شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع - باب إحياء الموات


الحلقة مفرغة

ننتقل إلى الفقه وباب إحياء الموات.

أولاً: فيما يتعلق بإحياء الموات عندنا التعريف: فالإحياء معروف، وهو في الأصل ضد الإماتة، وهو من الحياة ضد الموت، أما الموات فهو بوزن سحاب، والمقصود به هو الشيء الميت.

وكلمة (إحياء الموات) ككلمة مركبة المقصود بها: استيلاء الإنسان على أرض ليست مملوكة، وإحياؤها ببناء أو ماء أو زرع.. أو غيره.

وهذا المعنى ثابت بالسنة النبوية، وهو مذهب جماهير أهل العلم كما ذكره ابن قدامة وغيره، فقد جاء في السنة أحاديث كثيرة جداً تدل على جواز إحياء الأرض الموات، سواء كانت أرضاً زراعية كما يعبرون عنها اليوم أو غير ذلك.

ومن هذا: ما ورد عن سعيد بن زيد رضي الله عنه عند الترمذي رحمه الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أحيا أرضاً ميتة فهي له )، والترمذي قال: حديث حسن. وهو كما قال، ورواه أبو داود أيضاً، وأعله بعضهم بأن حديث سعيد بن زيد مرسل، ولكن له شواهد كثيرة جداً.

منها أيضاً: حديث عائشة رضي الله عنها عند الترمذي بمعنى حديث سعيد : ( من أحيا أرضاً ميتة فهي له ) وقال الترمذي : حديث حسن صحيح، وذكره أبو داود، وصححه ابن حبان، وأشار إليه البخاري في ترجمة باب.

وهكذا أيضاً حديث جابر عند مالك في الموطأ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق )، وقال مالك رحمه الله في الموطأ : والعمل عليه عندنا. يعني: عند أهل المدينة أنهم يأخذون بإحياء الموات.

بل جاء في البخاري في كتاب المزارعة: أنه عقد باباً لإحياء الأرض الميتة أو لإحياء الموات، وقال: إن عمر قد قضى به. ثم أشار البخاري رحمه الله -كما سبق- إلى حديث عائشة، ثم روى بإسناده حديثاً عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أعمر أرضاً ليست لأحد فهو أحق بها )، وهذا الحديث وإن لم يكن بلفظ إحياء الموات وإنما أشار إلى إعمار الأرض الذي ليست لأحد إلا أن معنى الحديث واحد والله أعلم، فإن قوله: ( من أعمر أرضاً ليست لأحد ) يعني: أحياها، سواءً عمرها بالبناء أو أحياها بالسقي أو بالزراعة.. أو بغير ذلك مما تعارف الناس عليه.

وهذا يقودنا إلى النقطة الرابعة: وهي بماذا يكون إحياء الأرض؟ بأي شيء يكون الإحياء؟

والراجح عند جمهور الفقهاء: أن إحياء الأرض يكون بكل ما تعارف عليه الناس، فيكون لفظ الإحياء وهو لفظ شرعي مثله في ذلك مثل لفظ القبض -كما سبق أن ذكرنا- ومثل لفظ الحرز وغيره من الألفاظ التي جاءت في الشرع ولم يرد لها تحديد، فنقول: إنه يرجع فيها إلى ما تعارف عليه الناس، ومثل ذلك أيضاً موضوع السفر كما سوف يأتي الكلام عنه.

هناك أمور كثيرة جداً قد صنف فيها الإمام ابن تيمية رحمه الله رسالة خاصة في الألفاظ الشرعية.

إذاً النقطة الرابعة: هي بماذا يكون الإحياء؟

وقلنا: إن الإحياء من الألفاظ الشرعية مثله في ذلك مثل القبض ومثل الحرز ومثل السفر.. وغيره من الألفاظ التي لم يرد فيها تحديد الشرع، فالقول المختار أنه يرجع في ذلك إلى ما تعارف عليه الناس، فكل ما عده الناس إحياءً اعتبر إحياء، وهذا قول جمهور وأكثر الفقهاء.

المسألة الخامسة: هل يشترط إذن الإمام في الإحياء أو لا يشترط؟

وهذه أيضاً اختلف فيها الفقهاء على ثلاثة أقوال تقريباً:

فالجمهور لا يشترطون إذن الإمام، ويرون أنه ما دام ورد الشرع بالإذن في الإحياء كما في الأحاديث السابقة؛ حديث عائشة وسعيد بن زيد وجابر وقضى به عمر رضي الله عنه في خلافته، وذهب إليه جمهور فقهاء الأمصار، ففي مثل هذه الحالة لا يشترط إذن الإمام، بل كل من أحيا أرضاً ميتة فهي له، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أن تكون هذه الأرض عامة لمصالح الناس: كالمعادن، والمرافق العامة، والمنتزهات، والحدائق، والمسايل.. وغيرها مما تتعلق به مصالح المسلمين، فهذا هو قول الجمهور، وحجتهم واضحة كما ذكرنا.

القول الثاني للحنفية أنهم قالوا: لابد من إذن الإمام، وهم لهم في ذلك نص حديث، يعني أنه ( لابد من طيب نفس الإمام ) والحديث ليس له إسناد ولا يعتد به، وليس معروفاً في مصنفات السنة، وإنما قد يؤيد أو يتأيد كلامهم بالنظر الفقهي وليس بالنص، فإنهم يرون أن في ذلك حفظاً لمصالح الناس؛ لأنه لو أن كل أحد عدا على أرض مثلاً فأحياها أو حوَّطها لربما ترتب على ذلك كثير من المنازعة والخلاف بين الناس والمشاحة في بعض الأحوال.

القول الثالث وهو القول الوسط للمالكية رحمهم الله، وهو القول المشهور عند مالك، أنهم يفرقون بين الأرض القريبة والبعيدة، فيرون أنه في الأرض القريبة لابد من إذن الإمام، بينما لا يشترطون ذلك في البعيدة؛ لأنه في القريبة من أجل مدافعة المشاحة والتنازع بينما البعيدة لا مشاحة فيها.

وحينما يقول المالكية أو الحنفية إذن الإمام من يقصدون بالإمام؟

يقصدون السلطة المخولة أو المخصصة، قد تكون هذه السلطة هي البلدية مثلاً، قد تكون هي جهة معينة مسئولة عن الأراضي والعقار ونحوها، فليس المقصود بالضرورة إذن الإمام الشخصي كما قد يتبادر من هذا اللفظ.

الراجح في مسألة إذن الإمام بإحياء الموات

يبقى موضوع حسم هذا الخلاف في مسألة إذن الإمام، والحقيقة أنا من الناحية الفقهية أميل إلى القول الأول أنه لا يشترط في ذلك إذن الإمام، وأن الأصل السماح للناس بشرط: أن تكون القضية لها جهة تنظمها؛ لئلا تتحول إلى مشاحة أو فوضى أو خلاف بينهم من أجل هذه الأرض أو تلك. هذا من جهة.

من جهة أخرى: نحن نعرف أنه اليوم في معظم، بل في كل البلاد هناك أنظمة لا تسمح بالإحياء، حتى عندنا مثلاً هنا لا يسمحون بالإحياء إلا إذا ثبت أنه قد تم قبل عام -أظن- (1385هـ)، فإذا أثبت الإنسان أنه أحيا الأرض قبل هذا التاريخ أجازوه ومنحوه صكاً، وهذا اضطر كثيراً من الناس إلى الكذب والتزوير وشهادة الزور، بحيث يدعي أنه قد أحيا هذه الأرض عام (85هـ) أو (84 هـ)، ويأتي بشهود زور عند القاضي لتأكيد هذا الأمر.

والحقيقة مثل هذه الأشياء دعوني أكون صريحاً معكم أن كثيراً ما يسألني الناس عنها وأنا محرج، وحتى اليوم والأمس وأنا أبحث هذه المسألة: هل من مخرج؟ فوجدت أن أفضل مخرج للمتفقه هو التوقف؛ لأنك ترى في واقع الحياة إشكالات كبيرة جداً، يعني: قد يكون هذا الإنسان الذي زوَّر أو أحيا الأرض أو دبر أمره بشكل أو بآخر قد يكون محتاجاً لأرض لضرورة لابد له منها ليسكنها أو ليسكنها أولاده، وأنت تعلم أنه ربما هذا الإنسان لم يستطع الحصول عليها نظراً لقلة علاقته وضعف مكانته وضعف صلته، بينما لو كان هذا الإنسان مثلاً له علاقات.. له معارف.. له صلات، أو كما يقال: يصل إلى بعض الأطراف وبعض الجهات، لربما استطاع أن يأخذ ليس إقطاعاً أو أرضاً في مكان ناء، وإنما استطاع أن يحصل على أرض واسعة جداً في مكان راق في قلب البلد، فيعني: إن أردت أن تفتح للناس المجال وتقول: كل أحد من حقه أن يكذب وأن يلفق المواثيق وأن يزور فهذه مصيبة حقيقة؛ لأنه تربى الناس على اللامبالاة، وإن أردت أن تغلق الباب أيضاً في وجه هؤلاء الضعفاء والفقراء والمحتاجين وأنت تعلم أنه مفتوح على مصارعه في وجه غيرهم وجدت أنت في هذا أيضاً نوعاً من الإجحاف.

ففي مثل هذه الحالة يسوغ ويحسن أن يتوقف الإنسان ويترك كل امرئ منهم وما يؤدي إليه نظره واجتهاده وذمته وضميره.

سبب اختلاف العلماء في إذن الإمام

أما يعني سبب اختلاف العلماء في إذن الإمام فهو أولاً: للاختلاف في النصوص السابقة، فالجمهور يرون أن نصوص الأحاديث نصوص شرعية عامة للأمة كلها، والآخرون ربما يرون أن هذا كان أمراً سلطانياً للناس في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو في عهد الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن الحاجة كانت ماسة لإحياء الأرض وتملكها وإيجاد نوع من الحركة الزراعية والصناعية وتنشيط المجتمع المسلم، وليست أمراً عاماً للأمة كلها، فهذا ربما نوع من التأويل.

يبقى موضوع حسم هذا الخلاف في مسألة إذن الإمام، والحقيقة أنا من الناحية الفقهية أميل إلى القول الأول أنه لا يشترط في ذلك إذن الإمام، وأن الأصل السماح للناس بشرط: أن تكون القضية لها جهة تنظمها؛ لئلا تتحول إلى مشاحة أو فوضى أو خلاف بينهم من أجل هذه الأرض أو تلك. هذا من جهة.

من جهة أخرى: نحن نعرف أنه اليوم في معظم، بل في كل البلاد هناك أنظمة لا تسمح بالإحياء، حتى عندنا مثلاً هنا لا يسمحون بالإحياء إلا إذا ثبت أنه قد تم قبل عام -أظن- (1385هـ)، فإذا أثبت الإنسان أنه أحيا الأرض قبل هذا التاريخ أجازوه ومنحوه صكاً، وهذا اضطر كثيراً من الناس إلى الكذب والتزوير وشهادة الزور، بحيث يدعي أنه قد أحيا هذه الأرض عام (85هـ) أو (84 هـ)، ويأتي بشهود زور عند القاضي لتأكيد هذا الأمر.

والحقيقة مثل هذه الأشياء دعوني أكون صريحاً معكم أن كثيراً ما يسألني الناس عنها وأنا محرج، وحتى اليوم والأمس وأنا أبحث هذه المسألة: هل من مخرج؟ فوجدت أن أفضل مخرج للمتفقه هو التوقف؛ لأنك ترى في واقع الحياة إشكالات كبيرة جداً، يعني: قد يكون هذا الإنسان الذي زوَّر أو أحيا الأرض أو دبر أمره بشكل أو بآخر قد يكون محتاجاً لأرض لضرورة لابد له منها ليسكنها أو ليسكنها أولاده، وأنت تعلم أنه ربما هذا الإنسان لم يستطع الحصول عليها نظراً لقلة علاقته وضعف مكانته وضعف صلته، بينما لو كان هذا الإنسان مثلاً له علاقات.. له معارف.. له صلات، أو كما يقال: يصل إلى بعض الأطراف وبعض الجهات، لربما استطاع أن يأخذ ليس إقطاعاً أو أرضاً في مكان ناء، وإنما استطاع أن يحصل على أرض واسعة جداً في مكان راق في قلب البلد، فيعني: إن أردت أن تفتح للناس المجال وتقول: كل أحد من حقه أن يكذب وأن يلفق المواثيق وأن يزور فهذه مصيبة حقيقة؛ لأنه تربى الناس على اللامبالاة، وإن أردت أن تغلق الباب أيضاً في وجه هؤلاء الضعفاء والفقراء والمحتاجين وأنت تعلم أنه مفتوح على مصارعه في وجه غيرهم وجدت أنت في هذا أيضاً نوعاً من الإجحاف.

ففي مثل هذه الحالة يسوغ ويحسن أن يتوقف الإنسان ويترك كل امرئ منهم وما يؤدي إليه نظره واجتهاده وذمته وضميره.

أما يعني سبب اختلاف العلماء في إذن الإمام فهو أولاً: للاختلاف في النصوص السابقة، فالجمهور يرون أن نصوص الأحاديث نصوص شرعية عامة للأمة كلها، والآخرون ربما يرون أن هذا كان أمراً سلطانياً للناس في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو في عهد الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن الحاجة كانت ماسة لإحياء الأرض وتملكها وإيجاد نوع من الحركة الزراعية والصناعية وتنشيط المجتمع المسلم، وليست أمراً عاماً للأمة كلها، فهذا ربما نوع من التأويل.

النقطة السادسة تقريباً: ما لا يجوز إحياؤه من الأرض، وهذا ربما أشرنا إليه عرضاً:

الأرض المملوكة

فأولاً مما لا يجوز إحياؤه: الأرض المملوكة.

وهذا عند جميع الفقهاء، فإن الأرض المملوكة لا يجوز لأحد أن يتسلط أو يعتدي عليها، حتى لو خربت أو توارثها ملاك بعد ملاك فلا يحق لأحد أن يعتدي عليها.

مصالح الناس العامة

أيضاً مما لا يجوز إحياؤه: ما كان يتعلق بمصالح الناس العامة كما أشرنا.

مثلاً: المساجد، مصليات الأعياد، المرافق العامة التي يستفيد الناس منها، الطرقات والشوارع، المنتزهات العامة، كل هذه الأشياء لا يجوز لأحد أن يعتدي عليها.

وقد جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين فيما أعلم، حديث أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع )، وهذا الحديث يحتمل أن يكون تحديداً للطريق، والأرجح عندي والله أعلم أن هذا ليس أمراً عاماً أنه أمر مصلحي وقتي، يعني: الطريق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بمقتضى طبيعة بناء المدينة وسكناها وبيوتها يكون سبعة أذرع، لكن إذا كنا الآن في مدينة مخططة تخطيطاً حديثاً وفيها طرقات سريعة ومسارات متعددة والناس اتفقوا على أن يكون الطريق ليس سبعة أذرع، وإنما يكون أحياناً عشرين أو ثلاثين أو ستين مثلاً أو أكثر من ذلك، فنقول في مثل هذه الحالة: يجب الالتزام بالأمر العام؛ لأنه من معاني مراعاة العرف الدارج عند الناس، وهذا ليس أمراً تعبدياً، وإنما هو أمر مصلحي دنيوي، فيراعى فيه مثل هذا المعنى.

حريم البئر أو الملك

كما أنه مما يتعلق بهذه النقطة في مسألة ما لا يجوز إحياؤه نقطة ثانية، وهو ما يسميه الفقهاء حريم البئر أو حريم الملك، وسوف يذكرها المصنف إن شاء الله، ويقصدون عادة بالحريم هو الشيء المحيط بالبئر، يعني: حرم الشيء هو ما يحيط به، كما يقال: حرم الجامعة أو ما أشبه ذلك.

فيقول الفقهاء: إذا حفر الإنسان بئراً في مكان، فكم المسافة التي يملكها بموجب حفر هذا البئر؟ وهذا الذي يسمونه حريماً.

فيقولون: إذا كانت هذه البئر بئراً قديمة ويسمونها (البئر العادية) إما نسبة إلى عاد، ليس يعني المقصود قبيلة عاد بالذات وإنما تعني الشيء القديم، مثل: عندنا الآن إذا الناس أرادوا أن يقولوا: هذا شيخ قديم يقولوا: هذا من عمر نوح، لا يقصدون بالذات نوح وإنما يقصدون أنه شيء قديم، فهكذا هم يقولون: البئر العادية، ويقصدون أنها من عهد عاد، وليس بالضرورة من عهد عاد؛ لكن المعنى أنها قديمة واندرست ثم جددت.

و ابن تيمية رحمه الله يرى أن كلمة عادية، يعني: أنها أعيدت، يعني: إذا حفرت ثم أعيدت مرة أخرى.

المهم أن البئر إذا كانت قديمة فالغالب أنها تكون عميقة؛ ولذلك الفقهاء يطيلون حريمها ويجعلونه خمسين ذراعاً من كل جهة، بينما إذا كانت البئر بديئة أو مبتدأة جديدة فإنهم يعطونها نصف هذا الحريم، وهو خمس وعشرون ذراعاً، هذا عند الحنابلة، وطبعاً غيرهم يختلف في ذلك. وهذا يسمونه حريم البئر، يعني: أن له حقاً بمثل هذا المقدار.

فأولاً مما لا يجوز إحياؤه: الأرض المملوكة.

وهذا عند جميع الفقهاء، فإن الأرض المملوكة لا يجوز لأحد أن يتسلط أو يعتدي عليها، حتى لو خربت أو توارثها ملاك بعد ملاك فلا يحق لأحد أن يعتدي عليها.

أيضاً مما لا يجوز إحياؤه: ما كان يتعلق بمصالح الناس العامة كما أشرنا.

مثلاً: المساجد، مصليات الأعياد، المرافق العامة التي يستفيد الناس منها، الطرقات والشوارع، المنتزهات العامة، كل هذه الأشياء لا يجوز لأحد أن يعتدي عليها.

وقد جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين فيما أعلم، حديث أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع )، وهذا الحديث يحتمل أن يكون تحديداً للطريق، والأرجح عندي والله أعلم أن هذا ليس أمراً عاماً أنه أمر مصلحي وقتي، يعني: الطريق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بمقتضى طبيعة بناء المدينة وسكناها وبيوتها يكون سبعة أذرع، لكن إذا كنا الآن في مدينة مخططة تخطيطاً حديثاً وفيها طرقات سريعة ومسارات متعددة والناس اتفقوا على أن يكون الطريق ليس سبعة أذرع، وإنما يكون أحياناً عشرين أو ثلاثين أو ستين مثلاً أو أكثر من ذلك، فنقول في مثل هذه الحالة: يجب الالتزام بالأمر العام؛ لأنه من معاني مراعاة العرف الدارج عند الناس، وهذا ليس أمراً تعبدياً، وإنما هو أمر مصلحي دنيوي، فيراعى فيه مثل هذا المعنى.

كما أنه مما يتعلق بهذه النقطة في مسألة ما لا يجوز إحياؤه نقطة ثانية، وهو ما يسميه الفقهاء حريم البئر أو حريم الملك، وسوف يذكرها المصنف إن شاء الله، ويقصدون عادة بالحريم هو الشيء المحيط بالبئر، يعني: حرم الشيء هو ما يحيط به، كما يقال: حرم الجامعة أو ما أشبه ذلك.

فيقول الفقهاء: إذا حفر الإنسان بئراً في مكان، فكم المسافة التي يملكها بموجب حفر هذا البئر؟ وهذا الذي يسمونه حريماً.

فيقولون: إذا كانت هذه البئر بئراً قديمة ويسمونها (البئر العادية) إما نسبة إلى عاد، ليس يعني المقصود قبيلة عاد بالذات وإنما تعني الشيء القديم، مثل: عندنا الآن إذا الناس أرادوا أن يقولوا: هذا شيخ قديم يقولوا: هذا من عمر نوح، لا يقصدون بالذات نوح وإنما يقصدون أنه شيء قديم، فهكذا هم يقولون: البئر العادية، ويقصدون أنها من عهد عاد، وليس بالضرورة من عهد عاد؛ لكن المعنى أنها قديمة واندرست ثم جددت.

و ابن تيمية رحمه الله يرى أن كلمة عادية، يعني: أنها أعيدت، يعني: إذا حفرت ثم أعيدت مرة أخرى.

المهم أن البئر إذا كانت قديمة فالغالب أنها تكون عميقة؛ ولذلك الفقهاء يطيلون حريمها ويجعلونه خمسين ذراعاً من كل جهة، بينما إذا كانت البئر بديئة أو مبتدأة جديدة فإنهم يعطونها نصف هذا الحريم، وهو خمس وعشرون ذراعاً، هذا عند الحنابلة، وطبعاً غيرهم يختلف في ذلك. وهذا يسمونه حريم البئر، يعني: أن له حقاً بمثل هذا المقدار.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب الفدية 3987 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – باب الخيار -2 3926 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - زكاة السائمة 3854 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - باب زكاة العروض 3846 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب المسح على الخفين 3672 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب محظورات الإحرام -1 3625 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب صلاة المريض 3615 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – مراجعة ومسائل متفرقة في كتاب البيوع 3552 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب صفة الحج 3516 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب أركان الصلاة وواجباتها 3444 استماع