شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فالرجعة في لغة العرب: مأخوذة من قولهم: رجع الشيء يرجع رجوعاً، والرجعة المرة الواحدة من الرجوع، وأصل الرجوع في لغة العرب: العود إلى الشيء، يقال: رجع إلى بلده، أو رجع المسافر من سفره إذا عاد، ومنه قوله تعالى: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ [التوبة:83].

فالمقصود: أن الرجوع هو العود.

وأما في اصطلاح العلماء رحمهم الله؛ فقد عرفها بعض أهل العلم بقولهم: عود المرأة المطلقة إلى العصمة من دون عقد، فالرجعة لا تكون إلا بعد الطلاق، وهذا الطلاق الذي تقع الرجعة بعده يشترط فيه أمور ينبغي توفرها للحكم بكونه طلاقاً رجعياً.

وقد تقدم الإشارة إلى جملة من تلك الأمور، وسيبين المصنف رحمه الله في هذا الباب جملة من المسائل والأحكام التي تتعلق بارتجاع المرأة.

والأصل في مشروعية إرجاع المرأة بعد الطلاق دليل الكتاب والسنة والإجماع:

أما دليل الكتاب:

فإن الله تعالى قال في كتابه: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228] فهذه الآية الكريمة جاءت بعد قوله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229] فبين سبحانه وتعالى حكم رجوع المرأة بقوله: (فإمساك بمعروف) أي: بعد الطلاق، (أو تسريح بإحسان) إذا كان لا يرغب في المرأة المطلقة طلاقاً رجعياً.

كما دلت هذه الآية الكريمة على المرأة التي يصح ارتجاعها، وهي التي طلقت الطلقة الأولى أو الثانية، بشرط أن يكون قد دخل بها؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49] فبيّن سبحانه وتعالى أن المرأة إذا طلقت قبل الدخول أنه لا عدة عليها.

وعلى كل حال فدليل القرآن واضح في الدلالة على مشروعية ارتجاع المرأة المطلقة، ولذلك قال سبحانه في سورة الطلاق: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق:2] .

فدلت هذه الآيات الكريمات -آية البقرة وآية الطلاق- على مشروعية ارتجاع المرأة.

وأما دليل السنة:

فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيح حينما طلق امرأته وهي حائض؛ قال لوالده عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ..) الحديث. وقوله عليه الصلاة والسلام: (مره فليراجعها) يدل دلالة واضحة على أن الرجعة مشروعة، ومن هنا أخذ بعض العلماء وجوب ارتجاع المرأة المطلقة طلاقاً بدعياً في الحيض كما ستأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى.

وكذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حفصة رضي الله عنها واختلف في إسناده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طلقها، ثم أتاه جبريل وقال له: إنها صوّامة قوّامة فارتجعها) فأمره بارتجاعها، فعلى القول بثبوت هذا الحديث -وقد حسن بعض العلماء إسناده، ومنهم من صححه لغيره- تصبح السنة دالة بالقول والفعل، بالقول في حديث ابن عمر في الصحيح، وبالفعل بهذا الحديث.

وأما الإجماع:

فقد أجمع العلماء رحمهم الله على مشروعية ارتجاع المرأة.

والرجعة بعد الطلاق فيها حكم عظيمة، فهي من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده وتيسيره لخلقه، وذلك أن الطلاق قصد منه إصلاح بيت الزوجية؛ لأن الرجل إذا طلق امرأته لا بد في الغالب أن يطلقها لسبب، وهذا السبب إما أن يكون ناشئاً منه أو ناشئاً من المرأة أو ناشئاً من الطرفين.

فإذا طلق المرأة لعيب فيها، أو عيب فيه، أو فيهما، فإنه يدركه الندم ويدركها الندم، وربما يحتاج إلى تلافي وتدارك ما فات، فشرع الله الرجعة لكي يعود الزوجان إلى حياة أفضل من حياتهما فيما قبل، ففيها حكم عظيمة، إذ بها يستطيع الزوج أن يرد زوجته فيجبر الكسر الذي وقع بسبب الطلاق.

وانظر إلى حكمة الله جل جلاله، وعلمه بخلقه سبحانه وتعالى، وكمال تشريعه؛ أن جعل الطلاق ثلاثاً، فالطلقة الأولى ربما كانت بسبب أخطاء من الزوجة، بحيث لو أخطأت المرأة وطلقت، ثم أخطأ الرجل وطلق مرة ثانية، فإنه حينئذٍ يتلافى كل منهما الخطأ؛ لكن بعد هذا كونه يتلافى خطأه وتتلافى هي خطؤها فيحتاجان إلى معين أجنبي، فإذا طلق الطلقة الثالثة وكان الخطأ منه، فإن الله لا يحلها له ولا يبيح له رجعتها حتى تنكح زوجاً أجنبياً، فيتقطع قلبه حسرة ويتألم ويحس بخطئه، ويشعر بقيمة الطلاق، بحيث لو تزوج امرأة ثانية لم يمكن أن يعود إلى الخطأ، ولو أنها طلقت وانتظرها حتى طلقت من زوجها الثاني وحنّت إليه، فإنه يعود إلى حال أفضل وأكمل.

فكانت الطلقة الأولى والثانية رجعيتين، لكن الطلقة الثالثة ليست برجعية؛ لأن الطلاق إما أن يكون باستثارة من الزوجة أو يكون باستعجال من الزوج، وحينئذٍ أعطي الطلقتين: الطلقة الأولى أن يكون الخطأ منه، والطلقة الثانية أن يكون الخطأ منها، فإذا تكرر خطؤه مرتين أدب بالزوج الأجنبي، وإذا كانت المرأة هي التي آذت الزوج وأضرت به حتى طلقها الطلقة الأولى، ثم لم تتأدب وطلبت الطلقة الثانية أدبها الله عز وجل بالطلقة الثالثة، فإنها ستذهب وتعاشر غيره، فإما أن تلتزم الأدب وتحسن القيام على بيت الزوجية وتجده أفضل من الأول فتعيش معه حياة سعيدة، ويعوضها الله عز وجل، وتترك الخطأ وتتجنب استثارة الأزواج، وإما أن ينكد عليها الزوج الثاني ويريها فضل الزوج الأول، فيحصل الطلاق، وتعود إلى الأول بأحسن حال مما كانت عليه.

وهذا كله مبني على حكم عظيمة، وأسرار جليلة كريمة، فشرع الله الطلاق بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع العلماء رحمهم الله على مشروعيته.

والحكمة فيه كما ذكرنا: أن الله شرع الرجعة بكتابه وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبإجماع المسلمين، وجعل من الحكم في هذه الرجعة إصلاح ما كان من الخطأ، وعود كل من الزوجين إلى حياة زوجية أفضل.

يقول رحمه الله: [ باب الرجعة ].

أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل المتعلقة بارتجاع الزوج لزوجته.

وهذه الجمل من المسائل والأحكام ذكرها العلماء رحمهم الله بعد باب الطلاق، والمناسبة في هذا ظاهرة؛ لأن الرجعة لا تكون إلا بعد الطلاق، فذكر المصنف رحمه الله لباب الرجعة بعد الطلاق ترتيب صحيح راعى فيه الوقوع، ولذلك يكاد يكون منهج العلماء قاطبة أنهم يذكرون أحكام الرجعة بعد باب الطلاق.

قال رحمه الله تعالى: [ من طلق بلا عوض زوجة مدخولاً بها ].

أي: لم يطلقها في خلع؛ لأن الخلع فيه العوض، فقصد بهذه الجملة أن يخرج طلاق الخلع؛ لأن الله شرع الخلع لكي يخلّص المرأة من زوجها إذا كرهته ولم تستطع نفسها أن ترتاح إليه، فلو كان طلاق الخلع يوجب الرجوع لذهبت الحكمة من مشروعية الخلع، ولأن المرأة قد افتكت من الزوج بالفدية، ولذلك سمى الله عز وجل الخلع فدية، والمال المدفوع وهو المهر فدية، قال تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229] فهي تخلّص نفسها خلاصاً كلياً، وبناءً على ذلك لا يحق له أن يرتجعها، ومن هنا انعقد قول جماهير السلف والخلف على أن طلاق الخلع لا رجعة فيه.

فقوله رحمه الله: [بلا عوض] أي: يكون الطلاق بلا عوض.

وقوله: [ زوجة مدخولاً بها ].

أي: يشترط أن تكون زوجة له، وقد تقدم أن الطلاق لا يقع إلا على الزوجة، وقوله (مدخولاً) صفة لـ(زوجة)، والزوجة إذا طلقت يشترط في كون طلاقها رجعياً أن يقع طلاقها بعد الدخول، فإذا كان طلاقها قبل الدخول لم يوجب الرجعة، والدليل على ذلك آية الأحزاب، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49] فنصت الآية الكريمة على أن المرأة إذا طلقت قبل الدخول فإنه لا يحق للزوج أن يطالبها بالعدة، ولا تجب عليها؛ لأنه إذا كانت المرأة قد طلقت قبل الدخول فإنها تصير أجنبية بالطلاق، وتخرج من عصمته، ولا يحل له أن يعيدها إليه إلا بعقد جديد، فكل من طلق امرأة بعد أن يعقد عليها وقبل أن يدخل بها فإن طلاقه حينئذٍ يكون طلاقاً بائناً بينونة صغرى، لا يحل له أن يرد هذه الزوجة إلا بعقد جديد، وتكون أجنبية عنه.

قال رحمه الله: [ أو مخلواً بها ].

الخلوة: إرخاء الستر، فإذا دخل الرجل على امرأة بعد أن عقد عليها وخلا بها، أي: أرخى الستر عليهما، أو أغلق الباب عليهما، ففي هذه الحالة اختلف العلماء:

فجماهير العلماء من السلف والخلف على أن المرأة التي خلا بها زوجها وثبت أنه لم يجامعها؛ أن حكمها حكم المرأة الأجنبية إذا طلقت، وحينئذٍ يكون طلاقها طلاقاً بائناً في قول جمهور العلماء.

إلا أن الحنابلة رحمهم الله قالوا: إذا خلا بها فإن الخلوة تأخذ أحكام الدخول، وحينئذٍ يكون الطلاق رجعياً. وهذا القول ضعيف؛ لأنه مصادم لنص كتاب الله عز وجل، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49] فقوله: (من قبل أن تمسوهن) الأصل أن المراد به الجماع بالإجماع، كقوله: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43] فعبر بالمس، قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله يكني. فالله عز وجل يعلم عباده الأدب، وحسن التحدث عن الأمور التي يستحيا من ذكرها، فقال تعالى: ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الأحزاب:49] أي: من قبل أن تجامعوهن، فدل على أن مجرد الخلوة لا يوجب ثبوت الرجعية، وعلى هذا جمهور العلماء، وهو القول الصحيح، والمصنف مشى على المذهب: أن الخلوة توجب الرجعة، وهو قول مرجوح ضعيف.

قال رحمه الله: [ دون ما له من العدد ].

أي: فالشرط الأول: أن يطلق.

الشرط الثاني: أن يكون الطلاق بدون عوض.

الشرط الثالث: أن يكون العدد الذي طلقه لم يصل إلى الحد الأعلى، فلو طلق بالثلاث وهو الحد الأعلى من العدد فإنه لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، ولا يحل له ارتجاعها؛ لأن الله سبحانه وتعالى نص في آية البقرة على أن المطلقة ثلاثاً لا تحل لزوجها الأول الذي طلقها إلا بعد أن ينكحها زوج آخر، وذلك بقوله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230] .

إذاً يشترط: أن تكون مطلقة، وأن تكون مدخولاً بها، وأن يكون الطلاق دون العدد الذي أعطاه الله عز وجل، وتقدم معنا أنه ثلاث للحر وطلقتان بالنسبة للعبد، على تفصيل وخلاف عند العلماء رحمهم الله.

الرجعة حق للزوج في العدة وإن كرهت الزوجة

قال رحمه الله: [ فله رجعتها في عدتها ولو كرهت ].

فله أن يملك ارتجاع هذه الزوجة في عدتها.

إذاً الحكم الأول: أن من حقه الرجعة.

الحكم الثاني: أن هذه الرجعة تختص بالعدة، فلا ينتظر حتى تخرج عليه عدتها، وسيأتي بيان العدد وأحكامها إن شاء الله تعالى.

فإذاً يحق له ارتجاعها بشرط أن تقع هذه الرجعة أثناء العدة، وقبل خروج المرأة من عدتها بوضع حملها إن كانت ذات حمل، أو بعدة الأشهر إن كانت آيسة أو صغيرة، أو بثلاثة قروء وهي الأطهار إن كانت من ذوات الحيض.

فإذا وقعت الرجعة أثناء العدة فإنه يمتلكها الزوج ولو كرهت الزوجة، والدليل على ذلك قوله تعالى في شأن المطلقات طلاقاً رجعياً: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228] فدلت هذه الآية الكريمة على أن من حق الزوج أن يرتجع زوجته.

ولكن اشترط سبحانه وتعالى أن يكون ارتجاع الزوجة للإصلاح وليس للإضرار؛ والسبب في ذلك: أنه كان بعض الناس قبل شرعية هذا الحكم يطلق المرأة ثم يراجعها، ثم يطلق المرأة ويتركها تعتد وقبل أن تخرج من عدتها يردها ثم يطلقها من جديد، ثم يتركها تعتد حتى إذا قربت من الخروج من عدتها ردها، وهكذا حتى تبقى كالمعلقة لا زوجة ولا مطلقة، كما قال تعالى: فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129].

وقد هدد بعض الصحابة زوجته بذلك، وقال: إني لا أدعك تحلّين لزوج من بعدي وأفارقك، فقالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلقك حتى إذا قاربت الخروج من عدتك راجعتك، ثم أطلقك حتى إذا قاربت الخروج من عدتك راجعتك.. إلى آخره؛ فأنزل الله تعالى آية البقرة بتشريع الطلاق ثلاثاً، وأن المرأة إذا خرجت من عدتها لم يملك الزوج إرجاعها كما في آية البقرة التي ذكرناها في شرعية الطلاق بالثلاث، فتضمنت أنه إذا خرجت المرأة من العدة فإن الزوج لا يملك إرجاعها لقوله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228] فالظرفية في قوله: (في ذلك) أي: في مدة العدة التي عبر عنها قبل في قوله: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228].

الأمر الثاني: أنه يستحق الزوج إرجاع زوجته، بشرط أن يردها للإحسان لا للإساءة، كما ذكرنا في خبر الصحابي رضي الله عنه أنه أراد الإضرار، ولذلك قال تعالى: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا [البقرة:231] .

ومن هنا قسم العلماء الرجعة إلى: رجعة واجبة، ورجعة مستحبة، ورجعة محرمة.

فالذي يريد إرجاع زوجته: إما أن يجب عليه إرجاعها في قول بعض العلماء رحمهم الله، وإما أن يكون مستحباً له إرجاعها، وإما أن يكون محرماً عليه إرجاعها.

فأما بالنسبة لوجوب إرجاع الزوجة فمذهب طائفة من العلماء: أنه يجب على الزوج أن يراجع زوجته إذا طلقها في الحيض، وهو مذهب الحنفية والمالكية، فيرون أنه طلاق بدعي، وأنه خطأ، ولا يمكن إصلاح هذا الخطأ إلا بردها، قالوا: ودليلنا قوله عليه الصلاة والسلام: (مره فليراجعها) فإنه أمر، والأمر يدل على الوجوب، قالوا: فيجب عليه أن يراجعها.

الحالة الثانية: أن تكون الرجعة مستحبة وهي: إذا انتفت الموانع والدوافع، فإنه يستحب للإنسان أن يراجع زوجته المطلقة إذا غلب على ظنه أنها ستصلح الأحوال، وغلب على ظنه أن في ذلك خيراً للمرأة، فقالوا: الأفضل والأكمل أن يراجعها؛ لأن إرجاع الزوجة ربما يكون فيه الرفق بالأولاد، خاصة إذا كانت ذات أولاد وذرية، فإنه ربما لا تجد زوجاً من بعده، خاصة إذا كانت كبيرة أو ذهب جمالها، فإنه ربما بقيت عانساً، وقد لا يأمن عليها الوقوع في الحرام، فإذا علم الله بقرارة قلبه أنه يريد إرجاعها من أجل أن لا تتعرض للحرام، ويريد ارتجاعها رفقاً بأولاده ولطفاً بهم، فإنه قد فعل أمراً مستحباً، وعلى الله أجره وثوابه، وقد أحسن في ذلك.

وأما بالنسبة لتحريم رجوع المرأة فتحرم الرجعة إذا قصد الزوج منها أذية المرأة والإضرار بها وقال: أردها حتى أنتقم منها أو أوذيها، فإنه إذا ثبت عند القاضي بشاهدة الشهود أنه قال هذا الكلام، فمن حق القاضي أن يمنعه من ارتجاع زوجته؛ لأن الله يقول: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228] ومفهوم الشرط في قوله: إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228] أنه لا حق لهم إذا كانوا لا يريدون الإصلاح.

كذلك أيضاً: إذا كان رجوع المرأة فيه شر وفساد، مثل أن تتعاطى المحرمات، أو تقع في الزنا فتخلط عليه نسبه، وتفسد عليه فراشه، ولم يعلم منها توبة، بل علمها فاسدة، وطلقها من أجل ذلك، فمثل هذه لا يجوز له أن يراجعها؛ لأنه إذا راجعها آذى أولاده وذريته، وأفسد فراشه ونسبه، فلا يحل له أن يتعاطى مثل هذه الأمور؛ لأن لأولاده وذريته عليه حقاً في مثل هذا، فلا يجوز له أن يعرّض نسبه لهذه المخاطر العظيمة، والشر والبلاء الكبير.

على كل حال فقد بيّن المنصف رحمه الله أنه يستحق الرجعة بهذه الشروط التي أشار إليها رحمه الله، فيزاد إليها شرط: قصد الإحسان والإصلاح؛ لقوله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228].

قال رحمه الله: [ فله رجعتها في عدتها ولو كرهت ].

فله أن يملك ارتجاع هذه الزوجة في عدتها.

إذاً الحكم الأول: أن من حقه الرجعة.

الحكم الثاني: أن هذه الرجعة تختص بالعدة، فلا ينتظر حتى تخرج عليه عدتها، وسيأتي بيان العدد وأحكامها إن شاء الله تعالى.

فإذاً يحق له ارتجاعها بشرط أن تقع هذه الرجعة أثناء العدة، وقبل خروج المرأة من عدتها بوضع حملها إن كانت ذات حمل، أو بعدة الأشهر إن كانت آيسة أو صغيرة، أو بثلاثة قروء وهي الأطهار إن كانت من ذوات الحيض.

فإذا وقعت الرجعة أثناء العدة فإنه يمتلكها الزوج ولو كرهت الزوجة، والدليل على ذلك قوله تعالى في شأن المطلقات طلاقاً رجعياً: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228] فدلت هذه الآية الكريمة على أن من حق الزوج أن يرتجع زوجته.

ولكن اشترط سبحانه وتعالى أن يكون ارتجاع الزوجة للإصلاح وليس للإضرار؛ والسبب في ذلك: أنه كان بعض الناس قبل شرعية هذا الحكم يطلق المرأة ثم يراجعها، ثم يطلق المرأة ويتركها تعتد وقبل أن تخرج من عدتها يردها ثم يطلقها من جديد، ثم يتركها تعتد حتى إذا قربت من الخروج من عدتها ردها، وهكذا حتى تبقى كالمعلقة لا زوجة ولا مطلقة، كما قال تعالى: فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129].

وقد هدد بعض الصحابة زوجته بذلك، وقال: إني لا أدعك تحلّين لزوج من بعدي وأفارقك، فقالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلقك حتى إذا قاربت الخروج من عدتك راجعتك، ثم أطلقك حتى إذا قاربت الخروج من عدتك راجعتك.. إلى آخره؛ فأنزل الله تعالى آية البقرة بتشريع الطلاق ثلاثاً، وأن المرأة إذا خرجت من عدتها لم يملك الزوج إرجاعها كما في آية البقرة التي ذكرناها في شرعية الطلاق بالثلاث، فتضمنت أنه إذا خرجت المرأة من العدة فإن الزوج لا يملك إرجاعها لقوله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228] فالظرفية في قوله: (في ذلك) أي: في مدة العدة التي عبر عنها قبل في قوله: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228].

الأمر الثاني: أنه يستحق الزوج إرجاع زوجته، بشرط أن يردها للإحسان لا للإساءة، كما ذكرنا في خبر الصحابي رضي الله عنه أنه أراد الإضرار، ولذلك قال تعالى: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا [البقرة:231] .

ومن هنا قسم العلماء الرجعة إلى: رجعة واجبة، ورجعة مستحبة، ورجعة محرمة.

فالذي يريد إرجاع زوجته: إما أن يجب عليه إرجاعها في قول بعض العلماء رحمهم الله، وإما أن يكون مستحباً له إرجاعها، وإما أن يكون محرماً عليه إرجاعها.

فأما بالنسبة لوجوب إرجاع الزوجة فمذهب طائفة من العلماء: أنه يجب على الزوج أن يراجع زوجته إذا طلقها في الحيض، وهو مذهب الحنفية والمالكية، فيرون أنه طلاق بدعي، وأنه خطأ، ولا يمكن إصلاح هذا الخطأ إلا بردها، قالوا: ودليلنا قوله عليه الصلاة والسلام: (مره فليراجعها) فإنه أمر، والأمر يدل على الوجوب، قالوا: فيجب عليه أن يراجعها.

الحالة الثانية: أن تكون الرجعة مستحبة وهي: إذا انتفت الموانع والدوافع، فإنه يستحب للإنسان أن يراجع زوجته المطلقة إذا غلب على ظنه أنها ستصلح الأحوال، وغلب على ظنه أن في ذلك خيراً للمرأة، فقالوا: الأفضل والأكمل أن يراجعها؛ لأن إرجاع الزوجة ربما يكون فيه الرفق بالأولاد، خاصة إذا كانت ذات أولاد وذرية، فإنه ربما لا تجد زوجاً من بعده، خاصة إذا كانت كبيرة أو ذهب جمالها، فإنه ربما بقيت عانساً، وقد لا يأمن عليها الوقوع في الحرام، فإذا علم الله بقرارة قلبه أنه يريد إرجاعها من أجل أن لا تتعرض للحرام، ويريد ارتجاعها رفقاً بأولاده ولطفاً بهم، فإنه قد فعل أمراً مستحباً، وعلى الله أجره وثوابه، وقد أحسن في ذلك.

وأما بالنسبة لتحريم رجوع المرأة فتحرم الرجعة إذا قصد الزوج منها أذية المرأة والإضرار بها وقال: أردها حتى أنتقم منها أو أوذيها، فإنه إذا ثبت عند القاضي بشاهدة الشهود أنه قال هذا الكلام، فمن حق القاضي أن يمنعه من ارتجاع زوجته؛ لأن الله يقول: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228] ومفهوم الشرط في قوله: إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228] أنه لا حق لهم إذا كانوا لا يريدون الإصلاح.

كذلك أيضاً: إذا كان رجوع المرأة فيه شر وفساد، مثل أن تتعاطى المحرمات، أو تقع في الزنا فتخلط عليه نسبه، وتفسد عليه فراشه، ولم يعلم منها توبة، بل علمها فاسدة، وطلقها من أجل ذلك، فمثل هذه لا يجوز له أن يراجعها؛ لأنه إذا راجعها آذى أولاده وذريته، وأفسد فراشه ونسبه، فلا يحل له أن يتعاطى مثل هذه الأمور؛ لأن لأولاده وذريته عليه حقاً في مثل هذا، فلا يجوز له أن يعرّض نسبه لهذه المخاطر العظيمة، والشر والبلاء الكبير.

على كل حال فقد بيّن المنصف رحمه الله أنه يستحق الرجعة بهذه الشروط التي أشار إليها رحمه الله، فيزاد إليها شرط: قصد الإحسان والإصلاح؛ لقوله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228].

قال رحمه الله: [ بلفظ: راجعت امرأتي، ونحوه ].

الرجعة تقع بأمرين:

الأول: القول، والثاني: الفعل.

يحق للزوج أن يراجع زوجته بالقول، وهو أقوى ما يكون في الرجعة، ولذلك أجمع العلماء رحمهم الله على أنه إذا تلفظ بلفظ الرجعة الصريح أنه مراجع لزوجته، ولا خلاف بين العلماء أن القول يوجب الرجعة.

ثانياً: تقع الرجعة بالفعل، ومن ذلك أن يجامع المطلقة أو يلمسها أو يقبلها أو ينظر إلى فرجها بشهوة، على تفصيل عند العلماء: هل يقصد الرجوع أو لا؟ سيأتي إن شاء الله.

وقوله رحمه الله: [بلفظ راجعت] أي: تقع الرجعة بلفظ: راجعت، وألفاظ الرجعة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: اصطلح العلماء رحمهم الله على تسميته باللفظ الصريح، وهذا النوع من الألفاظ إذا شهد الشهود أو سمعه القاضي من الزوج، حكم بكونه مراجعاً لزوجته ولو لم يلتفت إلى نيته، وهو أنه يقول: راجعتك أو أرجعتك، فإذا قال لها: راجعتك أو أرجعتك، وما اشتق منه مما يدل على الرجعة صراحة، حكم بكون المرأة قد رجعت إلى عشرة الزوج، فلو توفي بعد هذه الكلمة حكمنا بأنها رجعية وترثه، ويحكم لها بالأحكام الزوجية، ويجب عليها أن تعتد، شأنها شأن الزوجة.

القسم الثاني من الألفاظ التي تقع بها الرجعة: الألفاظ غير الصريحة، وهي ألفاظ الكناية، وهو أن يأتي بلفظ يحتمل أنه يريد الرجعة ويحتمل أنه لا يريد الرجعة، فيقول لها: الأمر بيني وبينك على ما كان، فهذا يحتمل أنني رجعت عن طلاقك وأريد أن أرتجعك، فعادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل الطلاق، ويحتمل قوله: الأمر بيني وبينك على ما كان، أي: لا زلت مطلقاً لك وباقياً على طلاقك، ولا أريد رجوعك إليّ، أو يقول: أنت مني على ما كنت من قبل، فيحتمل (من قبل) أي: من قبل الطلاق، ويحتمل (من قبل) أي: من قبل أن أكلمك، فلا زلت أكرهك ولا أريد رجوعك.

فهذه الألفاظ المحتملة إذا قال لها: الأمر بيني وبينك على ما كان، أو يقول لها: عدت إلى حالي الذي كنت عليه، فنسأله: هل قصدت الرجعة؟ فإن قال: قصدت رجوعها ثبت رجوعه، وإن قال: لم أقصد بهذا اللفظ رجوعها، فإنه لا يحكم بكونه مرتجعاً لها.

واختلف العلماء في قوله: (رددتك وأمسكتك) هل يعتبر مراجعاً لزوجته؟ فلو أن رجلاً طلق امرأته طلقة ثم قال لها: رددتك، أو قال لها: أمسكتك، ثم توفي، وشهد الشهود عند القاضي أنه قال: رددتك وأمسكتك، فهل يحكم بكونه مراجعاً لزوجته أو لا يحكم؟

قال بعض العلماء: رددتك وأمسكتك صريح؛ لأن الله تعالى يقول: فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ [البقرة:229]، وقال: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [البقرة:231] وهذا يدل على أنه إذا قال لها: أمسكتك، فإنه يحكم بكونه مرتجعاً لزوجته. وهذا القول فيه قوة، خاصة وأن دليل القرآن يشير إلى اعتباره، وأنه يحتمل بقوة رجوع المرأة.

وعلى هذا فإن الألفاظ تنقسم إلى ثلاثة أقسام، وفي الأصل قسمان: قسم الصريح والكناية، وقسم مختلف فيه هل هو صريح أو كناية، وإن كان يرجع إلى أحد الأمرين، فيصبح المجموع قسمين على ما ذكرناه.

وقوله رحمه الله: [بلفظ: راجعتك] هو اللفظ الصريح.

قال رحمه الله: [ لا نكحتها ونحوه ].

لو قال: راجعتك، أو قال أمام عدلين أو أمام أصحابه كلمة: راجعتك، ارتجعت زوجتي، رددتها، أمسكتها، فيستوي أن يقول لفظ الرجعة وهو لوحده، أو يقول بحضور الزوجة، أو يقوله في حال غيبتها، فالحكم واحد، إذا قال: أرجعتك، يخاطب الزوجة فإنها تثبت الرجعة، ولو قال: راجعت زوجتي، وهو جالس مع شخص، وبقي من عدة زوجته يوم واحد، أو اتصل على أبيها قبل انتهاء عدتها بيوم وقال: رجعت، أو رددت بنتك، فحينئذٍ تثبت الرجعة.

إذا تلفظ بلفظ الرجعة فسواء خاطب به الزوجة أو لم يخاطبها به فإنه يثبت له حكم الرجعة، أي: فلا يشترط في الرجعة أن يواجه الزوجة بها، ويستوي أن تسمع منه، أو يقول ذلك في حال غيبتها.

قال رحمه الله: [ ويسن الإشهاد على الرجعة ].

لأن الله تبارك وتعالى يقول: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق:2] فأمر الله تبارك وتعالى بالإشهاد على الرجعة.

وهذا الإشهاد من حيث الأصل فيه حكم عظيمة؛ لأن المرأة إذا طلقت فإن هذا نوع من الانفصال، بحيث لو خرجت من العدة صارت أجنبية.

فإذاً: رجوعها إلى زوجها يترتب عليه أحكام من حلها وغير ذلك، وخاصة على القول الذي يقول: إن الرجعية أجنبية، يعني: لا تعتبر في حكم الزوجة، كما هو مذهب الشافعية وغيرهم.

وأيضاً يثبت بذلك أحكام: فلو أنه توفي فجأة، أو جاءته سكتة، أو جاءه حادث -والعياذ بالله- فالإشهاد فيه صيانة، وحفظ للحقوق، فلو أن رجلاً طلق امرأته ثم قال لرجل: راجعت زوجتي، ثم ركب سيارته وتوفي، أو جاءته سكتة في تلك الليلة ولم يصبح منها؛ فإنها زوجة، ويجب عليها الحداد، وحكمها حكم الزوجات، فكيف نثبت هذه الزوجية والكل يعلم أنها قد طلقت؟! فإذاً الإشهاد على الرجعة فيه خير للزوج والزوجة، وحفظ لحق الزوج، وحفظ لحق الزوجة.

ولذلك لو كان الزوج في مكة والزوجة بالمدينة، وقبل خروجها من عدتها بيوم أو أثناء عدتها قال لشخصين: اشهدا أني راجعت زوجتي، ثم سافر يريد أن يخبر زوجته ويردها إليه، فلما وصل إليها وجدها قد خرجت من عدتها، فإذا وجدها قد خرجت من عدتها فإنها ستنكر أن تكون زوجة له، وتقول له: يا فلان! طلقتني وخرجت من عصمتك بخروجي من عدتي، فأنت أجنبي مني وأنا أجنبية منك، فإنه لا يستطيع أن يثبت هذا إلا بالشهود، فإذاً يضيع حقه لو لم يكن مشهداً، ويضيع حقها أيضاً إذا توفي عنها إلا إذا كان مشهداً، فالشهادة لا شك أنها تحفظ الحقوق.

واختلف العلماء في الإشهاد على الرجعة:

فمنهم من يقول: الشهادة على الرجعة واجبة؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2]، والأمر للوجوب حتى يدل الدليل على صرفه ولا صارف له، وهو قول الشافعية وطائفة.

وقال بعض العلماء: الإشهاد مسنون كما اختاره المصنف رحمه الله، وهو قول الجمهور.