شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – باب الربا -2


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونصلي ونسلم على خاتم رسله وأفضل أنبيائه وخيرته من خلقه، محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

ثم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ليلة الإثنين السابع والعشرون من ربيع الثاني من سنة (1423هـ).

والدرس هو في شرح العمدة، باب: الربا والصرف، وفي هذا اليوم عندنا بحث في علة الربا.

وكما أسلفت في الدرس الماضي فإن الربا من الأبواب التي لا تخلو من إشكال وصعوبة، كما صرح بذلك العلماء ممن ذكرنا كـابن كثير والقرطبي والشاطبي وغيرهم، بل كما صرح به أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، فإنه أشار إلى أن أبواباً من أبواب الربا ود أن لو سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن حكمها؛ ليبين فيها بياناً شافياً.

ولذلك شكا إلي بعض الإخوة -وعلى رأسهم الأخ عبد العزيز وبعض الشباب- أنه الموضوع يحتاج إلى نوع من التفصيل.

ولا بأس أن نذكركم بما مضى, بسبب كثرة تقسيماته وتفريعاته, ونجمعه ونلخصه في النقاط التالية فيما يتعلق بباب الربا والصرف.

النقطة الأولى: ما يتعلق بتعريف الربا:

فهو من حيث اللغة: الزيادة كما قلنا.

ومن حيث التعريف الاصطلاحي فإن أجمع تعريف ذكرناه هو أن المقصود بالربا: هو الفضل المخصوص الخالي عن عوض. بشكل موجز: الفضل المخصوص الخالي عن عوض.

فالفضل معناه: زيادة في أحد البدلين لا توجد في الآخر.

وكونه مخصوصاً يعني: في الأجناس الربوية.

وقد يكون الفضل زيادة حقيقية, مثل أن يكون أحد العوضين صاعاً ونصفاً -مثلاً- والعوض الثاني صاعاً، أو تكون الزيادة حكمية، وما المقصود بالزيادة الحكمية؟ زيادة الاختلاف في الأجل والوقت، يعني: أن يكون أحد الأجلين حالاً والآخر مؤجلاً، والحال له فضل على المؤجل.

وكونه خالياً عن عوض معناه: أن الطرف الثاني لا يوجد فيه ما يقابل هذه الزيادة، فإذا باع الإنسان -مثلاً- درهماً بدرهمين كانت هذه زيادة مخصوصة خالية عن عوض، وجود درهم آخر إضافي, فيكون ذلك ربا، وكذلك إذا باع صاعاً بصاعين، يعني: صاع تمر -مثلاً- بصاعي تمر، أو صاع بر بصاعي بر، أو صاع شعير بصاعي شعير، فالصاع الثاني يعتبر ربا؛ لأنه زيادة خالية عن عوض، لا يوجد ما يقابلها في البدل أو العوض الثاني.

وهكذا لو كان صاعاً بصاع ولكن أحدهما مؤجل، مثل: أن يبيع أحدهم على الآخر صاع تمر بصاع تمر إلى أجل، ممكن يقول: صاع سكري -مثلاً- بصاع برحي أو صاع شقراء أو غيرها إلى أجل، إلى شهر أو أسبوع أو أقل أو أكثر، فهذا أيضاً نوع من الربا؛ لأن في أحد العوضين شيئاً ليس في الآخر، فهذا التعريف يجمع نوعي الربا كما سوف نشير إليه.

وفيما يتعلق بتحريم الربا:

فقد ذكرنا أنه محرم، هذه النقطة الثانية، وأنه محرم بالكتاب: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا [البقرة:278]، هذه آخر الآيات.

ومحرم بالسنة, والأحاديث الكثيرة التي أشرنا إليها، ومنها: حديث جابر , ومنها حديث أبي سعيد وأبي هريرة وغيرهم، وعبادة بن الصامت : ( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والشعير بالشعير، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل, سواء بسواء، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ).

فهذه النصوص وما كان في معناها -وقد جاء نحو ثمانية عشر حديثاً في هذا الباب- تدل على تحريم الربا، وقد ظن بعضهم أن هذه الأحاديث متواترة، وهي أقرب إلى أن تكون مستفيضة مشهورة، ولا تصل -والله أعلم- إلى درجة التواتر في هذه الجزئية بالذات، ولكن أحاديث تحريم الربا لا شك أنها متواترة إجمالاً .

وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على تحريم الربا من حيث الأصل, وإن اختلفت في جزئياته.

ربا القرض

وقد ذكرنا صوراً من الربا المتفق عليه عند العلماء كلهم أولهم عن آخرهم، ذكرنا -تقريباً- صورتين من الربا المجمع عليه عند العلماء.

الصورة الأولى: ربا الجاهلية، وهو قولهم: إما أن تقضي. أو تربي، يعني: أن يتوجه إليك مطالبة بدين لفلان من الناس، فإذا حل الأجل بمائة مليون ريال عليك وقلت: ما عندي شيء، لا يوجد عندي شيء، فإنه يقلبها عليك مائة وعشرين مليوناً إلى سنة، هذا ربا الجاهلية.

طيب. وهل هناك فرق بين هذا الأمر وبين كون الربا موجوداً في أصل العقد؟ بمعنى: أن يعطيك الآن مائة ألف دينار أو حتى مائة مليون دينار أو غيرها بمائة وعشرين إلى أجل، هل هناك فرق بين الصورتين؟

الصحيح أنه لا فرق بينهما، يعني: سواء كان الربا في أصل العقد، أو جاء طارئاً بعدما حل الأجل.

والشيخ رشيد رضا رحمه الله وغفر له وكذلك تبعه على هذا عبد الرزاق السنهوري حاولا أن يفرقا بين الصورتين، والواقع أنه لا فرق بينهما، بمعنى: أنه لو كان هناك دَيْن شرعي، يعني: إنسان اشترى من آخر سيارة إلى أجل بمائة ألف ريال، هذا العقد صحيح أو غير صحيح؟ صحيح بالاتفاق من حيث الأصل ما دام قصده شراء السيارة؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة:282]، طيب الأجل المسمى هل يكون إلا مع الزيادة؟ غالباً لا يكون الأجل إلا مقابل زيادة في الثمن، إذاً: هذا لا إشكال فيه وباتفاق العلماء، كما ذكره البيهقي وابن حجر وغيرهما، أن هذا جائز، أن أشتري منك سيارة بمبلغ زائد إلى أجل ما دام قصدي استخدام السيارة، هذا لا خلاف فيه.

طيب: إذاً: إذا صار هذا العقد عقداً صحيحاً، ثم بعد مضي سنة حل الأجل وتوجهت المطالبة بالمال، فجاءك صاحب الدين وقال: أعطني مالي، ففي هذه الحالة إذا قلت: ليس عندي شيء، فأنظَرَك سنة أخرى مقابل زيادة في الثمن هذا هو الربا الذي قلنا عنه: إنه ربا الجاهلية، والإجماع أنه محرم، فهذه الصورة يتفق العلماء كلهم على تحريمها.

الصورة التي نازع فيها الشيخ رشيد رضا ومن تبعه هي: أنه يقول لك: إن هذه الصورة فقط هي الممنوعة، لكن لو كان أصل العقد مشتملاً فإنه لا يرى في ذلك بأساً ما دام أن هناك شرطاً موجوداً، بمعنى أنه تعطيه مالاً بزيادة مشروطة إلى أجل، فإنه لا يرى هذا داخلاً في الربا، وهذا القول في الواقع أنه قول في غاية الضعف، ولا يوجد تفريق بين الصورتين، يعني: سواء كان الربا موجوداً في العقد الأول، أو كان موجوداً بعدما حل الأجل وتوجهت المطالبة بالثمن.

رشيد رضا يرى أنه لو أعطيت إنسان -مثلاً- مالاً، يعني: اتفقت معه على مبلغ من المال، مثلاً: مائة ألف ريال بمائة وعشرة إلى أجل، أن هذا جائز، أنه أمر مشروط وليس فيه إشكال، الممنوع عنده هو الزيادة بعدما يحل الأجل، يعني: أن تكون الزيادة بعد عقد سابق.

فنحن نرد عليه ونقول: إن العقد السابق ما دام عقداً شرعياً -كما ذكرنا مثلاً- ديناً مباحاً يعتبر في حكم الملغي كأنه لا وجود له, ويصبح العقد الجديد بأن يقلب الدين بزيادة كأنه عقد محدث لا علاقة له بالذي قبله، فلا فرق بينهما، وهذه في نظري أنها من الشيخ رحمه الله تعتبر زلة لا يوقف عندها.

المقصود: أننا نقول: إن الصورة الأولى المجمع عليها من صور الربا هي: الزيادة في الدين نظير قلبه إلى أجل آخر، وهذا ربا الجاهلية.

ربا النسيئة

الصورة الثانية التي ذكرنا أنه مجمع عليها ربا النسيئة، وما صفة الصورة المتفق عليها؟

لو قلنا -مثلاً-: باعه مائة سبيكة ذهب بمائة وعشر سبائك ذهب إلى سنة، هذه أيضاً صورة تشبه الأولى, لكنها هي أيضاً متفق على تحريمها؛ لأنها اجتمع فيها ربا النسيئة واجتمع فيها ربا الفضل، فأما ربا الفضل فإنه بيع مائة بمائة وعشر والجنس واحد، وأما النسيئة فلأنه أجله إلى سنة. فهذه من الصور المتفق على تحريمها.

وقد ذكرنا صوراً من الربا المتفق عليه عند العلماء كلهم أولهم عن آخرهم، ذكرنا -تقريباً- صورتين من الربا المجمع عليه عند العلماء.

الصورة الأولى: ربا الجاهلية، وهو قولهم: إما أن تقضي. أو تربي، يعني: أن يتوجه إليك مطالبة بدين لفلان من الناس، فإذا حل الأجل بمائة مليون ريال عليك وقلت: ما عندي شيء، لا يوجد عندي شيء، فإنه يقلبها عليك مائة وعشرين مليوناً إلى سنة، هذا ربا الجاهلية.

طيب. وهل هناك فرق بين هذا الأمر وبين كون الربا موجوداً في أصل العقد؟ بمعنى: أن يعطيك الآن مائة ألف دينار أو حتى مائة مليون دينار أو غيرها بمائة وعشرين إلى أجل، هل هناك فرق بين الصورتين؟

الصحيح أنه لا فرق بينهما، يعني: سواء كان الربا في أصل العقد، أو جاء طارئاً بعدما حل الأجل.

والشيخ رشيد رضا رحمه الله وغفر له وكذلك تبعه على هذا عبد الرزاق السنهوري حاولا أن يفرقا بين الصورتين، والواقع أنه لا فرق بينهما، بمعنى: أنه لو كان هناك دَيْن شرعي، يعني: إنسان اشترى من آخر سيارة إلى أجل بمائة ألف ريال، هذا العقد صحيح أو غير صحيح؟ صحيح بالاتفاق من حيث الأصل ما دام قصده شراء السيارة؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة:282]، طيب الأجل المسمى هل يكون إلا مع الزيادة؟ غالباً لا يكون الأجل إلا مقابل زيادة في الثمن، إذاً: هذا لا إشكال فيه وباتفاق العلماء، كما ذكره البيهقي وابن حجر وغيرهما، أن هذا جائز، أن أشتري منك سيارة بمبلغ زائد إلى أجل ما دام قصدي استخدام السيارة، هذا لا خلاف فيه.

طيب: إذاً: إذا صار هذا العقد عقداً صحيحاً، ثم بعد مضي سنة حل الأجل وتوجهت المطالبة بالمال، فجاءك صاحب الدين وقال: أعطني مالي، ففي هذه الحالة إذا قلت: ليس عندي شيء، فأنظَرَك سنة أخرى مقابل زيادة في الثمن هذا هو الربا الذي قلنا عنه: إنه ربا الجاهلية، والإجماع أنه محرم، فهذه الصورة يتفق العلماء كلهم على تحريمها.

الصورة التي نازع فيها الشيخ رشيد رضا ومن تبعه هي: أنه يقول لك: إن هذه الصورة فقط هي الممنوعة، لكن لو كان أصل العقد مشتملاً فإنه لا يرى في ذلك بأساً ما دام أن هناك شرطاً موجوداً، بمعنى أنه تعطيه مالاً بزيادة مشروطة إلى أجل، فإنه لا يرى هذا داخلاً في الربا، وهذا القول في الواقع أنه قول في غاية الضعف، ولا يوجد تفريق بين الصورتين، يعني: سواء كان الربا موجوداً في العقد الأول، أو كان موجوداً بعدما حل الأجل وتوجهت المطالبة بالثمن.

رشيد رضا يرى أنه لو أعطيت إنسان -مثلاً- مالاً، يعني: اتفقت معه على مبلغ من المال، مثلاً: مائة ألف ريال بمائة وعشرة إلى أجل، أن هذا جائز، أنه أمر مشروط وليس فيه إشكال، الممنوع عنده هو الزيادة بعدما يحل الأجل، يعني: أن تكون الزيادة بعد عقد سابق.

فنحن نرد عليه ونقول: إن العقد السابق ما دام عقداً شرعياً -كما ذكرنا مثلاً- ديناً مباحاً يعتبر في حكم الملغي كأنه لا وجود له, ويصبح العقد الجديد بأن يقلب الدين بزيادة كأنه عقد محدث لا علاقة له بالذي قبله، فلا فرق بينهما، وهذه في نظري أنها من الشيخ رحمه الله تعتبر زلة لا يوقف عندها.

المقصود: أننا نقول: إن الصورة الأولى المجمع عليها من صور الربا هي: الزيادة في الدين نظير قلبه إلى أجل آخر، وهذا ربا الجاهلية.

الصورة الثانية التي ذكرنا أنه مجمع عليها ربا النسيئة، وما صفة الصورة المتفق عليها؟

لو قلنا -مثلاً-: باعه مائة سبيكة ذهب بمائة وعشر سبائك ذهب إلى سنة، هذه أيضاً صورة تشبه الأولى, لكنها هي أيضاً متفق على تحريمها؛ لأنها اجتمع فيها ربا النسيئة واجتمع فيها ربا الفضل، فأما ربا الفضل فإنه بيع مائة بمائة وعشر والجنس واحد، وأما النسيئة فلأنه أجله إلى سنة. فهذه من الصور المتفق على تحريمها.

أنواع الربا:

من العلماء من يقسمونه إلى أقسام كثيرة، لكن أهم أنواع الربا نوعان:

ربا الفضل

النوع الأول: ربا الفضل، وقد أصبح واضحاً أنه بيع صاع بصاعين أو درهم بدرهمين، يعني: أن يكون ثمة تفاضل بين البدلين بلا عوض يقابله، فهذا هو ربا الفضل.

و هذا النوع من الربا محرم عند جمهور العلماء، فهو مذهب الأئمة الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين، أنه لا يجوز بيع -مثلاً- صاع بر بصاعي بر، أو صاع تمر بصاعي تمر، أو درهم بدرهمين، أو مثلاً دينار بدينارين، هذا يسمونه ربا الفضل، ويقولون: الأحاديث التي ذكرناها قبل قليل: ( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، مثلاً بمثل، سواء بسواء ) تدل على أنه يجب أن يكون هناك تساو في الجنس الواحد، في التمر بالتمر مثلاً، وإن اختلفت هذه الأنواع من حيث الجودة والرداءة وغيرها، المهم أنه جنس واحد، فيجب أن يكون البدلان متساويين، وإذا حصل تفاوت أو زيادة فهو ربا الفضل، هذا واضح؟ واضح أم لا يا إخوان؟!

يعني: لو واحد باع صاع تمر بصاع ونصف تمراً في السوق نقول له: هذا ربا لا يجوز، ويسمى ربا الفضل، بسبب: أن أحد البدلين فيه زيادة ليست في الآخر، في هذا زيادة نصف صاع ليست عند الآخر.

يقول: طيب. هذا التمر أجود وأفضل من النوع الآخر، نقول: وإن كان أجود وأفضل لا يجوز، تبيع هذا بدراهم وتشتري بالدراهم ما شئت، أما تمر بتمر فلا بد أن يكونا متساويين في المقدار، وهكذا في الميزان -مثلاً- لو كان وزناً مما يوزن أو كيلاً مما يكال، لابد أن يكون هناك تساو في المقدار، والتساوي بطبيعة الحال لا يعرف إلا بكيل أو وزن.

ولهذا يقول الفقهاء: إن مجهول التساوي مثل معلوم التفاضل، وهذه قاعدة، يقولون: إن المجهول حصولُ التساوي فيه مثلُ المعروف حصول التفاضل، فلا يجوز إلا أن يكون معروفاً أن هذا يساوي هذا، ولهذا يقولون: الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل.

إذاً: هذا هو النوع الأول الذي قلنا: إنه محرم عند الجمهور، وذكرنا أدلته، وقد خالف فيه بعض الصحابة كما نقل عن ابن عباس وابن عمر وأسامة بن زيد والبراء، إلى غير ذلك من الأقوال المنسوبة إلى بعض الصحابة والتابعين.

هذا نوع، وبعض العلماء قال: إن الخلاف انقرض بنهاية هذه العصور، وأجمع العلماء بعد ذلك على تحريم ربا الفضل.

ربا النسيئة

النوع الثاني من الربا: هو ربا النسيئة، والمقصود بالنسيئة: التأخير والإنظار والأجل، والمقصود بربا النسيئة: أن يبيعه جنساً ربوياً بمثله إلى أجل، (جنساً) يعني: صاعاً بصاع، ولكن أحد الصاعين -أحد البدلين- مؤجل ليس حالاً الآن, وإنما تستلمه بعد أسبوع أو شهر، سواء كان ذلك صاعاً بصاع، درهماً بدرهم، ديناراً بدينار، المهم أن أحد العوضين مؤجل، فهذا يسمى ربا النسيئة؛ لأنه أنسأ، يعني: أخر وأجل أحد العوضين، وكما ذكرنا: لو باعه -مثلاً-: مائة سبيكة ذهب بمائة أو بأكثر -لا فرق- إلى أجل, فهذا يعتبر ربا نسيئة؛ لأن أحد العوضين ليس مقبوضاً ولا حالاً الآن.

النوع الأول: ربا الفضل، وقد أصبح واضحاً أنه بيع صاع بصاعين أو درهم بدرهمين، يعني: أن يكون ثمة تفاضل بين البدلين بلا عوض يقابله، فهذا هو ربا الفضل.

و هذا النوع من الربا محرم عند جمهور العلماء، فهو مذهب الأئمة الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين، أنه لا يجوز بيع -مثلاً- صاع بر بصاعي بر، أو صاع تمر بصاعي تمر، أو درهم بدرهمين، أو مثلاً دينار بدينارين، هذا يسمونه ربا الفضل، ويقولون: الأحاديث التي ذكرناها قبل قليل: ( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، مثلاً بمثل، سواء بسواء ) تدل على أنه يجب أن يكون هناك تساو في الجنس الواحد، في التمر بالتمر مثلاً، وإن اختلفت هذه الأنواع من حيث الجودة والرداءة وغيرها، المهم أنه جنس واحد، فيجب أن يكون البدلان متساويين، وإذا حصل تفاوت أو زيادة فهو ربا الفضل، هذا واضح؟ واضح أم لا يا إخوان؟!

يعني: لو واحد باع صاع تمر بصاع ونصف تمراً في السوق نقول له: هذا ربا لا يجوز، ويسمى ربا الفضل، بسبب: أن أحد البدلين فيه زيادة ليست في الآخر، في هذا زيادة نصف صاع ليست عند الآخر.

يقول: طيب. هذا التمر أجود وأفضل من النوع الآخر، نقول: وإن كان أجود وأفضل لا يجوز، تبيع هذا بدراهم وتشتري بالدراهم ما شئت، أما تمر بتمر فلا بد أن يكونا متساويين في المقدار، وهكذا في الميزان -مثلاً- لو كان وزناً مما يوزن أو كيلاً مما يكال، لابد أن يكون هناك تساو في المقدار، والتساوي بطبيعة الحال لا يعرف إلا بكيل أو وزن.

ولهذا يقول الفقهاء: إن مجهول التساوي مثل معلوم التفاضل، وهذه قاعدة، يقولون: إن المجهول حصولُ التساوي فيه مثلُ المعروف حصول التفاضل، فلا يجوز إلا أن يكون معروفاً أن هذا يساوي هذا، ولهذا يقولون: الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل.

إذاً: هذا هو النوع الأول الذي قلنا: إنه محرم عند الجمهور، وذكرنا أدلته، وقد خالف فيه بعض الصحابة كما نقل عن ابن عباس وابن عمر وأسامة بن زيد والبراء، إلى غير ذلك من الأقوال المنسوبة إلى بعض الصحابة والتابعين.

هذا نوع، وبعض العلماء قال: إن الخلاف انقرض بنهاية هذه العصور، وأجمع العلماء بعد ذلك على تحريم ربا الفضل.

النوع الثاني من الربا: هو ربا النسيئة، والمقصود بالنسيئة: التأخير والإنظار والأجل، والمقصود بربا النسيئة: أن يبيعه جنساً ربوياً بمثله إلى أجل، (جنساً) يعني: صاعاً بصاع، ولكن أحد الصاعين -أحد البدلين- مؤجل ليس حالاً الآن, وإنما تستلمه بعد أسبوع أو شهر، سواء كان ذلك صاعاً بصاع، درهماً بدرهم، ديناراً بدينار، المهم أن أحد العوضين مؤجل، فهذا يسمى ربا النسيئة؛ لأنه أنسأ، يعني: أخر وأجل أحد العوضين، وكما ذكرنا: لو باعه -مثلاً-: مائة سبيكة ذهب بمائة أو بأكثر -لا فرق- إلى أجل, فهذا يعتبر ربا نسيئة؛ لأن أحد العوضين ليس مقبوضاً ولا حالاً الآن.

النقطة الخامسة هي: مسألة التدرج في تحريم الربا:

وقد ذكرنا أن جماعة من الباحثين ذهبوا إلى أن الشريعة تدرجت في تحريم الربا، وأن تحريم الربا مر بأربع مراحل:

المرحلة الأولى: في سورة الروم، وهي قوله تعالى: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم:39]، ففي هذه الآية -وإن كانت مكية- إشارة إلى أن هناك ربا وهناك زكاة، والربا لا يربو عند الله، فهذا فيه نوع من التمهيد والتهيئة لمنعه والتحذير منه.

المرحلة الثانية: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ [النساء:161]، وهذه الآية جاءت في شأن اليهود، في شأن بني إسرائيل في سورة النساء، ولم يذكر الله تعالى حكمه لهذه الأمة، ولكن أخبر بما حكم الله تعالى به على بني إسرائيل، ففي هذا تهيئة أيضاً للأمة أنه ربما يحرم عليكم كما حرم على من كان قبلكم.

المرحلة الثالثة: في سورة آل عمران, وهي قوله تعالى: لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130]، ففي هذه الآية إشارة إلى النهي عن الربا, وهو نهي صريح ومخاطبة للمؤمنين بإيمانهم، ولكن فيه الإشارة إلى الأضعاف المضاعفة، وهذا وإن كان المقصود منه -والله أعلم- أن الربا بطبيعته يتضاعف ويزاد ويقلب حتى يكبر ويكثر, إلا أنه قد يتمسك به البعض في أن النهي إنما هو عن الأضعاف المضاعفة دون ما كان قليلاً منها؛ ولهذا جاءت الآية الأخيرة في سورة البقرة بعد سياق طويل في موضوع الإنفاق, آيات متعددة في الربا، ومنها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:278]، ففي ذلك إشارة إلى النهي عن الربا قليله وكثيره، وربط ذلك بالإيمان، والأذان بحرب من الله ورسوله لمن لم يلتزم بهذا الامتناع.