أرشيف المقالات

التعاون مع الآخرين

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
التعاون مع الآخرين


لا يمكن لأي إنسان مهما آتاه الله من أسباب أن يعيش على الأرض منفرداً فهذا يخالف طبيعته فالفرد يحتاج للجميع والجميع يحتاجون إلى الفرد حتى تسير الحياة بأفضل صورة وهذا هو " التعاون ".
وقد أمر الله تعالى عباده بالتعاون شريطة أن يكون على البر والتقوى ونهاهم أن يكون تعاونهم على الإثم والعدوان.
قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ (سورة المائدة: من الآية 2)..
البر هو فعل الخيرات والتقوى هي ترك المنكرات، فنحن مأمورون بالتعاون على فعل الخيرات وترك المنكرات ومنهيون عن التعاون على المآثم والمحرمات.
وفي الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " وشبك النبي صلى الله عليه بين أصابعه.
وفي البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.
قيل: يا رسول الله هذا نصرته مظلوماً فكيف أنصره إذا كان ظالماً؟ قال: تحجزه وتمنعه من الظلم فذاك نصره "..
 
من صور التعاون:
1- التعاون مع إخوانك.
أحس شيخ كبير بقرب أجله فجمع أولاده الثلاثة ليوصيهم بوصية تنفعهم في حياتهم فأعطاهم حزمة كبيرة من الحطب وطلب منهم أن يكسرها كلٌّ بمفرده فحاول كل واحد أن يكسرها لكنه لم يستطع لشدة قوتها وصلابتها...
أخذ الأب الحزمة وفكها إلى أعواد وأعطى كل واحد منهم عوداً فكسره بسهولة فقال الأب لأبنائه: إنكم يا أبنائي مثل هذه الحزمة إذا اتحدتم وكنتم يداً واحدة فلن يستطيع أحد مهما بلغت قوته أن يغلبكم وإن تفرقتم فسوف يصيبكم لضعفكم ويتمكن عدوكم منكم لهوانكم.
فعليكم أبنائي بالتعاون في قضاء أموركم فإن في التعاون قوة..

هل تعرفون الوزير النبي؟ هارون:
طلب موسى عليه السلام من ربه أن يكون أخوه مساعداً له يتعاون معه في تبليغ رسالته فقال: ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ﴾ (سورة طه: من 29 إلى 35)
وهكذا لا يستطيع الداعية أن يؤثر في الناس بمفرده لابد أن يتعاون مع إخوانه في دعوة الآخرين بشتى الطرق..

أرأيتم تعاون القائد مع أصحابه في حفر الخندق؟
تعاوَنَ الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في العمل كما يقول البراء رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ينقل التراب ولقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول:
اللهم لولا أنت ما هتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا
وإن أرادوا فتنة أبينا".


أرأيتم تعاونه مع أصحابه في بناء المسجد؟
فكان ينقل اللبن والحجارة ويقول: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة: فاغفر للأنصار والمُهاجرة ".

2- التعاون مع المسؤولين والكبار:
" دعا عمرُ بن الخطاب سعيد بن عامر إلى مساعدته وقال: يا سعيد: إنا مولوك على أهل حِمص فقال: يا أمير المؤمنين نشدتك الله ألا تَفْتِنِّي فغضب عمر وقال: ويحكم وضعتم هذا الأمر في عنقي ثم تخليتم عنى!! والله لا أدعك ثم ولاه على حمص.
وقال: ألا نفرض لك رزقاً؟ قال: وما أفعل به يا أمير المؤمنين؟! فإن عطائي من بيت المال يزيد عن حاجتي ثم مضي إلى حمص " (صور من حياة الصحابة).

وفيه أنه ينبغي لمن كان له مدير أو شيخ أو أستاذ أو كبير أن ينصاع له ما لم تكن معصية إحياءً لروح التعاون.

3- التعاون بين الزوجين على أمرَى الدنيا والآخرة:
ولقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم المثل في التعاون مع أهله على أمر الدنيا.
• في البخاري عن الأسود بن يزيد قال: سألت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في أهله؟ قالت: كان في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة ".
• تقول أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنها وعن أبيها: كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله وكان له فرس وكنت أسوسه وأقوم عليه وكانت رضي الله عنها تعلفه وتسقى الماء وتخرز الدلو [تصلحه] وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ [رواه البخاري وغيره بمعناه ]
• ولما تزوج جابر بن عبد الله امرأة ثيباً وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك " قال: فقلت: إن عبد الله [يعنى: والد جابر] هلك وترك بنات وانى كرهت أن أجيئهن بمثلهن فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلهن " [متفق عليه].

أما التعاون على أمور الآخرة بين الزوجين فهو الأحرى والأَولى:
• قال عليه الصلاة والسلام: " رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى فأيقظ امرأته فصلت فإن أبت نضح في وجهها الماء ورحم الله امرأةً قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلّى فإن أبى نضحت في وجهه الماء " [رواه أحمد في المسند وسنده حسن].
• وطرق النبي صلى الله عليه وسلم علّياً وفاطمة ليلة فقال لهما: " ألا تصليان " (متفق عليه) فعلى كل من الزوجين أن يتعاونا مع بعضهما على مصالحهما الدينية والدنيوية.

4- التعاون مع عموم الناس:
لما عاد النبي من غار حراء بعد أن نزل عليه الأمين جبريل بالوحى قالت له خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل [الشيء الثقيل] وتُكسب المعدوم [الفقير] وتعين على نوائب الحق [كلمة جامعة لأفراد ما تقدم] رواه البخاري.
التعاون مع عموم الناس سبب في النجاة والسعادة فلا تبخل على إخوانك بالمساعدة فيما وهبك الله واحتسب أجرك عند الله..
 
هل تحب أن تشاهد قمة التعاون؟!
قال أبو وداعة: كنت ألازم مسجد رسول الله صلى الله طلباً للعلم وكنت أداوم على حِلق سعيد بن المسيب فتغيبت عن الحلقة أياماً فتفقدني وسأل عنى من حوله فلما عاد إليه بعد أيام حياتي ورحّب بي وقال: أين كنت يا أبا وداعة؟ فقلت: توفيت زوجتي فانشغلت بأمرها فقال: هلا أخبرتنا فواسيناك فقلت: جزاك الله خيراً فهممت أن أقوم فاستبْقاني حتى انصرف الناس ثم قال: أما فكرت في استحداث زوجة لك يا أبا وداعة؟ فقلت: يرحمك الله ومن يزوجني لا أملك غير درهمين فقال: أزوجك ابنتي فانعقد لساني وقلت: ابنتك أنت قال: نعم فنحن إذا جاءنا من نرضي دينه وخلقه زوجناه وأنت عندي مرضيّ الدين والخلق ثم التفت إلى من كان قريباً منا وناداهم فلما أقبلوا عليه حمد الله وأثنى عليه وصلّى على نبيه وعقد على ابنته.

فقمت ساكن اللسان لا أدرى ما أقول من الدهشة والفرح ثم قصدت بيتي وكنت صائماً فنسيت الصيام وجعلت أقول: ويحك يا أبا وداعة!! ماذا صنعت بنفسك؟ مم تستدين؟ وظلمت على حالي هذه حتى أُذن للمغرب فأديت المكتوبة وجلست على فطوري وكان خبزاً وزيتاً فما أن تناولت منه لقمة أو لقمتين حتى سمعت الباب يقرع فقلت: من الطارق؟ فقال: سعيد فو الله لقد مَرّ بخاطري كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب فإذا بي أمام سعيد بن المسيب فظننت أنه بدا له من أمر زواجي من ابنته شيء وقلت: يا أبا محمد هلاّ أرسلت إلينا فآتيك.
قال: بل أنت أحق أن آتيك اليوم.
فقلت: تفضل علىّ فقال: كلا وإنما جئت لأمر فقلت: وما هو يرحمك الله؟ فقال: إن ابنتي أصبحت زوجاً لك من الضحى.
وعلمتُ أنه ليس معك من يؤنسك فجئتك بها فقلت: جئتني بها؟ قال: نعم فنظرت فإذا هي قائمة بطولها، فالتفت إليها وقال: ادخلي يا ابنتي بيتك بيت زوجك على اسم الله وبركته فلما أرادت أن تخطو تعثرت بثوبها من الحياء حتى كادت تسقط على الأرض أما أنا فقد وقفت عاجزاً وأما هو فانصرف.
فصعدت إلى السطح وناديت الجيران فأقبلوا علىّ فقلت عقد لي سعيد بن المسيب على ابنته اليوم في المسجد وقد جاءني بها فتعالوا آنسوها حتى أدعَو أمي فهي بعيدة عن الدار.
فقالت عجوز منهن: ويحك أتدرى ما تقول؟ أزوّجَك سعيد بن المسيب ابنته وقد بخل بها على الوليد بن عبد الملك.
فقلت: نعم وها هي عندي.
فتوجهوا إلى بيتي وهم لا يصدقونني ورحّبوا بها وآنسوها وحشتها..
كما وجّه إلينا سعيد مبلغاً وفيراً من المال لنستعين به على حياتنا.
 
• بصائر:
• إن مجتمعاً يفشو فيه التعاون لا يضيع فيه أحد ولا يشتكي فيه أحد لأن كل أحد مَقضىُّ الحاجة معان على الشدة.
• إن من رحمة الله بمن يتولى أمراً من أمور المسلمين أن يرزقه الله من يعينه على أمره ويساعده على القيام بواجبه.
وعلى النقيض: إن من يمنع عونه عن إخوانه قد يتخلى الله عنه حيث يحتاج إلى العون ولذلك جاء في الحديث: أن من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم (...
ورجل منع فضل مائه فيقول الله: اليوم أمنعك فضلى كما منعت فضل مالم تعمل يداك)
[رواه البخاري].
• " من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن يسّر على معسر يَسّر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في ذاتِ الجسد الدنيا والآخرة والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه ".
• فلنتعاون بقوة للخير وعلى الخير ولنخرج من دائرة الأنانية والاهتمامات الفردية ولنعش مشاعر الأمة الواحد.
 
النصيحة:
• لا تضيِّع فرصة تستطيع فيها أن تعاون أخاك على الخير إلا وبادرت إليها.

شارك الخبر


Warning: Undefined array key "codAds" in /home/islamarchive/public_html/templates_c/24203bf677d3c29484b08d86c97a829db7a16886_0.file.footer.tpl.php on line 33

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchive/public_html/templates_c/24203bf677d3c29484b08d86c97a829db7a16886_0.file.footer.tpl.php on line 33
روائع الشيخ عبدالكريم خضير