خطب ومحاضرات
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [16]
الحلقة مفرغة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقد احتجت الخوارج والمعتزلة بقول الله تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]، قالوا: فصاحب الكبيرة ليس من المتقين فلا يتقبل الله منه عملاً، فلا تكون له حسنة، وأعظم الحسنات الإيمان فلا يكون معه إيمان، فيستحق الخلود في النار.
وقد أجابتهم المرجئة: بأن المراد بالمتقين من يتقي الكفر، فقالوا: اسم المتقين في القرآن يتناول المستحقين للثواب، كقوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55]، وأيضاً فابنا آدم حين قربا قرباناً لم يكن المقرب المردود قربانه حينئذ كافراً، وإنما كفر بعد ذلك إذ لو كان كافراً لم يتقرب.
وأيضاً: فما زال السلف يخافون من هذه الآية، ولو أريد بها من يتقي الكفر لم يخافوا.
وأيضاً: فإطلاق لفظ المتقين والمراد به من ليس بكافر، لا أصل له في خطاب الشارع فلا يجوز حمله عليه.
والجواب الصحيح: أن المراد من اتقى الله في ذلك العمل، كما قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود:7] قال: أخلصه وأصوبه، قيل: يا أبا علي ! ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً.
والخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة، فمن عمل لغير الله كأهل الرياء لم يقبل منه ذلك، كما في الحديث الصحيح، يقول الله عز وجل: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري فأنا بريء منه، وهو كله للذي أشركه).
وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديث الصحيح: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول).
وقال: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار).
وقال في الحديث الصحيح: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: فهو مردود غير مقبول، فمن اتقى الكفر وعمل عملاً ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل منه، وإذا صلى بغير وضوء لم يقبل منه؛ لأنه ليس متقياً في ذلك العمل، وإن كان متقياً للشرك.
وقد قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60]، وفي حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: (يا رسول الله! أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف أن يعذب؟ فقال: لا يا
وخوف من خاف من السلف أن لا يتقبل منه لخوفه أن لا يكون أتى بالعمل على وجهه المأمور، وهذا أظهر الوجوه في استثناء من استثنى منهم في الإيمان وفي أعمال الإيمان، كقول أحدهم: أنا مؤمن إن شاء الله، وصليت إن شاء الله، لخوف ألا يكون أتى بالواجب على الوجه المأمور به لا على جهة الشك فيما لقلبه من التصديق.
ولا يجوز أن يراد بالآية: أن الله لا يقبل العمل إلا ممن اتقى الذنوب كلها؛ لأن الكافر والفاسق حين يريد أن يتوب ليس متقياً، فإن كان قبول العمل مشروطاً بكون الفاعل حين فعله لا ذنب له امتنع قبول التوبة، بخلاف ما إذا اشترط التقوى في العمل فإن التائب حين يتوب يأتي بالتوبة الواجبة، وهو حين شروعه في التوبة منتقل من الشر إلى الخير لم يخلص من الذنب، بل هو متق في حال تخلصه منه ].
اتحاد استدلال الخوارج والمعتزلة بقوله تعالى: (إنما يتقبل من المتقين)
فالخوارج مذهبهم: أن مرتكب الكبيرة يحبط إيمانه كله ويخرج من دائرة الإيمان، ويستدلون على هذا المذهب الباطل بأدلة من القرآن من غير تأويل.
والمرجئة يقولون: الإيمان لا يضر معه أي معصية وأي كبيرة.
واحتجوا على ذلك من القرآن، فالمؤلف رحمه الله يبين بطلان وجه احتجاجهم من النصوص، ويبين الجواب الصحيح.
فالخوارج احتجوا بقوله تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]، وقالوا: صاحب الكبيرة ليس من المتقين فلا يتقبل الله منه عملاً، فلا يكون له حسنة، وأعظم الحسنات الإيمان، فلا يكون معه إيمان، فيستحق الخلود في النار.
أجابتهم المرجئة وقالوا: المراد بالمتقين من يتقي الكفر، وقالوا: اسم المتقين في القرآن يتناول المستحقين للثواب، فالذي يتقي الكفر يقبل منه أي عمل، والذي يفعل الكبيرة واتقى الكفر ما وصل إلى الكفر فلا يحبط عمله، ولا يضره فعل الكبيرة.
واحتجت المرجئة على أن اسم المتقين في القرآن يتناول المستحقين للثواب، بمثل قوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55].
وقالوا: ابنا آدم قابيل وهابيل حينما قتل أحدهما أخاه؛ لأنهما قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، فقتل أحدهما الآخر.
وهما حين قربا قرباناً لم يكن المقرب المردود قربانه حينئذ كافراً، وإنما كفر بعد القتل، وقبل ذلك ما كان كافراً إذ لو كان كافراً لم يتقرب.
وأيضاً قالوا لهم: ما زال السلف يخافون من هذه الآية: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]، ولو أريد بها من يتقى الكفر لم يخافوا؛ لأنهم اتقوا الكفر، فدل على أنهم خافوا ما دون الكفر.
وأيضاً: فإطلاق لفظ المتقين والمراد به من ليس بكافر لا أصل له في خطاب الشارع، فلا يجوز الحمل عليه.
الرد على استدلال الخوارج والمعتزلة
أن المراد بقوله: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]، من اتقى الله في ذلك العمل الذي يعمله، فإذا كان متقياً في ذلك العمل تقبل الله منه، وإن كان غير متق لله لا يتقبله منه، ويتقبل الله العمل إذا كان خالصاً لله وصواباً على شرع الله، فإذا كان العمل خالصاً لله وصواباً لله صار من المتقين في ذلك الأمر، وإن لم يكن خالصاً ولا صواباً لم يكن من المتقين، فإذا كان خالصاً وصواباً قبل الله منه؛ لأنه متق، وإذا كان ليس خالص ولا صواباً فلا يقبل منه.
إذاً: الجواب الصحيح هو: أن المراد بذلك من اتقى الله في ذلك العمل كما قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود:7]، قال: أخلصه وأصوبه، قيل: يا أبا علي ! ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكون صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة، فمن عمل لغير الله كأهل الرياء لم يقبل منه ذلك، المرائي لا يقبل الله منه عمل، كما في الحديث الصحيح يقول الله عز وجل في: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي فيه غيري فأنا بريء منه، وهو كله للذي أشركه به)، رواه ابن ماجة والبغوي .
وفي رواية مسلم : (من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)، وفي الحديث الصحيح: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)، وقال: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)، كل هذا فيه نفي القبول، فكذلك العمل الذي فيه رياء لا يقبله الله، والعمل الذي ليس موافقاً أو فيه شرك لا يقبله الله، والعمل الذي ليس موافقاً للشرع مردود.
وقال في الحديث الصحيح: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم في صحيحه، وفي الصحيحين: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)؛ لأنه مخالف للشرع، أي: فهو مردود غير مقبول، فمن اتقى الكفر وعمل عملاً ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل منه، وإذا اتقى الكفر كما تقول الخوارج ثم عمل عملاً بدعة لا يقبل، أو عمل عملاً ليس بدعة موافق للشرع لكنه ليس خالصاً لله فلا يقبل، فإذا صلى اتقى الكفر؛ لكنه إن صلى بغير وضوء لم يقبل منه؛ لأنه ليس متقياً في ذلك العمل وإن كان متقياً للشرك، وقد قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60]، وفي حديث عائشة أنها قالت: (يا رسول الله! أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف أن يعذب؟ قال: لا يا ابنة الصديق ، ولكنه الرجل يصلى ويصوم ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه)، فهو قد اتقى الشرك، ومع ذلك يخاف ألا يقبل منه.
قول المؤلف: (وخوف من خاف من السلف ألا يتقبل منه لخوفه ألا يكون أتى بالعمل على وجهه المعروف)، فالسلف كانوا يخافون ألا يقبل منهم، ويخشون أن يكونوا قصروا في هذا العمل فلم يأتوا به موافقاً للشرع.
قول المؤلف: (وهذا أظهر الوجوه في استثناء من استثنى منهم في الإيمان وفي أعمال البر، كقول أحدهم: أنا مؤمن إن شاء الله، وصليت إن شاء الله)، فهم يستثنون لأن أعمال الإيمان متعددة، وأحدهم يخشى ألا يكون قد أدى الواجبات، فهو يستثني ويقول: أنا مؤمن إن شاء الله لا على جهة الشك فيما بقلبه من تصديق.
(ولا يجوز أن يراد بالآية: إن الله لا يقبل العمل إلا لمن يتقي الذنوب كلها؛ لأن الكافر والفاسق حين يريد أن يتوب ليس متقياً، ومع ذلك إذا تاب قبل الله توبته، فإن كان قبول العمل مشروطاً بكون الفاعل حين فعله لا ذنب له امتنع معه قبول التوبة)، أي: لو قيل إن العمل لا يقبل حتى يكون الإنسان ليس له ذنب لكان معنى ذلك أنه لا تقبل التوبة؛ لأن الشخص حينما يريد أن يتوب يكون متلبساً بالمعاصي.
فقول الخوارج والمعتزلة في قوله: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27] إنه الذي ليس له ذنب ولا معصية، باطل، بخلاف ما إذا اشترط التقوى في العمل، فإذا أتى بالتقوى في العمل فإن التائب حين يتوب يأتي بالتوبة الواجبة، أي: إذا اتقى في العمل تكون التوبة لله موافقة للشرع، وهو حين شروعه في توبة منتقل من الشر إلى الخير ولم يخلص من الذنب، بل هو متق في حال تخلصه منه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأيضاً: فلو أتى الإنسان بأعمال البر وهو مصر على كبيرة ثم تاب لوجب أن تسقط سيئاته بالتوبة وتقبل منه تلك الحسنات، وهو حين أتى بها كان فاسقاً ].
أي: لو أتى الإنسان بأعمال البر كأن أتى بالحسنات من حج وصام وبر والديه لكنه مصر على التعامل بالربا ثم تاب فعلى معتقد الخوارج لا تقبل؛ لأنه مصر على المعاصي.
والصواب: أنه إذا تاب فإن الله يقبل توبته، وتسقط السيئات بالتوبة وتقبل منه تلك الحسنات، ولو كان حين أتى بها فاسقاً كأن كان مصراً على كبيرة ثم تاب يقبل الله توبته وتقبل منه حسناته خلافاً للخوارج والمعتزلة.
الرد على المعتزلة والخوارج بقبول إسلام الكافر والذمي الذي عليه مظالم للناس
وقد قال تعالى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنعام:52].
وقال لنوح عليه الصلاة والسلام: قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ * قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ [الشعراء:111-113].
ولا يعرف من المسلمين من جاءه ذمي يسلم فقال له: لا يصح إسلامك حتى لا يكون عليك ذنب، وكذلك سائر أعمال البر: من الصلاة والزكاة والصيام ].
مما يرد به على الخوارج والمعتزلة الذين يكفرون بالمعصية وبالكبيرة، أن يقال لهم: الكافر إذا أسلم وعليه للناس مظالم من قتل وغصب وقذف، وكذلك الذمي إذا أسلم هل يقبل إسلامه أو لا يقبل؟
يلزم على الخوارج أن يقولوا: لا يقبل حتى يتوب من المظالم، ويتوب من القتل، ويتوب من الغصب! وهذا باطل، فالذمي إذا أسلم صح إسلامه، والكافر إذا أسلم وعليه للناس مظالم أو إذا تاب المشرك من الشرك، وكان يشرب الخمر، ويعق والديه، ويقطع رحمه، ويتعامل بالربا، صح إسلامه، وبقي عليه التوبة من الخمر والربا وغيره، فالتوبة تكون عامة، والكافر إذا أسلم قد يحسن إسلامه، ويتوب من جميع الذنوب مع الشرك، وهناك كافر يسلم ولكن لا يحسن إسلامه، وهو أنه يتوب من الشرك فقط، فإذا تاب من الشرك صحت توبته من الشرك وبقيت عليه الذنوب فيحتاج إلى توبة منها.
فعلى قول الخوارج الكافر إذا أسلم من الشرك ولم يتب من المعاصي والزنا والسرقة فتوبته هذه لا تقبل، وهذا باطل، والصواب أنها تصح وإن كانت عليه للناس مظالم، فلو كان العمل لا يقبل إلا ممن لا كبيرة عليه لم يصح إسلام الذمي حتى يتوب من الفواحش والمظالم، وهذا باطل.
وهم يقولون: هو مع إسلامه يخلد في النار، وهذا من أبطل الباطل؛ لأن الناس كانوا يسلمون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولهم ذنوب معروفة، وعليهم تبعات، فيقبل إسلامهم، ولا يقول: لا يصح إسلامكم حتى تتوبوا من المعاصي.
ودليل ذلك ما ثبت في الصحيح: أن المغيرة بن شعبة لما أسلم وقد رافق قوماً في الجاهلية فغدر بهم وأخذ أموالهم قبل أن يسلم، وجاء فأسلم، فلما جاء عروة بن مسعود عام الحديبية يفاوض النبي صلى الله عليه وسلم في الصلح، كان المغيرة بن شعبة قائماً على رأس النبي يحرسه بالسيف، فلما مد يده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم دفعه بقائم السيف وقال: أخر يدك عن لحية رسول الله، فقال: من هذا الذي ضرب بالسيف؟ قالوا: ابن أختك المغيرة ، فقال: يا غدر ألست أسعى في غدرتك؟ أي: الذي فعلت في الجاهلية من غدر بأصحابك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما الإسلام فأقبله، وأما المال فلست منه بشيء).
واستدل المؤلف بقوله تعالى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنعام:52]، وقال لنوح: قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ * قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ [الشعراء:111-113] أي: أن الإنسان يقبل بما هو عليه ويعامل بالظاهر، أما ما بينه وبين الله من المعاصي فالله هو الذي يحاسبه.
يقول المؤلف: ولا نعرف أحداً من المسلمين جاءه ذمي يسلم، فقال له: لا يصح إسلامك حتى لا يكون عليك ذنب، ما قال هذا إلا الخوارج، كذلك سائر أعمال البر: من الصلاة والزكاة والصوم، لم يقل: لا تصح صلاتك ولا صومك ولا زكاتك حتى تتوب حتى لا يكون عليك ذنب، هذا من أبطل الباطل، وبهذا يبطل مذهب الخوارج والمعتزلة ومذهب المرجئة، ويبقى مذهب أهل السنة والجماعة الذي فيه العمل بالنصوص من الجانبين.
ذكر المؤلف رحمه الله هنا حجج الخوارج وحجج المرجئة، وبين الجواب الصحيح.
فالخوارج مذهبهم: أن مرتكب الكبيرة يحبط إيمانه كله ويخرج من دائرة الإيمان، ويستدلون على هذا المذهب الباطل بأدلة من القرآن من غير تأويل.
والمرجئة يقولون: الإيمان لا يضر معه أي معصية وأي كبيرة.
واحتجوا على ذلك من القرآن، فالمؤلف رحمه الله يبين بطلان وجه احتجاجهم من النصوص، ويبين الجواب الصحيح.
فالخوارج احتجوا بقوله تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]، وقالوا: صاحب الكبيرة ليس من المتقين فلا يتقبل الله منه عملاً، فلا يكون له حسنة، وأعظم الحسنات الإيمان، فلا يكون معه إيمان، فيستحق الخلود في النار.
أجابتهم المرجئة وقالوا: المراد بالمتقين من يتقي الكفر، وقالوا: اسم المتقين في القرآن يتناول المستحقين للثواب، فالذي يتقي الكفر يقبل منه أي عمل، والذي يفعل الكبيرة واتقى الكفر ما وصل إلى الكفر فلا يحبط عمله، ولا يضره فعل الكبيرة.
واحتجت المرجئة على أن اسم المتقين في القرآن يتناول المستحقين للثواب، بمثل قوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55].
وقالوا: ابنا آدم قابيل وهابيل حينما قتل أحدهما أخاه؛ لأنهما قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، فقتل أحدهما الآخر.
وهما حين قربا قرباناً لم يكن المقرب المردود قربانه حينئذ كافراً، وإنما كفر بعد القتل، وقبل ذلك ما كان كافراً إذ لو كان كافراً لم يتقرب.
وأيضاً قالوا لهم: ما زال السلف يخافون من هذه الآية: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]، ولو أريد بها من يتقى الكفر لم يخافوا؛ لأنهم اتقوا الكفر، فدل على أنهم خافوا ما دون الكفر.
وأيضاً: فإطلاق لفظ المتقين والمراد به من ليس بكافر لا أصل له في خطاب الشارع، فلا يجوز الحمل عليه.
استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [18] | 2638 استماع |
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [7] | 2360 استماع |
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [10] | 2088 استماع |
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [4] | 1831 استماع |
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [2] | 1701 استماع |
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [5] | 1637 استماع |
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [9] | 1576 استماع |
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [14] | 1514 استماع |
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [15] | 1446 استماع |
شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [6] | 1444 استماع |