خطب ومحاضرات
الموت خاتمتك أيها الإنسان
الحلقة مفرغة
الحمد لله الذي قهر بالموت رقاب الجبابرة، وكسر به ظهور الأكاسرة، وقصّر به آمال القياصرة؛ حتى جاءهم الوعد الحق فأرداهم في الحافرة، فنقلوا من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة الجواري والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان، ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ في التراب، ومن أنس العشرة إلى وحشة الوحدة، ومن المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل، فانظر هل وجدوا من الموت حصناً وعزاً؟ وهل اتخذوا من دونه حجاباً وحرزاً؟ وانظر هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً؟
فسبحان من انفرد بالقهر واستأثر باستحقاق البقاء، وأذل ضعاف الخلق بما كتب عليهم من الفناء، ثم جعل الموت مخلصاً للأتقياء وموعداً في حقهم للقاء، وجعل القبر سجناً للأشقياء وحبساً ضيقاً عليهم إلى يوم الفصل والقضاء، فله الإنعام بالنعم المتظاهرة، وله الانتقام بالنقم القاهرة، وله الشكر في السماوات والأرض، وله الحمد في الأولى والآخرة، والصلاة على محمد ذي المعجزات الظاهرة والآيات الباهرة، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
النطق بالتوحيد عند الموت
وفي رواية أخرى زيادة: ومن قال في مرضه -يعني: ذلك كله- ثم مات لم يدخل النار وإسناده جيد.
هذا الحديث ينبئ أن الإنسان إذا وفق إلى النطق بهؤلاء الكلمات عند حضور الموت وعند انقضاء الأجل، فإن هذه عصمة له من النار، فهذه إحدى علامات حسن الخاتمة، فعلى الإنسان أن يحفظ هذه الأذكار ليختم به حياته، أو إذا شاهد رجلاً يحتضر وقد قارب الموت، فليلقنه هؤلاء الكلمات؛ طمعاً في هذا الثواب العظيم والفضل الجزيل. من رزقهن عند موته لم تمسه النار أي: من وفق إليها عند موته لم تمسه النار.
فما من شك أن هذا العلم مما يحتاج إليه في أشد الأوقات صعوبة على الإنسان، وهذه اللحظة لا يوجد إنسان على وجه الأرض ينكر أنه لن تأتيه هذه اللحظة آجلاً أو عاجلاً.
إنك ميت وابن مـيتٍ وذو نسبٍ في الهالكين عريق
فكلٌ منا كما مات آباؤه وأجداده سوف تأتيه هذه اللحظة، فليستعد لها بما ينجيه من الأهوال التي بعدها، وأول ذلك أن يحفظ هذه الكلمات ويحفظها من يحبهم ومن يلوذون به، لعلهم ينجون بذلك، وجماع هذا الذكر أن يقول: لا إله إلا الله والله أكبر، لا إله إلا الله وحده، لا إله إلا الله لا شريك له، لا إله إلا الله له الملك وله الحمد، لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والتوفيق إلى النطق بهذه الكلمات عند الموت من علامات حسن الخاتمة.
ويقودنا الكلام في هذا الأمر إلى علامات أخرى مما يستأنس ويستدل بها على حسن خاتمة الإنسان، وقد بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعض هذه العلامات في جملة من الأحاديث الصحيحة، وأعظم هذه العلامات أن يوفق إلى النطق بهذه الأذكار.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه لا إله الله دخل الجنة، وعن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: رأى عمر طلحة بن عبيد الله ثقيلاً، فقال: مالك يا أبا فلان! لعلك ساءتك ابنة عمك يا أبا فلان؟! -يعني: هل زوجتك ضايقتك فأنت ثقيل من أجل هذا؟- قال: لا، وأثنى على أبي بكر ، ثم قال: فإني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ما منعني أن أسأله عنه إلا القدرة عليه حتى مات، سمعته يقول: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه، ونفس الله عنه كربته، فقال عمر : إني لأعلم ما هي. قال: وما هي؟ قال: تعلم كلمة أعظم من كلمة أمر بها عمه عند الموت: لا إله إلا الله، قال طلحة : صدقت! هي والله هي. أخرجه الإمام أحمد وإسناده صحيح.
فمن أعظم علامات حسن الخاتمة أن يوفق الإنسان للنطق بكلمة لا إله إلا الله؛ بحيث تكون آخر كلامه، والعلماء مختلفون هل يتمها فيقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله؟
والأقرب إلى الأحاديث أن يقتصر على شهادة التوحيد، فيكون آخر كلامه: لا إله إلا الله.
فمن حضر إنساناً يحتضر فعليه أن يلقنه إياها بلطف، فإذا حصل منه بعد أن نطق بكلمة التوحيد كلاماً آخر، فعليه أن يوجهه إلى تكرارها؛ حتى تكون آخر كلامه.
عرق جبين الإنسان عند الموت إحدى علامات حسن خاتمته؛ لحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: أنه كان بخراسان وعاد أخاً له وهو مريض، فوجده للموت، فإذا هو يعرق جبينه، فقال: الله أكبر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: موت المؤمن بعرق الجبين، فهذه علامة موت المؤمن، وهي أيضاً من علامات حسن الخاتمة.
الموت برشح الجبين
الموت يوم الجمعة أو ليلتها
لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر).
الاستشهاد في ساحة القتال
قال الله تبارك وتعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:169-171].
وفي ذلك أحاديث منها قوله صلى الله عليه وآله سلم: للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه، وهذه كلها للشهيد.
ومن أجل ذلك وجدنا المجاهدين في جميع الأعصار يتسابقون إلى الموت في سبيل الله تبارك وتعالى؛ لأن هذا أكثر ما يضمن به الإنسان غفران ذنوبه، ويؤمن أنه سوف ينتقل إلى الجنان وإلى النعيم في جوار الرحمن تبارك وتعالى، وأعظم ما يفزع أعداء المسلمين أن تستيقظ فيهم حاسة الجهاد، وينادى فيهم بالجهاد المقدس في سبيل إعلاء كلمة الله تبارك وتعالى، حتى اليهود في هذا الزمان وفي هذه الأوضاع التي نعيشها اليوم، أخوف ما يخافون أن يعود النداء الديني أو الجهاد الديني المقدس، فهذا هو الذي يهابونه، أما العلمانيون، أما الفلسطينيون الذين يريدون أن يحرروا الأرض، ويقيمون الدولة العلمانية، وينالون المآرب؛ فهؤلاء لا يساوون عند اليهود جناح بعوضة، لكن أخوف ما يخافه اليهود -مع الضعف الذي عليه المسلمون الآن- أن يعود المسلمون إلى الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، فهم يعلمون أن ذلك كائن، كما نعلم ذلك نحن أيضاً.
لما رفعت راية الجهاد نقية من الشوائب في أفغانستان، هرع آلاف الشباب من جميع أقطار الأرض يلبون ذلك النداء ويبذلون دماءهم، حتى كان بعض الإخوة -رحمهم الله- إذا نزلوا في المطار في باكستان يمزقون جوازات السفر، إمعاناً في إشهاد الله أنهم لا يريدون العودة من حيث أتوا، وإنما يريدون أن يذهبوا إلى الجنة من خلال الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، فكان ما كان من إعادة لنماذج السلف الصالح رضي الله عنهم في البذل والتضحية في سبيل هذا الدين.
فانظر كيف يكون الأمر لو كان هذا الجهاد في القدس أو في سبيل تحرير المسجد الأقصى، أو استعادة فلسطين المسروقة المبيعة، فما من شك أن اليهود لهم حق في أن يخافوا من عودة النداء للجهاد الإسلامي في سبيل الله تبارك وتعالى، وما من شك أن هذا كائن لا محالة، ونجزم بذلك تماماً كما نجزم بأن الشمس ستشرق غداً من المشرق.
الشاهد أن الذي يدفع المسلم إلى الجهاد، وخوض ساحات القتال في سبيل الله؛ هو الطمع في الثواب، واليقين بأن ما عند الله خير وأبقى.
من لم يمت بالسيف مات بغيره تنوعت الأسباب والموت واحد
ويعلم أيضاً أنه لن يموت إلا بأجل قد كتبه الله وقدره، كما يقول الشاعر:
أي يومي من الموت أفر يوم لا قدر أو يوم قدر
يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر
وكما قال أبو بكر رضي الله عنه ناصحاً خالداً رضي الله عنه: احرص على الموت توهب لك الحياة.
وقال خالد رضي الله تعالى عنه وهو يحتضر: ما من موضع في بدني إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح، وهأنذا أموت على سريري كما يموت البعير! فلا نامت أعين الجبناء.
والسر الذي لا يفقهه أعداء الإسلام، أن المسلم إذا قتل عدواً من أعداء الله أو قتله عدو الله؛ فإن له الثواب الجزيل عند الله تبارك وتعالى، يقول عليه الصلاة والسلام: للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه
ربما تقاعس الإنسان عن الجهاد في سبيل الله خشية أن يلقى الله فيؤاخذه الله بذنوبه، فمهما كانت ذنوبه إذا أقبل على الشهادة في سبيل الله، فالشهادة ضمان وتأمين أن تغفر جميع ذنوبه بأول دفعة تخرج من دمه، كما قال عليه الصلاة والسلام: إن السيف محاءٌ للخطايا.
وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً قال: يا رسول الله! ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟! قال صلى الله عليه وسلم: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة.
فمن أجل فتنته وامتحانه واقتنائه لأسمى الجهاد، فإن الجزاء من جنس العمل، فإن الله يقيه الفتنة إذا نزل في قبره بخلاف كل مؤمن، فإن كل مؤمن يفتن في قبره، ويضيق عليه حتى تختلف أضلاعه -أي: ضلوع الصدر تتشابك من شدة الضغط-، فهذه الضغطة لا ينجو منها أحد، ولو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ ، ولنجا منها هذا الصبي كما أخبر عليه الصلاة والسلام.
أيضاً ترجى هذه الشهادة لمن سألها مخلصاً من قلبه ولو لم يتيسر له الاستشهاد في المعركة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه.
فالعبرة بالصدق وبالنية، فمن طلب الله عز وجل الشهادة وكان صادقاً وجازماً بأنه إذا رفعت راية الجهاد في سبيل الله، فإنه لن يتقاعس وسيقدم على بذل روحه ومهجته، فإن الله يكافئه بهذه النية، فيبلغه منازل الشهداء وإن مات على فراشه.
الموت في الغزو
يقول صلى الله عليه وسلم: (ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: إن شهداء أمتي إذاً لقليل. قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد) أخرجه مسلم .
الموت بالطاعون
فعن حفصة بنت سيرين قالت: قال لي أنس بن مالك رضي الله عنه: بم مات يحيى بن أبي عمرة ؟ قلت: بالطاعون. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطاعون شهادة لكل مسلم) أخرجه البخاري .
وعن عائشة رضي الله عنها: (أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرها نبي الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان عذاباً يبعثه الله على من يشاء، فجعله الله رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابراً يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر الشهيد) أخرجه البخاري وغيره.
الموت بداء البطن
وفيه حديثان:
الأول: قوله عليه الصلاة والسلام: (ومن مات في البطن فهو شهيد) والظاهر أنه التهاب بالبرتوريا أو نحو هذا.
الثاني: عن عبد الله بن يسار قال: كنت جالساً وسليمان بن صرد وخالد بن عرفطة ، فذكروا أن رجلاً مات ببطنه، فإذا هما يشتهيان أن يكونا شهداء جنازته، فقال أحدهما للآخر: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره) فقال الآخر: بلى، وفي رواية: صدقت.
الموت بالغرق أو النفاس
لقوله صلى الله عليه وسلم: (الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله) متفق عليه.
ومن هذه العلامات أيضاً: موت المرأة في نفاسها:
أي: بسبب ولدها؛ لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد
الموت بالحرق وذات الجنب
وفيها أحاديث أشهرها حديث جابر بن عتيك مرفوعاً: (الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحرق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيدة).
الموت دفاعاً عن المال أو الدين أو النفس
مثل إنسان يهجم عليك يريد أن يغتصب مالك، فأنت تدفع هذا الصائل، فلو قتلت في حالة الدفاع؛ فأنت شهيد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون ماله فهو شهيد).
وفي رواية: (من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد) أخرجه الشيخان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك. قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله. قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد. قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار) أخرجه مسلم .
العلامتان الرابعة عشرة والخامسة عشرة: الموت في سبيل الدفاع عن الدين والنفس:
يقول صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد).
الموت في الرباط
والرباط أن يذهب إلى ثغر من ثغور المسلمين التي تواجه الأعداء، ويقف حارساً لهذه الثغور، فهذا هو الرباط، قال صلى الله عليه وسلم: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان) رواه مسلم والنسائي وغيرهما.
وقال صلى الله عليه وسلم: (كل ميت على عمله إلا الذي مات مرابطاً في سبيل الله؛ فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر).
الموت على عمل صالح
أي: أن يموت الإنسان على عمل من الأعمال الصالحة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن صام يوماً ابتغاء وجه الله ختم له به دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة).
هذه هي العلامات التي يمكن حصرها، ولعل غيرها كثير؛ لكن هذا ما أمكن حصره كما جمعها الشيخ الألباني -حفظه الله- في كتابه: (أحكام الجنائز وبدعها).
وإذا كان الإنسان لا يضمن متى يأتيه أجله، فعليه أن يكون مستعداً بالأعمال الصالحة والنوايا الصالحة، حتى إذا ما جاءه الأجل كان مستعداً للقاء الله تبارك وتعالى.
عن الأغر أبي مسلم أنه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قال العبد: لا إله إلا الله، والله أكبر قال الله عز وجل: صدق عبدي، لا إله إلا أنا، وأنا أكبر، وإذا قال العبد: لا إله إلا الله وحده، قال: صدق عبدي، لا إله إلا أنا وحدي، وإذا قال: لا إله إلا الله لا شريك له، قال: صدق عبدي، لا إله إلا أنا، ولا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلا الله له الملك وله الحمد قال: صدق عبدي، لا إله إلا أنا، لي الملك ولي الحمد، وإذا قال: لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله قال: صدق عبدي، لا إله إلا أنا، ولا حول ولا قوة إلا بي، من رزقهن عند موته لم تمسه النار أخرجه الترمذي وابن ماجة وابن حبان وأبو يعلى في مسنده وعبد بن حميد في المنتخب، وقال الترمذي : حديث حسن غريب، وقال الألباني : إسناده صحيح.
وفي رواية أخرى زيادة: ومن قال في مرضه -يعني: ذلك كله- ثم مات لم يدخل النار وإسناده جيد.
هذا الحديث ينبئ أن الإنسان إذا وفق إلى النطق بهؤلاء الكلمات عند حضور الموت وعند انقضاء الأجل، فإن هذه عصمة له من النار، فهذه إحدى علامات حسن الخاتمة، فعلى الإنسان أن يحفظ هذه الأذكار ليختم به حياته، أو إذا شاهد رجلاً يحتضر وقد قارب الموت، فليلقنه هؤلاء الكلمات؛ طمعاً في هذا الثواب العظيم والفضل الجزيل. من رزقهن عند موته لم تمسه النار أي: من وفق إليها عند موته لم تمسه النار.
فما من شك أن هذا العلم مما يحتاج إليه في أشد الأوقات صعوبة على الإنسان، وهذه اللحظة لا يوجد إنسان على وجه الأرض ينكر أنه لن تأتيه هذه اللحظة آجلاً أو عاجلاً.
إنك ميت وابن مـيتٍ وذو نسبٍ في الهالكين عريق
فكلٌ منا كما مات آباؤه وأجداده سوف تأتيه هذه اللحظة، فليستعد لها بما ينجيه من الأهوال التي بعدها، وأول ذلك أن يحفظ هذه الكلمات ويحفظها من يحبهم ومن يلوذون به، لعلهم ينجون بذلك، وجماع هذا الذكر أن يقول: لا إله إلا الله والله أكبر، لا إله إلا الله وحده، لا إله إلا الله لا شريك له، لا إله إلا الله له الملك وله الحمد، لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والتوفيق إلى النطق بهذه الكلمات عند الموت من علامات حسن الخاتمة.
ويقودنا الكلام في هذا الأمر إلى علامات أخرى مما يستأنس ويستدل بها على حسن خاتمة الإنسان، وقد بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعض هذه العلامات في جملة من الأحاديث الصحيحة، وأعظم هذه العلامات أن يوفق إلى النطق بهذه الأذكار.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه لا إله الله دخل الجنة، وعن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: رأى عمر طلحة بن عبيد الله ثقيلاً، فقال: مالك يا أبا فلان! لعلك ساءتك ابنة عمك يا أبا فلان؟! -يعني: هل زوجتك ضايقتك فأنت ثقيل من أجل هذا؟- قال: لا، وأثنى على أبي بكر ، ثم قال: فإني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ما منعني أن أسأله عنه إلا القدرة عليه حتى مات، سمعته يقول: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه، ونفس الله عنه كربته، فقال عمر : إني لأعلم ما هي. قال: وما هي؟ قال: تعلم كلمة أعظم من كلمة أمر بها عمه عند الموت: لا إله إلا الله، قال طلحة : صدقت! هي والله هي. أخرجه الإمام أحمد وإسناده صحيح.
فمن أعظم علامات حسن الخاتمة أن يوفق الإنسان للنطق بكلمة لا إله إلا الله؛ بحيث تكون آخر كلامه، والعلماء مختلفون هل يتمها فيقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله؟
والأقرب إلى الأحاديث أن يقتصر على شهادة التوحيد، فيكون آخر كلامه: لا إله إلا الله.
فمن حضر إنساناً يحتضر فعليه أن يلقنه إياها بلطف، فإذا حصل منه بعد أن نطق بكلمة التوحيد كلاماً آخر، فعليه أن يوجهه إلى تكرارها؛ حتى تكون آخر كلامه.
عرق جبين الإنسان عند الموت إحدى علامات حسن خاتمته؛ لحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: أنه كان بخراسان وعاد أخاً له وهو مريض، فوجده للموت، فإذا هو يعرق جبينه، فقال: الله أكبر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: موت المؤمن بعرق الجبين، فهذه علامة موت المؤمن، وهي أيضاً من علامات حسن الخاتمة.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
قصتنا مع اليهود | 2628 استماع |
دعوى الجاهلية | 2563 استماع |
شروط الحجاب الشرعي | 2562 استماع |
التجديد في الإسلام | 2515 استماع |
تكفير المعين وتكفير الجنس | 2508 استماع |
محنة فلسطين [2] | 2467 استماع |
انتحار أم استشهاد | 2440 استماع |
تفسير آية الكرسي | 2405 استماع |
وإن عدتم عدنا | 2397 استماع |
الحقوق الزوجية المشتركه | 2383 استماع |