أرشيف المقالات

الأبناء والصيف.. نقتل الوقت أم يقتلنا؟!

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
بدأت الإجازة الصيفية وفيها يتضخم حجم الفراغ لدى الأبناء والشباب، وتنحو الأسر مناحٍ مختلفة من حيث استثمارها للوقت، خاصة أن الإجازة الصيفية تقارب مائة يوم أي ما يعادل 3000 ساعة من عمر أبنائنا، وفي كل عام يتجدد السؤال وتتجدد الحيرة، كيف سيُمضي الأبناء الإجازة؟ وتكون الإجابة عند كثيرين: في النوم، والنزهة، وأمام التلفاز، وشاشات الحاسوب، فما الإجازة عند هؤلاء سوى ضياع للوقت، ومن ثم أثر سلبي في الصحة، وتنمية الكسل والتراخي في الأبناء، ثم تتعالى صرخات الوالدين بعد ذلك مستغيثة من جيل هذه الأيام، ونتناسى أننا نحن من ساهم بطريقة جيدة في صناعة هذا الجيل المتراخي الهش.
فكيف ينعم أبناؤنا بإجازة سعيدة- بإذن الله- بما يعود عليهم بالفائدة والترويح الممتع في إطار شرعي؟ هذا ما يجيب عليه التحقيق التالي:

• رأي الأمهات:

تقول بعض الأمهات: في بداية الإجازة أجلس أنا وزوجي مع الأبناء، ونضع برنامجاً للإجازة، ونترك لكل واحد منهم وضع التصور الذي يراه، ثم نناقش كل برنامج على حدة، ونقارب بين أفكارهم، ونتفق على نقاط محددة كي ننفذها، وأتدخل أنا وزوجي لإضافة بعض الفقرات في برنامجهم- لأنه لا يخرج عن نطاق الترفيه والمنتزهات- فنضيف لهم برنامجاً دينياً يومياً مع تذكيرهم بأن الإجازة هي أيام من عمر الإنسان ولا يليق بالمسلم أن يضيع كل عام ثلاثة أشهر من حياته هباءً، وبالطبع كل عام يختلف في برنامجه عن العام الذي يسبقه، مع ضرورة وجود الثوابت كل عام، مثل القيام بعمرة، وزيادة البرنامج الديني؛ حيث إنهم مشغولون طَوال العام بالاستذكار ومتابعة الدروس وفي الإجازة فرصة عظيمة لأن يكون هناك استزادة من حفظ القرآن وقراءة السيرة وغير ذلك.
 

• الفراغ مفسدة:
يقول محمد عمران- أب لستة أبناء-: لابد من شغل وقت الأبناء في الإجازة بما يفيدهم لأن الفراغ فعلاً مفسدة خاصة في هذا الزمن الذي تمتلئ فيه الشوارع والطرقات بالأولاد الذين لا يراعون حرمة الطريق فلا تدري وأنت سائر في طريقك إلى المسجد من أين ستأتيك الكرة ولو كان لأمثال هؤلاء الأبناء ما يشغل وقت فراغهم في الإجازة لما رأيت كل هذه الطاقات المعطلة.

ولابد أن يكون هناك وعي وتثقيف للأسر أولاً لأن كل شاب يتسكع في الطرق يؤذي غيره، وكل من يعاكس الفتيات وراءه أسرة غير واعية ومغيبة وغافلة عن دورها وإلا لما قذفت بأبنائها لرفقاء السوء هكذا، ولو أن كل أسرة عملت بمنهج الإسلام وعلمت أن خير الأنام عمل برعي الغنم (وهو ابن ثماني سنوات وليس شاباً جامعيّاً وكان من أشرف الأسر وأعلاها منزلة حينذاك) ما كان هذا حال شباب الأمة، ولعمل الأبناء فيما يعود عليهم بالكسب وشغل الوقت بالنافع المفيد، فلابد من التوازن بين العمل النافع المفيد وبين الاستمتاع بالإجازة.

• فرصة ذهبية:
يقول إبراهيم بن مبارك- أب لأربعة أبناء-: هناك بعض الأمور التي تُعين الشاب على عمارة وقته وحياته في الإجازة وهي: حفظ القرآن أو شيء منه، وكم يمر على أبناء المسلمين إجازة تلو إجازة دون أن يحفظوا القرآن الكريم أو جزءاً منه، فيجب أن نعوِّد الأبناء على أن يحفظوا خلال هذه الإجازة على الأقل خمس آيات يوميّاً، وأيضاً قراءة السنة النبوية وفهمها، وكتاب رياض الصالحين ففيه خير كثير، وكذلك الحرص على أداء العمرة وزيارة الحرمين وكذلك الحرص على الكسب وتعلم صنعة أو مهارة؛ فالإجازة ليس معناها النوم والسهر؛ بل يجب أن يكون هناك عمل صيفي يتكسب من ورائه، أو الدخول في دورات حاسب آلي أو مهنة يتعلم منها مهارة من المهارات كالسباكة والكهرباء.

وقد تفيد الإجازة في تقوية الضعف الدراسي حيث إن بعض الطلاب يعاني ضعفاً في بعض المواد الدراسية كالإنجليزي والرياضيات وهذا يسبب له تأخراً في الدراسة، فلتكن الإجازة فرصة لإصلاح حاله في هذه المواد وغيرها.

وأنصح الشباب بالاشتراك في المراكز الصيفية، وأحذر من إطالة السهر التي تظهر جلية أيام الأجازات وأيضاً ظاهرة المعاكسات والتجول في الشوارع والأسواق بدون هدف وهذه ظاهرة مرضية فيها انتهاك لحرمات وأعراض المسلمين، وماذا يستفيد الشباب من هذا التجول؟ غير أنه يعرض نفسه للفتن التي لا تُحمد عقباها، فضلاً عن إهدار الوقت الذي سيسأل عنه أمام الله.

• ثلاثة أصناف:
الدكتور عائض القرني يقول: حين تأتيك العطلة الصيفية ينقسم شباب الإسلام إلى ثلاثة أقسام: ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات، فأما الأول فهو شاب ظن أن الحياة لعب ولهو وغناء وأكل وشرب ونوم وذهاب وإياب، وما عَلِم أن الله سوف يسأله عن كل دقيقة من دقائق حياته، وهذا الصنف يتحرى الإجازة بلهف ليذهب في كل مذهب، أما الصلوات فلا تسأل عنها فقد ضيّعها، وأما القرآن فهجره، وأما الذكر فلا يعرفه، وأما المسجد فما اهتدى إليه.

وأما الصنف الثاني فهو شاب مقتصد لم يقض الإجازة في معصية الله بل يقضيها في المباحات، يؤدي الفرائض، وينتهي عن المحرّمات، وينام نوماً عميقاً، فإذا استيقظ اشتغل بالزيارات والنزهات، فأين استثمار الوقت؟ أين القراءة؟ أين التلاوة؟ أين العلم والتعلم؟

وأما الصنف الثالث فهم السابقون بالخيرات وهؤلاء هم شباب الإسلام، ونجم التوحيد ، وكوكبة محمد- صلى الله عليه وسلم، وهم الفجر لهذا الدين، إنهم شباب عرفوا الحياة وعرفوا أنهم سوف يقفون بين يدي علام الغيوب، وعرفوا أن السلف الصالح استثمروا أوقاتهم في مرضاة الله.

هذا الشاب سابق بالخيرات، كتاب الله خِدنه ورفيقه وربيع قلبه، لا تفوته الصلوات ولا تكبيرة الإحرام في جماعة.

ويدعو الدكتور القرني الشباب أن يكونوا من السابقين بالخيرات الذين جعلوا ليلهم طاعة، ونهارهم تسبيح وزلفى وقربى من الله، كمصعب بن عمير، وسعد، وخالد .
كطارق وصلاح الدين، فالشباب هم أمل الأمة والمرشحون لقيادة البشرية.

• ترويح آمن:
الدكتور محمود عنان- أستاذ التربية الرياضية بجامعة حلوان- فيقول: إن من أهداف الترويح: الشعور بالاستمتاع نتيجة ممارسة بعض ألوان الأنشطة الترويحية متمثلة في الأعمال الإبداعية والابتكارية من قراءة وأعمال فنية وهوايات يبرز فيها الأبناء مهاراتهم، وكذلك النشاطات البدنية التي تكسب الصحة والتمتع بالقيم الإجمالية وممارسة خبرات جديدة نتيجة استخدام القدرات الفعلية ومن هنا فإننا نتوقع تغير السلوك نتيجة ممارسة تلك الأنشطة في اتجاه إيجابي لخدمة البيئة وقضايا التنمية وذلك للأسباب الآتية:
• الطاقة التي لا توجه إلى الخير سوف تستنزف في أعمال الشر.
• الطاقة التي لا تستثمر في الحلال سوف يساء استخدامها في الحرام.
• الفراغ الذي لا يحسن استثماره سوف يساء استخدامه.
• الترويح المباح هو الترويح الذي لا يرتبط أو يقترب من دائرة التحريم أو يؤدي إلى الحرام.
• الترويح المشروع لا يطغى في حجمه على العبادة أو العمل ويقول الله- سبحانه وتعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: من الآية77].
• يمكن قياس تقدم أي شعب من الشعوب عن طريق معرفة وسائله في استخدام وقت الفراغ.

• المراقبة مع حسن الظن:
يؤكد الدكتور عنان أهمية دور الوالدين فيقول: يجب علينا تشجيع كل ترويح إيجابي يعود على أبنائنا بالنفع والمتعة ونرفع-في الوقت نفسه- رايات التحذير الحمراء إزاء صور اللهو المنتشرة بالأندية، يبثها البعض عنوة ويعرضها الآخرون خفية، ويتداولها أطفالنا في سرية مثل: الصور العارية، والقصص الماجنة تحت اسم الأدب الواقعي أو الأدب المكشوف أو الأبيات الشعرية التي ترمز إلى عقائد أخرى.

ولعل بعض المراهقين يتزعمون شلة السوء، ويأخذون على عاتقهم عرض بعض أفلام الجنس الفاضحة، ولا يتصور البعض أن هناك بالنادي أو مركز الشباب بعض الأركان الخفية لعرض تلك الأفلام من خلال الفيديو الخاص (الشخصي) بحجم الكتاب الصغير.

والبعض الآخر يروج لأندية الجنس ذات الصور العارية والأوضاع المخلة، وهو ما يجرح الحياء ويدعو إلى الانحراف، كل هذه الأمور إنما تدخل في الكبائر، وعلى الآباء مكافحة ذلك بالمراقبة والتشديد والنصيحة والنهي عن مجالسة تلك الشلل بصورة أو بأخرى والحذر من أفكارها حتى لا نصل بالترويح إلى اللهو أو التسلية الماجنة.

• استقلال مشروط:
يضيف الدكتور عنان: من أدوارنا التربوية بوصفنا أولياء أمور للمراهقين والشباب أن نتيح لهم الاستقلال المشروط، وترشيح بعض الكتب التربوية والثقافية الهادفة، وسلاسل الهوايات، وتوفير بعض الألعاب الفكرية بالمنزل أو النادي، ثم إن ممارسة تلك الألعاب يجب أن تخلو من صور التحدي أو المراهنة.

• الألعاب الإلكترونية:
يوضح الدكتور عنان مخاطر الألعاب الإلكترونية فيقول: هذا مما عمت به البلوى؛ نظراً إلى ما لها من أضرار كثيرة على الأبناء، فلقد اجتذبت هذه الأجهزة عدداً كبيراً من الأطفال الذين يستخدمونها في أماكن خاصة بنظام التأجير بمدة محدودة (نصف ساعة أو ساعة أو أكثر) ولا مانع أن يجرب الطفل مثل هذه الألعاب ويستمتع بها أو ببعضها ويقضي بعض الوقت في اللعب ببرامجها، لكن القضية لا تكمن في ذلك بل إنها أعم وأشمل؛ حيث إن مثل هذه الأجهزة الكبيرة ألغيت وأصبح استخدامها محظوراً في عدد من الدول بعد أن تنبهوا إلى مخاطرها، فالطفل يجعل من تلك الألعاب عالماً خاصاً له يشغله عن عمله وصلواته -أي دينه ودنياه- ثم إن الطفل قد يستنزف نقوده ويضطر إلى الاقتراض من زملائه، وقد يتبارى البعض في هذه الألعاب بنظام المقامرة والمراهنة، فضلاً عن تعرض الطفل إلى بعض الإشعاعات المنبعثة من تلك الأجهزة، وقد يتحول الترويح المشروع هنا إلى ألوان من اللهو المسرف.

ومن العجيب في هذه الأيام تطور تلك الألعاب وبرامج الكمبيوتر المتخصصة لتشمل أفلاماً كاملة عن الجنس بالصوت والصورة وقد تنبه بعض المسؤولين في البلاد العربية إلى المخاطر المصاحبة لتلك الأندية الخاصة بالألعاب الإلكترونية، فأُغلقت وصودرت أجهزتها، وكنوع من الحيل فقد اقتنى البعض مثل هذه الأجهزة بصورة مصغرة في المنازل، ويبدو هنا دور الأسرة في تنظيم أوقات الطفل فيما بين اللعب والعبادة وإلا أصبحت أيضاً نوعاً من اللهو الذي قد يستمر أياماً وشهوراً، ويصاب أطفالنا عقبه بالاستهتار والإهمال وعدم المبالاة في دينهم ودنياهم.

• المراكز الصيفية:
يقول الدكتور خالد الشنتوت- كاتب إسلامي وباحث تربوي بالمدينة المنورة-: من أفضل وسائل تكوين الرفاق الصالحين المخيمات الإسلامية والمراكز الصيفية، وهذه المراكز تشبع عدة حاجات- روحية ونفسية واجتماعية- للأطفال والشباب، ولأن معظم أفراد هذه المخيمات أو المراكز من الفتيان المنتقين إسلاميّاً، فإنها أفضل البيئات لانتقاء الرفقة الصالحة، وينبغي للأخ المسلم أن يرسل أولاده إلى هذه المخيمات ولو كانت بعيدة، وعليه أن يخطط عطلته وفقاً لهذه المخيمات والمراكز نظراً لأهميتها، وأن يتحمل النفقات- إن وجدت- من أجل تربية أولاده تربية إسلامية.

وعندما نسلم بأن المراهقة حبس الطاقات المتفجرة عند الفتى، وهو ما يدفعه إلى البحث عن رفاق سوء ليشغل وقته ويصرف هذه الطاقة الفائضة المحبوسة، فإن المعسكرات أفضل الوسائل لصرف هذه الطاقات بالعمل والتدريب والأنشطة والتعلم إضافة إلى إشباع الحاجات المتعددة.

فالحاجات الروحية المتفجرة عند الشباب تشبعها إقامة الصلوات الخمس جماعة في المخيم، إضافة إلى التهجد قبل الفجر، وصلاة القيام في جوف الليل، وتلاوة القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار، وصوم التطوع والإفطار الجماعي، وأذكار اليوم والليلة.

والحاجات الاجتماعية يشبعها توفير الأقران في العمر والثقافة والفكر إضافة إلى تحمل المسؤولية عندما تسند المهمات إلى الأفراد المشاركين في المعسكر، والعيش المشترك مع الآخرين.

والحاجات النفسية يشبعها شعور الشاب بأنه رجل يعيش في المعسكر، ويتدرب على القتال من أجل الجهاد في سبيل الله، والتعود على الخشونة في المأكل والمشرب والنوم، والتعود على المفاجآت.

أما خدمة البيئة فتشبع دافع تأكيد الذات، كبناء سد أو تعبيد طريق، وتشعر الفتيان بأهميتهم في المجتمع، ويدفعهم إلى تحمل المسؤولية.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢