شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب المواقيت - حديث 167-170


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

ننتقل بعد ذلك إلى أحاديث الليلة، وهي أربعة أحاديث سنشرحها -إن شاء الله- بدءاً بحديث جابر فـأبي موسى وطرف حديث عائشة .

حديث جابر رضي الله عنه يقول المصنف رحمه الله: وعندهما من حديث جابر ( والعشاء أحياناً يقدمها وأحياناً يؤخرها، إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطئوا أخر، والصبح كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس ).

تخريج الحديث

قوله رحمه الله: (وعندهما) يعني: البخاري ومسلم، وهما مفهومان من قوله قبل ذلك في حديث أبي برزة الأسلمي : متفق عليه.

فقوله: (متفق عليه) أي: رواه البخاري ومسلم، (وعندهما) أي: البخاري ومسلم من حديث جابر .

وهذا الحديث رواه البخاري في كتاب المواقيت، باب وقت صلاة المغرب، ورواه مسلم أيضاً في المواقيت في باب بيان وقت صلاة الفجر.

وقوله رضي الله عنه: (والعشاء) ليس هذا أول حديث، بل ورد في المصدرين المذكورين في البخاري ومسلم زيادة في أول الحديث، وهي أن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي جاء إلى جابر بن عبد الله زمن الحجاج فسأله عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال جابر : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس نقية، والمغرب إذا وجبت، والعشاء أحياناً وأحياناً، إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطئوا أخر، والصبح -كانوا أو كان- النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس ).

إذاً: فحديث جابر شامل لمواقيت الصلوات الخمس كلها، ولهذا الحديث سبب أشار إليه في قوله: (زمن الحجاج )، وهو أن الحجاج لما بعثه عبد الملك بن مروان أميراً على المدينة سنة أربع وسبعين للهجرة كان يؤخر الصلاة، ففزع الناس إلى الصحابة يسألونهم، ومن ذلك أن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي جاء إلى جابر يسأله عن المواقيت، فقال له هذا الحديث، فهذا سببه.

معاني ألفاظ الحديث

وقوله رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة) سبق أن الهاجرة وقت اشتداد الحر بعد زوال الشمس، وإنما سميت الهاجرة لأن الناس يهجرون فيها السعي في أعمالهم ومشاغلهم نظراً لشدة الحر، ولأنه وقت القيلولة، هذا معنى قوله: (صلوا الظهر بالهاجرة).

(والعصر والشمس نقية)، معنى (نقية) أي: بيضاء خالصة لم تخالطها صفرة ولا حمرة.

(والمغرب إذا وجبت) معنى (وجبت) يعني: سقطت أو غابت، والضمير يعود إلى الشمس مع أنها غير مذكورة، لكن بالعلم بها، كقوله تعالى: حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ [ص:32] يعني الشمس أيضاً.

(الشمس نقية) يعني: هذا في وقت العصر، لكن (والمغرب إذا وجبت) لم يقل: إذا وجبت الشمس، فليست مذكورة في نفس الموضع الذي هو موضع صلاة المغرب، وإن كانت مذكورة في الحديث قبل ذلك.

(والعشاء أحياناً وأحياناً) الأحيان جمع حين، وهو قدر من الوقت مبهم قد يقل أو يكثر كما هو المشهور عند العلماء، وهو المعتمد؛ ولذلك قوله هنا: (أحياناً وأحياناً) يدل على أنه وقت غير محدد، بل أحياناً هكذا وأحياناً هكذا.

(والصبح كانوا أو كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس)، أما قوله: (كانوا) فالضمير يعود إلى الصحابة، وعلى رواية (كانوا) فخبرها محذوف، والتقدير (كانوا يصلونها بغلس)، فخبر (كانوا) محذوف.

(أو كان) (أو) هاهنا للشك، والشك من الراوي، فيحتمل أنه من محمد بن عمرو بن الحسن بن علي، والدليل على أنه للشك أنه قال في رواية مسلم : ( والصبح كانوا -أو قال: كان- ) دل على أنه شك من الراوي،كان النبي صلى الله عليه وسلم.

وهما متلازمان، فتأخير الصحابة رضي الله عنهم للصلاة إنما هو من تأخير النبي عليه السلام؛ لأنه إمامهم وهم الجماعة المصلون وراءه.

وقوله: (يصليها بغلس) الغلس هو ظلمة آخر الليل.

وقت الفضيلة لصلاة العشاء

وحديث جابر هذا فيه مسألة تأخير العشاء، أو مسألة وقت العشاء.

وقد اختلف العلماء في الأفضل من وقت العشاء: فذهب الشافعي في مذهبه القديم إلى أن المستحب تقديمها في أول الوقت، قال: لأن هذا هو الذي كان يداوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يداوم عليه إلا لأنه الأفضل، ولعلهم يقولون: ما كان يراعى فيه الرفق بالصحابة فمراعاة الرفق فيمن بعدهم أولى، هذا مذهب الشافعي في القديم.

والقول الثاني: أنه يستحب تأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل، وهذا نقله ابن المنذر في الأوسط عن بعض السلف.

والقول الثالث: أنه يستحب تأخيرها إلى ثلث الليل، وهذا مذهب الجمهور، مذهب الشافعي في الجديد ومالك وأحمد وأبي حنيفة، ونسبه الترمذي لأكثر الصحابة والتابعين، أنه يستحب تأخير العشاء إلى ثلث الليل.

ولعل من أصرح وأقوى أدلتهم في ذلك ما رواه أبو داود والترمذي -وقال: حديث حسن صحيح- عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت العشاء إلى ثلث الليل ).

هذه ثلاثة أقوال في المسألة، وقد مر في خاطري قول وجدت أنه هو الأقرب لظواهر النصوص، وهو أن وقت الفضيلة في صلاة العشاء هو ما بين ثلث الليل إلى نصفه، يعني: إيقاع الصلاة بعد الثلث وقبل النصف، أن هذا هو الأفضل؛ وذلك لأدلة:

منها: أنه هو آخر وقت العشاء، فإذا قلنا باستحباب تأخير العشاء فمعناه تأخيرها إلى آخر وقتها الذي يصح إيقاعها فيه.

ومنها: أنه هو الملائم لظواهر النصوص وهي كثيرة، كحديث أبي موسى وابن عباس وابن عمر وعائشة، وفي هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر العشاء، في بعضها: ( حتى ذهب عامة الليل ) كما في حديث عائشة في مسلم، وفي حديث أبي موسى ( حتى ابهار الليل )، وفي الحديث الآخر: ( حتى نام الناس ثم استيقظوا )، إلى غير ذلك من النصوص التي تدل على أنه بالغ صلى الله عليه وسلم في تأخيرها.

ثم وجدت أن أبا العباس بن فريك من فقهاء الشافعية قال بأن الأفضل في تأخيرها يبدأ بثلث الليل وينتهي بنصفه، يبدأ وقت الفضيلة بثلث الليل وينتهي بنصفه، ووافقه على ذلك النووي في شرحه لـصحيح مسلم، وقال: إن هذا هو الذي تدل عليه ظواهر ألفاظ الأحاديث، وتجتمع عليه النصوص.

فلذلك أقول -والله تعالى أعلم-: إن الأقرب أن الأفضل أن يؤخر صلاة العشاء إلى ما بين ثلث الليل إلى نصفه، ما بين الثلث إلى انتصاف الليل، فهو وقت فضيلة بالنسبة لصلاة العشاء ما لم يكن في ذلك مشقة أو حرج على الناس.

فوائد الحديث

في الحديث فوائد أيضاً:

منها: استحباب تقديم أوقات الصلوات؛ لأنه عليه السلام صلى الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس بيضاء نقية، والمغرب حين وجبت الشمس، والفجر بغلس، فدل على أن المستحب تقديم الصلوات كلها في أول وقتها، إلا العشاء، وإلا الظهر إذا اشتد الحر، فحينئذ يشرع الإبراد كما سيأتي.

وفي الحديث من الفوائد: مشروعية مراعاة حال المأمومين في التقدم والتأخر.

وفي الحديث أيضاً: أنه يشرع للإنسان أن يؤخر الصلاة عن أول وقتها انتظاراً لفضيلة الجماعة، حيث أخرها النبي صلى الله عليه وسلم ليجتمع الناس، ولو كان غير العشاء إذا كان في تأخيرها انتظار للجماعة، فالأولى أن ينتظر الجماعة أفضل من أن يصليها بمفرده إن جاز له أن يصليها بمفرده.

بل ويؤخذ من الحديث فائدة، وهي أنه يشرع تأخير الصلاة انتظاراً لتكثير الجماعة، ولكن لعلنا نقول: هذا خاص بصلاة العشاء؛ لأن غير ذلك من الصلوات المشروع صلاتها في أول وقتها، ومن المعروف أن الناس إذا صار الإمام يؤخر في انتظارهم فإنهم يتأخرون هم أيضاً، فيترتب على ذلك تأخير الصلاة عن أول وقتها.

ومن فوائد الحديث: مشروعية تأخير صلاة العشاء -كما سبق- ما لم يشق على الناس، فمثلاً: من كان في سفر وهم جماعة فيما بينهم ليسوا مرتبطين بمسجد، يعني: في البرية مثلاً؛ فإنه يشرع لهم أن يؤخروا صلاة العشاء إلى آخر وقتها.

وكذلك المرأة في بيتها يشرع لها أن تؤخر صلاة العشاء إلى آخر وقتها المختار، ما لم يكن في ذلك تفويت للصلاة؛ لأن بعض النساء -كما سمعت- إذا كانت ستذهب إلى مناسبة زواج أو وليمة أو ما أشبه ذلك تقول: سوف أصلي إذا رجعت، وقد تذهب إلى تلك الوليمة أو إلى هذا العرس ولا تعود إلى بيتها إلا بعد منتصف الليل وبعدما يكون خرج وقت الجواز، وهذه آثمة بلا شك؛ لأنها فرطت في تأخير الصلاة، وكان يجب عليها أن تصلي قبل أن تذهب أو أن تصلي في المكان الذي هي فيه.

ومن فوائد حديث جابر رضي الله عنه: مشروعية الرفق بالناس، وتجنب ما يشق عليهم ما لم يكن في ذلك ارتكاب محرم أو ترك واجب؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك الأمر الفاضل إلى المفضول رفقاً بالرعية ورفقاً بالناس، وهكذا من كان والياً على أمر من الأمور -كأن يكون رأس دائرة حكومية، أو إمام مسجد، أو أستاذاً مع طلابه، أو أباً في بيته أو ما أشبه ذلك من أصحاب الولايات العامة أو الخاصة- فإنه يجب عليهم أن يراعوا الرفق بالناس ولو ترتب على هذا الرفق تفويت بعض السنن ... ما لم يؤد ذلك إلى فعل محرم أو ترك واجب، وفي الحديث فوائد أخرى غير هذه.

قوله رحمه الله: (وعندهما) يعني: البخاري ومسلم، وهما مفهومان من قوله قبل ذلك في حديث أبي برزة الأسلمي : متفق عليه.

فقوله: (متفق عليه) أي: رواه البخاري ومسلم، (وعندهما) أي: البخاري ومسلم من حديث جابر .

وهذا الحديث رواه البخاري في كتاب المواقيت، باب وقت صلاة المغرب، ورواه مسلم أيضاً في المواقيت في باب بيان وقت صلاة الفجر.

وقوله رضي الله عنه: (والعشاء) ليس هذا أول حديث، بل ورد في المصدرين المذكورين في البخاري ومسلم زيادة في أول الحديث، وهي أن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي جاء إلى جابر بن عبد الله زمن الحجاج فسأله عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال جابر : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس نقية، والمغرب إذا وجبت، والعشاء أحياناً وأحياناً، إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطئوا أخر، والصبح -كانوا أو كان- النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس ).

إذاً: فحديث جابر شامل لمواقيت الصلوات الخمس كلها، ولهذا الحديث سبب أشار إليه في قوله: (زمن الحجاج )، وهو أن الحجاج لما بعثه عبد الملك بن مروان أميراً على المدينة سنة أربع وسبعين للهجرة كان يؤخر الصلاة، ففزع الناس إلى الصحابة يسألونهم، ومن ذلك أن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي جاء إلى جابر يسأله عن المواقيت، فقال له هذا الحديث، فهذا سببه.

وقوله رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة) سبق أن الهاجرة وقت اشتداد الحر بعد زوال الشمس، وإنما سميت الهاجرة لأن الناس يهجرون فيها السعي في أعمالهم ومشاغلهم نظراً لشدة الحر، ولأنه وقت القيلولة، هذا معنى قوله: (صلوا الظهر بالهاجرة).

(والعصر والشمس نقية)، معنى (نقية) أي: بيضاء خالصة لم تخالطها صفرة ولا حمرة.

(والمغرب إذا وجبت) معنى (وجبت) يعني: سقطت أو غابت، والضمير يعود إلى الشمس مع أنها غير مذكورة، لكن بالعلم بها، كقوله تعالى: حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ [ص:32] يعني الشمس أيضاً.

(الشمس نقية) يعني: هذا في وقت العصر، لكن (والمغرب إذا وجبت) لم يقل: إذا وجبت الشمس، فليست مذكورة في نفس الموضع الذي هو موضع صلاة المغرب، وإن كانت مذكورة في الحديث قبل ذلك.

(والعشاء أحياناً وأحياناً) الأحيان جمع حين، وهو قدر من الوقت مبهم قد يقل أو يكثر كما هو المشهور عند العلماء، وهو المعتمد؛ ولذلك قوله هنا: (أحياناً وأحياناً) يدل على أنه وقت غير محدد، بل أحياناً هكذا وأحياناً هكذا.

(والصبح كانوا أو كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس)، أما قوله: (كانوا) فالضمير يعود إلى الصحابة، وعلى رواية (كانوا) فخبرها محذوف، والتقدير (كانوا يصلونها بغلس)، فخبر (كانوا) محذوف.

(أو كان) (أو) هاهنا للشك، والشك من الراوي، فيحتمل أنه من محمد بن عمرو بن الحسن بن علي، والدليل على أنه للشك أنه قال في رواية مسلم : ( والصبح كانوا -أو قال: كان- ) دل على أنه شك من الراوي،كان النبي صلى الله عليه وسلم.

وهما متلازمان، فتأخير الصحابة رضي الله عنهم للصلاة إنما هو من تأخير النبي عليه السلام؛ لأنه إمامهم وهم الجماعة المصلون وراءه.

وقوله: (يصليها بغلس) الغلس هو ظلمة آخر الليل.

وحديث جابر هذا فيه مسألة تأخير العشاء، أو مسألة وقت العشاء.

وقد اختلف العلماء في الأفضل من وقت العشاء: فذهب الشافعي في مذهبه القديم إلى أن المستحب تقديمها في أول الوقت، قال: لأن هذا هو الذي كان يداوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يداوم عليه إلا لأنه الأفضل، ولعلهم يقولون: ما كان يراعى فيه الرفق بالصحابة فمراعاة الرفق فيمن بعدهم أولى، هذا مذهب الشافعي في القديم.

والقول الثاني: أنه يستحب تأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل، وهذا نقله ابن المنذر في الأوسط عن بعض السلف.

والقول الثالث: أنه يستحب تأخيرها إلى ثلث الليل، وهذا مذهب الجمهور، مذهب الشافعي في الجديد ومالك وأحمد وأبي حنيفة، ونسبه الترمذي لأكثر الصحابة والتابعين، أنه يستحب تأخير العشاء إلى ثلث الليل.

ولعل من أصرح وأقوى أدلتهم في ذلك ما رواه أبو داود والترمذي -وقال: حديث حسن صحيح- عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت العشاء إلى ثلث الليل ).

هذه ثلاثة أقوال في المسألة، وقد مر في خاطري قول وجدت أنه هو الأقرب لظواهر النصوص، وهو أن وقت الفضيلة في صلاة العشاء هو ما بين ثلث الليل إلى نصفه، يعني: إيقاع الصلاة بعد الثلث وقبل النصف، أن هذا هو الأفضل؛ وذلك لأدلة:

منها: أنه هو آخر وقت العشاء، فإذا قلنا باستحباب تأخير العشاء فمعناه تأخيرها إلى آخر وقتها الذي يصح إيقاعها فيه.

ومنها: أنه هو الملائم لظواهر النصوص وهي كثيرة، كحديث أبي موسى وابن عباس وابن عمر وعائشة، وفي هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر العشاء، في بعضها: ( حتى ذهب عامة الليل ) كما في حديث عائشة في مسلم، وفي حديث أبي موسى ( حتى ابهار الليل )، وفي الحديث الآخر: ( حتى نام الناس ثم استيقظوا )، إلى غير ذلك من النصوص التي تدل على أنه بالغ صلى الله عليه وسلم في تأخيرها.

ثم وجدت أن أبا العباس بن فريك من فقهاء الشافعية قال بأن الأفضل في تأخيرها يبدأ بثلث الليل وينتهي بنصفه، يبدأ وقت الفضيلة بثلث الليل وينتهي بنصفه، ووافقه على ذلك النووي في شرحه لـصحيح مسلم، وقال: إن هذا هو الذي تدل عليه ظواهر ألفاظ الأحاديث، وتجتمع عليه النصوص.

فلذلك أقول -والله تعالى أعلم-: إن الأقرب أن الأفضل أن يؤخر صلاة العشاء إلى ما بين ثلث الليل إلى نصفه، ما بين الثلث إلى انتصاف الليل، فهو وقت فضيلة بالنسبة لصلاة العشاء ما لم يكن في ذلك مشقة أو حرج على الناس.