شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [ فصل: وعليه علف بهائمه وسقيها وما يصلحها ].

وجوب علف البهائم على المالك

يقول رحمه الله: (وعليه) أي: يجب على المسلم أن ينفق على بهائمه، والدليل على ذلك ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة المرأة التي عُذِّبت في الهرة، وهذا يدل على أنه لا يجوز للمسلم أن يحبس الحيوان، إلا إذا قام على رعايته وطعامه وما يحتاج إليه؛ لأنه إذا حبسه ومنعه من الرعي ومما فيه رفق به فقد عذّبه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الحيوان، والعكس بالعكس، فكما أن الإسلام نهى عن تعذيب الحيوان فقد رغب في الإحسان إليه، حتى أخبر صلى الله عليه وسلم في قصة المرأة الزانية أن الله غفر ذنوبها بشربة ماء سقتها لذلك الكلب، فدل هذا على أمرين:

أولاً: مشروعية القيام على الدواب ورعايتها والإحسان إليها فيما تحتاج إليه من طعام وغيره.

وثانياً: وهو عكسه، تحريم الشريعة للإساءة والأذية والتعذيب للحيوان والقتل له بدون وجه حق، ومن هنا قال بعض أئمة التفسير في قوله تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:56] ، قال: من ذلك قتل الحيوان من غير ما حاجة.

قال رحمه الله: [وعليه علف بهائمه] لعلف البهائم صورتان:

إما أن يكون هناك مرعى يمكن للحيوان أن يخرج إليه ليرعى ويسوم فيه، فحينئذٍ الواجب عليه تمكين الحيوان من الرعي، وفي هذه الحالة لو أخرج الحيوان بنفسه أو أخرجه وكيله أو العامل عنده فقد برئت ذمته بهذا، لأن الحيوان من طبيعته وفطرته أن يأكل قدر حاجته، لكن الإشكال عند العلماء إذا أخرجه للرعي والسوم هل يجب عليه أن يترك البهيمة إلى أن تشبع غاية الشبع، أم أن الواجب قدر الكفاية، ثم ما فضل بعد ذلك فهو فضل؟

قال بعض العلماء: الواجب أن يخرج بالبهيمة للرعي في حدود حاجتها، وفائدة الخلاف: أنه لو خرج يوماً وعنده ظرف ووقته ضيق وما استطاع أن ينتظر الحيوان حتى يصل إلى حد الشبع، فمكن الحيوان من الرعي إلى حدود الكفاية، أجزأه على القول الذي لا يشترط الكمال، ولم يخل من مسئولية على القول الثاني.

والصحيح: أن العبرة بقدر الإجزاء، أعني: القدر الذي تحصل به كفاية الحيوان.

إذا كانت ترعى البهيمة فلا يخلو الرعي من حالتين:

الحالة الأولى: إما أن يكون قائماً بالكفاية على أتم الوجوه، بمعنى أنه يرتفق به الحيوان ويجتزئ به، فحينئذٍ لا إشكال.

وإما أن يكون الرعي قليلاً كما يحصل في بعض أحوال الجدب، فإذا كان الرعي قليلاً وجب عليه أن يسد كفاية البهيمة من العلف، ولذلك لو كانت البهيمة تحتاج إلى رعي فرعت ثم بقي عندها عجز في طعامها فعلية تأمين هذا العجز، وهذا يختلف باختلاف الإبل والبقر والغنم، فالمقصود أنه لابد من تحصيل قدر الكفاية.

وقوله: (عليه) يفهم منه الوجوب وهو محل إجماع، أعني أنه يجب على من ملك البهيمة أن يطعمها.

وقد سبق أن بينا أن النفقة تجب: إما بسبب النكاح، أو بسبب القرابة، أو بسبب الملك، وهي هنا بسببية الملك، فنظراً لكونه مالكاً للبهيمة أمر بالنفقة عليها، وهذا من عدل الله سبحانه وتعالى، فالعبد كما أنه ينال منافع البهيمة ويملك رقبتها، فالواجب عليه أن يؤدي حق هذه البهيمة، وعليه علف بهائمه.

الحالة الثانية: أن لا يكون هناك مرعى، فإذا لم يكن هناك مرعى وجب عليه أن يشتري للبهائم طعامها، وحينئذٍ ينظر: فهناك طعام من العلف، وهناك طعام من الحبوب، والعلف والحبوب فيها الغالي والرخيص، فحينئذٍ ينظر إلى حال الإنسان، فإذا كان غنياً قادراً فإنه ينفق على قدر ما يحصّل، فلا ينتقل ببهائمه إلى الطعام الرديء القليل الذي يضر بها، أو يجحف بها، بناءً على أنه يريد سد الكفاية، خاصة إذا كان غنياً، فقد أمر الله عز وجل الزوج أن ينفق على زوجته بقدر وسعه، فلما وسّع الله على الغني لزمه أن ينفق نفقة الغني ويحسن إلى بهائمه، ولا يضيق عليها.

أما لو ضاق عليه الحال، وصعب عليه أن يشتري العلف الغالي، فإنه يطعمها من العلف الذي يحصل به قوام بدنها، فلو فرضنا أن علفها في اليوم الواحد يختلف، فالجيد منه بعشرين والمتوسط بخمسة عشر والرديء بعشرة، فإن كان العلف الرديء لا يضر بصحتها ولا يجحف بها، علفها من العلف الرديء، وهذا قدر وسعه وطاقته، فإن كان يضر بصحتها ولا يملك هذه القيمة؛ ففيه التفصيل الذي سنذكره، من أنه يؤمر ببيع بعضها والنفقة عليها بالمعروف.

وقد بيّن رحمه الله أنه يجب عليه ذلك، والضمير في قوله: (عليه) يعود على المالك، وقوله: (عليه) يدل على اللزوم، أي: أنه أمرٌ على اللزوم وليس على التخيير.

وجوب سقي البهائم على المالك

قال رحمه الله: [وسقيها].

في القديم كان الماء عزيزاً، وكان الناس يستقون من الآبار لأنفسهم ولدوابهم، وهناك آبار تردها البهائم.

وهذا السقي سواء قام به الشخص نفسه، أو قام به عامله، أو من يوكله؛ فعليه أن يورد البهيمة في الأيام التي تحتاج فيها إلى السقي، وذلك يختلف: فالإبل أكثر صبراً من البقر والغنم، فيقدر الوقت الذي تحتاج فيه إلى السقي، ولا يجوز تأخيرها عن اليوم الذي ترد فيه.

وهكذا لو كانت محبوسة عنده في البيت، فيجب عليه أن يتفقد طعامها وشرابها وأن لا يتكل على العامل، لأن البعض قد يتكل على عماله، وهذا لا يجوز على سبيل الإطلاق، بل الراجح: أن عليه بين فترة وفترة أن ينظر في بهائمه، وأن يتفقد هذا القيام على حوائج البهائم، وهذا أصل واجب على الموكِّل في كل من وكله، فإذا وكلت وكيلاً فلا تتكل عليه، بل عليك أن تباغته، وأن تأتي فجأة لتنظر كيفية رعايته لهذا الشيء الذي ائتمنته عليه، ولا تحسب أن توكيلك له يخليك من المسئولية والأمانة، فإن الوكيل عنك أمين -كما ذكرنا في باب الوكالة- وقد نزلته منزلتك، فلابد من أن يكون اختيارك له في محله، فقد يكون أميناً في حال، وقد يغتر بحسن ظنك فيه فيهمل ويقصر، والإنسان ضعيف.

فالواجب على رب البهيمة أن يتفقد بهائمه بسقيها، ويسأل العامل: متى تسقي البهائم؟ ومتى تطعمها؟ ومتى تقوم؟ عليها، فإذا وجد أنه قائمٌ على الوجه المعروف برئت ذمته وخلصت.

إذاً: طعام البهائم وسقيها واجب على المالك، سواء قام به بنفسه أو وكل عنه من يقوم بذلك، وليس كل ماء تسقاه البهيمة، وليس كل مورد تورد عليه البهائم؛ فإذا كان الماء كدراً وفيه القاذورات والأوساخ، أو يسقي البهيمة في أواني قذرة لا يهتم بتنظيفها ولا يبالي بحسن القيام عليها، فإنه مسئولٌ أمام الله عز وجل عن هذا التقصير.

فالبعض لا يبالي، يقول: هذه بهيمة. ثم يطعمها ويسقيها في أي إناءٍ ولو كان قذراً، فالواجب عليه أن يتفقد الأواني التي تسقى فيها وأن يتعهد ذلك بالرعاية لأنها أمانة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته) فمن قام على البهائم في علفها وسقيها وتفقد ذلك فذاك، أو وكَّل غيره فلابد أن يذكره أنها أمانة ومسئولية، وأنه يجب عليه أن يحسن الرعاية على أتم الوجوه وأكملها حتى تبرأ ذمته.

حق البهائم في كل ما يصلحها

قال رحمه الله: [ وما يصلحها ]

ومما يصلح شأن البهيمة: أنها في بعض الأحيان قد تحتاج إلى تنظيف بدنها بالغسل، أو إلى جز صوفها وشعرها، وأحياناً تقليم لأظفارها؛ لأنها تؤذيها أثناء مشيها، وأحياناً تحتاج إلى إصلاح في البدن نفسه إذا كانت مريضة أو عليلة، فعليه أن يتقي الله عز وجل فيها، وأن يقوم على رعايتها؛ فإن احتاجت إلى دواء أو علاجٍ قام على ذلك، وطلب من يعالج، لا يقول: هذه بهيمة والله يشفيها، بل إن هذه البهيمة نفس معذبة بالمرض والسقم، فيجب عليه أن يحسن إليها وأن يتعاهدها.

وقوله: (وما يصلحها) يشمل إصلاح كل شيء في الشارة والهيئة، وما يصلحها في مسكنها، فمثلاً: إذا كانت البهيمة في مسكنٍ قذرٍ وخيم يضرها ويؤذيها ويضر بصحتها، فإنه يسأل أمام الله عن ذلك.

وانظر حقوق الحيوان في الإسلام، وفقهاء الإسلام من فجر التاريخ الإسلامي يبينونها ويقررونها، حتى ذكروا كيف تسكن البهيمة، ولو نظرت في تفصيلات وكلام الفقهاء والعلماء رحمهم الله لتعجبت، وصدق الله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] فهذا دين كامل من أصله.

فقد تكلم العلماء حتى على مسكن البهيمة، وفي فتاوى العلماء عندما يسألون عن هذا يقررون أنه لا يجوز تعذيب الحيوان لا في مسكنه ولا مطعمه ولا حاجته من دواء وإصلاح شارة وهيئة؛ حتى في المسير إذا سار بها فلا يعذبها ولا يرهقها، بل يريحها وقت الراحة ولا يحملها في الأسفار فوق طاقتها، بل حتى في الحضر، فكل هذا يدل دلالة واضحة على عظمة هذا الدين، ويدل دلالة واضحة على كماله ووفائه بحوائج الناس، حتى الحيوانات.

وحينئذٍ لا تحتاج الأمة الإسلامية أن يأتي من يتبجح أمامها أو يذكرها من غفلة أو يعلمها من جهل؛ فعندها في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وشريعته الغراء التي جمعت محاسن الأخلاق ومكارم الآداب ما يغني عن ذلك، قال الله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ [الأعراف:43].

يقول رحمه الله: (وعليه) أي: يجب على المسلم أن ينفق على بهائمه، والدليل على ذلك ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة المرأة التي عُذِّبت في الهرة، وهذا يدل على أنه لا يجوز للمسلم أن يحبس الحيوان، إلا إذا قام على رعايته وطعامه وما يحتاج إليه؛ لأنه إذا حبسه ومنعه من الرعي ومما فيه رفق به فقد عذّبه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الحيوان، والعكس بالعكس، فكما أن الإسلام نهى عن تعذيب الحيوان فقد رغب في الإحسان إليه، حتى أخبر صلى الله عليه وسلم في قصة المرأة الزانية أن الله غفر ذنوبها بشربة ماء سقتها لذلك الكلب، فدل هذا على أمرين:

أولاً: مشروعية القيام على الدواب ورعايتها والإحسان إليها فيما تحتاج إليه من طعام وغيره.

وثانياً: وهو عكسه، تحريم الشريعة للإساءة والأذية والتعذيب للحيوان والقتل له بدون وجه حق، ومن هنا قال بعض أئمة التفسير في قوله تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:56] ، قال: من ذلك قتل الحيوان من غير ما حاجة.

قال رحمه الله: [وعليه علف بهائمه] لعلف البهائم صورتان:

إما أن يكون هناك مرعى يمكن للحيوان أن يخرج إليه ليرعى ويسوم فيه، فحينئذٍ الواجب عليه تمكين الحيوان من الرعي، وفي هذه الحالة لو أخرج الحيوان بنفسه أو أخرجه وكيله أو العامل عنده فقد برئت ذمته بهذا، لأن الحيوان من طبيعته وفطرته أن يأكل قدر حاجته، لكن الإشكال عند العلماء إذا أخرجه للرعي والسوم هل يجب عليه أن يترك البهيمة إلى أن تشبع غاية الشبع، أم أن الواجب قدر الكفاية، ثم ما فضل بعد ذلك فهو فضل؟

قال بعض العلماء: الواجب أن يخرج بالبهيمة للرعي في حدود حاجتها، وفائدة الخلاف: أنه لو خرج يوماً وعنده ظرف ووقته ضيق وما استطاع أن ينتظر الحيوان حتى يصل إلى حد الشبع، فمكن الحيوان من الرعي إلى حدود الكفاية، أجزأه على القول الذي لا يشترط الكمال، ولم يخل من مسئولية على القول الثاني.

والصحيح: أن العبرة بقدر الإجزاء، أعني: القدر الذي تحصل به كفاية الحيوان.

إذا كانت ترعى البهيمة فلا يخلو الرعي من حالتين:

الحالة الأولى: إما أن يكون قائماً بالكفاية على أتم الوجوه، بمعنى أنه يرتفق به الحيوان ويجتزئ به، فحينئذٍ لا إشكال.

وإما أن يكون الرعي قليلاً كما يحصل في بعض أحوال الجدب، فإذا كان الرعي قليلاً وجب عليه أن يسد كفاية البهيمة من العلف، ولذلك لو كانت البهيمة تحتاج إلى رعي فرعت ثم بقي عندها عجز في طعامها فعلية تأمين هذا العجز، وهذا يختلف باختلاف الإبل والبقر والغنم، فالمقصود أنه لابد من تحصيل قدر الكفاية.

وقوله: (عليه) يفهم منه الوجوب وهو محل إجماع، أعني أنه يجب على من ملك البهيمة أن يطعمها.

وقد سبق أن بينا أن النفقة تجب: إما بسبب النكاح، أو بسبب القرابة، أو بسبب الملك، وهي هنا بسببية الملك، فنظراً لكونه مالكاً للبهيمة أمر بالنفقة عليها، وهذا من عدل الله سبحانه وتعالى، فالعبد كما أنه ينال منافع البهيمة ويملك رقبتها، فالواجب عليه أن يؤدي حق هذه البهيمة، وعليه علف بهائمه.

الحالة الثانية: أن لا يكون هناك مرعى، فإذا لم يكن هناك مرعى وجب عليه أن يشتري للبهائم طعامها، وحينئذٍ ينظر: فهناك طعام من العلف، وهناك طعام من الحبوب، والعلف والحبوب فيها الغالي والرخيص، فحينئذٍ ينظر إلى حال الإنسان، فإذا كان غنياً قادراً فإنه ينفق على قدر ما يحصّل، فلا ينتقل ببهائمه إلى الطعام الرديء القليل الذي يضر بها، أو يجحف بها، بناءً على أنه يريد سد الكفاية، خاصة إذا كان غنياً، فقد أمر الله عز وجل الزوج أن ينفق على زوجته بقدر وسعه، فلما وسّع الله على الغني لزمه أن ينفق نفقة الغني ويحسن إلى بهائمه، ولا يضيق عليها.

أما لو ضاق عليه الحال، وصعب عليه أن يشتري العلف الغالي، فإنه يطعمها من العلف الذي يحصل به قوام بدنها، فلو فرضنا أن علفها في اليوم الواحد يختلف، فالجيد منه بعشرين والمتوسط بخمسة عشر والرديء بعشرة، فإن كان العلف الرديء لا يضر بصحتها ولا يجحف بها، علفها من العلف الرديء، وهذا قدر وسعه وطاقته، فإن كان يضر بصحتها ولا يملك هذه القيمة؛ ففيه التفصيل الذي سنذكره، من أنه يؤمر ببيع بعضها والنفقة عليها بالمعروف.

وقد بيّن رحمه الله أنه يجب عليه ذلك، والضمير في قوله: (عليه) يعود على المالك، وقوله: (عليه) يدل على اللزوم، أي: أنه أمرٌ على اللزوم وليس على التخيير.

قال رحمه الله: [وسقيها].

في القديم كان الماء عزيزاً، وكان الناس يستقون من الآبار لأنفسهم ولدوابهم، وهناك آبار تردها البهائم.

وهذا السقي سواء قام به الشخص نفسه، أو قام به عامله، أو من يوكله؛ فعليه أن يورد البهيمة في الأيام التي تحتاج فيها إلى السقي، وذلك يختلف: فالإبل أكثر صبراً من البقر والغنم، فيقدر الوقت الذي تحتاج فيه إلى السقي، ولا يجوز تأخيرها عن اليوم الذي ترد فيه.

وهكذا لو كانت محبوسة عنده في البيت، فيجب عليه أن يتفقد طعامها وشرابها وأن لا يتكل على العامل، لأن البعض قد يتكل على عماله، وهذا لا يجوز على سبيل الإطلاق، بل الراجح: أن عليه بين فترة وفترة أن ينظر في بهائمه، وأن يتفقد هذا القيام على حوائج البهائم، وهذا أصل واجب على الموكِّل في كل من وكله، فإذا وكلت وكيلاً فلا تتكل عليه، بل عليك أن تباغته، وأن تأتي فجأة لتنظر كيفية رعايته لهذا الشيء الذي ائتمنته عليه، ولا تحسب أن توكيلك له يخليك من المسئولية والأمانة، فإن الوكيل عنك أمين -كما ذكرنا في باب الوكالة- وقد نزلته منزلتك، فلابد من أن يكون اختيارك له في محله، فقد يكون أميناً في حال، وقد يغتر بحسن ظنك فيه فيهمل ويقصر، والإنسان ضعيف.

فالواجب على رب البهيمة أن يتفقد بهائمه بسقيها، ويسأل العامل: متى تسقي البهائم؟ ومتى تطعمها؟ ومتى تقوم؟ عليها، فإذا وجد أنه قائمٌ على الوجه المعروف برئت ذمته وخلصت.

إذاً: طعام البهائم وسقيها واجب على المالك، سواء قام به بنفسه أو وكل عنه من يقوم بذلك، وليس كل ماء تسقاه البهيمة، وليس كل مورد تورد عليه البهائم؛ فإذا كان الماء كدراً وفيه القاذورات والأوساخ، أو يسقي البهيمة في أواني قذرة لا يهتم بتنظيفها ولا يبالي بحسن القيام عليها، فإنه مسئولٌ أمام الله عز وجل عن هذا التقصير.

فالبعض لا يبالي، يقول: هذه بهيمة. ثم يطعمها ويسقيها في أي إناءٍ ولو كان قذراً، فالواجب عليه أن يتفقد الأواني التي تسقى فيها وأن يتعهد ذلك بالرعاية لأنها أمانة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته) فمن قام على البهائم في علفها وسقيها وتفقد ذلك فذاك، أو وكَّل غيره فلابد أن يذكره أنها أمانة ومسئولية، وأنه يجب عليه أن يحسن الرعاية على أتم الوجوه وأكملها حتى تبرأ ذمته.

قال رحمه الله: [ وما يصلحها ]

ومما يصلح شأن البهيمة: أنها في بعض الأحيان قد تحتاج إلى تنظيف بدنها بالغسل، أو إلى جز صوفها وشعرها، وأحياناً تقليم لأظفارها؛ لأنها تؤذيها أثناء مشيها، وأحياناً تحتاج إلى إصلاح في البدن نفسه إذا كانت مريضة أو عليلة، فعليه أن يتقي الله عز وجل فيها، وأن يقوم على رعايتها؛ فإن احتاجت إلى دواء أو علاجٍ قام على ذلك، وطلب من يعالج، لا يقول: هذه بهيمة والله يشفيها، بل إن هذه البهيمة نفس معذبة بالمرض والسقم، فيجب عليه أن يحسن إليها وأن يتعاهدها.

وقوله: (وما يصلحها) يشمل إصلاح كل شيء في الشارة والهيئة، وما يصلحها في مسكنها، فمثلاً: إذا كانت البهيمة في مسكنٍ قذرٍ وخيم يضرها ويؤذيها ويضر بصحتها، فإنه يسأل أمام الله عن ذلك.

وانظر حقوق الحيوان في الإسلام، وفقهاء الإسلام من فجر التاريخ الإسلامي يبينونها ويقررونها، حتى ذكروا كيف تسكن البهيمة، ولو نظرت في تفصيلات وكلام الفقهاء والعلماء رحمهم الله لتعجبت، وصدق الله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] فهذا دين كامل من أصله.

فقد تكلم العلماء حتى على مسكن البهيمة، وفي فتاوى العلماء عندما يسألون عن هذا يقررون أنه لا يجوز تعذيب الحيوان لا في مسكنه ولا مطعمه ولا حاجته من دواء وإصلاح شارة وهيئة؛ حتى في المسير إذا سار بها فلا يعذبها ولا يرهقها، بل يريحها وقت الراحة ولا يحملها في الأسفار فوق طاقتها، بل حتى في الحضر، فكل هذا يدل دلالة واضحة على عظمة هذا الدين، ويدل دلالة واضحة على كماله ووفائه بحوائج الناس، حتى الحيوانات.

وحينئذٍ لا تحتاج الأمة الإسلامية أن يأتي من يتبجح أمامها أو يذكرها من غفلة أو يعلمها من جهل؛ فعندها في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وشريعته الغراء التي جمعت محاسن الأخلاق ومكارم الآداب ما يغني عن ذلك، قال الله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ [الأعراف:43].