أرشيف المقالات

موعظة على أنغام راقصة - محمد علي يوسف

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
المطربان - أو من يفترض أنهما مطربان - يعظان المستمع الذي انتدبه حظه ليجلس في وسيلة المواصلات متدبرا تلك الموعظة..
 
وعلى أنغام المهرجانات الصارخة يشدو الواعظان - عذرا - أقصد المطربان ليحذر انك من ألاعيب الشيطان الذي يقعدك عن العمل ويؤخرك عن الصلاة ويمنعك عن التوبة والإقلاع عن المخدرات ..
 
رسالة سامية هي بلا شك ومعانٍ يشكران عليها لكنك أيضا سترقص عليها هكذا يعدانك في مطلع المهرجان ارقص وامرح ولتتعظ بالمعاني السامية في الوقت نفسه يبدو أننا في زمان لم يعد فيه ذلك تناقضا..
 
أو أنني لم أعد أفهم:
أعترف أنني مؤخرا صرت لا أستوعب كثيرا من الأنماط التي تحيط بنا رغم اعتنائي واهتمامي القديم بالأنماط البشرية وتباينها للدرجة التي جعلتني أصنف منذ أعوام كتابا كاملا يحمل الاسم نفسه إلا أنني أشعر مؤخرا أن الأمور ليست على ما يرام وأن وتيرتها قد تجاوزتني ثمة شخصيات وأنواع من البشر لم أعد أستطيع فهمها أو إدراك حقيقة المزيج المعقد الذي صارت إليه..
 
مزيج عجيب غريب ومريب فعلا مريب ذلك الاختلاط المربك بين معاني الدين وشعائره وسمته وبين ضد ذلك كله أعلم أن طبيعة النفس البشرية التي أُلهمت فجورها وتقواها وهُديت النجدين تحتمل وجود تلك المتناقضات..
 
وأدرك أيضا أن الإنسان كان ولم يزل وسيظل يخطيء ويصيب، ويزل وثبت، ويضعف ويصمد وكل ذلك يجتمع فيه جنبا إلى جنب ويتبادل الظهور في واقعه كل حين..
 
لكن دائما كانت هناك غلبة لجانب على الآخر دوما كان يغلب على الشخص أو على الأقل يغلب على ظاهره سمت يرجح إحدى الكفتين الخير أو الشر..
 
الجديد عليَّ والمربك بالنسبة لي أن ذلك صار يحدث في الآن نفسه!
 
نموذج الشخص المتدين ذي السمت الطيب والمتمسك بالهدي الظاهر وهو في الوقت نفسه يجهر بكبائر يعلم جيدا أنها كذلك ارجع مرة أخرى للفعل الذي استعملته لتدرك مقصدي يجهر هذا هو الجديد عليّ كلنا يعصي وكلنا ذوو خطأ لكن الجهر والاستعلان والفجاجة بل وإن شئت فقل الوقاحة فهذا هو الجديد الذي لا يمكنني إلفه ولا أظن أنني سأفعل..
 
المتدين شخص غير معصوم وكما سبق وأشرت أنه سيخطيء لا محالة لكن هل نزل دين جديد أو تجدد هبوط الوحي من السماء يحمل نسخة معدلة لم نسمع عنها إلا هذه الأيام نسخة منتجها النهائي شخص متسنن ظاهرا بينما بذاءته طافحة وقذفه للأعراض صارخ شخص مضحي صداع بالحق لكنه في الوقت نفسه لا يتورع عن كوارث سلوكية..
 
أناس يبدو عليهم التدين ويظهر عليهم التنسك وتستشف فيهم الاستقامة ثم لا تلبث إلا وتفاجأ بطامات أخلاقية بل وعقدية والجديد والمربك مرة أخرى أنها ليست خفية والأدهى والأمَرُّ أنها غير قابلة للتأول هم يعرفون ويقرون أنها طامات وكوارث منذ زمن ليس بالبعيد كانت نوعية الزلات والأخطاء بل والخطايا مختلفة كانت موجودة بلا شك لكنها كانت ضعيفة منكسرة وإن كبرت وفحشت كانت تصر على التخفي ولا تجرؤ على التبجح وكان صاحبها إن كشف ستر الله عنه لا يكابر ولا يبرر ولا يماري أو ينافح عنها طالما ظل مصرا على التمسك بكونه طالب هداية وراجي استقامة..
 
فإن قرر التمادي واختار التبجح بالفجور كان لديه من الاتساق النفسي ما يؤهله للاعتراف بحقيقة ما حدث له من هذا المنطلق كان يستطيع أن يرجع ويصلح لأنه ببساطة يدرك أنه قد فسد وأفسد والاعتراف بوجود مشكلة هو بداية طريق حلها..
 
أما أن تكون مسخا:
أن تكون مزيجا متداخلا لا لون له ولا هوية أن تخدر صوت الحقيقة في نفسك بمسكنات السخط على واقع المتدينين أو الإحباط من مواقف بعضهم أو حتى كثير منهم وتعليل خلطك العجيب بصدمتك فيهم وجعل سخطك عليهم أو إحباطك منهم مبررا لتدمير كل الثوابت التي كنت ولا زلت في قرارة نفسك تعرفها فعذرا هذا لن يغير من حقيقة الخليط العجيب الذي صرت إليه خليط مربك مريب يلقي في الروع نفس الحيرة التي تطرأ عليه حين الموعظة الدينية الصريحة على أنغام مهرجان راقص مهرجان شعاره وشعار المرحلة.
 
 إلعب ياللا..

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢