فتاوى نور على الدرب [101]


الحلقة مفرغة

السؤال: لقد سمعنا في لقاء ماضٍ مع الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث حول الزكاة قال: إن زكاة الفطر لا يجوز إخراج القيمة فيها بدلاً من العين، أما غير زكاة الفطر فإنه يجوز إخراج ذلك منها، نرجو أن نعرف المقصود بالزكاة الذي قال فيها زكاة غير الفطر، ثم إن كثيراً من الناس إذا باعوا غلاتهم فإنهم لا يزكون إلا بعد الحول على هذه النقود التي عندهم فما حكم ذلك وفقكم الله؟

الجواب: نريد بزكاة غير الفطر زكاة المواشي والحبوب والثمار، وأما زكاة النقود وعروض التجارة فإنها تؤخذ من النقد، لكن زكاة المواشي التي هي: الإبل والبقر والغنم إذا كانت سائمة وليست عروضاً، وزكاة الحبوب والثمار تؤخذ من أعيانها من نفس الحبوب والثمار أو من نفس الماشية على حسب ما هو معلوم من السنة، ولكن إذا اقتضت المصلحة أو الحاجة أن يخرج عنها نقوداً فإن ذلك لا بأس به، لو طلب الساعي المنتدِّب من قبل الدولة أن يعطيه صاحب الماشية بدلاً عن الماشية دراهم نظراً لمصلحة المساكين وخفة الدراهم عليه فإن ذلك لا بأس به، فتقوّم الماشية التي هي الزكاة، إذا عُرف أن في هذه الغنم الأربعين شاة، تقوّم هذه الشاة بدراهم ويأخذها الساعي، وكذلك في الإبل وكذلك في البقر، وكذلك أيضاً في الحبوب والثمار إذا عُرف الواجب منها، الواجب في زكاة الحبوب والثمار نصف العشر فيما يسقى بمؤونة، وعشر كامل فيما يسقى بلا مؤونة، فإنه يجوز أن تخرج الزكاة من قيمته إذا بعته كما لو دفعته لصوامع الغلال وأخذت عوضاً عنه عشرة آلاف مثلاً، فإنه يجوز أن تخرج الزكاة من هذه الدراهم إذا كانت عشرة آلاف وهو مما يسقى بلا مؤونة كالذي يشرب سيحاً، ففي عشرة آلاف ألف ريال وإذا كان يسقى بالمكائن ففي عشرة آلاف خمسمائة ريال، لا بأس أن تخرجها من قيمته، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على هذا كما ذكره صاحب الفروع عنه، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ذكر أنه لا بأس به إذا اقتضت المصلحة أو الحاجة، وهذا لاشك أن فيه مصلحة للدافع والقابض، أما للدافع فإنه أبرأ لذمته وأيسر عليه غالباً، وأما القابض فإنه أنفع له لأنه ينتفع بالنقود على وجوه متنوعة، وأما الحبوب أو الثمار فإنه لا ينتفع بها إلا على وجه واحد وهو أكلها أو يبيعها ويكون بيعها بمثن رخيص يتضرر به هو، هذا ما نريده في قولنا: إنه يجوز دفع الزكاة قيمة في غير زكاة الفطر.

مداخلة: هل يبقي النقود إذا استلمها مثلاً من صوامع الغلال أو من الدولة إلى أن يأتي عليها الحول أو فور استلامها يخرج الزكاة؟

الشيخ: إذا كانت هذه الدراهم عوضاً عن حبوبٍ وثمار فإنه يجب إخراج زكاتها فوراً؛ لأن الحبوب والثمار تجب زكاتها حين أخذها، ولا تحتاج إلى الحول، وأما إذا كانت هذه الدراهم عوضاً عن شيء ليس فيه زكاة بعينه كما لو كانت عوضاً عن طماطم مثلاً أو عن بطيخ أو عن خُضر ليس فيها زكاة، فهذه لا زكاة عليه فيها حتى يتم عليها الحول، فهذا هو الفرق.

يجب أن يعرف الإنسان الفرق إن كانت هذه الدراهم عوضاً عن شيء تجب الزكاة بعينه كالحبوب من قمح وذرة وشعير، أو ثمر نخل أو ثمر عنب على المشهور من المذهب، فإن هذه يجب أداء زكاتها فوراً، ثم إن حال الحول على هذه الدراهم وجب زكاتها أيضاً زكاة دراهم تكون.

مداخلة: بالنسبة للسائمة أيضاً تدخل مثل النبات مثل الحبوب وما الحبوب؟

الشيخ: كذلك السائمة إذا تم حولها يجب إخراج زكاتها.

مداخلة: لكن مثلاً لو كانت فيها عوض أو من هذا القبيل؟

الشيخ: نفس الشيء لو فرض أن صاحب السائمة باعها بعد وجوب زكاتها وجبت عليه الزكاة فوراً.

مداخلة: هناك ربما يتبادر إشكال في العامل على الزكاة إذا أراد نقوداً بدل الشاة أو بدل الشياة أو بدل الإبل هل يعتبر رضا الدافع والآخذ أو يجبر صاحب الماشية مثلاً أو يدفع نقوداً.

الشيخ: هذه لابد فيها من رضا صاحب الماشية؛ لأن الأصل وجوب زكاته عليه من ماله، ولكن إذا اتفقوا هو والساعي فإنه لا حرج في ذلك إذا اقتضته المصلحة أو الحاجة.

السؤال: ما هو التأمين على الحياة، وهل هو حرام أو حلال؟

الجواب: التأمين على الحياة ما أعرف معناه تماماً، ولكن ما أظن أحداً يؤمن على الحياة؛ لأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ولا ينفع فيه التأمين، وإذا كان التأمين يراد به أن الإنسان يدفع دراهم مقابل أنه إذا مات يُضمَن لورثته شيء معين من المال فهذا حرام؛ لأنه من الميسر، إذ أن الدافع مغامر فلا يدري أيكسب أكثر مما دفع أو أقل، وكل معاملة تكون دائرة بين الغنم والغرم فإنها من الميسر المحرم الذي لا يجوز إلا ما استثناه الشرع في مسألة الرهان على الخف والنصل والحافر.

السؤال: إذا سلمت امرأة على زوج أختها هل يصح أم لا هذا؟

الجواب: نعم يصح أن تسلم المرأة على زوج أختها بشرط أن تكون متحجبة وغير متبرجة وبشرط ألا تصافحه بيدها؛ لأن ذلك محرم، فلا يجوز أن تكشف وجهها ولا يديها لغير محارمها، وأما مجرد السلام فيجوز أن تسلم على زوج أختها وعلى أخي زوجها إذا لم يكن هناك خلوة.

السؤال: مات رجل وله أولاد وبنات وترك أرضاً وعندما قسموا الأرض سمحن البنات لأخيهن الأكبر نصيبهن ولهن إخوان غيره فما الحكم في هذا وشكراً لكم؟

الجواب: الحكم في هذا أنه لا بأس به؛ لأنه لا يجب على الأخ أن يعدل في العطية بين إخوته، وإنما الواجب العدل في العطية إذا كانت من الوالد لولده، وأما من الأخ لأخيه فلا حرج، ويجوز أن تعطي أحد إخوانها وتحرم الآخر، وأن تعطي أحدهم أكثر من الآخر لعدم وجوب المساواة.

السؤال: أنا مدرسة في المدارس المسائية، وفي أحد الأيام تغيبت عن المدرسة بسبب المرض، والنظام لا يسمح بغياب المدرسة، مع العلم بأن مديرة المدرسة اقتنعت بالغياب ولم تعتبر هذا الغياب وتقاضيت أجر هذا اليوم، أفيدوني عن ذلك الأجر هل هو حلال أم حرام، وما العمل بذلك الأجر؟

الجواب: إذا تخلف الإنسان عن العمل لعذر فإن أقام عنه من يقوم مقامه فإنه يستحق الأجر كاملاً، وإن لم يقم غيره مقامه فإن ذلك يرجع إلى ما تقتضيه أنظمة الحكومة التي يعمل فيها، فإذا كانت الأنظمة تقتضي أنه إذا تخلف يوماً بعذر فإنه يستحق الأجر الكامل فلا حرج عليك بأن تأخذي الراتب كاملاً، وإذا كانت الأنظمة تقتضي أن من تخلف ولو لعذر فلا حق له في ذلك اليوم فإنه يجب عليك أن تردي هذا إلى المدرسة.

مداخلة: لكن ألا تعتبر مديرة المدرسة مفوضة من قبل الدولة وهذا هو الجاري الآن؟

الشيخ: إذا كانت تعتبر مفوضة فلا حرج.

السؤال: هل يجوز للمرأة أن تكشف وجهها أمام إخوة زوجها أو زوج أختها لوجود محارم الزوجة؟

الجواب: لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها لغير المحارم سواء كان هذا من إخوة زوجها أو من أزواج أخواتها؛ لأنهم أجانب منها، وأما المحارم بنسب أو رضاع أو مصاهرة فإنها تكشف لهم ما يجوز كشفه كما هو مقرر في كتب الفقه.

السؤال: هل يجوز حمل القرآن الكريم إلي مكان بعيد لتلاوته وما حكم ذلك وفقكم الله؟

الجواب: لعله يريد بالمكان البعيد بلاد الكفر، فنقول: لا بأس أن يحمل الإنسان قرآناً إلى بلاد غير إسلامية؛ لأن أهل العلم إنما ذكر بعضهم تحريم السفر بالقرآن إلى دار الحرب التي يخشى أن يستولي هؤلاء الأعداء على هذا المصحف فيهينوه، وأما بلاد بينها وبين بلدك معاهدة كما هو الجاري المعروف الآن بين الدول فإنه لا حرج أن يستصحب الإنسان كتاب الله ليقرأه وليقرئه غيره من المسلمين هناك فيحصل النفع للجميع والله الموفق.

السؤال: هل الإصابة بالعين حقيقة نرجو توضيح ذلك وكيف نعالج هذه الإصابة بالآيات القرآنية، وما هذه الآيات وفقكم الله؟

الجواب: الإصابة بالعين حقيقة دل عليها القرآن والسنة، أما القرآن فإنه قد ذهب بعض المفسرين إلى أن معنى قول الله تعالى: وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ [القلم:51]، أن المراد بها العين، وكذلك أيضاً قول الله تعالى: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:5]، ذهب كثير من أهل العلم أن المراد بها العين، وأما السنة فقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: ( العين حق، ولو سبق القدر شيء لسبقته العين)، فهذا نص صريح، ثم إن الواقع يشهد لذلك أيضاً، ولا حاجة إلى سرد الوقائع المعلومة لنا في هذا المقام لكنها معلومة عند جميع الناس، والوقاية منها نوعان:

أحدهما: وقاية دافعة.

والثاني: وقاية رافعة.

أما الوقاية الدافعة فهو: أن الإنسان يستعمل الأوراد الواقية من العين وغيرها، مثل: آية الكرسي حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام فيها: ( من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح)، ومثل ألا يظهر لمن اتُهم بالعين بمظهر يُخشى منه أن يثير هذا العائن.

وأما الأسباب الرافعة، فمنها: أن يؤمر العائن بالاغتسال أو بالوضوء ويؤخذ ما تناثر من أعضائه فيُصب على رأس المصاب وعلى ظهره ويشرب منه، وحينئذ تزول العين بإذن الله تبارك وتعالى.

مداخلة: هو يسأل عن آيات قرآنية هل هناك آيات قرآنية خاصة يرقى بها من أصابته العين؟

الشيخ: لا أعرف في هذا شيئاً، ولكن آية الكرسي واقية، وينبغي لمن عرف من نفسه أنه عائن أن يكثر التبريك إذا رأى ما يسره، فيقول إذا رأى ما يسره: تبارك الله، ما شاء الله وما أشبه هذا؛ لأن ذلك من أسباب الوقاية.