الإدراج في الحديث (الحديث المدرج )
مدة
قراءة المادة :
19 دقائق
.
الإدراج في الحديث( الحديث المدرج )
قال الشيخ البيقوني في منظومته البيقونية:
وَالْمُدْرَجَاتُ فِي الحَديثِ مَا أتَتْ *** مِنْ بَعْضِ ألْفَاظِ الرُّوَاةِ اتَّصَلَتْ
يتكلم الناظم رحمه الله في هذا البيت عن الإدراج في الحديث.
ومعنى الإدراج في اللغة: الإدخال[1].
وفي الاصطلاح: أن يُدخل الراوي في الرواية ما ليس منها؛ سواء سندًا أو متنًا، دون فصل بينهما.
وينقسم الإدراج إلى قسمين:
1- إدراج في السند.
2- إدراج في المتن.
فأما إدراج الإسناد فله صور:
الأولى: أن يكون المتن عند راويه عن شيخ له إلا بعضَه، فإنما هو عنده بواسطة بينه وبين ذاك الشيخ، فيدرجه بعضُ الرواة عنه بلا تفصيل.
مثاله:
حديث إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس في قصة العرنيين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: «لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى إِبِلِنَا فَشَرِبْتُمْ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا»، فإن لفظة: «وأبوالها» إنما سمعها حميد من قتادة عن أنس، كما بينه محمد بن أبي عدي، ومروان بن معاوية، ويزيد بن هارون وآخرون؛ إذ رووه عن حميد عن أنس بلفظ «فشربتم من ألبانها» فعندهم: قال حميد: قال قتادة عن أنس: «وأبوالها»؛ فرواية إسماعيل على هذا فيها إدراج يتضمن تدليسًا[2].
الثانية: أن يكون عند الراوي متنان مختلفان بإسنادين مختلفين، فيرويهما راو عنه مقتصرًا على أحد الإسنادين، أو يروي أحدَ الحديثين بإسناده الخاص به، لكن، يزيد فيه من المتن الآخر ما ليس في الأول.
مثاله:
حديث: «ولا تنافسوا»، حيث أُدخل في متن «لا تباغضوا» المرفوع الثابت عن مالك عن الزهري عن أنس بلفظ: «لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا» فقط.
فلفظ: «ولا تنافسوا» مدرج فيه؛ قد نُقِلَ من راويه من متن «لا تجسسوا» بالجيم أو الحاء، المرفوع الثابت عن مالك أيضًا، لكن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا»، أدرج «ولا تنافسوا» في السند الأول من الثاني[3].
الثالثة: أن يروي جماعة الحديث بأسانيد مختلفة، فيرويه عنهم راوٍ فيجمع الكل على إسناد واحد من تلك الأسانيد ولا يبين الاختلاف.
مثاله:
حديث: «أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا» المروي عن ابن مسعود رضي الله عنه، فقد روى واصل بن حَيَّان هذا الحديث عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود، مباشرة، ورواه الأعمش ومنصور بن المعتمر عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن أبي ميسرة عمرو بن شُرَحْبيل، عن عبد الله بن مسعود.
ثم رواه عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن الأعمش، ومنصور، وواصل ثَلَاثتهم، عن أبي وائل، عن أبي ميسرة عمرو بن شُرَحْبيل، عن ابن مسعود.
فصارت رواية واصل مدرجة على رواية الأعمش ومنصور؛ لأن روايته تختلف عن روايتهما؛ فهو يرويه عن شقيق بن سلمة عن ابن مسعود مباشرة، وهما يرويانه عن شقيق عن ابن شرحبيل عن ابن مسعود، فجاء عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري، فأدمج الثلاثة، فقال: عن الأعمش، ومنصور، وواصل، عن أبي وائل، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل.
الرابعة: أن يسوق الإسناد فيعرض له عارض، فيقول كلامًا من قِبَل نفسه، فيظن بعضُ من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد؛ فيرويه عنه كذلك.
مثاله: حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّلْحِيِّ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ مُوسَى الزَّاهِدِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، مَرْفُوعًا: «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ».
قَالَ الْحَاكِمُ: دَخَلَ ثَابِتٌ عَلَى شَرِيكٍ وَهُوَ يُمْلِي، وَيَقُولُ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَسَكَتَ؛ لِيَكْتُبَ الْمُسْتَمْلِي، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى ثَابِتٍ، قَالَ: مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ، وَقَصَدَ بِذَلِكَ ثَابِتًا؛ لِزُهْدِهِ وَوَرَعِهِ، فَظَنَّ ثَابِتٌ أَنَّهُ مَتْنُ ذَلِكَ الْإِسْنَادِ؛ فَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ[4].
وأما مدرج المتن، فقد يقع في أول المتن أو في أوسطه أو في آخره.
فمثال ما وقع الإدراج في أوله:
ما رواه أحمد وابن ماجه، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَاجِرِ، عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ، فَقَالَ: «بَكِّرُوا بِالصَّلَاةِ فِي الْيَوْمِ الْغَيْمِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ»[5].
والصواب أن قوله: «بَكِّرُوا بِالصَّلَاةِ فِي الْيَوْمِ الْغَيْمِ» من كلام بُريدة، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخطأ فيه الأوزاعي فجعله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك.
فقد رواه هِشَامٌ الدَّسْتُوائِيُّ هكذا: عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ أَبَا المَلِيحِ حَدَّثَهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ، فَقَالَ: بَكِّرُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ العَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ»[6].
ففصل هشام الكلام، وميَّز القدر المرفوع من القدر الموقوف[7].
مثال آخر:
ما رواه أَبُو قَطَنٍ وَشَبَابَةَ، عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: «أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ»[8].
والصواب أن قوله: «أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ» من كلام أبي هريرة رضي الله عنه، وقد أخطأ أبو قطن وشبابة فجعلاه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك.
فقد خالفهما آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ[9]، وَوَكِيعٌ[10]، وَهُشَيْمٌ[11]، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ[12]، وغيرهم، فرووه هكذا: عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا وَالنَّاسُ يَتَوَضَّئُونَ مِنَ المِطْهَرَةِ، قَالَ: أَسْبِغُوا الوُضُوءَ، فَإِنَّ أَبَا القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ».
قال الخطيب البغدادي رحمه الله: «وَهِمَ أَبُو قَطَنٍ عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ القُطَعِيُّ وَشَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ الْفَزَارِيُّ فِي رِوَايَتِهِمَا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شُعْبَةَ عَلَى مَا سُقْنَاهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: «أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ» كَلامُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَوْلُهُ: «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» كَلامُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَآدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، وَهُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، وَوَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ، وَمُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، وَجَعَلُوا الْكَلَامَ الأَوَّلَ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْكَلَامَ الثَّانِي مَرْفُوعًا»اهـ[13].
ومثال ما وقع الإدراج في أوسطه:
قال الإمام الدارقطني رحمه الله: «حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَكِيلُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، يَقُولُ: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ رَفْغَيْهِ فَلْيَتَوَضَّأْ»؛ كَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ هِشَامٍ، وَوَهِمَ فِي ذِكْرِ الْأُنْثَيَيْنِ وَالرَّفْغِ، وَإِدْرَاجِهِ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ بُسْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ، غَيْرِمَرْفُوعٍ ، كَذَلِكَ رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ هِشَامٍ ، مِنْهُمْ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُهُمَا.
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ، ح وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُبَشِّرٍ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ السَّرَّاجُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، يَقُولُ: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»، قَالَ: وَكَانَ عُرْوَةُ يَقُولُ: إِذَا مَسَّ رَفْغَيْهِ أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»اهـ[14].
ومثال ما وقع الإدراج في آخره، وهو الأكثر:
قال الإمام الدارقطني رحمه الله: «حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ سَيَّارٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ رَاشِدٍ، وَعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُمْ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ، ح وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَرِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، قَالَ: أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدِي وَقَالَ: أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بِيَدِي، وَقَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي فَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»، تَابَعَهُ ابْنُ عَجْلَانَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَرِّ.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ رِشْدِينَ، عَنْ حَيْوَةَ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَجْلَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَرِّ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.
وَرَوَاهُ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَرِّ، فَزَادَ فِي آخِرِهِ كَلَامًا؛ وَهُوَ قَوْلُهُ: «إِذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ»، فَأَدْرَجَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ زُهَيْرٍ فِي الْحَدِيثِ وَوَصَلَهُ بِكَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَفَصَلَهُ شَبَابَةُ، عَنْ زُهَيْرٍ، وَجَعَلَهُ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودِ رضي الله عنه ، وَقَوْلُهُ: أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ مِنْ قَوْلِ مَنْ أَدْرَجَهُ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ ابْنَ ثَوْبَانَ، رَوَاهُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ، كَذَلِكَ؛ وَجَعَلَ آخِرَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلِاتِّفَاقِ حُسَيْنٍ الْجُعْفِيِّ، وَابْنِ عَجْلَانَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ فِي رِوَايَتِهِمْ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَرِّ عَلَى تَرْكِ ذِكْرِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ مَعَ اتِّفَاقِ كُلِّ مَنْ رَوَى التَّشَهُّدَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَعَنْ غَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَلَى ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ شَبَابَةَ عَنْ زُهَيْرٍ؛ فَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحَرِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، قَالَ: أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدِي، قَالَ: وَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِيَدِي، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي فَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «فَإِذَا قُلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ مِنَ الصَّلَاة؛ فَإِذَا شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ»؛ شَبَابَةُ ثِقَةٌ، وَقَدْ فَصَلَ آخِرَ الْحَدِيثِ جَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ أَدْرَجَ آخِرَهُ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَابَعَهُ غَسَّانُ بْنُ الرَّبِيعِ وَغَيْرُهُ، فَرَوَوْهُ عَنِ ابْنِ ثَوْبَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَرِّ كَذَلِكَ، وَجَعَلَ آخِرَ الْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم »اهـ[15].
تنبيه:
قد يقع الإدراج في رواية ما، ويكون هذا اللفظ المدرج ثابتًا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن من رواية أخرى.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وربما وقع الحكم بالإدراج في حديث ويكون ذلك اللفظ المدرج ثابتًا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لكن من رواية أخرى.
كما في حديث أبي موسى: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَأَيَّامًا، يَنْزِلُ فِيهَا الجَهْلُ، وَيُرْفَعُ فِيهَا العِلْمُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الهَرْجُ؛ وَالهَرْجُ: القَتْلُ».
فَصَلَهُ بعضُ الحفاظ من الرواة وبيَّن أن قوله: «وَالهَرْجُ: القَتْلُ» من كلام أبي موسى؛ ومع ذلك، فقد ثبت تفسيره بذلك من وجه آخر مرفوعًا في حديث سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ومثل ذلك: حديث: أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ»اهـ[16].
قلت: فحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي تقدم ذكره: «أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ»؛ فإن قوله: «أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ» ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما في «صحيح مسلم».
كيف يُعرف الإدراج؟
قال السيوطي رحمه الله: «وَيُدْرَكُ ذَلِكَ بِوُرُودِهِ مُنْفَصِلًا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، أَوْ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الرَّاوِي، أَوْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ الْمُطَّلِعِينَ، أَوْ بِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذَلِكَ»اهـ[17].
قلت: وقد تقدمت أمثلة ما جاء منفصلًا في رواية أخرى.
وأما مثال ما نص الراوي أنه من كلامه هو:
ما رواه الخطيب في «الفصل للوصل» من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ، وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ»[18].
فقد جاء في روايات أخرى التصريح من ابن مسعود أنه من كلامه هو.
ففي «الصحيحين» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ» وَقُلْتُ أَنَا: «مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ»[19].
فصرح ابن مسعود رضي الله عنه أن الشطر الثاني من كلامه هو.
ومثال ما يستحيل أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم:
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لِلْعَبْدِ المَمْلُوكِ الصَّالِحِ أَجْرَانِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالحَجُّ وَبِرُّ أُمِّي، لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ»[20].
قال السيوطي رحمه الله: «فَقَوْلُهُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ» إِلَخْ، مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَمَنَّى الرِّقَّ، وَلِأَنَّ أُمَّهُ لَمْ تَكُنْ إِذْ ذَاكَ مَوْجُودَةً حَتَّى يَبِرَّهَا»اهـ[21].
قلت: وقد جاء الفصل بين الكلامين في «صحيح مسلم»: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الْمُصْلِحِ أَجْرَانِ»، وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، لَوْلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالْحَجُّ، وَبِرُّ أُمِّي، لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ[22].
[1] «مختار الصحاح» (103).
[2] «فتح المغيث» (1/ 305)، طـ مكتبة السنة - مصر.
[3] «فتح المغيث» (1/ 306).
[4] «تدريب الراوي» (1/ 339).
[5] أخرجه أحمد (23055)، وابن ماجه (694).
[6] أخرجه البخاري (594).
[7] انظر «فتح الباري» لابن رجب (3/ 127)، تحقيق الشيخ طارق عوض الله.
[8] أخرجه الخطيب في «الفصل للوصل المدرج في النقل» (1/ 158)، طـ دار الهجرة.
[9] البخاري (165).
[10] «مصنف ابن أبي شيبة» (270).
[11] «مسند أحمد» (7122).
[12] «مسند أحمد» (9304).
[13] «الفصل للوصل المدرج في النقل» (1/ 159، 160).
[14]«سنن الدارقطني» (1/ 269، 270)، طـ مؤسسة الرسالة.
[15] «سنن الدارقطني» (2/ 164، 165).
[16] «النكت على ابن الصلاح» (2/ 819، 820).
[17] «تدريب الراوي» (1/ 315).
[18] «الفصل للوصل المدرج في النقل» (1/ 218).
[19] البخاري (1238)، ومسلم (92).
[20] البخاري (2548).
[21] «تدريب الراوي» (1/ 317).
[22] مسلم (1665).