فتاوى نور على الدرب [382]


الحلقة مفرغة

السؤال: من المعروف أن من نواقض الوضوء الحدث الأصغر، والسؤال هو: إذا أحدث رجل فهل عليه الوضوء فقط، أم الوضوء والاستنجاء معاً؟ وإذا أراد الصلاة أو قراءة القرآن، فما الحكم في ذلك؟ وما الحكم فيمن يعاني من هذه الغازات، إذ أنها تشكل عليه أثناء كل صلاة؟

الجواب: الحدث الأصغر هو كل ما يوجب وضوءاً، وينقسم إلى أقسام؛ فإن كان الحدث ببولٍ أو غائط وجب فيه الاستنجاء والوضوء، وإن كان بغيرهما لم يجب فيه الاستنجاء؛ لأن الاستنجاء إنما يجب لإزالة النجاسة، ولا نجاسة إلا في البول والغائط، وعلى هذا فإذا خرجت الريح من شخص وهو متوضئ، فليس عليه إلا الوضوء، وهو غسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين، وليس عليه استنجاء؛ لأنه لم يوجد سببٌ يقتضيه، وأما ما يظنه بعض العامة من وجوب الاستنجاء عند كل وضوء فهذا لا أصل له.

وأما ما ذكر السائل من الغازات التي تحدث له أثناء صلاته، فإن هذه الغازات لا تؤثر شيئاً إذا لم تخرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يجد الشيء في الصلاة، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً )، يعني: حتى يتيقن ذلك تيقناً محسوساً، إما بسماع الصوت أو بشم الرائحة، وأما مجرد الوهم الذي يحصل عند الغازات في البطن فإن ذلك لا يؤثر، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده، أن لا يرتفع اليقين إلا بيقين، فالطهارة المتيقنة لا ترتفع إلا بحدث متيقن، وثبوت كونه حدثاً من قبل الشرع، ومتيقنٌ حدوثه فعلاً بالنسبة للمكلف، فإذا وجدت نصوصاً ليست صريحة في وجوب الوضوء وحصول الحدث، فإن الوضوء لا يجب، ولا يحصل الحدث بها؛ لأن وجود الوضوء بيقين لا يرفعه إلا يقين، وكذلك لو شك الإنسان في حدوث حدثٍ دلت عليه النصوص ولم يتيقن أنه أحدث معه، فإنه لا وضوء عليه.

وخلاصة الجواب أن نقول: من انتقض وضوءه ببولٍ أو غائط وجب عليه الاستنجاء والوضوء، ومن انتقض وضوءه بحدثٍ غير البول أو الغائط، فليس عليه إلا الوضوء فقط، وأن من شك وهو في الصلاة أو خارج الصلاة بانتقاض وضوئه لوجود غازاتٍ في بطنه، فإنه لا شيء عليه، ولا يلزمه الوضوء حتى يتيقن.

السؤال: هل هناك حالات لسجود السهو قبل السلام، وحالات بعد السلام، وإذا كان ذلك فما الحكم فيمن يسجد للسهو قبل السلام، والأصل أن يسجد بعده أو العكس، وأعني بالسلام: التسليمتين؟

الجواب: هذا السؤال هامٌ جداً؛ وذلك لأن الحكم في سجود السهو يخفى على كثيرٍ من الناس، والواجب على المرء أن يتعلم من دينه ما يقوم به دينه، ولا سيما في هذه المسألة، وسجود السهو سببه إما زيادة أو نقص أو شك، فأما الزيادة فيكون السجود فيها بعد السلام، وأما النقص فيكون السجود فيه قبل السلام، وأما الشك ففيه تفصيل: إن بنى على ظن فالسجود بعد السلام، وإن بنى على شك فالسجود قبل السلام، هذه القواعد العامة في السجود.

فأما الزيادة، فمثل: أن يزيد الإنسان ركوعاً بأن يركع مرتين، أو سجوداً بأن يسجد ثلاث مرات، أو قياماً بأن يقوم إلى الخامسة في الظهر مثلاً ثم يذكر ويرجع، أو إلى الرابعة في المغرب ثم يذكر ويرجع، أو إلى الثالثة في الفجر ثم يذكر ويرجع، هذه الزيادة إذا حصلت من الإنسان نسياناً فإنه يسجد بعد السلام، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم إحدى صلاتي العشي، يعني: إما الظهر أو العصر، فسلم من ركعتين، ثم ذكروه فأتم صلاته، وسلم، ثم سجد سجدتين بعد السلام، والزيادة هنا هي في السلام، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام سلم في أثناء صلاته، فهذه الزيادة زيادة ركن، فسجد بعد السلام، وصلى ذات يوم الظهر خمساً، فلما سلم قيل: (أزيد في الصلاة؟ قال: لا، فقالوا: صليت خمساً. فاستقبل القبلة وثنى رجليه وسجد سجدتين )، ووجه كون سجود السهو بعد السلام في الزيادة أن لا يجتمع في الصلاة زيادتان؛ فالزيادة التي سها فيها، وزيادة السجدتين، فكان من الحكمة أن تكون السجدتان بعد السلام.

وأما النقص: فهو أن ينقص الإنسان واجباً من واجبات الصلاة، فإذا نقص واجباً من واجبات الصلاة فسجود السهو فيه قبل السلام، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه سلم صلى الظهر ذات يوم فقام من الركعتين ولم يجلس، يعني لم يجلس في التشهد الأول، فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه سجد سجدتين ثم سلم، ومثل ذلك: لو أن الإنسان نسي أن يقول: سبحان ربي العظيم في الركوع، أو نسي أن يقول: سبحان ربي الأعلى في السجود، أو نسي تكبيرة من التكبيرات سوى تكبيرة الإحرام، فإنه يسجد قبل السلام؛ لأن ذلك عن نقص، والحكمة من كون السجود عن النقص قبل السلام، هو أن الصلاة نقصت بهذا النقص، فكان من الحكمة أن يكون جبر النقص قبل الخروج منها.

وأما الشك، فهو السبب الثالث لسجود السهو، فإن بنى فيه الإنسان على الظن فالسجود بعد السلام، وإن بنى على الشك فالسجود قبل السلام، مثال الظن: أن يشك الإنسان هل صلى ثلاثاً أو أربعاً، ولكن يغلب على ظنه أنها أربع، فليتم على أنها أربع، ويسلم ويسجد للسهو بعد السلام، أو شك هل هي أربع أو ثلاث، فغلب على ظنه أنها ثلاث، فليأت بالرابعة وليسلم وليسجد بعد السلام، ودليل ذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر عند الشك أن يتحرى الصواب ويتم عليه، ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين، والحكمة من ذلك أن هذا الشك الذي طرأ عليه، وفيه ظن راجح، كان المرجوح وهماً، والوهم أمر زائد، ولذلك كان السجود فيه بعد السلام.

وأما البناء على الشك، وهو إذا لم يترجح عنده شيء، فيبني على اليقين وهو الأقل، ويسجد سجدتين قبل أن يسلم.

مثال ذلك: رجل شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً ولم يترجح عنده شيء، فإنه يبني على الأقل وهو الثلاث ويأتي بالرابعة، يأتي بالسجود للسهو قبل أن يسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم ليسجد سجدتين قبل أن يسلم )، والحكمة من ذلك: أن هذا الشك الذي حصل له لم يؤثر شيئاً في الواقع؛ لأن الزيادة موهومة غير مضمونة ولا غالبة على الظن، فكان الشك، ومن هنا كان السجود فيها قبل السلام؛ لأن هذا نوع من نقص الصلاة.

فتبين بذلك الآن أن أسباب سجود السهو ثلاثة: زيادة ونقص وشك، وأن الزيادة يكون السجود فيها بعد السلام، والنقص يكون السجود فيها قبل السلام، والشك إن غلب على ظنه، ورجح أحد الطرفين، فالسجود بعد السلام، وإن لم يغلب على ظنه أحد الطرفين، فالسجود قبل السلام، ولكنه يبني في هذه الحال على المتيقن وهو الأقل.

السؤال: هل الساهي مخير بالسجود للسهو قبل السلام أو بعده كما يقول بعض العامة؟

الجواب: ذكرتني فقرة في السؤال، يقول: فيما إذا سجد قبل السلام في سجودٍ محله بعد السلام، أو بالعكس، نقول: إن أكثر أهل العلم على أن كون السجود قبل السلام أو بعده، من باب الأفضلية فقط، وليس من باب الوجوب، وبناءً على ذلك فإنه لو سجد فيما محله قبل السلام بعد السلام، أو فيما محله بعد السلام قبله، فلا إثم عليه، ولكن ذهب بعض أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنما كان محله قبل السلام يجب أن يكون قبل السلام، وما كان محله بعد السلام يجب أن يكون بعد السلام، وبناءً على ذلك فإن الإنسان لو سجد قبل السلام فيما محله بعده أو بعد السلام فيما محله قبله، لكان في ذلك آثماً.

وأما ما أشرت إليه من قول العامة: بأن الإنسان مخير. فهذا لا أصل له، ولا وجه له من حيث الأدلة الشرعية، بل الأدلة الشرعية تدل على أن لكلٍ محلاً، ولكن هل هذا المحل على سبيل الوجوب أو على سبيل الأفضلية؟ فيه الخلاف الذي ذكرت.

السؤال: ما المقصود بقاعدة الاستصحاب؟ ومتى يؤخذ بها؟ وهل يلزمني الأخذ بها أم أنا مخير؟

الجواب: المقصود بقاعدة الاستصحاب البناء على الأصل، يعني: أن الأصل الثابت يجب استصحابه إلا بدليل يرفعه، فمثلاً: لو توضأ الإنسان ثم طرأ عليه الشك، هل أحدث أم لا؟ فانه لا يلتفت لهذا الشك، استصحاباً للأصل الذي هو الوضوء، ولو أحدث الإنسان، ثم أراد الصلاة وشك، هل توضأ بعد حدثه أو لا؟ فإنه يجب علية الوضوء استصحاباً للأصل وهو الحدث، وهذه القاعدة لها أصل، في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الرجل يجد الشيء في الصلاة؟ فقال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً )، فان هذا استصحاب للأصل، وهو بقاء الوضوء، حتى يتبين زواله، ولها، أي: لهذه القاعدة أدلة كثيرة يعرفها المتأمل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

السؤال: هل التسبيح بالمسبحة بدعة، أو هو كما يقولون: بدعة حسنة؟ وهل في الإسلام بدعة حسنة؟

الجواب: التسبيح بالمسبحة لا نقول: إنه بدعة؛ لأن التسبيح بالمسبحة لا يقصد به التعبد، إنما يقصد به ضبط العدد، فهو وسيلةٌ وليس بغاية، فعلى هذا فلا نقول: إنه بدعة، ولكننا نقول: إن التسبيح بالأصابع أفضل؛ لأن هذا هو الذي أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (اعقدن بالأنامل فإنهن مستنطقات )، وهذا يدل على أن الأفضل العقد بالأنامل؛ لأنها سوف تشهد يوم القيامة بالعمل الذي حركت فيه.

والتسبيح بالمسبحة فيه أشياء: أولاً: أنه خلاف ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وثانياً: أنه قد يجر إلى الرياء كما يشاهد بعض الناس الذين يتقلدون المسابح في أعناقهم، وترى في المسبحة ألف خرزة، كأنما يقولون للناس: انظروا فإننا نسبح ألف مرة، فهو يحمل على الرياء، ثالثاً: أن من يسبح بالمسبحة تجد قلبه غافلاً، يحرك هذا الخرز وعيناه تدوران يميناً وشمالاً، وقلبه أيضاً يتجول يميناً وشمالاً، فاستعمال المسبحة أقرب إلى الغفلة من استعمال الأصابع، ولهذا ينبغي للإنسان أن يعقد التسبيح بأصابعه، والأفضل أن يكون ذلك باليد اليمنى، وإن عقد باليدين جميعاً فلا بأس.

السؤال: يقول: بأنه يحب قراءة القرآن حباً عظيماً والحمد لله، ويقول: أنا لا أجيد حقيقة القراءة جيداً، وهناك شباب أحسن مني في قراءته، لكنهم لا يطبقون أحكامه، ويقولون: لو أنت مطوع لكنت أحسن منا، فما رأي فضيلتكم في ذلك؟

الجواب: أرى أن الفائدة من قراءة القرآن هو تدبر القرآن، والاتعاظ به، والعمل به، فأنت أحق منهم بالقرآن؛ وذلك لأنك تعمل به حسبما قلت، ومعلومٌ أن الذي يجيد قراءة القرآن ولكنه لا يعمل به، يكون شبيهاً بمن قال الله فيهم: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5]، فالحامل سيئ، والمحمول حسن، فقل لهم إذا قالوا لك مثل هذا القول: وأنتم لو كنتم من أهل القرآن لعملتم به، فإعراضكم عن القرآن مع أن الله حملكم إياه أشد من كونكم لا تحملون القرآن.

أما بالنسبة لك فأنت إذا قرأت القرآن وأنت تتعتع فيه، وهو شاقٌ عليك، فإن لك أجرين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران)، ومع ذلك فلا تيأس، وحاول مرةً بعد أخرى أن تجيد القراءة، واعلم أنه لا يلزمك أن تقرأ بالتجويد، المهم أن تقيم الكلمات والحروف على الشكل المرسوم، فلا تضم المنصوب ولا تنصب المرفوع، وإنما تتمشى على حسب الشكل المرسوم، سواءٌ كان ذلك بطريق التجويد أو بغير طريق التجويد؛ لأن التجويد لا يراد به إلا تحسين اللفظ فقط، وتحسين اللفظ ليس بواجب، إنما هو من كمال القراءة، فلا عليك إذا قرأت القرآن بغير تجويد، ولكن لا بد من ملاحظة الشكل.

السؤال: إذا فرغ المصلون من الصلاة يقوم بعض المصلين بمصافحة الذين بجوارهم، هل هذا وارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: هذا ليس بوارد، يعني: كون المصلين إذا سلموا من الصلاة صافح بعضهم بعضاً، ليس بوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، بل هو مما أحدث، والإنسان يسلم من الصلاة فيقول: السلام عليكم ورحمة الله: يسلم على كل من معه من المصلين، فالإمام يسلم على المأمومين، والمأمومون يسلم بعضهم على بعض، وربما يشمل سلامهم الإمام أيضاً، ولا حاجة إلى إعادة السلام مرةً ثانية؛ لأن الجماعة واحدة.

أما ما يفعله بعض الناس الذين يدخلون المسجد، ويصلي تحية المسجد أو الراتبة مثلاً، فإذا فرغ صافح من على يمينه ويساره، فإن هذا لا بأس به ولا حرج فيه، لكن بشرط أن لا يقصد الإنسان به التعبد، وأن هذا مشروع، وإنما يقصد بذلك الإيناس والتأليف.

السؤال: إذا كان الإمام في صلاةٍ جهرية، فإن بعض المصلين يقول عند قول الإمام: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، استعنا بالله، وعند الإقامة يقول: أقامها الله وأدامها؟

الجواب: أما الأول وهو قول المأموم إذا قرأ الإمام: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، استعنت بالله، فإن هذا لا أصل له، ولا نحتاج أن نقوله؛ لأن الإمام سوف يختم قراءة الفاتحة بالتأمين ويؤمن المأمومون على دعائه، فلا حاجة إلى أن يقول القائل: استعنا بالله.

وأما الثاني وهو أن يقول عند الإقامة: أقامها الله وأدامها، فإن هذا قد روي فيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعفه بعض أهل العلم، وحسنه بعضهم، فإذا قالها الإنسان فلا حرج، وإن تركها فلا حرج.