وفي اللفظ الآخر: (إن أهون أهل النار عذاباً لرجل في رجليه شراكان من نار يغلي منهما دماغه).
وفي اللفظ الآخر: (لرجل في رجليه نعلان يغلي منهما دماغه، وإنه ليظن أنه أشد أهل النار عذاباً) أي: من شدة ما يجد من الألم وهو أهونهم، فكيف عذاب اليهود والنصارى؟ وكيف عذاب المنافقين في الدرك الأسفل من النار والعياذ بالله؟!
فالمنافقون استحقوا أن يكونوا في الدرك الأسفل من النار؛ بسبب أنهم زادوا على اليهود والنصارى والوثنيين بالخداع والتلبيس على المسلمين، فهم يدبرون المكائد للقضاء على الإسلام والمسلمين؛ لأنهم يعيشون بينهم ويظهرون الإسلام، فلهذا صاروا في دركة سفلى، فزاد عذابهم على الكفرة من اليهود والنصارى.
إن الله سبحانه وتعالى فتح باب التوبة للمنافقين وغيرهم، فقال سبحانه: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:160] أي: من تاب قبل الموت تاب الله عليه، سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو وثنياً أو شيوعياً، والتوبة من المعاصي من باب أولى، فإذا تاب من الزنا أو من السرقة أو شرب الخمر أو عقوق الوالدين، أو قطيعة الرحم توبة نصوحاً تاب الله عليه.
فالتوبة النصوح هي الإقلاع عن المعاصي والكفر والضلال، وكذلك الندم على ما مضى، والعزم عزماً جازماً على ألا يعود إلى الذنوب مرة أخرى، وإذا كانت المعصية بينه وبين الناس رد الحقوق إلى أهلها، إن كان مالاً رد المال لهم، وإن كان قصاصاً سلم نفسه، وإن كان عرضاً استحله منهم، قال الله تعالى في كتابه العظيم: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82].
وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] هذه الآية أجمع العلماء على أنها نزلت في التائبين؛ لأن الله عمم وأطلق فقال: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53] بخلاف الآية الأخرى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] فهذه في غير التائبين؛ لأن الله خصص وعلق، خص الشرك بأنه لا يغفر وعلق ما دونه، وهنا سبحانه وتعالى فتح باب التوبة للمنافقين فقال: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:146] يعني: إلا الذين تابوا من نفاقهم وكفرهم، وأصلحوا أحوالهم وأعمالهم، وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ [النساء:146] أي: لجئوا إليه سبحانه وكانوا مخلصين في توبتهم، فحكمهم حكم المؤمنين، والمؤمنون جزاؤهم كما قال سبحانه: وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:146].
لقد عرض الله التوبة على المثلثة من النصارى، قال سبحانه: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:73-74]، فباب التوبة مفتوح لمن تاب قبل الموت أو قبل طلوع الشمس من مغربها.
قال تعالى في سورة النساء: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:60] في هذه الآية وصف الله المنافقين بأنهم يتحاكمون إلى الطاغوت، والطاغوت: هو كل ما خالف كتاب الله وسنة رسوله.
فقوله: ألم تر يفهم منه التعجب.
وقوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أي: يدَّعون.
أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ لا يمكن أن يجمعوا بين أمرين متناقضين: الإيمان بالله وبرسوله وبما أنزل إليه من قبل، والتحاكم إلى الطاغوت؛ لأن التحاكم إلى الطاغوت ينافي الإيمان بما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما أنزل من قبله، ومع ذلك يتحاكمون إلى الطاغوت، وهو ما خالف كتاب الله وسنة رسوله، فالتحاكم إلى الطاغوت ينقض الإيمان بالله ورسوله، والإيمان بالله ورسوله ينافي التحاكم إلى الطاغوت، فإذا جمعوا بينهما دل على كفرهم ونفاقهم.
ثم قال سبحانه: وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا بين الله سبحانه وتعالى أن التحاكم إلى الطاغوت من إرادة الشيطان، وأنه ضلال بعيد عن الحق.
ثم ذكر من أوصاف المنافقين فقال سبحانه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:61] أي: إذا دعوا إلى التحاكم إلى الله وإلى ما أنزل الله لووا رءوسهم وأعناقهم وأعرضوا؛ بسبب كفرهم ونفاقهم.
فإذاً: التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله واجب، ومن تحاكم إلى الطاغوت الذي هو ما خالف كتاب الله وسنة رسوله، فإنه ينافي الإيمان بالله وبرسوله، وهذا من أوصاف المنافقين.