عنوان الفتوى : تفسير قوله تعالى: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام
قال الله تعالى:(فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ).
سؤالي هو: هل هذه الآية تشمل المؤمن؟ قرأت تفسير هذه الآية، وشعرت بالقلق؛ لأنني حاليا أعاني من وساوس في الدين، وأدفعها منذ أكثر من أسبوع، وأشعر بالضيق والحزن في صدري، وأكره الوساوس.
وأمنية حياتي أن ينشرح صدري بالإيمان، وأطمئن بالله، وأؤمن بدينه دون ذرة شك.
أسألكم بالله الدعاء لي، فأنا الآن أصبحت لا أطيق الدنيا، كل شيء أمامي أصبح تافها، ولا أرغب فيه، وأريد الإيمان الجازم، والثبات، والاطمئنان، وحسن الخاتمة، وأصبح لا شيء يسعدني غيرها.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشرح صدرك للإيمان، وأن يمُنَّ عليك بالسكينة، والطمأنينة، وانشراح الصدر، والسعادة في الدنيا والآخرة.
ثم إن الوسوسة شيء يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، ومن فضل الله تعالى ورحمته أن تجاوز عن ذلك ما لم يعمل به، أو يتكلم، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست، أو حدثت به أنفسها، ما لم تعمل به، أو تكلم. رواه البخاري ومسلم.
فليس المرء بمؤاخذ عليها، طالما أنها مجرد وساوس، وخواطر تهجم على النفس، يكرهها الإنسان وتزعجه.
وكره العبد وخوفه ونفوره من هذه الخواطر والوساوس الشيطانية؛ علامة على صحة الاعتقاد، وقوة الإيمان، فعن أبي هريرة، قال: جاءه ناس من أصحابه، فقالوا يا رسول الله؛ نجد في أنفسنا الشيء نعظم أن نتكلم به، أو الكلام به، ما نحب أن لنا وأنا تكلمنا به، قال: أوقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.
قال النووي: معناه: استعظامُكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا، وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا، وانتفت عنه الريبة والشكوك. اهـ.
أما الآية التي جاءت في سؤالك، فإنها تشمل المؤمن. يقول ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} أي: ييسره له وينشطه ويسهله لذلك، فهذه علامة على الخير، كقوله تعالى: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين} [الزمر: 22] ، وقال تعالى: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون} [الحجرات: 7].
قال ابن عباس: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} يقول: يوسع قلبه للتوحيد والإيمان به، وكذا قال أبو مالك، وغير واحد. وهو ظاهر.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا الثوري، عن عمرو بن قيس، عن عمرو بن مرة، عن أبي جعفر قال: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي المؤمنين أكيس؟ قال: "أكثرهم ذكرا للموت، وأكثرهم لما بعده استعدادا". قال: وسئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} وقالوا: كيف يشرح صدره يا رسول الله؟ قال: "نور يقذف فيه، فينشرح له وينفسح". قالوا: فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال: "الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت"
وقوله تعالى: {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} {حرجا} بفتح الحاء والراء، وهو الذي لا يتسع لشيء من الهدى، ولا يخلص إليه شيء ما ينفعه من الإيمان ولا ينفذ فيه. اهـ
وللمزيد عن أسباب انشراح الصدر، وما يعين على دفع الوساوس التي تمرُّ بقلب المؤمن راجعي الفتويين: 175667، 419278.
والله أعلم.