أرشيف المقالات

أحاديث الوضوء (1)

مدة قراءة المادة : 26 دقائق .
أحاديث الوضوء (1)


• عن حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه دَعَا بوَضُوءٍ.
فَتَوَضَّأَ.
فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ.
ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذلِكَ.
ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ.
ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذٰلِكَ.
ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذَا.
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذَا، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
 
وزاد مسلم في رواية: " وَكَانَتْ صَلاَتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً" [وفي حديث عثمان روايات ستأتي بعد حديث عبدالله بن زيد].
 
• عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قِيلَ لَهُ: تَوَضَّأْ لَنَا وُضُوءَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا بِإِنَاءٍ.
فَأَكْفَأَ مِنْهَا عَلَى يَدَيْهِ.
فَغَسَلَهُمَا ثَلاثاً.
ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا.
فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ.
فَفَعَلَ ذلِكَ ثَلاَثاً.
ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَها فغسل وَجْهَهُ ثَلاَثاً.
ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ يَدَيه إلى المرفقين، مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ.
ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ.
فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ.
ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ.
ثُمَّ قَالَ: هكَذَا كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم .
 
وفي رواية في صفة مسح الرأس: فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ: بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ.
ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ.
وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ.
وفي رواية لمسلم: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَهِ.
 
• عن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه أنه دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ.
ثُمَّ قَالَ: وَالله لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثاً.
لَوْلاَ آيَةٌ فِي كِتَابِ الله مَا حَدَّثْتُكُمْ.
إِنِّي سَمِعْتُ رَسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ.
فَيُصَلِّي صَلاَةً.
إِلاَّ غَفَرَ الله لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ الَّتِي تَلِيهَا".
 
قَالَ عُرْوَةُ رضي الله عنه: الآيَةُ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿ اللاَّعِنُونَ ﴾
وفي رواية لمسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَطَهَّرُ، فَيُتِمُّ الطُّهُورَ الَّذِي كَتَبَ الله عَلَيْهِ، فَيُصَلِّي هذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارَاتٍ لِمَا بَيْنَهَا".
 
وفي رواية له أيضاً: "مَا مِنِ امرئ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاَةٌ مَكْتُوبَةٌ.
فَيُحْسِنُ وُضُوؤهَا وَخُشَوعَهَا وَرُكُوعَهَا.
إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ.
مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيرَةٌ.
وَذلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ".
 
وفي رواية له أيضا: "مَنْ تَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ.
ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ.
فَصَلاَّهَا مَعَ النَّاسِ، أَوْ مَعَ الْجَمَاعَةِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ، غَفَرَ الله لَهُ ذُنُوبَهُ".
 
ألفاظ الأحاديث:
(دَعَا بِوَضُوء): بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به، والمقصود أنه طلب ماء يتوضأ به.
(فغسل كفيه ثلاث مرات): كفيه مثنى (كف) وهي راحة اليد مع الأصابع سميت بذلك لأنها تكف الأذى عن البدن.
(فَمَضْمَضَ): أي أدار الماء في فمه.
(وَاسْتَنْشَقَ): أي جَذَب الماء بالنفس إلى داخل الأنف.
(استنثر): أي أخرج الماء من الأنف، ولم يرد في حديث عثمان رضي الله عنه، ولا في طرقه في الصحيحين أنه تمضمض واستنشق ثلاث مرات ولكنه ورد عند أبي داود من حديث عثمان رضي الله عنه هذا وحديث أبي هريرة رضي الله عنه [انظر: " سنن أبي داود" (108) (109 )].
 
(فغسل وَجْهَهُ ثَلاَثاً): سمي الوجه بذلك من المواجهة لأنه يواجه به، وحده طولاً من منابت الشعر إلى ما نزل من اللحية والذقن وعرضاً من الأذن إلى الأذن.
 
(إلى المرفقين): إلى: للغاية، والغالب أن نهاية الغاية لا يدخل في حكم ما قبله، مثل قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ﴾ (سورة البقرة: 187)، فالليل ليس داخلاً في حكم الصيام، إلا إذا وجدت قرينة تدل على دخوله فحينئذ يُجزم بدخوله ويقُطع به الخلاف والشك، وفي قوله في الحديث (إلى المرفقين) وجدت قرينة تدل على دخول المرافق في الوضوء وكذلك الكعب في غسل الرجل (إلى الكعبين) والقرينة هي ما جاء عند المسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه توضأ فغسل وجهه، فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ.
 
• والمرفق فيه الوجهان: فتح الميم وكسر الفاء، وكسر الميم مع فتح الفاء، سمي بذلك لأنه يرُتفق به في الاتكاء.
(إِلَى الْكَعْبَيْنِ): الكعبان: عظمان بارزان في أسفل الساق، وسبق أن الكعبين يدخلان في المغسول كما في (إلى المرافق) فتكون (إلى) في الموضعين بمعنى (مع) بدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق.
(نحو وضوئي هذا): أي مثل وضوئي هذا بدليل رواية أبي داود " توضأ مثل وضوئي هذا ".
(فَأَكْفَأ): أي أمال وصب.
(فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَر): فأقبل بيديه وأدبر: أي بدأ بمقدم رأسه وأدبر أي رجع من دبر رأسه.
(ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ): أي أوصل يديه إلى قفا رأسه وهو مؤخره.
(بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ): أي بماء غير الذي تبقى من يديه وأي بماء جديد.
(فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ): أي يأتي به تماماً بكمال صفته وآدابه.
(صَلاَةٌ مَكْتُوبَةٌ): أي مفروضة.
(فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ): أي بالغ في إكماله فأعطى كل عضو حقه.
 
من فوائد الأحاديث:
الفائدة الأولى: في حديث عثمان رضي الله عنه بيان حرصه على تعليم الناس العلم ووصفه للوضوء الكامل بسننه وتعليمه للناس بالفعل وهو أبلغ من القول مع أن الوضوء معروف لاسيما في عصره ولكنه رضي الله عنه لم يكتف بذلك بل طبق لهم الوضوء كاملاً وروى مسلم بعد هذا الحديث أن ابن شهاب قال " وكان علماؤنا يقولون: هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة " وهكذا ينبغي أن يسير عليه طلاب العلم أن ينشروا السنن بين الناس فكم من سنة ضائعة في الوضوء الذي يتردد عليه الناس في اليوم مراراً بسبب التقصير في نشر السنة، وقد وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم عثمان وعبدالله بن زيد - رضي الله عنهما -كما في حديثي الباب وهما في الصحيحين وأيضاً أبو هريرة رضي الله عنه عند مسلم كما سيأتي وكلهم ذكروا الوضوء بفعلهم ليكون أقرب في أذهان الناس وأبلغ في التأثر وأدق في التصوير لأن القول قد يرد عليه الاحتمال.
 
الفائدة الثانية: في حديث عثمان رضي الله عنه وحديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه وصف لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم الكامل واستعراض لأعضاء الوضوء نذكرها على وجه التفصيل:
أولا: يغسل الكفين.
• غسلهما سنة وليس بواجب باتفاق العلماء ومما يدل على ذلك عدم ذكر الكفين في آية المائدة حيث لم يُذكر فيها إلا فروض الوضوء الأربعة قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ﴾ [سورة المائدة: 6].
قال ابن قدامة - رحمه الله -: " وليس غسلهما بواجب عند غير قيام من النوم، بغير خلاف نعلمه " [انظر: " المغني" (1/ 139 )].
• يسن غسلهما ثلاثاً لحديث الباب.
• الحكمة من غسلهما أنهما آلة الغسل فالاعتماد عليهما في أخذ الماء ودلك الأعضاء.
 
ثانياً: ثم يتمضمض ويستنشق.
• وهما واجبان على الصحيح من أقوال أهل العلم خلافاً للجمهور ويدخلان في عموم الوجه فهما جزء منه ومما يدل على وجوبها: أمر النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه مرفوعا " من توضأ فليستنثر " وفي حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما " رواه الأربعة، والمبالغة سنة يصرفها عن الوجوب الاستثناء حال الصيام ولو كانت المبالغة واجبة لما استثنى الصيام، وكذلك أمر بالمضمضة ففي رواية أبي داود " إذا توضأت فمضمض " وهذا أمر، وأيضاً مداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما ولو أن فعله لا يدل على الوجوب لكن مداومته فيها بيان لما جاء مجملاً في آية الوضوء، قال ابن القيم - رحمه الله -: "ولم يتوضأ صلى الله عليه وسلم إلا تمضمض واستنشق ولم يُحفظ عنه أنه أخل به مرة واحدة" [انظر: " زاد المعاد "( 1/ 194)].
 
• من السنة المبالغة فيهما لغير الصائم لحديث لقيط رضي الله عنه السابق.
• من السنة التثليث في المضمضة والاستنشاق لحديث الباب، ويجوز أن يفعل ذلك مرتين ويجوز مرة واحدة وكذلك التثليث في غسل الوجه واليدين والقدمين يجوز فيها الأوجه السابقة ويجوز المخالفة بينها بأنه يغسل بعض الأعضاء ثلاثا وبعضها مرة وبعضها مرتين لحديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه في الباب إلا أن التثليث أكمل.
 
• من السنة أن يجعل المضمضة والاستنشاق من كف واحدة يفعل ذلك ثلاث مرات لحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه ، وحكى بعض أهل العلم الوجوب لأنه لم يفصل بينهما في وضوئه أبداً، قال ابن القيم- رحمه الله -: " ولم يجيء الفصل بين المضمضة والاستنشاق في حديث البتة...
وكان يستنشق بيده اليمنى ويستنثر باليسرى " [انظر: " زاد المعاد" (1/ 192) ]..
 
ثالثاً: ثم يغسل وجهه.
• وهو من فروض الوضوء كما دلَّت على ذلك آية المائدة.
• يستحب تخليل اللحية الكثيفة وأما الخفيفة فإنها تغسل مع الوجه والفرق بينهما أن الخفيفة تُرى البشرة من ورائها وأما الكثيفة فلا ترى ويدل على استحباب التخليل حديث عثمان رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته " رواه الترمذي وقال حسن صحيح، والترمذي صححه من أجل شواهده الكثيرة، لأن الحديث فيه مقال، فتنازعه أهل العلم بين مُحسِّن له لشواهده الكثيرة وبين مُضِّعفٍ له لأن في سنده عامر بن شقيق وخالف جميع من روى صفة الوضوء عن عثمان رضي الله عنه حيث لم يذكروا تخليل اللحية.
وممن قَبِلَ الحديث ابن حبان وابن خزيمة والحاكم وابن الملقن، وضعفه من الأئمة الكبار ابن أبي حاتم وأحمد بن حنبل، قال أبو داود [انظر: " مسائل الإمام أحمد (7ص)]: " قلت لأحمد بن حنبل تخليل اللحية؟ فقال: " تخليلها قد روي فيه أحاديث، ليس يثبت فيه شيء ".
 
رابعاً: ثم يغسل اليدين إلى المرفقين.
• غسلهما فرض من فروض الوضوء كما دلَّت على ذلك آية المائدة وحدها من أطراف الأصابع إلى المرفقين وسبق دخولها في الغسل.
 
• يسن تخليل الأصابع بالماء فيخلل أصابع يديه فيدخل أصابعه بعضها ببعض وكذلك يسن تخليل أصابع القدمين عند غسلهما ويدل على مشروعية تخليل أصابع اليدين والقدمين حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه مرفوعاً " أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً " رواه الأربعة، وجاء في كيفية تخليل أصابع القدمين حديثٌ فيه عبد الله بن لهيعة وهو ممن ساء حفظه وهو حديث المستورد بن شداد رضي الله عنه قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ دلك أصابع رجليه بخنصره " والحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي، والظاهر أن المراد خنصر اليد اليسرى يدخله بين الأصابع لأن التخليل من باب إزالة القذر.
قال ابن القيم- رحمه الله -: " وكذلك تخليل الأصابع لم يكن يحافظ عليه، وفي السنن عن المستورد بن شداد رضي الله عنه: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره " [انظر: " زاد المعاد" (1/ 98 )].
 
وهذا إن ثبت فإنما كان يفعله أحياناً، ولهذا لم يروه الذين اعتنوا بضبط وضوئه، كعثمان وعلي وعبد الله بن زيد والرُّبَيِّع رضي الله عنه وغيرهم، على أن في إسناده عبد الله بن لهيعة " وهذا إذا كان ما بين أصابع اليدين والقدين يصله الماء أما إذا كان لا يصله الماء فحينئذ يجب التخليل.
 
خامسا: ثم يمسح رأسه.
• ومسح الرأس من فروض الوضوء كما دلَّت عليه آية المائدة.
• لم يُشرع غسل الرأس كباقي الأعضاء لما في غسله من المشقة الشديدة لاسيما أيام الشتاء وهذا من التخفيف والرحمة على العباد وإنما فرضه المسح وأيضاً لم يكرر مسحه في الأحاديث التي وصفت وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ، فاختلف هل يمسح مرة واحدة أو ثلاثاً؟ على قولين:
القول الأول: أنه يجزئه مرة واحدة ويستحب أن يمسحه ثلاث مرات وهو مذهب الشافعي.
 
واستدلوا:
1- بحديث عثمان رضي الله عنه في رواية عند مسلم أن عثمان رضي الله عنه قال: " ألا أريكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم توضأ ثلاثاً ثلاثاً ".
ونوقش هذا الاستدلال: بأن قوله (ثلاثاً ثلاثاً) مجمل فسرته الرواية الأخرى التي في الباب حيث وصف عثمان رضي الله عنه وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثلاثاً وحينما جاء المسح بالرأس لم يكرر ذلك.
2- ما رواه أبو داود من حديث عثمان رضي الله عنه أيضاً من طريق عامر بن شقيق أن عثمان رضي الله عنه مسح رأسه ثلاثا ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا.
ونوقش بأنه ضعيف من هذا الطريق لأنه من رواية عامر بن شقيق متكلم فيه وأيضاً عارض فيه من هو أصح منه.
 
القول الثاني: أنه يمسح مرة واحدة ولا يشرع الزيادة عليها وهو قول جمهور العلماء وهو الراجح والله أعلم.
ويدل على ذلك:
أ- حديث علي رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ومسح برأسه واحدة " رواه أبو داود وهو نص في المسألة.
قال عنه الترمذي: "حديث علي أحسن شيء في هذا الباب و أصح، لأنه روي من غير وجه عن علي رضوان الله عليه" [انظر: " جامع الترمذي"(1/ 64)].
 
ب- حديثي عثمان وحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه حيث وصفا التثليث في جميع الأعضاء إلا الرأس وأيضاً حديث الُّربَيَّع بنت مَّعوذ عند أبي داود والترمذي.
قال ابن القيم - رحمه الله -: " والصحيح أنه لم يكرر مسح رأسه، بل كان إذا كرر غسل الأعضاء أفرد مسح الرأس، هكذا جاء عنه صريحاً، ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم خلافه البتة.."[انظر: " في زاد المعاد" (1/ 193 )].
 
• حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه في الباب فيه الصفة المسنونة في مسح الرأس واختلف في معنى " فأقبل بيديه وأدبر " وقيل في تفسيرها أقوال أصحها ما فسرته الرواية الأخرى: " بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ".
 
• الأصل أن المرأة كالرجل في مسح الرأس ما دام أنه لم يَرِدْ حديث يفرق بينهما، وجاء عند البخاري معلقاً ووصله ابن أبي شيبة أن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: " المرأة بمنزلة الرجل تمسح على رأسها " وأخرج النسائي حديث عائشة - رضي الله عنها - وفيه"ووضعت يدها في مقدم رأسها ثم مسحت رأسها مسحة واحدة إلى مؤخرة..
" قال الألباني (صحيح الإسناد) وعليه لا تمسح المرأة الضفائر التي نزلت عن أصل الشعر في الرأس لأن المسح متعلق بالرأس والرأس ما ترأس وعلا وما نزل عن محل الفرض لا يسمى رأساً.
 
• اختلف في مسح الرأس هل يجزئ مسح بعض الرأس أو لابد من مسحه كله؟
القول الأول: أنه لابد من مسحه كله، وهو قول الإمام مالك والمشهور عن أحمد، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
واستدلوا: بحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه حديث الباب حيث إنه بيان لمجمل قول الله تعالى: " وامسحوا برؤوسكم " فالنَّبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه كله.
القول الثاني: أنه يجزئ مسح بعضه وهو قول الشافعية والحنفية.
واستدلوا: بحديث المغيرة رضي الله عنه عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة، وقالوا: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الناصية فقط، والناصية بعض الرأس.
 
ونوقش هذا الاستدلال: بأنه لا يصلح استدلالاً لجواز المسح على بعض الرأس لأن هذا الحكم لمن كانت عليه عمامة أن يمسح ما ظهر من مقدم رأسه مع العمامة وأيضاً مسح النبي صلى الله عليه وسلم بالناصية والعمامة، يدل على وجوب استيعاب الرأس كله إذ لو جاز مسح بعض الرأس لاكتفى بالناصية.
فا القول الأول هو الأرجح والله أعلم.
 
• الأذنان من الرأس فيجب مسحهما تبعاً له لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وجاء في صفة مسحهما صفة مسنونة وبأي صفة يجزئ ولكن من السنة أن يدخل إصبعيه السباحتين في خرق أذنيه لمسح باطنهما ويمسح بإبهاميه ظاهرهما وهي الغضاريف الخارجية لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنهم - في صفة الوضوء قال: " ثم مسح صلى الله عليه وسلم برأسه وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه " رواه أبو داود والنسائي وهو حديث له شواهد أخرى.
قال ابن القيم - رحمه الله -: " وكان يمسح أذنيه مع الرأس وكان يمسح ظاهرهما وباطنهما " [انظر: " زاد المعاد" (1/ 194 )].
 
• في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه رواية تدل على أنه يشرع للمتوضئ إذا أراد أن يمسح رأسه يأخذ ماءً جديداً وهي قوله " ومسح برأسه بماء غير فضل يديه " وأما الأذنان فلا يشرع أن يأخذ ماء جديداً لمسحهما وإنما يكتفي بالماء الذي أخذه لرأسه وأما رواية البيهقي من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه " أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ لأذنيه ماءً خلاف الماء الذي أخذ لرأسه " فهي رواية شاذة والمحفوظ هو رواية مسلم السابقة.
 
سادساً: ثم يغسل قدميه.
• وغسلهما فرض من فروض الوضوء كما دلَّت على ذلك آية المائدة.
• سبق أنه يجزئ غسلهما مرة واحدة والثانية والثالثة سنة وسبق سنية تخليل الأصابع وصفته.
 
الفائدة الثالثة: أعلى المراتب في غسل أعضاء الوضوء أن يغسلهما ثلاث مرات ويجوز غسلها مرة أو مرتين كما سبق، ولكن لا تجوز الزيادة على ثلاث مرات يدل على ذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء؟ فأراه ثلاثاً ثلاثاً ثم قال: " هذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم "رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وله طرق أخرى.
 
قال الترمذي بعد حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثا: " والعمل على هذا عند عامة أهل العلم، أن الوضوء يجزئ مرة مرة، ومرتين أفضل، وأفضله ثلاث، وليس بعده شيءً.
 
وقال ابن المبارك: " لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم ".
وقال أحمد: " لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى " [انظر: "جامع الترمذي "( 1/ 64 )].
وقال ابن القيم - رحمه الله -: " ولم يزد - أي النبي صلى الله عليه وسلم - على ثلاثة بل أخبر أن من زاد عليها فقد أساء وتعدى وظلم، فالموسوس مسيء متعد ظالم بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يتقرب إلى الله بما هو مسيء به متعد فيه لحدوده؟! " [انظر: "إغاثة اللهفان" (1/ 127)].
 
الفائدة الرابعة: حديث عثمان رضي الله عنه في آخره بيان فضيلة صلاة الركعتين والثواب المترتب عليهما بأمرين:
الأول: أن يتوضأ على الصفة المذكورة في الحديث بما فيها غسل الأعضاء ثلاثاً.
الثاني: صلاة الركعتين بعد الوضوء مشروطة بألا يحدِّث فيهما نفسه، والفضل المترتب هو مغفرة ما تقدم من الذنوب.
وسيأتي قريباً فضل آخر لمن فعل ذلك في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه وهو وجوب الجنة، فما أعظمه من ثواب وما أكثره من تفريط عندنا، وفضل الله واسع.
 
• قوله: " (لا يحدِّث فيهما نفسه) أي لا يفكر بشيء خارج صلاته وإنما مقبل على صلاته بوجهه وقلبه، والمراد
 
ب- (لا يحدث) هو ما يسترسِل معه الإنسان في صلاته مع إمكانه قطعه ودفعه وأما ما يهجم على النفس ويتعذر دفعه فهذا معفو عنه لأنه ليس في مقدور الإنسان ولن يكلف الله نفساً إلا وسعها.
 
الفائدة الخامسة: لحديث عثمان رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم روايات أخرى تُبيِّن فضل الوضوء يؤخذ منها ما يلي:
1- أن من أحسن الوضوء فجاء به كاملاً بأن أعطى كل عضو حقه ثم صلى الصلاة المفروضة فإنه يحصل على أمرين:
الأول: أنه يغفر له ذنوبه كما دل على ذلك الرواية الأخيرة.
الثاني: أنه يغفر له ما بينه وبين الصلاة التي تليها كما دل على ذلك رواية: " لا يتوضأ رجل مسلم فيحسن الوضوء، فيصلي صلاة إلا غفر الله له ما بينه وبين الصلاة التي تليها ".
 
2- أن من اقتصر في وضوئه على طهارة الأعضاء الواجبة فقط وصلى الصلوات الخمس كُفِّر له ما بينها من الخطايا ولو لم يأت بالسنن كما دل على ذلك رواية: " ما من مسلم يتطهر، فيتم الطهور الذي كتب الله عليه فيصلي هذه الصلوات الخمس إلا كانت كفارات لما بينهن " والطهور الذي كتب الله عليه أي الذي فرضه وأوجبه ومن جاء معه بالسنن والمستحبات كانت أشد تكفيراً كما في الروايات الأخرى والله أعلم.
 
3- أن المقصود بالذنوب التي تُغفر في هذه الروايات هي الصغائر دون الكبائر، وأما الكبائر فتكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى وفضله، دل على ذلك رواية: " كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله ".
 
4- خوف الصحابة - رضي الله عنهم - من كتمان العلم وهكذا طالب العلم لابد أن يتحلى بهذا الأدب في العلم ففي الحديث أن عثمان رضي الله عنه أراد ألا يحدِّث بهذا لولا خوفه من الآية التي نزلت في أهل الكتاب وذكرها وبينها عروة هنا بأنها هي قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾ [البقرة: 159]، فحينما تدعو الحاجة لبيان العلم يجب على طالب العلم بيان ذلك.
 
مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الطهارة)

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣