سلسلة منهاج المسلم - (103)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، والكتاب جامع للشريعة الإسلامية عقيدة وآداباً وأخلاقاً وعبادات وأحكاماً ومعاملات.

وقد انتهى بنا الدرس إلى [ الفصل التاسع: في أحكام الجنائز] والجنائز جمع جنازة، وهي: الميت على سريره [ وفيه ثلاث مواد ] هذا الفصل التاسع في أحكام الجنائز فيه ثلاث مواد [ المادة الأولى: فيما ينبغي من لدن المرض إلى الوفاة ] فالمادة الأولى تتضمن أحكاماً تتعلق بالميت من ساعة مرضه إلى ساعة وفاته، وتتضمن ما نفعله مع المريض حتى يموت، والآداب أو السنن الواجبة هنا.

أولاً: وجوب الصبر

[ أولاً: وجوب الصبر: ينبغي للمسلم إذا نزل به ضر أن يصبر، فلا يتسخط ولا يظهر الجزع ] فيجب على المريض أن يصبر، ولا يجزع ولا يسخط، وإن سئل عن حاله يقول: مريض والله يشفيني، وأما أن يسخط ويجزع ويقول ما لا ينبغي فهذا لا يصح من المؤمن أبداً [ إذ أمر الله ورسوله بالصبر في غير ما آية ] من كتاب الله [ وحديث ] من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أن الله أمر بالصبر في كتابه في عشرات الآيات، والرسول أمر بالصبر في أحاديثه في عشرات الأحاديث [ غير أنه لا بأس أن يقول المريض إذا سئل عن حاله: إني مريض، أو بي ألم، والحمد لله على كل حال ] فإذا كنت مريضاً وسئلت فلا بأس أن تقول: إني مريض أو متألم، ولكن قل بعدها: الحمد لله على كل حال، فإذا سئلت: كيف حالك يا إبراهيم؟! فقل: الحمد لله على كل حال، أو إني مريض والحمد لله على كل حال، على حال المرض والصحة دائماً. فإذا كنت يا بني! مريضاً وسئلت فلا تسخط ولا تجزع، ولا بأس أن تقول: إني مريض، والحمد لله على كل حال، أو إني متألم، والحمد لله على كل حال.

ثانياً: استحباب التداوي

[ ثانياً: استحباب التداوي: يستحب للمسلم المريض التداوي ] فلا يجب ولكن يستحب أن نتعاطى الدواء، لا على سبيل الوجوب، وإنما على سبيل الاستحباب، فكم من أولياء الله ما تداووا، ورضوا بقضاء الله وحكمه، ولا بأس بهذا، ولكن يستحب أن تتداوى ولا حرج [ بالأدوية المباحة ] لا المحظورة والممنوعة والمحرمة؛ وذلك [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، فتداووا عباد الله )]. والأمر هنا للإباحة، وللاستحباب والندب، وليس للوجوب [ غير أنه لا يجوز التداوي بالمحرم، كالخمر والخنزير ونحوهما؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ) ] ولنحفظ هذا الحديث: ( لم يجعل الله شفاءكم فيما حرم عليكم ). هكذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا نتداوى بحرام أو بمحرم، وأما بالحلال من الأدوية فلا حرج، بل يستحب ويندب. والتداوي بالمحرم لا ينفع صاحبه ولا يشفيه.

ثالثاً: جواز الاسترقاء

[ ثالثاً: جواز الاسترقاء ] وهو طلب الرقيا السليمة الصحيحة، وهو جائز كالتداوي المستحب [ يجوز للمسلم ] العبد المؤمن كامل الإسلام [ الاسترقاء بالآيات القرآنية والأدعية النبوية والكلام الطيب ] فالاسترقاء يكون بالآيات القرآنية وبالأدعية الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وبالكلمة الطيبة؛ وذلك [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ) ] ولنحفظ هذا الحديث: ( لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك )، فإذا كانت الرقية شركاً فلا تصح ولا تقبل ولا يرقى بها أحد.

رابعاً: تحريم التمائم والعزائم

[ رابعاً: تحريم التمائم والعزائم: يحرم تعليق التمائم واستعمال العزائم ] فيحرم حرمة كاملة تعليق التمائم في العنق أو في الكتف أو في اليد أو في الذراع أو في الرجل، وكذلك يحرم استعمال العزائم [ فلا يجوز للمسلم أن يعلق تميمة ] في عنقه أو في يده؛ [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من علق تميمة فقد أشرك ) ] لأنه أصبح ينتظر الشفاء منها، ونسي الله عز وجل، وهذا هو الشرك، ( من علق تميمة فقد أشرك ) سواء كانت عوداً أو خشبة أو ميل أو غير ذلك، المهم شيء معلق [ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من علق تميمة فلا أتم له ) ] دعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والله يستجيب دعاءه، فلا يشفى أبداً. ( من علق تميمة فلا أتم له )، ومعنى هذا أن تعليق التمائم حرام، ولا يحل لمؤمن ولا مؤمنة [ ( ومن علق ودعة فلا ودع الله له ) ] والودع جمعه ودعات: وهو خرز بيض تستخرج من البحر، شقها كشق النواة، يعلقونها لدفع عين الحاسد، ( ومن علق ودعة فلا ودع الله له )، ولا ترك له شيئاً، وأهلكه [ وقوله صلى الله عليه وسلم للذي أبصر على يده حلقة من صفر ] فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم رأى على يد إنسان حلقة من صفر كالنحاس، فقال له: [ ( ويحك ما هذه؟ قال: من الواهنة ) ] أي: الوهن في اليد [ ( قال: انزعها؛ فإنها لا تزيدك إلا وهناً، وإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً ) ] والمؤمن إذا سمع هذا الحديث لا يستطيع أن يعلق تميمة أبداً، ولكن المسلمين منذ قرون عديدة في القرى والجبال والسهول لا يبلغهم حديث، ولا يعرفون عن الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً، فلهذا يفعلون العجائب، وهذا لما رآه الرسول وقد علق ذلك، قال: ( ويحك ما هذه؟ قال: من الواهنة، قال: انزعها؛ فإنها لا تزيدك إلا وهناً -والعياذ بالله- وإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً ). هذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح.

خامساً: ذكر بعض ما كان يستشفي به صلى الله عليه وسلم

[ خامساً: بعض ما كان يستشفي به صلى الله عليه وسلم:

كان عليه الصلاة والسلام يضع يده الشريفة على المريض ] وهي اليمنى قطعاً، وليست اليسرى [ ويقول: ( اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً ) ] ولنحفظ هذا ونتداوى به، ولا نقوم من المجلس حتى نحفظه، فنتعلم الطب، فتصبح تداوي بها أمك وخالتك وامرأتك، والسقم أي: المرض، وسُقْماً أو سَقَماً كله واحد، فإذا وجدت مريضاً فضع يدك على رأسه وادع بهذا الدعاء، فيشفيه الله عز وجل، إذا تكرر مرتين أو ثلاث أو أربع مرات، ومعنى: ( اللهم) أي: يا الله، استبدلت الياء بالميم، فبدلاً أن تقول: يا الله، قل: اللهم، فهذه الميم عوضاً عن الياء، وأصل النداء: يا الله، فتركنا الياء؛ لأن الله عز وجل ليس بعيداً عنا، بل هو يسمعنا ويرانا، فعوضنا الميم بدلاً عن الياء، فنقول: اللهم، أي: يا الله.

معشر المستمعين! إن شاء الله حفظنا هذا، فنعالج به، فإذا أتاك أحد وقال لك: إني أتألم فداوني، فلا تقل نسيت، فيجب أن تحفظ ونتداوى بها ما حيينا [ وقال للذي شكا إليه وجعاً ] أي: مؤمن قال للرسول: إني أتوجع، ومصاب بوجع فقال له: [ ( ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل: باسم الله ثلاثاً ) ] أي: باسم الله، باسم الله، باسم الله [ ( وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ) ] ووالله كم من مرة أصاب في كتفي حتى أتألم وأقول: من كثرة الاتكاء والكتابة، وإذا بي إذا وضعت يدي وقلت: باسم الله، باسم الله، باسم الله، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبع مرات إلا ويذهب ذلك الألم، حتى أعجب أين ذلك الألم. فهذه والله خير لكم من مليون ريال تتداوون به وما تشفون في أمريكا وفي غيرها، وهذه كيف لا نحفظها ولا نستعملها؟! فضع يدك على المرض في ذراعك أو في رأسك أو في كتفك، وقل ثلاث مرات: باسم الله، باسم الله، باسم الله، ثم قل: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبع مرات، تعدها بأصابعك، ولا تقل ستاً ولا ثمانياً، بل التزم بالمبدأ الذي وضع الرسول صلى الله عليه وسلم [ كما روى مسلم أيضاً: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتكى ) ] أي: تألم وأصابه ألم [ ( فرقاه جبريل عليه الصلاة السلام ) ] فجبريل رقى النبي صلى الله عليه وسلم، كأنه شيخه، وهو الذي يبلغه ويعلمه [ ( بقوله: باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو من عين حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك ) ] هذه رقية جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، رقاه بقوله: ( بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك ). فجبريل عليه السلام رقى رسولنا صلى الله عليه وسلم لألم أصابه بقوله: ( بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو من عين حاسد - واحدة منهما- الله يشفيك، بسم الله أرقيك ).

سادساً: جواز استطباب الكافر والمرأة

[ سادساً: جواز استطباب الكافر والمرأة ] يجوز أن نتداوى عند كافر، ويجوز للمرأة أن تتداوى عند رجل، وإليكم بيان ذلك: [ أجمع المسلمون على جواز مداواة الكافر إذا كان أميناً للمسلم ] أما إذا كان خداعاً فقد يهلك المؤمن ويقتله، فإذا عرف الكافر بالأمانة فلا بأس أن نتداوى عنده [ وعلى جواز مداواة الرجل للمرأة، والمرأة للرجل في حال الضرورة ] فالمرأة يداويها الرجل للضرورة، والرجل تداويه المرأة أيضاً للضرورة، وأما في حال وجود الطبيب فيعالج الرجل، والطبيبة تعالج المرأة، ولكن في حال الضرورة يجوز، فقد أجمعوا على جواز مداواة الرجل الذكر للمرأة الأنثى، والمرأة للرجل، لكن بقيد، وهو في حال الضرورة، فلو كان يوجد طبيب وطبيبة وجئت بامرأتك أو بأمك للعلاج فقدمها للطبيبة لا للطبيب، فإن لم يكن يوجد إلا طبيب فيجوز والله أعلم للضرورة [ إذ استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم بعض المشركين في بعض الشئون ] وجعلهم يخدمونه، وعلى هذا يقاس التطبيب والعلاج [ وكان نساء الصحابة يداوين الجرحى في الجهاد على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ] للضرورة.

سابعاً: جواز اتخاذ المحاجر الصحية

[ سابعاً: جواز اتخاذ المحاجر الصحية ] والمحجر في المستشفى، وإليكم بيان ذلك [ يجوز بل يستحب أن يجعل أصحاب الأمراض المعدية في جناح خاص من المستشفيات ] حتى ما يختلطون بالأمراض الأخرى [ وأن يمنع الأصحاء من الاتصال بهم، سوى ممرضيهم ] أو مداويهم؛ [ لقوله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الإبل: ( لا يورد ممرض على مصح ) ] أي: لا يورد إبله المريضة على صحيحة، ( لا يورد ممرض على مصح ). هذه في الإبل، فإذا كانت إبلك فيها مرض، فلا يجوز أن آتي بإبلي وأخلطها مع إبلك، وتشرب معها، بل نضع هذه في جهة، وهذه في جهة، [ فإذا كان هذا في الحيوان ففي الإنسان من باب أولى ] والله من باب أولى [ ولقوله صلى الله عليه وسلم في الطاعون: ( إذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا وقع بأرض ولستم فيه فلا تهبطوا عليها )] إلى يوم القيامة هذا؛ لأن الطاعون مرض ينتشر، وهو عدوى، فإذا وقع في قرية على أهل القرية فلا يخرجون منها حتى لا ينقلون هذا المرض، وعلى الخارجين ألا يدخلونها ولا ينزلون بها حتى لا يصابوا بهذا المرض، هذه قاعدة وضعها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم [ وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا عدوى ولا طيرة ) فمعناه: لا عدوى مؤثرة بنفسها، أي: بدون إرادة الله ذلك؛ إذ لا يقع في ملك الله ما لا يريد، وهذا غير مانع من اتخاذ سبب الوقاية مع اعتقاد أن لا واقي إلا الله، وأن الذي لا يقيه الله لا يمكن أن يسلم، وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الجمل الأجرب فقال: ( ومن أعدى الأول؟ )] فالله هو الذي أعداه، وهو الذي ابتلاه [ فأخبر صلى الله عليه وسلم أن التأثير لله وحده، وأن ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن ] فلا ننسى إن شاء الله كيفية الرقيا، ولا ننسى أنه يحرم تعليق أي شيء في العنق أو في اليد من تميمة أو ودع؛ وأنه يجوز التداوي، فهو جائز مستحب، ومن قال: لا أتداوى، وأفوض أمري إلى الله فله ذلك، فيجوز تطبيب المرأة للرجل للضرورة فقط.

نكتفي بهذا القدر.

[ أولاً: وجوب الصبر: ينبغي للمسلم إذا نزل به ضر أن يصبر، فلا يتسخط ولا يظهر الجزع ] فيجب على المريض أن يصبر، ولا يجزع ولا يسخط، وإن سئل عن حاله يقول: مريض والله يشفيني، وأما أن يسخط ويجزع ويقول ما لا ينبغي فهذا لا يصح من المؤمن أبداً [ إذ أمر الله ورسوله بالصبر في غير ما آية ] من كتاب الله [ وحديث ] من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أن الله أمر بالصبر في كتابه في عشرات الآيات، والرسول أمر بالصبر في أحاديثه في عشرات الأحاديث [ غير أنه لا بأس أن يقول المريض إذا سئل عن حاله: إني مريض، أو بي ألم، والحمد لله على كل حال ] فإذا كنت مريضاً وسئلت فلا بأس أن تقول: إني مريض أو متألم، ولكن قل بعدها: الحمد لله على كل حال، فإذا سئلت: كيف حالك يا إبراهيم؟! فقل: الحمد لله على كل حال، أو إني مريض والحمد لله على كل حال، على حال المرض والصحة دائماً. فإذا كنت يا بني! مريضاً وسئلت فلا تسخط ولا تجزع، ولا بأس أن تقول: إني مريض، والحمد لله على كل حال، أو إني متألم، والحمد لله على كل حال.