من أوجه نصرة نبيّنا عليه الصلاة والسلام
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
من أوجه نصرة نبيّنا عليه الصلاة والسلام الوقوف على صنف ووصف المتخرصين علينا في البدء أن نعلم أننا نواجه، وسنواجه عروضا من البغي والجحود المتنوع على الدوام من جهة شخوص هذا العرض، ومضامين بغيه وملامح جحوده.ولا شك أن هذه العروض والخرجات تذهب مذهب الكشف عن دواخل أصحابها، وكوامن سرائرهم وهم آحاد في تداول وتناوب أدوار، كما تكشف عن جنس طبائعهم وأطراد مواقفهم وهم جماعات، تحسبهم في هذا الدرك لأول وهلة أنهم أشتاتٌ فتكتشف أن قلوبهم جميعًا وإن تفرقت بهم الأمصار.
ولذلك كان وسيبقى من الغباء الطافح بالسذاجة، أن يستشرف المرء المسلم الملتزم الديّن وقوع ذلك اليوم الذي تحصل فيه المهادنة منهم في غير ضعفٍ ولا حاجة خوف من قلة، أو أن تطوى قلوبهم البغيضة على دفتي عفوٍ ومساكنةٍ صادقة.
وربما كان الصبر يسيرًا متجاوزًا به على مجرمٍ أو منحرفٍ مُقرٍ بانحرافه، يُمارس منكره بمسماه السافر غير المقنع، ولكن وما أصعب الاستدراك والصبر معه إذا تعلق الأمر بمن يواقع ذنبه وإقعاده، ثم لا يتوانى أن يمرر شينه في زي الارتقاء الحضاري الذي تتواطأ على إيجابيته وملمح حسنته الأديان والأعراف والطبائع، ولربما كان الأدهى الأمرّ أن يُحسب هذا البغي والجنوح والعدوان قربة لله ومحبةً ودفاعًا مخلصًا على نبيه عليه الصلاة والسلام.
ولعله بيت القصيد الذي تدور وستبقى تدور في محيطه وتتشابك الخطوط المتقدمة في ديباجة المواجهة والتدافع بين ما نحسبه خيرًا محضًا ويحسبونه شرًا محضًا، وبين ما نصفه صدقًا وعدلًا بالشر المحض ويرفعون لواءه باعتبار أنه الخير المحض، ومن لم يفقه هذه المفارقة وطبيعتها جنسًا ونوعًا كان المسكين خارج السياق علم أو لم يعلم، وكان عذره معتبرًا شرعًا، أو مردودًا كونًا...
ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر رؤية هؤلاء من الذين تبنوا أو يتبنون قضيةً أو أُم القضايا كما هو الزعم القائم في مكنون صدورهم وقعقعة أفمامهم وبطش أقلامهم، ونعني بها قضية ضرورة تجديد الدين، ونخل تراثه من الشوائب والمعايب، والتي أدخل الدين أتونها العلماء والمحدثون والرواة ممن طفقوا يسحبون عليها هالةً من الصحة والقداسة روايةً ودرايةً.
وبطبيعة الحال سوف تجد وبالإطراد أن رواد هذه الصفاقة والعنت يخوضون حربهم خوفا على الإسلام ونبي الإسلام وتراث الإسلام، كما ستجد الإطراد يطبع مسيرتهم، مسيرة الطعن والتجريح في علمين من أعلام الإسلام ينتمي أولهما إلى الرعيل الأول ونعني به الصحابي الجليل أبو هريرة، بينما ينتمي الثاني إلى الرعيل الثالث من جيل أمراء الحديث جمعا وتصفية، ونعني به محمد بن اسماعيل البخاري ذلك العلم الذي كان يقطع مسافة ما بين بخارى ودار الحكمة في بغداد لتصحيح حديث واحدٍ والتطلع إلى أخذه بعلو السند، بينما يوجد اليوم من ينسف جمهرة من أحاديثه وهو جالس في حانة يعاقر الخمرة قد لعبت به الثمالة حتى نطق لسان حاله ومقاله بقول من قال: إني وإن كنت الأخير زمانه***لآت بما لم تستطعه الأوائل.
ولا شك أن التنبيه على دقيقة ما بين هذين العلمين من وجه اشتراك على مستوى كثرة ما بلّغاه ونقلاه بالسند المتصل إلى سيد الخلق، من شأنه أن يصرف هذا التعاطي المحموم إلى صوبه الحقيقي، ذلك الصوب الذي لا يشك عاقل، بله إنسان متجرد منصف أن بغيته هي ضرب ونسف أكبر مخزون علمي من التركة النبوية الشريفة، يصدق هذا ويضع الأصبع على هذا الصوب معرفتنا بكون الكلام أو الاستدراك يحمل على مذهب قائله والمستدرك به، ولنا الحكم على الظاهر والله يتولى السرائر بضابط أن اللسان ترجمان الجنان، ومنه حسن التخلص إلى الاستفسار الذي مفاده: متى كان للعلمانيين غيرة على الدين، أو جرعة وافية من المحبة لنبي الإسلام، حتى يطلب منا أن نسلم في فرط غباء أو نقيصة نفاق لمثل هذا الطرح الجانح؟
إنهم يريدون منك أن تصدق في سذاجةٍ هذا الكذب الصراح، مع أن الواقع يشرح بما راكمته التجربة في هذا الخصوص أن القوم قد اتفقوا على قاعدة أهداف وضغث مقاصد، مستشرفين حصولها الآجل أو العاجل، ذلك الحصول الذي لا يحركه إلى الوراء إلا الخوف أو الاصطدام المباغث مع الجماهير المسلمة المنيبة الصادقة في انتسابها للإسلام ومحبتها للنبي العدنان، والتي أخطأت تدابيرهم مرات وكرات في تقدير مدى وجود هذا الرباط من عدمه، رباط المحبة الصادقة والانتساب الحقيقي، فكانت مجانبة الدقة في استثمار المعطيات والمؤشرات على الأرض.
ولا شك أن هذا من مكر الله بالماكرين بدينه، ومن عظيم تدبيره سبحانه في صرفهم عن مرادهم، مراد هدم الدين واجتثاث عراه من صدور المؤمنين، وتحييد مشاعر التعظيم والتبجيل من أفئدة ونواصي المخبتين...
ولذلك على المسلم اليوم، وهو يواجه أصحاب هذا الزحف والحيف أن يستعصم بكتاب الله ليس نشدانا لنصر عاجل لم يوجد مناخه الكوني والشرعي بعد، إذ النصر من عند الله واقع في حينه ولا تبديل لكلمة الله في وعد إرثه ومستشرف تأييده، وإنما هو استعصام من أجل الوقوف على صنف ووصف من يواجه المسلم على هدي وهدى من الشهادة القرآنية في هذا الهوى الظلوم الغشوم، وفي المتلبسين بعصبيته المقارفين لكبيرة مألوهيته مصداقًا لقوله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 43-44]
ولا شك أن من لامس فؤاده مراد الله من استدراكه العادل المنصف لجنس الأنعام، وكذا نسفه جل جلاله لمتخيّل فاعلية السمع والعقل عندهم، وقف على طبيعة هؤلاء، بل عرف في غير شك ولا استغراب أن كرههم وبغضهم لهذا الدين ونبي هذا الدين هو صكٌ وميثاقٌ غليظ لا تتغير من كنهه إلا الأساليب والأدوات والمسميات، أما الرؤى والغايات فهي هي، بحيث لا حساب في الوجدان يجعل لها حدودًا وخطوطًا حمراء تحول دون استباحةِ كل شيء فينا حد الإبادة والسطو على موروثنا ومصدر عزنا وبقائنا بين الناس لا نقبل الدنية في ديننا ودنيانا.
ويبقى أن ننبه على أن هؤلاء وغيرهم مما لا نعلمهم والله يعلمهم، يعرفون أنهم لن يستطيعوا إلى الإسلام ولا إلى نبي الإسلام سبيلًا، فهذا "كل" محفوظ، هالك من نسي وحام حول حماه فعلًا ونية، ولكنهم بالمقابل يعرفون أن لركزهم تأثيرا من جهة استنزاف قوة المسلمين وفتنتهم في الدين وهزم معالم القوة في نفوسهم إلى حين، وبث دعاوى التشكيك الخبيثة القادرة بتوهمهم على صرف الأجيال والناشئة من نسمة الصلب الإيماني عن أسباب العزة والظفر وإعادة بساط التمكين لأمة الوسط.
فهذا مما نسلم لهم فيه ونقر لهم بما في رحمه من مغنم، معتقدين اعتقادًا جازمًا أن العاقبة للمتقين، وأن البقاء والمكث لما ينفع الناس، وأما الزبد فمصيره إلى الذهاب جفاء، حتى وإن لم نقف له موقفًا جادًا حازمًا، وحتى وإن خلينا بينه وبين الناس، ذلك أن التجارب وقّعت بالصوت والصورة على فشل هذه المنظومة المتحاملة في مواجهة حتى السذج من الناس من ذوي الفطر السوية والاعتقاد السمح البسيط، كما وقّعت على حقيقة أن إسلامنا العظيم يكسب الجولة تلو الجولة في ترادف يعمل عمله في قلوب المتربصين والمتخرصين جميعًا من أهل الإنفاق الموعود بالهزيمة وتولية الدبر والحسرة، تلك الحسرة التي من نوعها علمهم وإن تجاهلوا أن الله خلّد ذكر من يحاربون القرون والسنوات فأنّى لهم من هذا الحفظ والتخليد ولو لأيامٍ معدودات...