خطب ومحاضرات
فتاوى نور على الدرب [439]
الحلقة مفرغة
السؤال: إذا دخلت مع الإمام وهو راكع فهل إذا قمت إلى الركعة الثانية أقرأ دعاء الاستفتاح أم لا أرجو الإفادة؟
الجواب: إذا دخل المسبوق مع الإمام وهو راكع فإنه أولاً يكبر تكبيرة الإحرام قائماً قبل أن يهوي، ثم يهوي إلى الركوع، وفي هذا الحال إن كبر للركوع فهو أفضل وإن لم يكبر فلا بأس عليه، هكذا قال العلماء رحمهم الله، ثم إذا قام إلى الركعة الثانية فإنه لا يستفتح؛ لأن الاستفتاح إنما يكون في أول الصلاة وأول الصلاة قد مضى، فهو سنة فات محلها فلا تقضى في غير مكانها، ولكنه يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم من أجل القراءة.
السؤال: لبست الجوارب، وعند الوضوء نسيت هل لبستهما على طهارة أم لا، فماذا علي؟
الجواب: يجب عليك أن تخلعهما، وأن تغسل قدميك؛ وذلك لأن هذا شك في وجود الشرط، والأصل عدم الوجود، فلا يحل لك أن تمسح على الجوارب وأنت في شك هل لبستهما على طهارة أم لا. إن المسح على الخفين جائز بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أما في كتاب الله ففي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، على قراءة الجر؛ لأن في قوله: (وأرجلكم) قراءتين: قراءةً بالنصب: (وأرجلَكم) فتكون معطوفة على قوله: وجوهَكم، وتكون حينئذٍ مغسولة، وقراءةً بالجر: (وأرجلِكم) وحينئذٍ تكون معطوفة على قوله: (بروؤسِكم) وتكون ممسوحة، وقد بينت السنة متى يكون مسح الرجل ومتى يكون غسلها فيكون غسلها إذا كانت مكشوفة، ويكون مسحها إذا كانت مستورة بالجوارب أو الخفين.
وأما في السنة فقد تواتر ذلك عن النبي صلي الله عليه وسلم من قوله وفعله، وممن رواه ذلك عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد قال بعض العلماء بيتين يعد فيهما بعض ما تواتر عن النبي صلي الله عليه وسلم من السنة فيقول:
مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتاً واحتسب
ورؤية شفاعة والحوض ومسح خفين وهذا بعض
قال الإمام أحمد رحمه الله: ليس في قلبي من المسح شيء، فيه أربعون حديثاً عن النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه، ولكن لا بد لجواز المسح من شروط:
الشرط الأول: أن يلبسهما على طهارة لقول المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: ( كنت مع النبي صلي الله عليه وسلم في سفر أتوضأ فأهويت لأنزع خفيه فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ثم مسح عليهما )، فلو لبسهما على غير طهارة فإنه لا يجوز المسح عليهما.
والشرط الثاني: أن يكون المسح في المدة المحددة، وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وتبتدئ هذه المدة من أول مرة مسح بعد الحدث ولا تبتدئ من اللبس ولا من الحدث بعد اللبس حتى يمسح؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم وقت المسح فقال: ( يمسح المقيم يوماً وليلة، والمسافر ثلاثة أيام )، يعني: في مسح الخفين، ولا يتحقق المسح إلا بفعله، وعلى هذا فلو أن أحداً توضأ لصلاة الفجر ولبس الخفين أو الجوربين ثم أحدث قبل الظهر بساعتين ولم يتوضأ، ثم توضأ لصلاة الظهر فإن ابتداء المدة من الوضوء لا من الحدث الذي قبل الظهر بساعتين، ولو قدر أنه توضأ لصلاة الفجر ولبس خفيه أو جوربيه وبقي على طهارته إلى صلاة العشاء ثم نام ولم يتوضأ، ثم قام لصلاة الفجر من اليوم الثاني ومسح فإن ابتداء المدة يكون من فجر اليوم الثاني، والقاعدة في هذا: أن المدة التي تسبق المسح أول مرة لا تحسب من المدة، وبهذا نعرف أن ما اشتهر عند العامة من تقييد المدة بخمس صلوات ليس مبنياً على أصل صحيح؛ لأن المثال الثاني الذي ذكرناه قد مضى على هذا الرجل اللابس أربع صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء وكلها لا تحسب من المدة، وسيكون ابتداء المدة من صلاة الفجر من المسح لصلاة الفجر من اليوم الثاني.
أما الشرط الثالث: فهو أن يكون المسح في الحدث الأصغر، أي: في الوضوء لا في الغسل من الجنابة أو غيرها من موجبات الغسل، ودليل ذلك حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم: ( أمرهم أن يمسحوا يوماً وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر، وأن لا ينزعوا خفافهم إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم ).
الشرط الرابع: طهارة الخف أو الجورب، فلو لبس خفاً مصنوعاً من شيء نجس كجلد الحيوان النجس فإنه لا يمسح عليه. هذه الشروط الأربعة التي لا بد من تحققها لجواز المسح على الخف أو الجورب.
وأما الخروق التي تكون في الجورب فإنها لا تضر ما دام اسم الجورب باقياً؛ وذلك لأنه لا دليل على اشتراطها؛ ولأن السلامة منها قد تكون نادرة أو قليلة؛ ولأن كل شرط يضاف إلى عمل من الأعمال فإنه يضيقه ويقيده، وما كان كذلك فإنه لا بد فيه من دليل عن الشارع، وليس هناك دليل يدل على اشتراط أن لا يكون الجورب أو الخف مخرقاً، وإذا لم يدل دليل على ذلك فإن الواجب إطلاق ما أطلقه الله ورسوله؛ لئلا نضيق على عباد الله فيما يسره الله لهم، وإذا تمت المدة مدة المسح فإنه لا يجوز الإنسان أن يمسح بعد تمامها، فإن مسح ولو ناسياً فإن وضوءه لا يصح؛ لأنه مسح على وجه ليس عليه أمر الله ورسوله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، ولكن طهارته التي تمت قبل انقضاء المدة تبقى كما هي ولا تنتقض بانتهاء المدة، فما دام لم يحدث بعد انتهاء المدة فإنه يصلي بطهارته ما شاء من فروض ونوافل، ويفعل جميع ما يفعله من كان على طهارة؛ لأن الطهارة التي سبقت انتهاء المدة تمت على وجه شرعي، وما تم على وجه شرعي فإنه لا يجوز نقضه أو إفساده إلا بدليل شرعي، وبناءً على هذه القاعدة يتبين أيضاً أن الإنسان لو مسح على الجورب في أثناء المدة ثم خلعه فإن طهارته لا تنتقض أيضاً بل يبقى على طهارته حتى يحدث، وإذا أحدث فلا بد من غسل رجليه مع وضوئه؛ وذلك لأن هذا الذي خلع ما مسحه من الجوربين أو الخفين قد تمت طهارته قبل الخلع بمقتضى الدليل الشرعي، وما تم بمقتضاه الدليل الشرعي فإنه لا يجوز إفساده أو إبطاله إلا بدليل شرعي.
السؤال: ماذا عن المسح على الجبيرة؟
الجواب: المسح على الجبيرة جائز على القول الراجح، والجبيرة: هي ما يوضع على الكسر أو على الجرح أو نحوه من لفائف، ولكن يجب أن نعلم أن الجبيرة لا يجوز أن تتعدى موضع الحاجة، وهي ما يحتاج فيه إلى شدها ولو تجاوز محل الألم أو الكسر، المهم أن يقال: إن الجبيرة في حاجة إلى هذه اللفافة، وتختلف الجبيرة عن المسح على الخفين بأن مسحها ضرورة، يعني: لا يجوز إلا للضرورة، وأنه لا يشترط أن يلبسها على طهارة، وأنه ليس لها مدة، وأنه يجوز المسح عليها في الحدث الأصغر والأكبر، وأن المسح يعم جميعها إذا كانت في محل ما يجب تطهيره، فإن كانت في محل بعضه يجب تطهيره وبعضه لا يجب، مثل أن تكون الجبيرة في المرفق ضافية على العضد والذراع، فما كان في مكان التطهير فإنه يمسح عليه فما زاد عليه، فإنه لا يمسح، فيجب المسح على جميعها. أما في الخف أو الجورب فإنما يمسح أكثر ظاهره. وكيفية مسحه -أعني مسح الخف والجورب: أن تبل يديك بالماء ثم تمرهما على ظاهر الخف أو الجورب من الأصابع إلى الساق، ولا يمسح أسفله ولا يمسح عقبه، فعن علي رضي الله عنه أنه قال: ( لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت النبي صلي الله عليه وسلم يمسح على الخف )، وقوله رضي الله عنه: (لو كان الدين بالرأي) يعني: بالرأي المجرد بدون نظر وتأمل، وإلا فإن الإنسان إذا نظر وتأمل في المسح على الخف أو الجورب وجد أن أعلاه أولى بالمسح؛ لأن أسفله يلاقي الأرض ويحمل معه أوساخاً، فلو مسح لكان في ذلك زيادة تلويث؛ لأن المسح ليس كالغسل يزيل الأذى والوسخ، ولكنه عبادة يفعله الإنسان تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يستفيد من مسح أسفل الخف ما يستفيده من مسح أعلاه، ولهذا كان الدين موافقاً للعقل تماماً في أن أعلى الخف أولى بالمسح من أسفله.
السؤال: تقدم أحد الشباب المستقيمين لخطبة فتاة، ولكن الأب رفض بحجة أن هذا المتقدم في مرحلة الدراسة الأخيرة، ويخشى أن يعين في قرية بعيدة عنهم فتكون البنت وحيدة في بيتها، فهل تصرفه هذا صحيح، نرجو الإفادة والتوجيه مأجورين؟
الجواب: إذا خطب الرجل امرأة وكان ذا دين وخلق مرضي فإن المشروع أن يجاب ويزوج، والعذر الذي قاله أبو المخطوبة في السؤال عذر لا يمنع من تزويجها، ولا يحل لأبيها إذا كانت راغبة في هذا الخاطب أن يمنعها من أجل هذا العذر؛ لأنه ليس عذراً شرعياً وهو آثم بمنعه هذا الخاطب؛ لأن ولي المرأة أمين يجب عليه أن يتصرف فيما هو مصلحة لها، وأما احتمال أن يُعيّن في بلدة تكون البنت فيها وحيدة فهذا من الممكن أن يندفع بأن يشترط على الزوج أن لا يسكنها في مكان نائي تنفرد به، وإذا اشترط على الزوج هذا الشرط والتزم به كان التزاماً صحيحاً، ويجب على الزوج أن يوفي به لقول النبي صلي الله عليه وسلم: ( إن حق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج )، ومع ذلك فإني أرى ألا يشترط هذا الشرط ولو كان خائفاً منه؛ لأن المرأة إذا تزوجت كان أولى الناس بها زوجها، وإذا كانت العلاقة حسنة فإنه سوف يفعل كل ما فيه مصلحتها وأنسها وسرورها.
السؤال: إذا دخل الشخص دورة المياه وفي نيته أنه يتوضأ، لكن بعد الخروج لا يدري هل توضأ أم لا، وقد تكرر ذلك عنده عدة مرات!
الجواب: إذا كان هذا الشك الذي يعتريه شكاً دائماً فإنه لا يلتفت إليه؛ لأنه يشبه الوسواس بل هو وسواس، أما إذا كان طارئاً فإنه يجب عليه أن يتوضأ؛ لأنه شك في وجود الوضوء، والأصل عدم وجوده، وقد ذكر بعض العلماء ضابطاً للشك فقال:
والشك بعد الفعل لا يؤثر وهكذا إذا الشكوك تكثر
فنقول لهذا السائل: إذا كانت أكثر عادتك أنك تتوضأ وكثرة الشكوك في أنك لم تتوضأ فابنِ على العادة الأكثر وعلى أنك متوضئ، أما إذا كان الشك نادراً فإنه يجب عليك أن تتوضأ؛ لأن الأصل عدم وجود الوضوء.
السؤال: يسأل عن عبارة (القول: أنا على باب الله)؟
الجواب: هذه العبارة يطلقها بعض الناس يريد أن يبين أنه ليس عنده شيء من هذا الذي سُئل عنه، مثل أن يقال له: هل عندك مال؟ فيقول: أنا على باب الله، أو هل تعرف كذا؟ أو هل أنت طالب علم؟ فيقول: أنا على باب الله هل أنت متزوج؟ فيقول: أنا على باب الله، يعني: ليس عندي شيء، ولكني أسأل الله سبحانه وتعالى أن ييسر لي هذا، هذا هو معنى العبارة عند الناس وليس فيها شيء.
السؤال: شخص له أرض سبالة في شارع يمر عليها الناس، فأرادت الشركات استثمار القريبة من الشارع والقيام بتعويضه عنها، فأراد أن يسأل: ما هو الأفضل يا فضيلة الشيخ ترك الأرض هذه السبالة وليمر عليها الناس، وفي هذا توسعة للمسلمين، أو إعطائها للشركة وأخذ التثمين والاستفادة منه في بناء مسجد أو مكتبة إسلامية أو مشاريع خيرية؟
الجواب: الذي أرى في جواب هذا السؤال: أن يعرض المسألة على القاضي الذي في بلده حتى يُنظر وثيقة السبالة كيف وقفها صاحبها وحتى ينظر هل في الناس ضرورة أو حاجة في بقائها أو لا، وحتى ينظر هل في بيعها ليصرف ثمنها إلى مسجد أو غيره من مصالح المسلمين مصلحة راجحة أو لا، فعلى كل حال المرجع في ذلك إلى القاضي.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فتاوى نور على الدرب [707] | 3913 استماع |
فتاوى نور على الدرب [182] | 3693 استماع |
فتاوى نور على الدرب [460] | 3647 استماع |
فتاوى نور على الدرب [380] | 3501 استماع |
فتاوى نور على الدرب [221] | 3496 استماع |
فتاوى نور على الدرب [411] | 3478 استماع |
فتاوى نور على الدرب [21] | 3440 استماع |
فتاوى نور على الدرب [82] | 3438 استماع |
فتاوى نور على الدرب [348] | 3419 استماع |
فتاوى نور على الدرب [708] | 3341 استماع |