أرشيف المقالات

ماذا تريد من الحياة؟

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
ماذا تريد من الحياة؟
 
أظن أن الإنسان يريد من الحياة بقدر ما يعطيها في تلك الفترة من فترات عمره، بمعنى أن رغبات الشاب ليست كرغبات الرجل الذي تقدمت به السن.
 
إن الإنسان السوِيَّ هو الذي يريد من حياته أن تعطيه بالقدر الذي أَخَذَتْ منه، وهو بهذا مطالَب دائمًا بالعطاء من أجل الحياة، من أجل حياة الإنسان التي يجب أن تستمر، وفي سبيل استمرارها يسعى الإنسان دومًا في طريق إعمارها وإصلاحها.
 
لقد بذل العلماء والمفكرون والمخترعون كلَّ جهودهم من أجل خدمة الإنسان، ضحُّوا بأوقاتهم وأموالهم من أجل نفع الآخرين، وجهودهم تلك وما قدموه للعالم من خدمات جليلة هي ما جعل التاريخ يحفظ أسماءهم، ويذكر جميل صنيعهم.
 
وتعد ظروف الإنسان غالبًا موجِّهة لحياته، ومديرة لأحوالها، لكن أهمية وجود الإنسان الباني باقية مهما كبُر دوره فيها أو صغُر؛ فالحياة البشرية في حاجة إلى الطبيب، والمهندس، والمعلم، وهي في الوقت نفسه في حاجة إلى عامل النظافة، والبائع، والسائق.
 
يسعى الإنسان في هذه الحياة سعيًا حثيثًا، ودافعه إدراكه الحقيقي بأن الحياة التي تكون ذات قيمة هي الحياة المستمرة بالسعي المتواصل، والعمل الدؤوب من أجل تحقيق الذات، والشعور بالرضا، والإحساس بنوع من الأمان الحياتي.
 
وإلى جانب هذا السعيِ الماديِّ يأتي سعيٌ آخرُ من أجل الهدف الأسمى والأعلى، وتحقيق الغاية من وجود الإنسان على هذه المعمورة، لا سيما أن الله قد أكرمه بنعمة عظيمة هي نعمة الدين الحنيف؛ فالإيمان بالمولى سبحانه يجعل الإنسان في سعي دائم ومتجدد من أجل الوصول إلى رضا الله سبحانه، وتحقيق الغاية من خلقه ووجوده؛ وهي عبادة الله وحده.
 
فالإنسان الموفَّق هو الذي يخلص العمل لخالقه، ولا ينسى حظه ونصيبه من الدنيا التي أُمِرَ بإعمارها بالخير، والحب، والسلام.
 
إنك إن أدركتَ هذه الحقائق العميقة، والغايات النبيلة، استطعتَ أن تفهم فهمًا سليمًا دورك في هذه الحياة، وهو الدور الذي يحتاج منك إلى عقل سليم، وفكر سويٍّ، يستطيع أن يرسُم لك طريقك في هذه الحياة، وهي الطريق الآمنة التي ستجعلك تسير فيها بنظام متوازن تحافظ من خلاله على علاقتك بربك سبحانه، وتسعى لتحقيق ذاتك في مجالك؛ حتى تكون عضوًا نافعًا فاعلًا في مجتمعك، وبعدها سترى أن الحياة قد أقبلت عليك، وشعرت أنت بنعمة وجودها وأنت فيها كالفلَّاح في حقله يجني في كل مرة ثمرة تعبِهِ وجهده، وهي النعمة التي حُرم منها كثيرون، حتى إن كانوا أحياء بيننا؛ لأنهم أخطؤوا في حق أنفسهم أخطاء كبيرة جسيمة، جعلتهم يعيشون حياة بائسة صعبة، مِلْؤها الشقاء والحزن والتعاسة.
 
إن الإنسان العاقل الحريص هو الإنسان الذي يُهيئ نفسه للإفادة من كل فرصة تُتاح له في سبيل إصلاح نفسه؛ فهو يُفيد من كل نصيحة سمعها من عالِم، ويحفظ كل معلومة قِيلت له من معلِّمٍ، يقرأ، ويطلع، ويبحث، ويسأل، ولا يضيع وقته الثمين فيما لا فائدة فيه، ولا يملأ وقت فراغه بفراغ.
 
لا يتكبر على العِلمِ، ولا يتردد في التقاط كل معرفة، ومعلومة، وموقف، ومشهد تُضيف إليه.
 
يحيا مع الناس بقلب سليم، لا يحمل كُرهًا، ولا يؤوي كِبرًا، ولا يتوانى في تقديم المساعدة والعون، ولا يبخل بكلماته الجميلة اللطيفة.
 
لا يشغل نفسه بالصغائر، ولا يلهث خلف المظاهر، ويدرك تمام الإدراك أن الوقت الذي يمضي لا يعود، وأن الزمن لا ينتظر أحدًا، ففي الوقت الذي يلهو فيه لاهٍ، هناك من يحفظ، ويبحث، ويعمل، ويبتكر، ويسعى إلى تحقيق أهدافه بروح سامية، وقلب ينبض بالحب والعطاء، وضمير مرتاح يعيش في سلام وتصالح مع الناس، مهما بَدَرَ منهم.
 
إن الإنسان متى ما فعل هذا، فأحسب أنه إنسان موفَّق جعل لحياته معنًى حسنًا جميلًا، ونال من حياته ما كان يريد.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢