فتاوى نور على الدرب [76]


الحلقة مفرغة

السؤال: قمت بأداء فريضة الحج هذا العام، وكنا مجموعة من الإخوان وجميعنا مقيمون بمدينة جدة، لقد قمنا بجميع المناسك ما عدا طواف الوداع، إذ أننا عدنا رأساً من منى، يرى البعض أنه يمكن القيام به قبل نهاية شهر ذي الحجة الحالي، والبعض الآخر يرى فيما بعد بدون تحديد للزمن على شرط قبل مغادرة المملكة، أفيدونا ما النظر الصحيح لديكم؟

الجواب: طواف الوداع واجب على كل من حج أو اعتمر ألا يخرج من مكة حتى يطوف للوداع طوافاً بدون سعي، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( كان الناس ينفرون في كل وجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) .

فهؤلاء الجماعة المقيمون في جدة من السودان حينما لم يطوفوا طواف الوداع نقول لهم: إنهم أساءوا، وإن الواجب عليهم ألا يغادروا مكة حتى يطوفوا للوداع، لأنهم غادروا مكة إلى محل إقامتهم، فيكونون داخلين في الحديث الذي أشرنا إليه آنفاً.

وعلى هذا فنقول لهم: إن كان عملهم هذا مستنداً إلى فتوى أفتاهم بها أحد من أهل العلم الذين يثقون به فإنه لا شيء عليهم، لأن تلك وظيفتهم: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] ، وإذا أخطأ المفتي لم يلزم المستفتي شيء لقيامه بما أوجب الله عليه.

وأما إذا كان عملهم هذا غير مستندٍ إلى فتوى من يثقون به، فإنه يلزم كل واحد منهم أن يذبح فدية في مكة ويفرقها على الفقراء لتركهم واجباً من الواجبات، وترك الواجب عند جمهور العلماء يجب فيه دم يفرق على فقراء الحرم.

السؤال: لماذا سميت سورة لقمان؟

الجواب: سميت سورة لقمان لأنه ذكر فيها قصة لقمان وموعظته لابنه، وتلك الوصايا التي ذكرها له.

والسورة تسمى باسم ما يذكر فيها أحياناً، كما يقال: سورة البقرة، سورة آل عمران، سورة الإسراء، وما أشبه ذلك.

السؤال: من هذا الشخص الذي يدعى لقمان، وهل أوتي النبوة أم لا؟

الجواب: الصحيح أنه ليس بنبي، وأن الله تعالى آتاه الحكمة وهي موافقة الصواب مع العلم، وقولنا: (مع العلم) للتبيان، وإلا فلا صواب إلا بعلم، والصواب أنه ليس من الأنبياء وإنما هو رجل آتاه الله الحكمة، وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269].

السؤال: لدي قضايا أقلقتني، قال لي شخص بالمسجد: بالنسبة لصلاة العيد لا تؤدى إلا بالمصلى، وحرمت تأديتها بالمساجد، وقال: إن هذا مأخوذ من السنة النبوية المطهرة، فهل لهذا أصل شرعي؟

الجواب: أما كون الأفضل أن تكون في الصحراء في مصلى فلاشك فيه، فإن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصليها خارج البلد في المصلى، ولكن إذا دعت الحاجة إلى صلاتها في المساجد داخل البلد إما لبرد شديد أو لمطر، أو لخوف، أو نحو ذلك من الأسباب الشرعية التي تسوغ أن تصلى داخل البلد فإن ذلك لا حرج فيه، وإلا فالأفضل أن تكون في المصلى خارج البلد.

السؤال: هل صحيح إذا قرأنا فافتتحنا على روح الميت، فهل يستفيد منها أم لا، وهل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع قراءة الفاتحة في المقابر، ووضع أكاليل الزهور على القبور؟

الجواب: أما القراءة للميت بمعنى: أن الإنسان يقرأ ثم يجعل ثوابها لشخص ميت، فهذه محل نزاع بين أهل العلم:

منهم من قال: إنها تصل إليه؛ لأنها عمل صالح مقرب إلى الله، فيصل إليه ثوابها كالصدقة، وقد ثبت في الصحيح أن الصدقة تصل إلى الميت بعد موته.

ومنهم من قال: إنها لا تصل، لأن الأصل أن العبادات يكلف بها فاعلها ولا تصل إلى غيره إلا ما وردت به السنة، واستدلوا بقوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39] .

وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).

وفي الحقيقة: أنه لا دلالة في الآية والحديث، لأن قوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39] معناه: أنه لا يستحق من سعي غيره شيئاً، وإنما ينتفع بسعيه هو فقط، وأما إذا سعى له غيره فهذا شيء آخر، وكذلك الحديث: ( انقطع عمله) ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: انقطع العمل له، ولا شك أن الإنسان إذا مات انقطع عمله، لكن إذا عمل له غيره فهذا شيء آخر.

والذي يترجح عندي: أن جميع الأعمال الصالحة تصل إلى الميت: من قراءة، وصلاة، وذكر، إلا الأعمال الواجبة، فإن الواجب مطالب به العبد بنفسه، ولا يمكن أن يجعل ثوابها لأحد، هذا واحد.

ولكن هل من السنة أن تفعل إذا قلنا بأنها تصل إلى الميت؟ نقول: لا. ليست من السنة، فهي من الأمور الجائز فعلها لا من الأمور المشروع فعلها، ولكن إذا فعلت فتصل، ولكننا لا نقول للإنسان: ينبغي أن تفعل، لا.

أما الدعاء للأموات فهذا مطلوب ومشروع، وهذا من دأب المؤمنين: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10] .

وأما ما ذكره من أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن وضع الزهور والأكاليل فوق القبور، فليس في ذلك نهي، لأنه غير معروف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأظنه متلقى من غير المسلمين، ولكن ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما هو شبيه به: فقد نهى أن يرفع القبر، ونهى أن يجصص؛ لما فيه من الإشادة به، ووضع الزهور شبيه بهذا، فوضع الزهور على القبور من الأمور المذمومة من ناحيتين:

أولاً: لأنها متلقاة من غير المسلمين.

والشيء الثاني: لأنها تشبه ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من تشريف القبور، يعني: تعليتها وتجصيصها ولهذا ينهى عنه.

وأما نهيه عن قراءة الفاتحة، فهذا لا أعلم فيه نهي، ولكن الذي كان من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام أنه إذا خرج إلى القبور سلم عليهم ودعا لهم.

السؤال: هل صحيح إذا زار شخص قبر النبي عليه السلام حين يسلم عليه لا يسمع الرسول سلامه؟

الجواب: الذي يظهر لي من الأدلة الشرعية أن النبي صلى الله عليه وسلم، يسمع سلامه عليه وأنه يبلغ إياه، وكذلك أيضاً أهل القبور إذا سلم عليهم فإنهم يسمعون، لأن المسلم يقول: السلام عليكم بكاف الخطاب، وقد ورد حديث صححه ابن عبد البر وذكره ابن القيم في كتاب الروح ولم يتعقبه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من رجل مسلم يمر بقبر رجل مسلم يعرفه فيسلم عليه إلا ردّ الله عليه روحه فرد عليه السلام).

وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قتلى المشركين في بدر، وقال لهم: ( يا فلان ابن فلان! -يدعوهم بأسمائهم وأسماء آبائهم- هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعد ربي حقاً. فقال له عمر : أو غيره ما تكلم يا رسول الله! من أناس جيفوا؟ فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم).

فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يسمعون، وأما قوله تعالى: فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [الروم:52] ، فالمراد أنك لا تسمع الموتى إسماع إدراك ينفعهم، فإن الميت لا يسمع إذا دعي وإذا نودي بحيث يجيب من دعاه، وهذا هو المقصود من قوله: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى بدليل قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ [الأنفال:21] ، فنفى السماع عنهم لعدم انقيادهم، فكذلك الموتى ينتفي عنهم السماع أو الإسماع؛ لأنهم لا ينتفعون بذلك ولا يجيبون من أسمعهم.

فهذا هو ما ظهر لي في هذه المسألة، أن من سلّم على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يسمعه.

مداخلة: قوله تعالى: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80]، هل المقصود بهم الموتى الذين فارقوا الحياة الدنيا، أم الموتى الذين لم يستفيدوا من الرسالة؟

الجواب: فيه احتمال: أنه أراد بالموتى يعني: أنه شبّه حال هؤلاء الذين لا يستجيبون بالموتى، وأنهم موتى القلوب.

وفيه احتمال آخر: أن المراد الموتى الذين ماتوا حقيقة، وأنا أشرت إليها لأنه استدل بها، من قال: إن الموتى لا يسمعون كلام الأحياء مطلقاً، وقالوا أيضاً عن قول الرجل إذا مر بالمقبرة: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين)، إن هذا الخطاب لهم، وإن كانوا لا يسمعون، لأنه قد يخاطب من لا يسمع ويخاطب بكاف الخطاب وهو لا يسمع، وليس بروح قالوا: ويدل على ذلك قول عمر رضي الله عنه للحجر الأسود: ( إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك)، ولكن جوابنا على هذا أن يقال: إن عدم سماع الحجر وعدم فهمه أمر واضح؛ لأنه لم تحل له الروح من قبل، وليس به ذهن وعقل من قبل، بخلاف الميت فإنه ترد عليه روحه بعد موته، وإن كان رداً لا يساوي أو لا يماثل وجودها في بدنه في حال الحياة.

السؤال: ما الفرق بين النبي والرسول؟

الجواب: المشهور عند أهل العلم أن الفرق بينهما هو: أن النبي أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه.

والرسول أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه.

هذا هو الفرق عند جمهور أهل العلم. وقيل: إن الفرق أن النبي لم يأت بشرع جديد، وإنما يكون مبلغاً بشرع من قبله، أي: إنه يحكم بشريعة من قبله بدون وحي جديد يوحى به إليه، كما في قوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ [المائدة:44] ، قال: (يحكم بها النبيون الذين أسلموا)، فهم يحكمون بما في التوراة.

فأما إذا أتى بشرع جديد -ولو كان تكميلاً لشرع من قبله- فإنه يكون رسولاً، ولا يرد على هذا التعريف إلا آدم، فإن آدم كان نبياً وليس برسول؛ لأن أول رسول هو نوح، وآدم نبي أوحي إليه بشرع فعمل به، فأخذت به ذريته الذين كانوا في عهده.