شرح زاد المستقنع كتاب البيع [7]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله: [ولا يصحُّ بيع الملامسة].

في الكتب الفقهية نكت لطيفة، وإذا تأملت ودققت في العبارات وفي الأمثلة وفي الترتيب تدرك فقه الفقيه، فانظر كيف رتب المسائل هنا، فذكر أولاً بيع الحمل في البطن، ثم بيع اللبن في الضرع، ثم بيع النوى في التمر، ثم بيع الصوف على الظهر، ثم بيع الفجل قبل قلعه، ثم بعد ذلك قال: (ولا يصحُّ)، وجاء بالعطف لجملة مستأنفة؛ لأن هذا له دليلٌ خاص، ووردت به السنة، وهو بيع الملامسة، والأول له دليل ويعتبر قاعدة عامة وهو حديث ابن عمر في الصحيح: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر)، فاندرجت كل الصور تحته، لكن هنا بيع الملامسة جاء فيه نصٌّ بعينه، فقال: (ولا يصحُّ بيع الملامسة) تأكيداً على التحريم، وقال: (لا يصحُّ) ولم يقل: ولا يجوز؛ لأنه قد يكون الشيء لا يجوز ولكنه يصحح بيعه التفاتاً إلى العقود، فيحرم البيع ويأثم البائع لكن البيع صحيح، كالبيع بعد أذان الجمعة فعند جمهور العلماء يصحُّ البيع ويأثم المتبايعان؛ لأن شروط البيع وأركانه متوافرة، فقال: (ولا يصحُّ) وهذا أبلغ ما يكون في البطلان؛ لأنك إذا قلت: (لا يصحُّ) فإنه يحكم ببطلان البيع وإثم البائع إذا علم أنه من المحرم فباع به واشترى.

وقوله: (الملامسة): مفاعلة من اللمس، والمفاعلة في لغة العرب تستلزم وجود شخصين فأكثر، كأن تقول: مقاتلة ومضاربة ومشاتمة؛ فإن الرجل لا يقاتل نفسه ولا يشاتمها ولا يضاربها، فقال هنا بصيغة المفاعلة؛ لأنها تستلزم البائع والمشتري.

وأصل اللمس: إفضاء البشرة إلى الشيء، يقال: لمسه بيده إذا أفضى بكفه وبطن راحته فالتمست البشرة بالشيء الملموس، ومنه قوله تعالى: فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ [الأنعام:8] أي: أفضوا ببطن أيديهم أو بالراحة إلى ذلك الكتاب.

وبيع الملامسة من بيوع الجاهلية، والله سبحانه وتعالى حرّم هذا النوع من البيوع لحكم عظيمة، تقوم على دفع الضرر عن المشتري لاشتماله على شيء من التغرير، وهنا في هذه الجملة شرع المصنف في نوع آخر من بيوع الغرر، فالأول الغرر بالجهالة، وهنا الغرر بالجهالة من جهة الاشتراط وذلك بالعرف، فقد كان من عُرْفِ الجاهلية: أن الرجل إذا جاء يبيع الثوب جعله مطوياً مطبّقاً، وقد كانوا في أسواق الجاهلية يضعون الثوب على الأرض فمن يريد أن يشتريه فليأخذه، فيأتي رجل فينظر في الثوب فإن أعجبه يأتي ويلمسه دون أن يفتشه، ودون أن يرفعه حتى ينظر جليّة ما في الثوب، إنما يقوم باللمس، وهذا يقع على صورتين: إن كان في الليل فلا إشكال؛ لأنه لا يُبصر المبيع، وهذا الذي جعل بعض العلماء يقول: بيع الملامسة أن يبيعه ليلاً، والبيع في الليل يقوم على اللمس دون استكشاف ومعرفة لجلية المبيع، أو يبيعه نهاراً ويقول له: هذا الثوب لا تفتشه، فيقول العبارة التي ذكرها العلماء: أبيعك على أن يقوم لمسك مقام نظرك.

ووجه التحريم في هذا النوع من المبيعات: أن لمسه لا يكشف جليته، فلربما كانت طريقة التفصيل وطريقة العرض على وجه لا تحبه ولا ترغبه، فيختلك بتطبيقه ويزعم أن لمسك قائمٌ مقام نظرك، كذلك أيضاً من التغرير الذي يقع في هذا النوع من المبيعات أنه ربما كان العيب داخل الطي، أي: داخل الثوب في حال طيه، فإذا تفقدته باللمس لن تستطيع أن تصل إلى العيب، ومن هنا قال العلماء: إن هذا النوع من البيع يعتبر من بيوع الغرر؛ لأن البائع يريد أن يختل المشتري، إذ لو كان الثوب صالحاً ولا عيب فيه لما خاف أن يفتشه ويفتحه، فحرّم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم هذا النوع من البيع، وهو أن أبيعك على أن يقوم لمسك مقام نظرك، وهذا نوع من أنواع الملامسة.

هناك نوع ثانٍ من أنواع الملامسة، وهو أن يقول له: إذا لمست الثوب فهو عليك بعشرة، فيبقى الثوب أمامه، فبمجرد أن يمد يده وتفضي راحته إلى الثوب، وجب عليه البيع، وهذا أعظم غرراً من الأول، فالأول على الأقل يلمس ويستكشف؛ ولكن هنا بمجرد اللمس يلزمه بالبيع، وبعضهم يقول له: إذا لمست الثوب فلا خيار لك، أي: يقطع له خيار المجلس باللمس، وكل هذه الأنواع من البيوع مجمعٌ على تحريمها، وبالنسبة للصورة الأولى وهي: أبيعك على أن يقوم لمسك مقام نظرك، هذا بيع من بيوع الجاهلية، والذي يشبهها في عصرنا الحاضر أن يقول له: إذا فتشت هذا الكرتون أو فتحت هذا الغلاف فقد وجب عليك البيع ولا خيار لك، ويلزمه بالبيع بمجرد أن يفتح علبة المبيع أو يفتح الكرتون، وفي هذه الحالة كأن المشتري يلزم بالبيع في شيء لم يعرف حقيقته ولم يستكشف جليته، وهذا يعتبر من بيوع الملامسة المحرمة، وربما يقع أيضاً في الثياب فتكون الثياب داخل غلاف من (النايلون) أو الأكياس الموضوعة فيها للعرض، فإذا جاء المشتري وفتشه ألزمه بالبيع وحرّم عليه أن يرد المبيع، ويلزمه إياه فرضاً، وهذا مثل قوله: إذا لمست الثوب فلا خيار لك، فيقطع له الخيار، وكذلك لو فتش هذا الكيس فرآه فلم يعجبه فقال: لم يعجبني، يقول: ما دمت فتحته وكشفته فإنه لازم عليك، ويلزمه ويقهره على البيع، وهذا لا يجوز.

لكن هنا إشكال: وهو أن البائع يقول لك: لو أنني سمحت لكل زبون أو لكل مشترٍ أن يفتش هذه السلع فإن الفتش يؤثر في طريقة عرض البضائع، وأتضرر إذا كانت بضائعي تفتش، ثم -كما هو معلوم- إن البائع والمشتري ما داما أمام بعضهما في مجلس واحد فالخيار لهما، حتى ولو قال له: لا أريد، فمن حقه.

كأن تشتري سلعة بعشرة فتعطيه العشرة، ثم بعد ساعة أو ساعتين وأنتما واقفان في المكان قلت: لا أريد، فهذا من حقك، ويلزمه أن يرد، حتى ولو لم يكن عندك عذر، وهذا الذي يسمى بخيار المجلس، وسيأتينا أنه ما دمت أنت والبائع في مجلس واحد ولم تفارقه فالبيع ليس بلازم، ومن حقك أن ترجع، حتى ولو لم يكن عندك عذر، ولو اشتريت بالملايين وقلت له -مثلاً-: اشتريت منك العمارة الفلانية بعشرة ملايين؛ فقال: بعتك، وتم البيع، وأعطيته الشيك، وتمت الصفقة وكتبت، ثم قلت: لا أريد، فهذا من حقك ما دمتما في المجلس: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) ، هذا نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الشاهد: أن البائع يقول: ما دام أن المشتري بالخيار مدة المجلس، فمعنى ذلك أنه سيفتش السلع ويردها، ويقول: لا أريدها. وإن أذنت لكل مشترٍ أن يفتش السلعة فمعنى ذلك أنني أتضرر؛ حيث إني أحسن طيها وكيها، فيأتي يفتش كل واحدة، وهذا يؤثر على عرض السلع، ويكون فيه ضرر عليَّ، فما الحل؟

تقول له: أخرج عينة واحدة منها، فإذا أخرج البائع العينة وجعلها للعرض، يقول له: هذا الثوب من هذا النوع، وطريقة تفصيله بهذه الصورة، أو يصوّر الثوب بصورة واضحة، وتوضع على الغلاف، أو على الكرتون، أو توضع المواصفات كاملة على الكراتين، أو على الأغلفة، عند ذلك يصحُّ البيع، لماذا؟ لأن العلة أن يجهل المشتري حقيقة ما في الكرتون، فإذا انطبقت الصفة الموجودة على الظاهر مع الباطن، أو انطبقت الصفة التي ذكرها البائع للمبيع الداخلي فإنه يلزمه البيع، أمّا لو اختلفت كان له خيار العيب، والذي يسمى خيار الرؤية؛ لأنه بيع غائب أو ما في حكم الغائب.

قال: (ولا يصحُّ بيع الملامسة) ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الصحيحين: (أنه نهى عن الملامسة) ، وللعلماء فيها أوجه:

فقال بعض العلماء: الملامسة أن يقول: أبيعك على أن يقوم لمسك مقام نظرك.

وقال بعض العلماء: أن يقطع الخيار باللمس، فيقول: إذا لمست الثوب فلا خيار لك.

وقال بعض العلماء: أن يقول له: أي ثوب تلمسه فهو عليك بعشرة.

تبقى مسألة وهي التخريج على بيع الملامسة الذي كان في الجاهلية: فقد خرّج الشافعية رحمهم الله على قوله: أبيعك على أن يقوم لمسك مقام نظرك، أنه لا يصحُّ شراء الأعمى؛ والسبب في هذا أن الأعمى يشتري السلع باللمس؛ لأنه لم يرها على حقيقتها. وقال جمهور العلماء: بصحة بيعه وشرائه، ثم يكون له الخيار إن كذب عليه أو ختل؛ والسبب في هذا: أن الأعمى يلمس الثوب ويفتشه، ولكن في الملامسة يلمس ولا يفتش. وهناك فرق بين اللمس دون الفتش، وبين اللمس مع الفتش، فالغرر مع الفتش أخف، ولذلك لا تنطبق عليه الملامسة من جميع الوجوه، فلا يصبح مندرجاً تحت التحريم.

قال رحمه الله: [والمنابذة].

(المنابذة) ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها، والمنابذة كالملامسة: مفاعلة من النبذ، وأصل النبذ الطرح، ومنه سمي النبيذ نبيذاً؛ لأن صفته أن يُطرح التمر في الماء، أو يُطرح البلح في الماء حتى يستطيب ويعذب بطعم التمر والبلح، وهذا النوع من البيوع حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لاشتماله على ختل المشتري والتغرير به، وذلك أن البائع يقول للمشتري: إذا نبذت الثوب فهو عليك بكذا، أو يقول له: أي ثوب أنبذه لك -أي: أرميه- فهو عليك بعشرة، وبعض الأحيان يقول له: إذا نبذت الثوب فلا خيار لك، كل هذه الصور محرمة؛ والسبب في هذا: أنهم كانوا في القديم يأتي الرجل -كما ذكرنا- ويبسط ثوبه للبيع، ويمر رجل يريد أن يشتري، فإذا أعجبه الثوب الذي طُرح للبيع رمى ثوبه هو، فإن أعجب الآخر الثوب يقوم مباشرة وينبذ له الثوب، ولا يقول له: بعت، ولا يقول الآخر: اشتريت، وهذا وجه الغرر فيه وهو أنه لا يفتش، بل يجعلان النبذ ملزماً بالبيع.

على هذا الوجه -وهو كون بيع المنابذة محرماً؛ لأن كلاً منهما ينبذ ولا يتكلم- فرّع الشافعية المسألة المتقدمة معنا وهي تحريم بيع المعاطاة، والمعاطاة قائمة على النبذ بدون صيغة، فقالوا: إن تحريم بيع المنابذة سببه عدم وجود الصيغة في قوله: بعت، وقول المشتري: اشتريت، وقد قدّمنا الكلام في مسألة بيع المعاطاة، وقلنا: إن الصحيح مذهب الجمهور وهو: أنّ المعاطاة تصحّ في الكثير والحقير؛ لعموم الأدلة الدالة على جواز البيع. أمّا حديث المنابذة فلا يشمل بيع المعاطاة؛ لأن المنابذة أن ينبذ له الثوب وينبذ الآخر الثوب دون فتش ودون كشف لجليّة المبيع، فالغرر من جهة الجهالة، أما بيع المعاطاة أن تذهب إلى البقالة وتجد فيها طعاماً فتتأمله وتتفحصه، ثم تأتي وتنبذ العشرة ريالات التي هي قيمته، فأنت قد اشتريت شيئاً معلوماً، أمّا في بيع المنابذة فقد اشترى شيئاً مجهولاً، والفرق بينهما ظاهر، وقد بيّنا أن الصحيح هو مذهب الجمهور بصحة بيع المعاطاة، وقد أشار إلى ذلك بعض الفضلاء، وهو الشيخ الأمين رحمة الله عليه بقوله:

يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وإِنْ تَعَاطَى الْكُلَّ

أي: أن البيع منعقد وصحيح بما يدلُّ على الرضا فيه، (وإن تعاطى الكل) فإنك إذا أعطيت العشرة لقاء علبة أمامك عرفت ما فيها، فإن هذا معناه أنك إذا نبذت العشرة كأنك تقول: أنا راضٍ بإعطاء العشرة لقاء هذا الطعام، وعلى هذا فإن المعاطاة لا تتخرج على بيع المنابذة.

ومن المنابذة الموجودة في عصرنا هذا -لأن الأمثلة القديمة لا تكفي، فلابد من التمثيل على شيء يعيشه الناس-: حينما تأتي وترى ثوباً معلقاً أو ترى طعاماً أو ترى أي شيء مبيع تقول له: أنزل لي هذه السلعة، أريد أن أراها، يقول: إذا أنزلتها فلابد أن تشتريها، وتدفع قيمتها، فلا يمكِّنك من كشفها، ويجعل إنزالها ملزماً للبيع، كما لو قال له: إذا نبذت الثوب فلا خيار لك، فهو يقطع لك الخيار بمجرد نبذ الثوب، كما أن البائع يقطع لك الخيار إذا أنزل لك السلعة، فحينئذٍ كأنك تشتري شيئاً تجهله، وسرُّ التحريم في بيع المنابذة والملامسة الجهالة، وهي موجودة فيما إذا قال لك: إذا أنزلت البضاعة فهي عليك بعشرة، لكن قد يقول لك البائع: أنا أتضرر بإنزال السلع، وكلما جاءني زبون أنزلها له، ثم يكون له الخيار أن يترك فهذا فيه ضرر عليَّ، تقول: (لا ضرر ولا ضرار)، إن قلنا لك: لا تنزل، تضرر المشتري، وإن قلنا لك: أنزل تضررت أنت، فالحل الوسط أن تخرج عينة من هذا المعلّق فإذا قال لك: أعطني هذا المعلق، تقول له: هذا من هذا، انظر إلى هذه العينة التي بين يديك إن أعجبتك فخذها، أو أنزل لك ما هو مثلها، ويلزمك البيع، وحينئذٍ يندفع الضرر عن البائع بعدم تحمله لمشقة الإنزال، ويرتفع الضرر عن المشتري بارتفاع الجهالة وزوالها.

قال رحمه الله: [ولا عبد من عبيده ونحوه].

أي: ولا يصحُّ بيع عبد من عبيده، وفي القديم كان بيع العبيد والأرقاء، وذكر بيع العبد من عبيده يدخل فيه بيع شاة من الشياه، وبيع بقرة من البقر، وبيع ثوب من الثياب، فأصل المسألة بيع المجهول، وإذا قال له: أبيعك عبداً من عبيدي، أو ثوباً من ثيابي، أو شاةً من شياهي، أو بقرةً من البقر الذي عندي، فهذه لها صورتان:

الصورة الأولى: أن يكون الجميع بمنزلة واحدة، ولا تتفاوت واحدة عن أخرى، فيقول له: أبيعك عبداً من عبيدي وكلهم في مرتبة واحدة، وفي درجة واحدة، وفي صفة واحدة من حيث الجودة أو الرداءة، أو يقول له -كما هو موجود في عصرنا الحاضر-: أبيعك سيارة من سياراتي، وعنده ثلاث سيارات كلها بصفة واحدة، أو أنه لا يورِّد إلاّ نوعاً معيناً من السيارات وكلها بصفة واحدة، فإذا قال له: أبيعك عبداً من عبيدي، أو ثوباً من ثيابي، أو قلماً من أقلامي، أو كتاباً من كتبي، أو سيارة من سياراتي، أو عمارةً من عماراتي، وكلها بصفة واحدة، صحَّ البيع ولا إشكال؛ لأن البيع قد تردد بين أشياء متساوية، فلا غرر، إن أخذ هذا فهو كأخذه لهذا، وحينئذٍ يكون التغرير زائلاً إذا وصف أحدها صفة تزول بها الجهالة.

أمّا لو قال له: أبيعك كتاباً من كتبي، وكتبه لا تعرف، فهذا قطعاً من المجهول، وهو محرم؛ لكن إذا قال له: أبيعك كتاباً من صحيح البخاري من النسخ الموجودة عندي، والنسخ كلها بمرتبة واحدة صحَّ، أو قال: أبيعك قلماً من أقلامي، وهو ليس عنده إلاّ نوع معين من الأقلام، وكله بصفة واحدة صحَّ، إذاً: ما دام أنّ المبيع يتردد على صفة واحدة فلا غرر ولا إشكال، فكل واحد منها قائمٌ مقام ما هو مثله.

الصورة الثانية: أن يقول له: أبيعك عبداً من عبيدي، أو ثوباً من ثيابي، أو قلماً من أقلامي، أو سيارة من سياراتي، وهي متفاوتة، فأسعارها مختلفة، وصفاتها مختلفة، فحينئذٍ لا يجوز البيع، ولا يصح؛ والسبب في هذا: أنه إذا قال له: أبيعك سيارة من سياراتي، أو أرضاً من أراضيّ، أو عمارةً من عماراتي، فإنه قد ردده بين جيد ورديء، فتنصرف همة وقصد المشتري إلى الجيد، وتنصرف همة البائع إلى الرديء، فإن أخذ المشتري الجيد ظلم البائع، وإن ألزم البائع المشتري بالرديء فقد ظلمه، فكل منهما يريد أن يغرر بالآخر، وكأن البيع وقع على شيء لا يدرى أهو الجيد أو الرديء؟ فسر المسألة: أنه يجعله في مجهول، ويتردد بين مجهولين أو ثلاثة مجاهيل أو أكثر، فإذا جعله متردداً بين الرديء والجيد على الصفة التي ذكرناها حَرُمَ البيع.

قال رحمه الله: [ولا استثناؤه إلاّ مُعيناً].

(ولا استثناؤه) الاستثناء: إخراج بعض ما يتناوله اللفظ، تقول: خرج القوم إلاّ محمداً، لما نقول: خرج القوم شمل الجميع ومنهم محمد، فلما قلت: (إلا محمداً) خرج مما يتناوله اللفظ السابق، فأنت تقول له: أبيعك سياراتي إلاّ سيارةً، وتكون سياراتك فيها الجيد وفيها الرديء، فيحتمل: (إلاّ سيارةً) يستثني منها الجيد، ويحتمل أن تنصرف إلى الرديء، وعلى هذا فالاستثناء يقع على صورتين:

الصورة الأولى: أن يكون الاستثناء في البيع واضحاً معلوماً لا غرر فيه، فحينئذٍ يصحُّ الاستثناء ولا حرج، كأن تقول له: أبيعك هذه السيارة وأستثني ركوبها اليوم إلى الساعة التاسعة ليلاً، فحينئذٍ استثنيت من بيعها منفعة الركوب إلى الساعة التاسعة، أو تستثني إلى المكان، تقول: أبيعك هذه السيارة -وأنتم في سفر- وأستثني وصولي إلى مكة، صحَّ البيع؛ لأن الثنيا معلومة، ومنه حديث جابر في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى منه بعيره فاستثنى جابر ركوب البعير إلى المدينة-، قال: واشترط حملانه إلى المدينة)، فهذا استثناء من البيع، فقد استثنى منفعة الركوب المعلومة والمقدرة، ووجه علمها أنه قدرها بالمكان فقال: (إلى المدينة)، فصحَّ هذا وجاز، كذلك إذا قدرتها بالزمان تقول: أبيعك بيتي وأستثني سكناه شهراً حتى أجد بيتاً آخر، أو أبني داراً أخرى، فاستثنيت بالزمان المعين أو المكان المعين فصحَّ البيع، والثنيا غير مؤثرة، لكن متى تحرم الثنيا، والتي ورد فيها الحديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثنيا)؟ نقول: الاستثناءات المحرمة إن أدخلت الجهالة، أو أوجبت الجهالة، فجعلت في البيع شيئاً من الجهالة والغرر، حينئذٍ يحرم البيع على هذا الوجه، ومثّل لذلك المصنف، فقال رحمه الله:

[وإن استثنى من حيوانٍ يؤكل رأسَه وجلدَه وأطراَفه: صحَّ].

(وإن استثنى من حيوانٍ يؤكل)، ماذا استثنى؟ (رأسه وجلده وأطرافه)، فاستثنى الرأس؛ لأن الحيوان يباع ويراد به الظهر، وهو الذي يسمى البهيمة المركوبة، أي: التي تباع من أجل الركوب، فإن الناس في القديم كانوا يشترون لأغراض محددة، فإذا دخل السوق يريد أن يشتري بعيراً، فإن البعير فيه منفعة الركوب، وفيه منفعة الأكل، وفيه منفعة الحليب -إن كانت ناقة-، فيقولون: اشترى الركوب، فدلّ على أنه قاصدٌ أن يركب، فإذا أراده للركوب يبحث في صفات معينة، وإذا أراده للأكل يقلبه على طريقة معينة، وإن أراد الناقة للحليب قلبها على طريقة معينة، فإذا اشترى الشاة مثلاً لأكلها فاستثنى البائع الرأس أو الجلد أو الأطراف، فإن الرأس لا يؤكل، والجلد لا يؤكل، والأطراف لا تؤكل -في الغالب- فالمصنف رحمه الله يقول: إن اشْتُريت للأكل واستثنى الرأس هذه حالة، وإن اشْتُريت للأكل واستثنى الجلد هذه حالة، وإن اشتريت للأكل واستثنى الأطراف هذه حالة، فهذه ثلاث حالات، فقال رحمه الله:

(وإن استثنى من حيوانٍ يؤكل رأسَه وجلدَه وأطراَفه: صحَّ)

أي: صحَّ البيع، بمعنى أن الغرر هنا زائل؛ لأنه استثنى المعلوم، ولا غرر على المشتري؛ لأنه لما اشتراها للأكل فالأكل موجود في الشاة لا غرر فيه؛ لكن لو استثنى جزءاً من المأكول، ربما اشترى الشاة رغبة في لحمها، وكان أطيب ما فيها هذا الذي استثني، ولذلك قالوا: إن الثنيا إذا كانت معلومة لا غرر فيها صحَّ البيع وجاز.

[وعكسه الشحم والحمل].

قال: (وعكسه الشحم)، فإن الشحم يؤكل -إذا اشتراها للأكل- ويستخرج منه السمن، بل قد تطبخ البهيمة بشحمها، تؤخذ الإلية ثم تُصهر، ثم بعد ذلك تطبخ البهيمة بسمن أو ودك السنام ونحو ذلك، فإذا استثنى الشحم فإنه لا يجزيه ولا يصحُّ؛ لأن هذا -كما ذكرنا- استثناء ما قُصد بالبيع، فأدخل الغرر على المشتري من هذا الوجه. (والحمل) لأن ذكاة الجنين ذكاة أمه، فإذا كان في بطن الناقة ولد وذكيت الناقة فهل يصحُّ أكل الولد -أي: الجنين- أو لا؟

هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء -وستأتينا إن شاء الله في كتاب الأطعمة والذكاة، نسأل الله أن يبلغنا ذلك بعفوه وعافيته-، فعلى القول بأن ذكاة الجنين ذكاة أمه يصحُّ ويجوز أكله، بناءً على هذا إذا استثنى الحمل وقال: أبيعك هذه الشاة وأستثني حملها لم يصحّ؛ لأنك حينما تشتري الشاة وفيها الحمل، فإن الحمل يصورها لك كاملة ويصورها لك فاضلة، وترغب شراءها لوجود هذا السِّمَن الذي منه الحمل، فكأن الحمل متصل بالمبيع، وأنت تريدها للأكل، فإذا فوّت لك جزءاً من الأكل جُهل قدر المبيع، وكأن هذا الحمل إذا استثني أدخل الجهالة على قدر المبيع، وكذلك لو استثنى الشحم فإنه يدخل الجهالة على قدر المبيع، ففي كلتا الصورتين لا يصحُّ، ولذلك قال: (بخلافه) أي: العكس بالعكس، فلا يصح البيع على هذا الوجه، ولا تصحُّ الثنيا في هذه المسألة.

قال رحمه الله: [ويصحُّ بيع ما مأكوله في جوفه: كرمانٍ وبطيخٍ].

عندما ذكر المصنف رحمه الله مسائل بيع المجهولات، قد يقول لك قائل: أنت تقول: لا يصح بيع الجنين في بطن أمه ولا اللبن في الضرع، فقد يشتري الإنسان البطيخ، والبطيخ تشتريه من أجل ما بداخله، والذي بداخله لا يدرى أهو من الجيد أو من الرديء؟

ولا ندري أهي سالمة أو غير سالمة؟ فقد تخرج وفيها مرض بداخلها -كما يقع في المبيعات من هذا النوع- وإذا خرجت سالمة لا ندري أكاملة أو ناقصة؟ أهي حمراء أو دون ذلك؟ وإذا كانت حمراء لا ندري أهي حلوة أو ليست بحلوة أو بينهما؟ فهذا كله من الجهالة، وأنت قررت في القاعدة الماضية: أن بيع المجهول المغيَّب لا يصحّ، فالمصنف: -وانظر إلى دقته رحمه الله؟!- قرر لك القواعد فيما مضى، ثم شرع الآن فيما يستثنى منها، فقال رحمه الله: (ويصحّ بيع ما مأكوله في جوفه كبطيخ).

فالبطيخ يصحُّ بيعه، فإن اشتريته كان لك الخيار، فإن كان البطيخ قد انكشف معيباً رددته بالعيب، وإن انكشف رديئاً رددته بالرداءة، وإن انكشف صالحاً للأكل لكنه ليس بجيد ينظر إلى الشرط، فإن قلت: أشترط أنها على السكين كان لك الحق في الرد، وإن لم تشترط لزمك البيع، إذاً إذا باع بطيخاً فإما أن تظهر معيبة فيجوز لك ردها بالعيب، وهذا بالإجماع على أن المبيعات المعيبة ترد بعيبها لحديث المصراة وسيأتي، وإن ظهرت غير معيبة وكانت صالحة للأكل فحينئذٍ إمّا أن يشترط المشتري الكمال فيردها لعدم وجود الكمال، وإمّا ألا يشترط الكمال فيلزمه؛ لأنها تؤكل، والمنفعة موجودة فيها، وهو الذي قصَّر على نفسه في اشتراط الكمال؛ لكن بعض العلماء يمنع من قولك: أشترط أن تكون على السكين، وأنا أميل إلى هذا القول؛ لأن الذي على السكين يختلف الذوق فيه من شخص إلى آخر، ولذلك تقع الخصومة بين الناس والنزاعات، ويفضي إلى قطع أواصر الأخوة بين الناس، والبيوع إذا أفضت إلى النزاعات حرمت، كبيع الرجل على بيع أخيه، وسومه على سوم أخيه، فمقصود الشرع لا يوافق مثل هذه المبيعات؛ لكن الذي يظهر أنه لا يبيع البطيخ إلاّ وسكينه بجواره، يفتش البطيخ إن كانت على ما يريد المشتري مضى البيع وإلا فلا، أما أن يبيع هكذا فالنفس لا تطمئن إلى بيعه على هذا الوجه.

يبقى النظر في الرمان، والفرق بين البطيخ والرمان وجود المشقة في الرمان أكثر منه في البطيخ، ولذلك الرمان يصحّ بيعه على وجه الجهالة لوجود الحاجة، كبيع أساس الأرض مغيباً؛ لأن المجهولات إذا غيبت جاز، ثم إن بعض العلماء يقول: جواز بيع هذه الأمور يختلف عن اللبن في الضرع، ويختلف عن الحمل في البطن؛ والسبب في هذا: أن الرمان جعل الله له صفات على ظاهره يعلم بها سلامته من عدم سلامته، ويعلم بها جودته من رداءته، فالمشتري كان من الواجب عليه أن يكون عالماً بهذه الصفات، فإذا اشترى كان ينبغي ألاّ يُقدم على أن يغرر بنفسه فيشتري شيئاً لا يعلم كيفية شراء جيده من رديئه، فيشتري على هذا الوجه، فالرمان فيه صفات ظاهرة؛ لكن في الحمل الذي في البطن لا تستطيع أن ترى الناقة من بعيد، وتقول: هذه حملها ذكر أو حملها أنثى، أو أن حملها حيٌّ الآن أو ميت، فإذاً: اختلف الرمان عن غيره؛ لأن الرمان له صفات وعلامات ظاهرة، حتى قال بعض مشايخنا رحمة الله عليهم: والبطيخ كذلك، فإن البطيخ يُعرف بكونه أملساً وسهلاً كالزجاج إذا كان من ظاهره، وما هو على خلاف ذلك، ثم بالضرب والقرع يعرف جيده من رديئه، فكأنه في هذه الحالة يُميز بالصفة كالبهيمة إذا جئت تلمس ظهرها عرفت منها اللحم من عدم اللحم، فتعرف الشاة السمينة من غيرها، وعلى هذا قالوا: إن وجود الصفات في ظاهر المبيع المغيب يؤذن ويبيح بيعه على هذا الوجه.

[والباقلاء ونحوه في قشره].

كالفول وغيره من الحبوب إذا كانت مغيبة في القشرة، لكن الحبوب بيعها على صفتين:

الصفة الأولى: أن يبيع الحب داخل سنابله قبل أن يُحصد، فهذا استثناه الشرع وأذن به كأن تشتري المزرعة وفيها الحب قد اشتد قبل أن يكتمل نضجه، ويكون بيعه هنا بالخرص، وهو مما أذن به الشرع على خلاف الأصل لحديث مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحب حتى يشتد)، وفي رواية لـأحمد في المسند: (والعنب حتى يسود)، وأنتم تعرفون أن الحبوب إذا كانت في سنابلها تكون أولاً خضراء طرية بحيث لو أمسكتها خرج الماء منها، ثم تبدأ تشتد وتبيّض، ولذلك نهى عن بيع الحب حتى يبيّض، ويبيض ويشتد بمعنى النضج، يبيض لأن القشرة تميل إلى لون الصفار، وهذه شبه علامة الاستواء المكتمل، ويبيض يتموه بالماء، ويشتد أي تبدو فيه علامة الصلاح -كما تقدم معنا في كتاب الزكاة -، فإذا باع الحب بداخل سنابله مشتداً صح للضرورة، وهذا لورود المستثنى من الشرع كبيع التمر على النخل بعد بدو صلاحه بالزهو؛ لكن لو أنه حصد وفيه القشرة لم يصح بيعه؛ لأن القشرة تزيد في الوزن، وتزيد في الكيل، ولا يُعلم القدر مع إمكان زوال هذه الجهالة، لكن وهو في حبه لا نستطيع، فخفف في حال كونه في سنابله، ومُنع في حال كونه على الأرض؛ لأن القاعدة تقول: (القدرة على اليقين تمنع من الشك)، فلما كان قادراً على فصده ودرسه وتنظيفه حرم بيعه، ولذلك ما كان مغيباً داخل وعائه إذا كان على زرعه أو على عموده -كما في الحبوب ونحوها- صح إذا بدا صلاحه، للحاجة وورود النص، وإن كان على الأرض لم يصح لوجود الجهالة.

قال: [والحب المشتد في سنبله].

(والحب المشتد) فخرج الحب الطري؛ لأن الحب إذا كان طرياً كان بيعه من بيع الغرر ومما حرم الشرع بيعه كبيع التمر قبل بدو صلاحه.

حكم الإقالة في البيع

السؤال: لو اشترى رجل سلعة معينة ثم أراد ردها على البائع، فاشترط البائع لقبول إرجاعها ألا يرجع للمشتري حقه كاملاً، فما الحكم أثابكم الله؟

الجواب: باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالواجب على المسلم إذا اشترى شيئاً أن يمضي البيع؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُود [المائدة:1] ، فإذا اشتريت شيئاً ودفعت قيمته وتم العقد وانقطع الخيار لك لزمك البيع ووجب عليك أن تعطي الناس حقوقهم كاملة كما أخذت حقك كاملاً، فإن طرأ لك عذر يمنعك من إمضاء هذا البيع تستأذن البائع، فإن رضي أن يقيلك ويرد لك الثمن كاملاً فلا إشكال، وهذه تسمى (الإقالة) أما لو قال لك: أنا أشتري منك السلعة بثمن وحدد الثمن وكان أقل من الثمن الأول، فقال جمع من العلماء: إنها إقالة البيع، أي: تكون بيعاً جديداً، وحينئذٍ يجوز على هذا الوجه أي: أن تكون الإقالة بيعاً. والله تعالى أعلم.

حكم بيع ما لا يملك، والفرق بينه وبين الوكالة

السؤال: إذا طلب المشتري سيارة بمواصفات معينة، فقال له البائع: سأستوردها لك على أن تشتريها؛ لأني سأتكلف في إحضارها، فهل هذا من بيع المنابذة، أثابكم الله؟

الجواب: إذا جئت للمورِّد أو إلى أي شخص وقلت له: اشتر لي سيارة على صفة كذا وكذا في حدود عشرين ألفاً، قال: سأشتريها وآتي بها إليك، فهذا لا يصح إلاَّ إجارة، أي: أن تقول له: وكلتك أن تشتري لي سيارة بصفات معينة في حدود عشرة آلاف مثلاً وهذه يسمونها الوكالة الخاصة، فيذهب إلى البلد الذي فيه السيارة أو إلى الموضع الذي فيه السيارة، وتقول له: أعطيك عمولة وأجرة ألف ريال أو ألفين أو ثلاثة آلاف ريال على أن تحضرها لي إلى المدينة، ففي هذه الحالة هو وكيل عنك بالشراء، فإذا أحضرها لك وكانت على نفس الصفات ونفس الأشياء التي حددتها فالبيع لازم لك ويلزمك أن تعطيه أجرته التي اتفقتما عليها، أما لو قال لك: أنا أشتري لك سيارة بهذه الصفات وأبيعها عليك بعشرين ألفاً.. بثلاثين ألفاً فهذا حرام؛ لأنه باعك الشيء قبل ملكه، ولا يجوز بيع الشيء قبل أن يملكه، وفي الحديث عن حكيم بن حزام أنه قال: (يا رسول الله! إن الرجل يأتيني ويريد مني الشيء ليس عندي فأبيعه، ثم أذهب وأشتريه بأقل ثم أعطيه إياه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تبع ما ليس عندك) ، فحرم عليه أن يعقد الصفقة في شيء لم يدخل في حوزته؛ ولأنه إذا باعك السيارة في هذه الحالة يقدر ربحاً له، وهذا الربح وقع على شيء لم يملكه، والقاعدة في باب البيوع -وستأتينا إن شاء الله-: (أن الربح لمن يضمن الخسارة)، فكأنه إذا اتفق معك على السيارة آخذاً ربحها فإنها في ضمان الغير، هو يأخذ الربح والغير يضمن الخسارة، ولا يصح البيع على هذا الوجه.

بناءً على هذا: من وكّل أحداً أن يشتري له سيارة فإنه لابد وأن يحدد له أجرة الشراء ويحدد له قيمة البيع، وعلى هذا تتفرع المسائل، إذا قلت له: اشتر لي سيارة من صفات كذا وكذا بعشرين ألفاً وأعطيته هذا الثمن أو أخرته إلى أن يشتريها، وذهب واشترى السيارة ثم ركب البحر وشاء الله عز وجل أن هاج البحر وغرقت الباخرة بما فيها من السيارات، فالسيارة تلزمك، وأنت الذي تضمنها؛ لأنه قد ثبتت يدك على السيارة منذ أن اشترى لك الوكيل، وهذه فائدة أن نقول: إنه وكيل. وبناءً على ذلك: لو أن السيارة اشتراها لك بعشرين ألفاً، فلما أحضرها إلى المملكة وأنزلها -مثلاً- في الميناء إذا بهذا النوع قد أصبح بخمسين ألفاً فقال لك: أعطيك إياها الآن بخمسين ألفاً، تقول: ليس لك منها شيء؛ لأن السيارة ملكي منذ أن اشتريت، فانظر إلى عدل الشريعة، تضمن لك الخسارة والربح، لكن لو أنه باعك إياها قبل أن يملكها وأخذ الربح على هذا الوجه فإنه ربح لما لم يضمن وبيع لما لم يملك، فالبيع فاسد من الوجهين، ولا يصح إلا على الصورة التي ذكرناها.

تبقى مسألة موجودة في عصرنا الآن: وهي أن تأتي إلى الوكالة أو إلى المورِّد وتقول: أريد سيارة من النوع الفلاني من موديل السنة القادمة، يقول لك: هذه مواصفات السيارات للعام القادم أو الموديل القادم فيعطيك المواصفات كاملة؛ لكن يقول: السيارات لن تنزل إلا بعد شهرين أو ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر، فحينئذٍ يكون داخلاً في عقود الاستصناع، وعقد الاستصناع يدخله بعض العلماء تحت السلم في بعض الصور، فيكون شراؤك لما هو قادم بصفته أشبه بالسلم، ويصححون هذا البيع من هذا الوجه، لكن لو أعطاه مائة ألف على موديل قادم لا يعرف صفته ولم تخرج صفاته فإنه يكون من بيع المعدوم، وبيع المعدوم المجهول لا يصح، وعلى هذا يفرق بين ما كان معلوم الصفة وبين ما كان غير معلوم الصفة، ويفرق أيضاً بين الوكيل الذي يورِّد على ضمان من وكله للتوريد وبين من طُلب منه إحضار السلع بصفات معينة على سبيل الوكالة والإجارة. والله تعالى أعلم.

حكم التأجير المنتهي بالتمليك

السؤال: ما حكم التأجير المنتهي بالتمليك، أثابكم الله؟

الجواب: التأجير المنتهي بالتمليك من بيوع الغرر التي لا تجوز شرعاً؛ والسبب في هذا: أنه يقول لك: خذ هذه السيارة واستأجرها كل شهر بمائة أو بألف، فإذا استأجرتها عشرة شهور تدفع خمسة آلاف وتملكها؛ فأدخل عقدين في عقد واحد، أو صفقتين في صفقة واحدة، وهذا كالبيعتين في بيعة، وهذا منهي عنه لوجود الغرر في تداخل العقود، فلا هو بيع محض ولا هو إجارة محضة، فقد يشتري السلعة بقصد البيع فيكره على الإجارة، وقد يريدها إجارة ويكره على البيع بعدها، فتداخل العقود من هذا الوجه موجب للغرر، وهذا بسيط ويسير؛ لكن الأدهى والأمر أنه إذا استأجرها اختلف حالها حينما أخذها عن حالها بعد عشرة أشهر، ولا ندري بعد عشرة أشهر هل يتعطل فيها شيء؟ وهل تكون صفتها على الصفة الموجودة؟ ولا شك أن استنفاد الشيء خلال عشرة أشهر أو حتى شهر لا ندري كيف يكون حاله بعد ذلك، فيكون من بيع مجهول الحال، وعليه لا يصح البيع من كلا الوجهين ويعتبر من البيوع المحرمة، وهذه كلها بيوع دخيلة على المسلمين، والمسلمون إما أن يبيعوا وإما أن يؤجروا، والإجارة لها أحكامها والبيع له أحكامه، ولا يختل المشتري ترغيباً في عقد على عقد، ولذلك قالوا: من البيوع المحرمة: أن يقول له: أبيعك داري على أن تبيعني سيارتك، فكأنه يقول: أؤجرها لك على أن تشتريها، وكأن ذاك يقول: أشتريها منك على أن تؤجرها لي، وهذا من تداخل العقود، مع ما فيه مما قلناه من الغرر، وقد قلنا: لا يجوز بيع الجنين في بطن أمه، ولو ضمنا أن الجنين حي موجود الآن هل نضمن أن يخرج من بطن أمه حياً؟ لا نضمن، ولذلك تجد العلماء يقولون: تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيع الأجنة في حديث ابن عمر في الصحيح: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة) سببه الجهالة بالسلامة، والجهالة بالسلامة أي: أننا نجهل أن يسلم بعد خروجه من بطن أمه، كذلك السيارة مجهولة السلامة بعد إجارتها المدة المذكورة، فمثلاً: لو أنه خلال العشرة الأشهر حصل عليه حادث، أو تعطل جهازها الذي يتحكم في سرعتها ويتحكم في سيرها، ما الحكم؟ يقول لك: أعطيك جهازاً جديداً، فلا ترغب وتقول: أنا كنت آملاً أن تبقى على حالتها السابقة، وقد يأتي بعد عشرة أشهر وينظر إليها فإذا حالها مختلف، فيكون البيع حينئذٍ متردداً قد ينعقد وقد لا ينعقد، فأصبحت عقود مترددة، والبيع إذا وقع يتم ولا يصبح متردداً.

إذاً فيه جهالة الحال، وفيه الجمع بين العقود على وجه التردد، وكذلك أيضاً فيه أن البيع ماض وغير ماضٍ. فمتى انعقد البيع؟ انعقد البيع أثناء الصفقة، ومع ذلك لا ندري هل المستأجر يتم الصفقة أو لا يتم؟ يقول: لا ألزمك بالبيع، إن شئت تشتريها، وإن شئت لا تشتريها فلا يلزمك، إذاً: البيع متردد أم لا؟ متردد، وعلى هذا لا يصح مثل هذه العقود؛ لمكان التداخل، ووجود الجهالة من الوجوه التي ذكرنا. والله تعالى أعلم.

حكم إسقاط خيار المجلس

السؤال: في مسألة المنابذة إذا قال البائع: لا أنزل لك هذا الثوب إلا بكذا، وكان عنده نوعية منها ورآها المشتري فرضي، فلما أنزل له الثوب قال: لا أريده. فهل يُلغى في هذه الحالة خيار المجلس بسبب الشرط، أم ماذا، أثابكم الله؟

الجواب: قال بعض العلماء: إذا اتفق المتبايعان على إسقاط الخيار في المجلس سقط الخيار، وذلك أن يقول له: اختر، فإن اختار إمضاء البيع لزمه، ومنه حديث: (عمّرك الله بيعاً)، ولذلك قال: (إلا أن يخير أحدهما صاحبه)، فإذا قطع الخيار واتفقا على أنه يشتري ولا خيار له: صح؛ والسبب في هذا: أنه بعض الأحيان ربما أنك تشتري في نفس المجلس وتبيع في نفس المجلس، فتريد أن تبتّ البيع الأول حتى يصح لك البيع الثاني، مثل: صرف النقود، فأنت إذا صرفت النقود من شخص وتريد أن تصرفها إلى شخص آخر حتى تربح أو تكسب، تقول له: لا خيار لك، يقول: لا خيار، عمّرك الله بيعاً، فالبيع لازم، باتفاقكم على إسقاط خيار المجلس.

فمذهب طائفة من العلماء على قوله عليه الصلاة والسلام: (إلا أن يخير أحدهما صاحبه) وفي حديث السنن: (عمرك الله بيعاً) أي: اخترت البيع، فحينئذٍ ينقطع خيار المجلس، فإذا كان على هذا الوجه فإنه لا بأس به، أما لو أدخل إسقاط الخيار على وجهٍ لا يتمكن المشتري من معرفة حقيقة السلعة فلا يصح، فمثلاً: لو أعطاك العينة ففتشتها ورأيتها وعرفت جيدها من رديئها، ثم قال لك: إذا أنزلت الذي في الكرتون يلزمك، واتفقتما على البيع فيلزمك البيع؛ لأن الجهالة مرتفعة، والسبب الذي من أجله حرم بيع المنابذة منتفٍ والغرر زائل، فحينئذٍ إذا قطع الخيار لك يقطعه لمصلحته في أخذ الثمن، فيجوز ذلك إذا رضيت به على وجه تام. والله تعالى أعلم.

حكم تذوق السلعة والورع في ذلك

السؤال: هل يحق للمشتري أن يطعم من السلعة ليعرف جودتها كالتمر والعسل مثلاً، أم تكفي الرؤية؟ وهل للبائع منعه من ذلك، أثابكم الله؟

الجواب: هذه مشكلة، فبذلك يستطيع أن يفطر ويتغدى ويتعشى بأموال الناس، وهذا فيه تفصيل فبعض العلماء يجيز الذوق فيجعل البائع عينة للذوق، ويكون هذا بمثابة الحكم على الشيء الذي يتفاوت في جودته ورداءته من جهة حلاوة الطعم.

وبعض العلماء يمنع من ذلك.

فالعسل في بعض الأحيان لا تستكشف جيده من رديئه ومغشوشه من صالحه وخالصه إلا إذا ذقته، فيقول العلماء: إنه يمكنه من الذوق حين يكون المشتري فعلاً يريد الشراء، أما إذا لم يرد الشراء وجاء يذوق واغتنم تمكين البائع له من الذوق، فهذا يعتبر من طعمة الحرام، نسأل الله السلامة والعافية. وأذكر عن بعض مشايخنا رحمة الله عليهم أنه كان يتورع في مثل هذه الأمور، وكان إذا ذاق شيئاً ولم يعجبه أعطى اليسير من المال ترضية لصاحبه، فإن أبى أخذه حينئذٍ يطيب نفسه، يقول: أنا الذي عليَّ فَعَلْتُه، بل أذكر من مشايخنا رحمة الله عليهم أنه كان يؤتى بالطيب والبخور من أجل أن يعرف جيده من رديئه، فإذا كان لا يريد الشراء امتنع من شمه، ويتورع عن هذا؛ لأنه لا يستبيح أموال الناس إلا وعنده رغبة صادقة، كما أنه لا يحب من أحدٍ أن يأكل من ماله أو ينتزع من ماله وهو لا رغبة له، فلو علم البائع أنك لا تشتري هل يعطيك؟ لو علم البائع أنك لن تشتري لما أعطاك، فهو راضٍ أن يعطيك لكي تشتري، ولذلك هذا هو الذي جعله رحمة الله عليه يقول: لابد أن أعطيه شيئاً من المال؛ لأنه أعطاني على رجاء أن آخذ، ولو علم أنني لا آخذ لا يعطيني، فلما ذقت الشيء الذي منه ولم أرغب فيه، فإني أعطيه المال الذي أطيب به خاطره أو أقدره شيئاً يسيراً بنفس الشيء الذي ذقته أو شممته، فالورع في هذا أفضل، فالشخص الذي لا يريد أن يطعم فإنه يتقي مثل هذا، خاصةً طلاب العلم وأهل العلم، وطعمة الحرام لها أثر على عبادة الإنسان، فإن العبد يقذف اللقمة لا يلقي لها بالاً يمنعه الله بها القبول في الصلاة وفي إجابة الدعاء ويقسو بها القلب، حتى لربما وقع في شبهة، ولربما وقع في فتنة -نسأل الله السلامة والعافية- وما طابت أقوال السلف إلا لما طابت أعمالهم وزكت نفوسهم وزكت أجسادهم عن الحرام، ومن زَكّى جسده وروحه عن الحرام زَكّى الله قوله وعمله، والله تعالى يقول: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15]، والزكاة الطهارة كما قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ [التوبة:103] فسميت زكاة لما فيها من الطهارة، فالذي يطهر نفسه عن أموال الناس يطهره الله عز وجل من تبعات الأموال، وقلّ أن تجد إنساناً جريئاً على مثل هذا إلا وجدت أثر الطعمة الحرام في قوله وفي فعله وسلوكه، فإن أراد أن يقصرها على نفسه اقتصرت عليه، وإن توسع في ذلك حتى أدخلها -نسأل الله السلامة والعافية- على أهله وولده فهو بشرّ الحال في نفسه وأهله وماله وولده، فالعبد يتقي الله عز وجل، فإن كنت لا تريد أن تشتري لا تدخل جوفك الطعمة، وتكون ناصحاً لأخيك المسلم، تقول: أنا لا أريد أن أشتري، قال لك: خذ، وتعلم أنه يجاملك، تعرض عنه وتقول له: لا أريد، وهذا هو أفضل ما يكون من طالب العلم وممن هو قدوة.

وطالب العلم ينبغي دائماً أن يطبق العلم الذي يتعلمه على فعله، ومن هنا تجد العلماء رحمهم الله يقولون: العلم وبال على صاحبه فيما يضيّق عليه، ولكنه نعمة ورحمة فيما يئول إليه. (فهو وبال عليك فيما يضيق)؛ لأنك تعلم أنه لا يجوز لك أن تطعم هذا الشيء وأنت لا تريد الشراء، ولو كنت جاهلاً لطعمت، لكن بالعلم ضُيّق عليك، وجعل الله لك حسن العاقبة بسلامتك من أموال الناس.

فالشاهد: أن العلم يضيق على صاحبه، ويتحمل به الأمانة والمسئولية فإذا كنت لا تريد أن تشتري فلا تأكل؛ لأن البائع لا يحب من أحد أن يطعم من ماله الذي يريد بيعه، والآخر لا يريد أن يشتري، فهذا أمر ينبغي للإنسان أن يتقيه.

وهنا أيضاً مسألة أحب أن أنبه عليها وهي من الورع: في بعض الأحيان يأتي الشخص للعامل الموجود في المحل، ويأكل من العنب أو يأكل من الشيء الموجود من الخبز أو غيره ويستأذن العامل، والعامل ليس مالكاً للسلعة، وهذا ينبغي أن يوضع في الحسبان، حتى كان بعض مشايخنا رحمة الله عليه لا يقبل توصية العامل وزيادته ويتورع عنها، ويجعله يزيد فقط في قدر رجحان الميزان، وإذا جاء يزيد من عنده قال: المال مال غيره، وكما قيل في المثل: (الجلد جلد غيرك لا بأس إن جررت الشوك عليه)، فالعامل مأذون له أن يبيع ومأذون له أن يربح، وليس مأذوناً له أن يخُسِّر صاحب السلعة، فإذا كان الشيء فيه عرف وربّ المال قد أذن له فهذا شيء آخر، بل حتى والله أذكر منه -رحمة الله عليه- أنه كان يتورع عن الكيس من (النايلون)، يقول: هذا أذن له سيده وصاحب الدكان أن يعطيه لمن يشتري وأنا لم أشترِ، فيتورع عن كل شيء، وهذا يقتضي أن الإنسان ينتبه لحقوق الناس، سواءً كان عند ذوق الأشياء أو حين يأتي إلى شيء لا يريد شراءه فيقول للعامل: أعطني، والعامل إذا رآه استحى منه، أو ربما خاف منه؛ وهذا يعتبر من قلة الورع، لكن حينما تأخذ أموال الناس بحقها وتعطيها حقها رضيت وأرضيت، وحينئذٍ لا تقذف في جوفك مالاً حراماً، فهذا الذي ينبغي للمسلم أن يفعله، فإذا فعل ذلك زكت نفسه وزكت أقواله وأعماله، وما ضر كثيراً من الناس إلا التساهل في الطعمة، وكما قلنا: إن الطعمة من الحرام قد تؤدي بصاحبها إلى النار، خاصةً حقوق الناس، وأما فيما بينك وبين الله، كالزنا وشرب الخمر -والعياذ بالله- وغيرها من المحرمات فإنه يفعلها الفاعل ثم يتوب فيتوب الله عليه وإن كانت من كبائر الذنوب؛ ولكن لو أخذ طعمة من حرام، ولو كانت قدر أصبعه فلا يمكن أن تبرأ ذمته من هذه الطعمة أو هذا الحق لأخيه المسلم إلا إذا سامحه صاحب الحق. ومما ذكروا من غرائب ما وقع للسلف: أن رجلاً حضرته الوفاة فبكى، وقال لأبنائه: سلوا جاري أن يحللني من حقه، قالوا: وما حقه عليك؟ قال: إني أصبت طعاماً كثر ودكه -أي كثر السمن فيه- فاحتجت إلى التراب فحككت جدار جاري! فاسألوه أن يعفو عني! فالمسلم دائماً يخاف من حقوق الناس، ودائماً الأشياء الكبيرة تنتج عن الأشياء الصغيرة، فيتساهل في طعمته من هذا ومن هذا ومن هذا حتى تجتمع عليه حقوق الناس فيهلك، وكان بعض العلماء يقول في قوله عليه الصلاة والسلام: (نفس المؤمن معلقة بدينه) وفي رواية: (مرهونة) إن بعض الناس تجده مشتت الفكر بسبب كثرة الديون التي عليه، وبسبب كثرة مظالم الناس وحقوق الناس؛ لأنها أحاطت به خطيئته وأوبقته حقوق الناس وأصبح كالمرهون.. يريد الصلاة.. يريد الزكاة.. يريد النشاط للعبادة فإذا به مكبّل بحقوق الناس لم يتحلل أحداً من مظلمته، وهذا من أعظم ما يوجب الخسارة للإنسان.

فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يسلمنا وأن يسلم منا.

اللهم سلمنا وسلم منا وتب علينا وتجاوز عنا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبيّه وآله وصحبه أجمعين.