الخشوع في الصلاة
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
الخشوع في الصلاةيقول الله عز وجل في مطلع سورة المؤمنون: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2] جاء في تفسير الآية الكريم: "تستشعر قلوبُهم رهبة الموقف في الصلاة بين يدي الله، فتسكن وتخشع، فيسري الخشوعُ منها إلى الجوارح والملامح والحركات، ويغشى أرواحهم جلالُ الله في حضرته، فتختفي من أذهانهم جميع الشواغل، ولا تشتغل بسواه".
قال صلى الله عليه وسلم: (( يوشك أن تدخل مسجدَ الجامع فلا ترى فيه رجلاً خاشعًا))؛ رواه ابن ماجة بسند صحيح عند الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أول شيء يُرفَعُ من هذه الأمة الخشوعُ، حتى لا ترى فيها خاشعًا))؛ حديث حسن صحيح، رواه الطبراني بإسناد حسن؛ "الترغيب والترهيب" (1 / 354 ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ينظر الله إلى عبد لا يقيمُ صلبَه بين ركوعه وسجوده)) حديث حسن؛ رواه أحمد بإسناد جيد.
الخشوع بصفة عامة هو التذلل لله وخضوع القلب له عز وجل، والاستسلام لحكمه جل جلاله، ولن يتحقَّق ذلك إلا لمن عرف اللهَ، واستحضر عظمةَ العلي القدير، والخشوع يكون أولاً بالقلب ثم بالجوارح، فلا صلاة بدون خشوع، وهذا ما أكَّده الرسول الكريم في الحديث الشريف: ((إن العبد لينصرفُ من صلاته ولم يُكتَب له منها إلا نصفها، إلا ثلثها...
حتى قال: إلا عشرها)).
فالصلاة التي يقبلها الله، ويكفّر بها السيئات، هي التي يُحسِنُ المؤمن أداءها، قال صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ)).
وحالنا مع الصلاة لخَّصه قول الشيخ أبي العباس السبتي دفين مراكش رحمه الله بقوله:
وكم من مُصلٍّ ما له من صلاته سوى رؤية المـِحراب والخفض والرفعِ
يـرى شخصه فوق الحصيرة قائمًا وهمَّتُه في السوق في الأخذ والدفعِ
أسباب عدم الخشوع في الصلاة: 1- محبةُ غير الله، وتعلق القلب بغيره عز وجل.2- عدم إدراك عظمة الله وخشيته.3- الانشغال بالدنيا وملذاتها.4- الجهل بفقه الصلاة.
أسباب الخشوع في الصلاة:1- تعلم فقه الصلاة.
2- الاستعداد لها بحسن الوضوء.
3- الذهاب إليها بسكينة ووقار.
4- حضور القلب وتعظيم الرب.
5- مع تكبيرة الإحرام، ارمِ الدنيا ومشاغلها وراءَ ظهرك.
6- أن تنظر محل السجود وعدم الالتفات.
7- أن تتدبر ما تقرؤه من القرآن؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول)): قال الله تعالى: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين - ولعبدي ما سأل - فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حَمِدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم.
قال الله تعالى: أثنَى عليَّ عبدي.
وإذا قال: مالك يوم الدين.
قال: مجَّدني عبدي - وقال مرة: فوَّض إليَّ عبدي - فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين.
قال: هذا بيني وبين عبدي - ولعبدي ما سأل - فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
وفي رواية: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي")) رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
8- أن تتكلم مع الله في السجود وأنت تناجيه.
نحن طَوال الوقت منشغلون عن الله بدنيانا وشهواتنا، ونأتي إلى الصلاة التي هي حقُّه عز وجل، وننشغل عنه بسفاسف الأمور، وهذا - والله - عيبٌ وعار.
قال الشيخ شرف الدين، إسماعيل بن المقري اليمني، رحمة الله عليه، يصف حال الذين لا يخشعون في الصلاة ويصلون وقلوبهم لاهية:
تصلِّي بلا قلب صلاةً بمثلها يكون الفتى مستوجبًا للعقوبةِ
فويحك تدري من تناجيه معرضًا وبين يَدي من تنحني غيرَ مخبِتِ
تخاطبه "إياك نعبد" مقبلا على غيره، فيها، لغير ضرورةِ
ولو رد من ناجاك للغير طرفه تميَّزت من غيض عليه وغيرةِ
أما تستحي من مالك الملك أن يرى صدودَك عنه يا قليلَ المروءةِ؟
صلاةٌ أقيمت يعلم الله أنها بفعلك فيها طاعة كالخطيئةِ
وأقبح منها أن تُذلَّ بفعلها كمن قلَّد المذلول فعلَ صنيعةِ
وأن يعتريك العُجب أيضا بكونها على ما حَوَتْه من رياءٍ وسمعةِ
ذنوبك في الطاعات وهي كثيرة إذا عددت تُغنيك عن كلِّ زلَّةِ
إلى كم تمادى في الغرور وغفلة وكم هكذا يوم، متى يوم يقظةِ؟
لقد ضاع عمر ساعة منه تُشترَى بملء السَّما والأرض أيّة ضيعةِ
أتنفق هذا في هوى هذه التي أبى الله أن تسوى جناح بعوضةِ
أيا ذُرةً بين المزابل ألقيت وجوهرةً بيعت بأبخس قيمةِ
أباقٍ بفانٍ تشتريه سفاهةً؟! وسخطًا برضوان، و نارًا بجنةِ؟!
أأنت صديقٌ أم عدوٌّ لنفسه فإنك ترميها بكل مصيبةِ؟
ولو فعل الأعدا بنفسك بعض ما فعلت لمسَّتهم لها بعض رحمةِ
لقد بِعتَها حُزني عليك رخيصةً وكانت بهذا منك غير حقيقةِ
فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك