سلسلة منهاج المسلم - (105)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل وهلك.

معشر الأبناء والإخوان! إننا على عادتنا في سالف أيامنا ندرس في هذه الليلة المباركة ليلة الخميس كتاب منهاج المسلم، ونحن فيما يتعلق بالوفاة، وأحكام الموت، وانتهينا إلى [المادة الثانية: فيما ينبغي من وفاته إلى دفنه]، أي: فيما ينبغي للميت -وكلنا سنموت- من ساعة وفاته إلى دفنه.

أولاً: الإعلان عن وفاته

قال المؤلف: [ أولاً: الإعلان عن وفاته:] يستحب أن يعلن أن فلاناً قد توفي؛ ليحضر الناس الصلاة، ويشهدوا الدفن، ولكن ليس بالإعلانات العلنية في الشوارع والأزقة، وإنما بين الإخوان فقط.

ثانياً: تحريم النياحة وجواز البكاء

[ ثانياً: تحريم النياحة] وهي: البكاء بالصوت العالي، [وجواز البكاء] أما البكاء بدون صوت أو بالدموع فقط فهو من المستحبات.

ثالثاً: تحريم الإحداد أكثر من ثلاثة أيام

[ ثالثاً: تحريم الإحداد أكثر من ثلاثة أيام] لا تحد امرأة على ميت أكثر من ثلاثة أيام إلا على زوجها فأربعة أشهر وعشر ليالٍ.

رابعاً: قضاء دينه

[ رابعاً: قضاء دينه] إذا كان الميت عليه دين، فينبغي على أوليائه أن يقضوا دينه ويسددوه.

خامساً: الاسترجاع والدعاء والصبر

[خامساً: الاسترجاع، والدعاء، والصبر] فإذا توفي شخص فإننا نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اغفر له وارحمه، فلا جزع ولا سخط ولا غضب.

سادساً: وجوب تغسيله

[ سادساً: وجوب تغسيله] وجوب تغسيل الميت ذكراً كان أو أنثى، كبيراً أو صغيراً [ إذا مات المسلم صغيراً أو كبيراً وجب تغسيله سواء كان جسده كاملاً أو كان بعضه فقط ] كرجل قطعت رجله أو بعض يده أو كذا [والذي لا يغسل من موتى المسلمين هو شهيد المعركة] فقط، من مات في الجهاد لا يغسل كما سيأتي بيانه [الذي سقط قتيلاً بأيدي الكفار في ميدان الجهاد في سبيل الله تعالى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم] للمؤمنين من أصحابه وغيرهم [ ( لا تغسلوهم ) ] يعني: الشهداء. لماذا يا رسول الله؟ قال معللاً:[ ( فإن كل جرح أو كل دم يفوح مسكاً يوم القيامة ) ] يبعث الشهيد يوم القيامة والدم يسيل منه كما استشهد.

سابعاً: صفة غسل الميت

[سابعاً: صفة غسل الميت: لو أفرغ الماء على جسد الميت، وذلك حتى عم الماء سائره لأجزأ ذلك] لو صب الماء على جسد الميت حتى عمه كاملاً، واكتفي بهذا أجزأ ولا حرج [ ولكن الصفة المستحبة الكاملة هي: أن يوضع الميت على شيء مرتفع] كخشبة [ويتولى غسله أمين] لا يعرف بالخيانة ولا بالغش ولا بالكذب [صالح] ليس فاسقاً ولا فاجراً، وذلك [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ليغسل موتاكم المأمونون )] يعني: ليغسل موتاكم يا معشر المؤمنين الذي تأتمنونهم.

كيف يغسل؟

قال: [فيعصر بطنه] يضغط على بطن الميت [برفق] وليس بشدة [لما عسى أن يخرج منه من أذى] لما يعصر بطنه قد يخرج منه أذى، من عذرة ونحوها [ثم يلف] أي: الغاسل الأمين [على يده خرقة، وينوي غسله] كنية غسل الجنابة [ثم يغسل فرجه، وما به من أذى] كدم أو بول أو عذرة [ثم ينزع الخرقة -ويرميها- ويوضئه وضوء الصلاة] فيغسل كفيه، ويدخل الماء إلى فمه وأنفه، ويوضئه وضوء الصلاة [ثم يغسل سائر جسده بادئاً بأعلاه إلى أسفله، يغسله ثلاثاً] ثلاث مرات [وإن لم يحصل نقاء غسله خمساً] إذا بقي فيه بعض الأوساخ، يغسله خمساً ولا حرج [ويجعل في الغسلات الأخيرة صابوناً ونحوه] هذه هي الصورة المستحبة الفاضلة، أما المجزئة الكافية فيصب عليه الماء حتى يعمه.

قال: [وإن كان الميت مسلمة] ليس مسلماً ذكراً [نقضت ضفائر شعرها وغسلت] إذا كان شعرها مضفوراً ينقض ويغسل [ثم أعيد ضفرها بعد ذلك] لما يغسل شعرها يضفر بعد ذلك [ ( إذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل بشعر ابنته هكذا ) ] وهي زينب رضي الله عنها وأرضاها [ثم يوضع عليه الحنوط، الطيب ونحوه] والطيب له أنواع مختلفة، ويقال فيه الحنوط.

ثامناً: من عجز عن غسله يمم

[ثامناً: من عجز عن غسله يمم] كما نتيمم للصلاة، فيمسح وجهه وكفيه [إذا لم يوجد ماء] لغسل الميت [أو] وجد الماء ولكن [مات رجل بين نساء] كأن لم يوجد رجل في القرية، فالمرأة لا تغسل الرجل إلا إذا كان زوجها [أو امرأة بين رجال يمم] أي: هذا الميت ولا يغسل [وكفن، وصلي عليه ودفن، ويقوم التيمم مقام الغسل عند العجز كالجنب إذا عجز عن الغسل تيمم وصلى] ولا حرج [ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا ماتت المرأة مع رجال ليس معهم امرأة غيرها، والرجل مع النساء ليس معهن رجل غيره، فإنهما ييممان ويدفنان ). وهما بمنزلة من لم يجد الماء] أي: كأنهما ما وجدا الماء.

تاسعاً: تغسيل أحد الزوجين صاحبه

[تاسعاً: تغسيل أحد الزوجين صاحبه] الزوجة تغسل زوجها، والزوج يغسل زوجته [يجوز للرجل أن يغسل امرأته، وللمرأة أن تغسل زوجها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لـعائشة رضي الله عنها: ( لو مت لغسلتك وكفنتك ). ولأن علياً رضي الله عنه غسل فاطمة رضي الله عنها] لما توفيت بعد والدها بكذا شهر [كما يجوز للمرأة أن تغسل الصبي -الطفل- ابن ست سنوات فأقل] فإن تجاوز السنة السادسة من عمره غسله الرجل [وأما تغسيل الرجل الصبية فقد كرهه أهل العلم] إن كان عمر الصبية أربع سنوات أو ثلاث سنوات أو خمس سنوات فإنه يكره أن يغسلها الرجل، والأفضل أن تغسلها المرأة.

عاشراً: وجوب تكفينه

[عاشراً: وجوب تكفينه: يجب أن يكفن المسلم إذا غسل بما يستر سائر جسده، فقد كفن مصعب بن عمير من شهداء أحد رضي الله عنه في بردة قصيرة، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغطوا رأسه وجسده، وأن يغطوا رجليه بالإذخر -نبات-] معروف؛ لأن البردة كانت من رقبته إلى كعبيه أو ركبتيه، فبقي رأسه مكشوفاً، ورجلاه مكشوفتان، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضعوا الإذخر على ما ظهر من جسده، والإذخر نبت طيب الرائحة [فدل هذا على فرضية تغطية سائر الجسد] هذا الحديث دليل على وجوب تغطية جسم الميت كاملاً، فلا يبقى فيه جزء مكشوف.

الحادي عشر: استحباب بياض الكفن ونظافته

[الحادي عشر: استحباب بياض الكفن ونظافته] يستحب أن يكون الكفن من القماش الأبيض، وأن يكون نظيفاً غير نجس أو ليس فيه أوساخ [يستحب أن يكون الكفن أبيض نظيفاً، جديداً كان أو قديماً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم )] يستجب لرجالنا وأطفالنا أن يلبسوا البياض دائماً وأبداً، والطفل الذي يلبس الثوب كالملك، فإذا ألبسوه تلك ملابس اليهود والنصارى أصبح كالشيطان، ويستحب أن يغسل الميت، ويكفن في ثياب بيضاء، فالذين يلبسون البنطلونات أو السراويل السوداء والبيضاء ليسوا على وفق ما يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم [كما يستحب أن يجمر الكفن بالعود] أي: يبخر بالعود [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثاً )] أي: إذا بخرتم كفن الميت فاجعلوه ثلاث مرات [وأن يكون] الكفن [ثلاث لفائف للرجل] اللفافة الأولى تلف على الميت، وتضاف لفافة ثانية تكون فوق الأولى، والثالثة كذلك، وهذا على وجه الاستحباب [وخمساً للمرأة]إن أمكن وقدرنا عليه [فقد كفن الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاث ثياب بيض سحولية جدد، ليس فيها قميص ولا عمامة، إلا] إذا مات [المحرم] بالحج أو بالعمرة [فإنه يكفن في إحرامه] الذي لبسه [رداءه وإزاره فقط، ولا يطيب] لأن المحرم لا يمس الطيب [ولا يغطى رأسه] لأن المحرم يكشف رأسه [إبقاءً على إحرامه] كما هو؛ ليبعث يوم القيامة محرماً، وذلك [لقوله صلى الله عليه وسلم في الذي وقع من على راحلته يوم عرفات فمات] أي:سقط من على الراحلة فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ( غسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً )] نتمنى من الله الشهادة، أو نموت ونحن محرمين [ (ولا تخمروا) أي: ولا تغطوا].

الثاني عشر: تحريم كفن الحرير

[الثاني عشر: كفن الحرير] هل يجوز التكفين بالحرير الأبيض أو الأسود أو الأزرق؟

قال: [يحرم أن يكفن المسلم في ثوب حرير، إذ الحرير محرم لبسه على الرجال، فيحرم تكفينهم فيه. وأما المسلمة فإنه وإن كان لبس الحرير حلالاً لها، فإنه يكره لها أن تكفن فيه] لأنه غالي الثمن، فلو وضع في القبر أكلته الأرض، فكفن المرأة المسلمة من غير الحرير أفضل [لأنه إسراف ومغالاة نهى عنهما الشارع] فالغلو والإسراف محرمان [فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم: ( لا تغالوا بالكفن فإنه يلسب سريعاً )] لا تختاروا أجود الثياب وأغلاها، فإنه يسلب سريعاً، وما يبقى مع الميت [وقال أبو بكر رضي الله عنه: إن الحي أولى بالجديد من الميت، إنما هو للمهلة _القيح أو الصديد يسيل من الميت_] فالكفن إذا كان من حرير أو من كذا وكذا فإنه يسيل فيه القيح والصديد.

الثالث عشر: الصلاة عليه

[الثالث عشر: الصلاة عليه] أي: على الميت.

قال: [والصلاة على المسلم إذا مات فرض كفاية] ولو يصلي عليه شخص واحد [كغسله، وكفنه، ودفنه] غسل الميت فرض كفاية، فإذا غسل ما نطالب بغسله، وإذا كفن ما نطالب بالكفن، وإذا دفن ما نطالب بالدفن، إذا قام أي إنسان أو جماعة بشيء من ذلك يكفي المسلمين، لأن فرض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين [إذا قام بها بعض المسلمين يسقط الواجب عن الباقين] فلا يطالبون به ولا يأثمون [فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على أموات المسلمين، حتى إنه كان قبل أن يلتزم بديون المؤمنين، إذا مات المسلم وترك ديناً لم يقض يمتنع من الصلاة عليه، ويقول: ( صلوا على صاحبكم )] وقد تقدم وجوب قضاء دين الميت، فلما صار للرسول صلى الله عليه وسلم بيت المال كان يصلي على من عليه دين، وهذا يدل على أن من مات وعليه دين فهو في خطر، فقد يحرم دخول الجنة حتى يقضى دينه، وما أكثر الدائنين والمدينين.

الرابع عشر: شروط الصلاة على الميت

[الرابع عشر: شروط الصلاة على الميت: يشترط للصلاة على الجنازة ما يشترط للصلاة من طهارة الحدث والخبث -النجاسة- وستر العورة، واستقبال القبلة] لابد وأن يكون المصلي متوضئاً، ثيابه طاهرة، مستقبلاً القبلة كالصلاة الفريضة، ما يشترط للصلاة المفروضة أو النافلة يشترط لصلاة الجنازة [لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سماها صلاة] سمى الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة الجنازة صلاة، فأصبحت إذاً كالصلاة [فقال: ( صلوا على صاحبكم )] فيجب لها ما يجب للصلاة من طهارة [فتعطى إذاً حكم الصلاة في شروطها] من طهارة الحدث والخبث، واستقبال القبلة.

الخامس عشر: فروض صلاة الجنازة

[الخامس عشر: فروضها: فروض صلاة الجنازة هي] أولاً: [القيام للقادر عليه] يجب على القادر أن يصلي قائماً، أما العاجز فيصلي قاعداً [والنية] لابد منها كما هو الحال في الفريضة [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات )] فلابد وأن تنوي الصلاة على الميت [وقراءة الفاتحة، أو الحمد والثناء على الله] إن قرأت (الحمد لله رب العالمين) فبها ونعمت، وإن قلت: الحمد لله الذي أمات وأحيا، الحمد لله الذي يحيي الموتى، له العظمة والكبرياء، والملك والقدرة والثناء، وهو على كل شيء قدير، فقد كان أبو هريرة يفعل ذلك [والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم] وهذه هي التكبيرة الثانية، فيستحب فيها الصلاة الإبراهيمية كما في الصلاة [والتكبيرات الأربع] وهن: الأولى: والتي بعدها قراءة الفاتحة أو الذكر والتسبيح. والثانية: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. والثالثة: الدعاء للميت. والرابعة: السلام بعدها [والدعاء، والسلام] فالسلام ركن، فلا تجوز صلاة الجنازة بدون سلام.

هذا والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم بما ندرس ونسمع.

قال المؤلف: [ أولاً: الإعلان عن وفاته:] يستحب أن يعلن أن فلاناً قد توفي؛ ليحضر الناس الصلاة، ويشهدوا الدفن، ولكن ليس بالإعلانات العلنية في الشوارع والأزقة، وإنما بين الإخوان فقط.