شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع - مقدمات في البيوع-4


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

هذا يوم الأربعاء ليلة الخميس الخامس من شهر صفر من سنة ألف وأربعمائة وثلاث وعشرين للهجرة، وقد أطلنا بعض الشيء فيما يتعلق بمقدمات البيوع، واليوم إن شاء الله سوف نأتي على ما تبقى منها، ونشرح أيضاً ما ذكره المصنف تحت هذا الباب إن شاء الله تعالى.

فتكميلاً لما بدأناه وأعدناه الأسبوع الماضي من باب التذكير، تقريباً ذكرنا ثمان مقدمات.

عندنا اليوم المقدمة التاسعة وهو: ما يتعلق بأحكام الثمن.

طبعاً أحكام الثمن كثيرة لكن نحن نختار منها ومن غيرها الأشياء المهمة التي قد لا يرد لها ذكر.

فمما يتعلق بأحكام الثمن حكم التسعير، وضع أسعار محددة للأشياء وقيم لا يزاد عليها ولا ينقص منها.

والتسعير معناه التثمين، أو تحديد الثمن أو القيمة، وفيما سبق ذكرنا الفرق بين الثمن والسعر والقيمة، ما هو الفرق بينها؟

الثمن هو السعر الذي تم بموجبه البيع، فنقول مثلاً: أنا اشتريت هذا الكتاب بثمن وهو عشرة ريالات، والله سبحانه وتعالى يقول: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ [يوسف:20] هذا هو الثمن.

القيمة هو ما يساويه الكتاب، يعني: هو ما يستحقه الكتاب سواء كان أقل أو أكثر، فإن الشيء قد يساوي قيمة غالية لكن يبيعه صاحبه بثمن أقل؛ لأنه محتاج للقيمة أو لغير ذلك من الاعتبارات.

أما السعر فهو ما يحدده البائع لهذا الشيء، فتقول: سعر هذا الكتاب عشرون ريالاً، سواء باعه أم لا، قد يعجب هذا السعر الزبون فيشتريه أو لا يعجبه، أو يماكسه وينزل له منه، فتقول: هذا الكتاب سعره مثلاً عشرون ريالاً، لكن أنا اشتريته بخمسة عشر؛ لأن البائع قد خفض له في القيمة.

إذاً: بهذا ظهر لنا ما هو الفرق بين الثمن والسعر والقيمة.

إذاً: ننتقل إلى مسألة حكم التسعير: هل يجوز للحاكم أو للجهة المختصة كوزارة التجارة أو غيرها أن تضع أسعاراً محددة لا يجوز للناس الزيادة عليها ولا النقص منها؟

هذه المسألة فيها خلاف مشهور عند الأئمة المتقدمين، فالحنفية والمالكية يرون أن لولي الأمر أن يسعر، وأنه يجوز له أن يحدد الأسعار؛ لئلا تتم الزيادة أو النقص لأن كلا الأمرين قد يكون ممنوعاً، فقد تكون المشكلة في أن الإنسان يضع سعراً أعلى، فيكون في هذا إضرار بالناس المشترين، وقد تكون المشكلة أنه يضع سعراً أقل فيكون فيه إضرار بالباعة الآخرين.

فلذلك أجازوا أن يحدد ولي الأمر أو تحدد الجهة المختصة سعراً لهذه الأشياء وقيماً لها لا يزاد عليها ولا ينقص منها، وقد جاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال لرجل كان يبيع في السوق حطباً: (إما أن ترفع السعر، وإما أن تدخل بيتك وتبيع كيف شئت)؛ لأنه كان يبيع بسعر منخفض، وعمر رضي الله عنه أراده أن يرفع السعر ليبيع بسعر مناسب للناس لا يكون فيه ظلم للمشترين ولا ظلم لزملائه الآخرين الذين يرتزقون من هذه الأشياء.

وأما الشافعية والحنابلة في المشهور عنهم فإنهم قالوا: لا يجوز التسعير، واستدلوا بالحديث الذي رواه الترمذي وأبو داود وأحمد وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قالوا له: ( سعر لنا، قال: إن الله تعالى هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني أرجو الله تعالى أن ألقاه وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة ) فقالوا: إن كون الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله تعالى هو المسعر ) دليل على أنه لا يجوز للجهة المختصة ولا لولي الأمر أن يضرب أو يحدد أسعاراً معينة، وهذا الحديث رواه أهل السنن كما ذكرت وأحمد وغيرهم عن أنس بن مالك، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

وللحديث شواهد عديدة، منها: عن أبي سعيد الخدري في نحو حديث الباب، ومنها حديث عن أبي جحيفة وابن عباس وغيرهم.

فالمقصود: أن هذا الباب ثابت من حيث الأصل: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( إن الله تعالى هو المسعر، وإني أرجو الله تعالى أن ألقاه وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة ) فوجه الاستدلال من الحديث واضح وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع عن التسعير، ولو كان فيه مصلحة أو كان جائزاً لفعله، وكذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل هذا إلى الله تبارك وتعالى، فلا يحل أو يحق لأحد أن يفعله، هذا دليلهم.

والأقرب والله تعالى أعلم: أن الأمر يختلف بحسب نوع التسعير، فإن كان التسعير يحقق مصلحة عامة للناس، للبائع وللمشتري ولا يكون فيه ظلم لأحد فهو جائز، بل قد يكون واجباً كما قال ابن القيم رحمه الله ونحو هذا ابن تيمية أيضاً، قال ابن القيم رحمه الله: إن التسعير منه ما هو حرام وظلم، كما إذا تضمن إكراه الناس على البيع بغير حق وبغير عدل، وأن يبيعوا بما لا يرضون من الأثمان، أو أن يمنعوا مما أحل الله تعالى لهم من ذلك، فهذا يكون محرماً وممنوعاً، وعليه يحمل الحديث الوارد.

وقد يكون التسعير جائزاً أو واجباً أيضاً، وذلك إذا تضمن العدل بين الناس وليس فيه إكراههم على ما لا يجوز، بل فيه إكراههم على ما يجب عليهم من المعاملة بالمثل والمعاوضة بالعدل، ومنعهم مما يحرم عليهم من الغبن الفاحش أو الاحتكار أو ما أشبه ذلك، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله: ومثل هذا التسعير واجب بلا نزاع، كأنه يرى أن الخلاف الذي سقناه هو خلاف في التسعير الذي يكون فيه نوع من البخس أو عدم العدل، وأما التسعير الذي يحقق العدل ويحقق المصلحة فإن ابن القيم رحمه الله كأنه يرى أنه لا يدخل في الخلاف أصلاً.

إذاً: نقول على الأقل: إن الراجح في التسعير أنه إذا كان بإلزام الناس بالعدل الواجب أو منعهم من الظلم المحرم عليهم فهو مشروع، وقد يكون واجباً على ولي الأمر، مثلما إذا وجد عند الناس جشع، أو وجد عند أفراد منهم بعض البضائع التي يحتاجها الناس، وقد يكونون في حالة خوف أو حرب أو قلة في الأرزاق والمعايش، فيحتاجون إلى أن يسعر لهم؛ لئلا يزيدوا ولا ينقصوا، ويكون في هذا التسعير توازن بأن يأخذوا الربح المناسب لهم ولا يزيدوا في ذلك زيادة فاحشة تضر بالناس، وكذلك البائع يعتدل فلا ينقص نقصاً يضر بزملائه ولا يزيد زيادة تضر بالناس، فيكون في ذلك حد الاعتدال.

هذا ما يتعلق بأمر التسعير.

أيضاً من أحكام الثمن ما يتعلق بإبهام الثمن، ومما ذكرناه سابقاً أن البيع لابد فيه من قيمة وثمن، ولابد فيه من سلعة أو مثمن، ولا بد فيه من متعاقدين بائع ومشتر.

وذكرنا الخلاف فيما سبق في هذه الأشياء، وهل تعد أركاناً أو لا تعد، لكن المقصود أن معرفة الثمن لابد منه، ومعرفة المثمن كذلك، فالثمن يعرف -وكذلك المثمن- بنوعه وقدره وعدده وصفته معرفة تزيل اللبس وتزيل الخصومات بين المتبايعين، أحياناً يكون الثمن غير معين في العقد، فتقول مثلاً: اشتريت منك هذه السلعة -ولا تحدد الثمن- ويقول الآخر: بعتك، فما حكم البيع حينئذ؟

هنا اختل شرط، طيب إذا اختل شرط ماذا يصير البيع؟ إذاً نقول: البيع فاسد عند الحنفية هاهنا؛ لأنه غير محدد الثمن، وإصلاحه يكون بتحديد الثمن والاتفاق عليه؛ لأنهم إذا أرادوا تحديد الثمن قد يختلفون، فيقول هذا: بعتك بكذا، ويقول الآخر: اشتريت بكذا، فيكون إصلاح العقد بتحديد الثمن والاتفاق عليه بينهما.

هنا في بعض الحالات يكون الثمن مبهماً مثل أن تقول له مثلاً: بعتك هذا البيت بمائة ألف، ما هي هذه المائة ألف؟ هل هي دينار أو دولار أو ريال أو روبية؟ فكيف نستطيع أن نرفع ونكشف هذا الإبهام في الثمن؟

نقول: بالعادة أو بالعرف.

إذاً: التحديد الأول أن يكون هناك عرف جاري بينهم في هذا، فإذا قلت مثلاً وأنت في السعودية: بعتك هذا البيت بمائة ألف، يفترض أن المائة ألف هذه ماذا؟ مائة ألف ريال، ولو كان مسكوتاً عنه لفظاً فإنه معروف عرفاً بين البائع والمشتري، ولو سألت أي واحد وقال لك: مائة ألف معروفة يعني مائة ألف ريال، فإذا كان الثمن معروفاً بينهم فالبيع صحيح ولا إشكال حينئذ، وينصرف المبهم إلى المعروف في الأذهان.

يبقى احتمال آخر: افترض أنك في بلد آخر فيه مجموعة من العملات المختلفة، وكلها كما يقال: (سلة عملات) كلها مستخدمة، ليس هناك عملة معروفة في ذلك البلد، فلو افترضنا أنه مثلاً في مملكة البحرين وقال: بعتك بمائة ألف دينار، والدينار في البحرين موجود ومستخدم، لكن لو كان هناك مثلاً لبس بأن يكون هناك أكثر من نوع منها كلها رائجة وكلها مستخدمة، فحينئذ لابد أن يتفق عليه، ويكون البيع في هذه الحالة مثل البيع المسكوت عن ثمنه إلا أن يقوم البائع والمشتري بتحديد الثمن والاتفاق عليه.

الثمن أحياناً يكون ثمناً ابتدائياً مثل بيع المساومة أن تقول مثلاً: بكم يساوي هذا؟ فيقول مثلاً: هذا أبيعه بمائة ألف وتشتريه منه دون أن تكون عارفاً بثمن الشراء، وغالب البيوع يكون من هذا النوع.

هناك نوع آخر وذكرناه سابقاً وهو أن يكون ثمن البيع مبنياً على ثمن الشراء، مثل ماذا؟ مثل بيع المواضعة أو الوضيعة، يعني: رأس المال كذا وسوف أبيعه عليك بأقل من ثمنه، وأيضاً بيع التولية، وبيع التولية يكون برأس المال، وهناك قسم رابع يسمى التشريك، ما معنى التشريك؟

التشريك يأتي في الأشياء الثلاثة كلها: يأتي في المرابحة، ويأتي في المواضعة، ويأتي في التولية، بمعنى أنك تدخل معك شخصاً آخر في هذه السلعة وتقول: تدخل معي بربح مثلاً (20 %)، أربح عليك (20 %) ولك النصف، أو أدخلك معي في هذه السلعة برأس المال، أو أدخلك معي في هذه السلعة وأخصم لك أو أخفض لك نسبة معينة عشرين أو أقل أو كثر، فهذا يعتبر نوعاً من التشريك.

إذاً: هذا ما يتعلق بالثمن وإبهام الثمن.

هناك مما يتعلق بأحكام البيع أحكام مشتركة بين الثمن والسلعة.

مئونة تسليم المبيع أو تسليم الثمن

من هذه الأحكام ما يتعلق بمئونة أو تكليف تسليم المبيع أو تسليم الثمن، إذا افترضنا أنك اشتريت من شخص مثلاً ثلاجة أو غسالة، فبالنسبة لتسليم مئونة نقل الثلاجة وإيصالها إليك، يعني: تكاليف نقل المبيع أو تكاليف نقل السلعة يفترض أنها على البائع، البائع يفترض لو كانت السلعة مثلاً في المستودع أنه يحضرها لك، وهذا يعتمد بحسب العرف، إما أن يحضرها لك في مكان عقد البيع أو يحضرها لك في المنزل، بحسب العرف الجاري، وهذا واضح.

تكاليف تسليم الثمن، الثمن قد يكون مالاً أو غيره فيحتاج أيضاً إلى نقل وإلى مئونة، فتكاليف تسليم الثمن يفترض أنها على من؟ على المشتري، فنقل المال مثلاً وإحضاره هي أشياء في ذمة المشتري، كما أن على البائع تكاليف تسليم ومئونة نقل المبيع، فكذلك المشتري عليه مئونة وتكاليف نقل الثمن.

هناك شيء يعتبر محايداً لا هو للبائع وليس للمشتري، مثال ذلك: أجرة حساب الثمن أو إحصاء الثمن أو ضبط الثمن، الناس كانوا يبيعون في الماضي مثلاً بعملة ربما تكون مزيفة، وربما يكون الذهب غير سليم أو مغشوشاً أو تكون الدنانير كذلك، فالأجرة المتعلقة بضبط الثمن، الآن هذا الثمن هل هي دراهم صحيحة أم دراهم مغشوشة؟ هل العملة الآن عملة صحيحة أو عملة مزورة مما يجري الآن؟

هذه الأشياء هل هي على البائع أم هي على المشتري؟ لأنها عملية محايدة، المشتري أحضر المال الآن وقال: هذا المال بين يديك، البائع قال: أنا لا أستطيع أن أستلم هذا المال؛ لأن الدراهم هذه قد تكون دراهم مغشوشة مزيفة، فهنا وقع الخلاف بين الفقهاء: هل تكون هذه الأعمال المحايدة التي يقوم بها طرف وسيط غير البائع وغير المشتري، هل تكاليفها على المشتري أم تكاليفها على البائع؟

وفي ذلك عند الحنفية روايتان:

الرواية الأولى: أنها تكون على البائع؛ لأن النقد يكون بعد تسليم السلعة؛ ولأن البائع هو المحتاج لأن يميز ما تعلق به وبذمته من الحقوق مما لم يتعلق به، أو يعرف المعيب ليرده، وهذا هو قول الشافعية.

أما الراوية الأخرى عند الحنفية: فهي أن ذلك يكون على المشتري؛ لأنه هو الذي يحتاج إلى أن يتأكد أنه استلم ثمناً جيداً صحيحاً غير مغشوش، والجودة تعرف بالنقد كما يعرف القدر بالوزن، وهذا القول كما هو رواية عند الحنفية فهو أيضاً قول المالكية.

وفي المسألة قول ثالث بل أقوال، منها مثلاً: أن هذا إن كان قبل قبض الثمن فهو على المشتري، يعني: مثلاً لو قال البائع: هذا المال لا أستلمه لأنني لا أتأكد منه حتى تأتينا بورقة أو شهادة بأن العملة عملة صحيحة، فحينئذ يكون دفع تكاليف ضبط الثمن تكون على المشتري، أما إن كانت بعد القبض فهي على البائع، مثل ما لو أن البائع قبض الثمن واستلم، معناه أنه رضي به، ثم طرأ عليه أنه يريد أن يتأكد من هذا الثمن هل هو صحيح أو مغشوش، حينئذ نقول: دفع قيمة الضبط وقيمة الثمن.. التأكد من الثمن تكون على البائع؛ لأنه قد استلمه حينئذ.

والمسألة ليس فيها حكم واضح، فالأقرب أن هذا يرجع فيه إلى العرف الدارج في كل بلد.

هلاك المبيع وهلاك الثمن

كذلك من الأحكام المشتركة فيما يتعلق بالمبيع والثمن مسألة هلاك المبيع وهلاك الثمن.

الآن إذا اشتريت منك سلعة، لنفترض أني اشتريت منك فرساً بعشرة آلاف ريال، ثم تلف الفرس عندك قبل أن أقبضه، سواء تلف بآفة سماوية أو سرق.. أو ما أشبه ذلك، أو استخدمه أحد أولادك استخداماً سيئاً وأتلفه، في الحالة هذه التلف يكون على من؟ يكون على البائع، لماذا؟ لأن الضمان تابع له، وهو لم يقم بتسليمه إلى المشتري.

وكذلك ما يتعلق بالثمن، افترض أني اشتريت منك هذا الفرس ببعير مثلاً، ثم تلف البعير عندي قبل أن أسلمه لك، فغرم البعير هذا الآن أو ضمانه على صاحبه، يعني: على البائع.. على مالكه الأصلي، لأنه لم يقم بتسليمه.

إذاً: إذا تلف المبيع في قبضة البائع فغرمه عليه، وإذا تلف الثمن في قبضة المشتري فغرمه عليه أيضاً، ولا يكون هناك ضمان إلا بعد أن يتم القبض أو بعدما يتم التسليم.

من هذه الأحكام ما يتعلق بمئونة أو تكليف تسليم المبيع أو تسليم الثمن، إذا افترضنا أنك اشتريت من شخص مثلاً ثلاجة أو غسالة، فبالنسبة لتسليم مئونة نقل الثلاجة وإيصالها إليك، يعني: تكاليف نقل المبيع أو تكاليف نقل السلعة يفترض أنها على البائع، البائع يفترض لو كانت السلعة مثلاً في المستودع أنه يحضرها لك، وهذا يعتمد بحسب العرف، إما أن يحضرها لك في مكان عقد البيع أو يحضرها لك في المنزل، بحسب العرف الجاري، وهذا واضح.

تكاليف تسليم الثمن، الثمن قد يكون مالاً أو غيره فيحتاج أيضاً إلى نقل وإلى مئونة، فتكاليف تسليم الثمن يفترض أنها على من؟ على المشتري، فنقل المال مثلاً وإحضاره هي أشياء في ذمة المشتري، كما أن على البائع تكاليف تسليم ومئونة نقل المبيع، فكذلك المشتري عليه مئونة وتكاليف نقل الثمن.

هناك شيء يعتبر محايداً لا هو للبائع وليس للمشتري، مثال ذلك: أجرة حساب الثمن أو إحصاء الثمن أو ضبط الثمن، الناس كانوا يبيعون في الماضي مثلاً بعملة ربما تكون مزيفة، وربما يكون الذهب غير سليم أو مغشوشاً أو تكون الدنانير كذلك، فالأجرة المتعلقة بضبط الثمن، الآن هذا الثمن هل هي دراهم صحيحة أم دراهم مغشوشة؟ هل العملة الآن عملة صحيحة أو عملة مزورة مما يجري الآن؟

هذه الأشياء هل هي على البائع أم هي على المشتري؟ لأنها عملية محايدة، المشتري أحضر المال الآن وقال: هذا المال بين يديك، البائع قال: أنا لا أستطيع أن أستلم هذا المال؛ لأن الدراهم هذه قد تكون دراهم مغشوشة مزيفة، فهنا وقع الخلاف بين الفقهاء: هل تكون هذه الأعمال المحايدة التي يقوم بها طرف وسيط غير البائع وغير المشتري، هل تكاليفها على المشتري أم تكاليفها على البائع؟

وفي ذلك عند الحنفية روايتان:

الرواية الأولى: أنها تكون على البائع؛ لأن النقد يكون بعد تسليم السلعة؛ ولأن البائع هو المحتاج لأن يميز ما تعلق به وبذمته من الحقوق مما لم يتعلق به، أو يعرف المعيب ليرده، وهذا هو قول الشافعية.

أما الراوية الأخرى عند الحنفية: فهي أن ذلك يكون على المشتري؛ لأنه هو الذي يحتاج إلى أن يتأكد أنه استلم ثمناً جيداً صحيحاً غير مغشوش، والجودة تعرف بالنقد كما يعرف القدر بالوزن، وهذا القول كما هو رواية عند الحنفية فهو أيضاً قول المالكية.

وفي المسألة قول ثالث بل أقوال، منها مثلاً: أن هذا إن كان قبل قبض الثمن فهو على المشتري، يعني: مثلاً لو قال البائع: هذا المال لا أستلمه لأنني لا أتأكد منه حتى تأتينا بورقة أو شهادة بأن العملة عملة صحيحة، فحينئذ يكون دفع تكاليف ضبط الثمن تكون على المشتري، أما إن كانت بعد القبض فهي على البائع، مثل ما لو أن البائع قبض الثمن واستلم، معناه أنه رضي به، ثم طرأ عليه أنه يريد أن يتأكد من هذا الثمن هل هو صحيح أو مغشوش، حينئذ نقول: دفع قيمة الضبط وقيمة الثمن.. التأكد من الثمن تكون على البائع؛ لأنه قد استلمه حينئذ.

والمسألة ليس فيها حكم واضح، فالأقرب أن هذا يرجع فيه إلى العرف الدارج في كل بلد.

كذلك من الأحكام المشتركة فيما يتعلق بالمبيع والثمن مسألة هلاك المبيع وهلاك الثمن.

الآن إذا اشتريت منك سلعة، لنفترض أني اشتريت منك فرساً بعشرة آلاف ريال، ثم تلف الفرس عندك قبل أن أقبضه، سواء تلف بآفة سماوية أو سرق.. أو ما أشبه ذلك، أو استخدمه أحد أولادك استخداماً سيئاً وأتلفه، في الحالة هذه التلف يكون على من؟ يكون على البائع، لماذا؟ لأن الضمان تابع له، وهو لم يقم بتسليمه إلى المشتري.

وكذلك ما يتعلق بالثمن، افترض أني اشتريت منك هذا الفرس ببعير مثلاً، ثم تلف البعير عندي قبل أن أسلمه لك، فغرم البعير هذا الآن أو ضمانه على صاحبه، يعني: على البائع.. على مالكه الأصلي، لأنه لم يقم بتسليمه.

إذاً: إذا تلف المبيع في قبضة البائع فغرمه عليه، وإذا تلف الثمن في قبضة المشتري فغرمه عليه أيضاً، ولا يكون هناك ضمان إلا بعد أن يتم القبض أو بعدما يتم التسليم.

أيضاً من الأحكام ما يتعلق بالآثار المترتبة على البيع، وهذه ممكن نعتبرها مقدمة عاشرة؛ لأنها متميزة عما سبق.‏

الأثر الأول انتقال الملك

فإنه يترتب على البيع انتقال الملك، فينتقل ملك السلعة من مالكها الأصلي إلى المشتري، وينتقل ملك الثمن من مالكه الأصلي أيضاً إلى البائع، فهذا يحصل للمشتري والبائع بالبيع، فإذا تمت صفقة البيع بالإيجاب والقبول والتفرق -لأنهم بالخيار ما لم يتفرقا- إذا تم ذلك انتقلت السلعة إلى المشتري وانتقل الثمن إلى البائع، وإن كان الضمان يتعلق بالقبض، لكن بالنسبة للاستحقاق فإنه يستحقه، ويترتب على هذا الاستحقاق عدة نتائج:

منها: لو أن هذه الفرس التي اشتريتها منك ولم أقم بقبضه ولدت، ولدها يكون لمن؟

ولدها يكون للمشتري؛ لأن الفرس انتقلت ملكيتها إلي، وإن كان لا يضمنها إلا بالقبض، فلو تم عقد البيع أن هذا الفرس لي وانتهينا وتفرقنا، حينئذ الفرس أصبحت ملكاً لي أو لا؟ فأي نماء تعلق بهذا المبيع فإنه لي للاستحقاق، سواء كان النماء متصلاً أو كان النماء منفصلاً.

النماء المنفصل مثل ما ذكرنا لو ولد، هذا نماء منفصل.

النماء المتصل مثل زيادة، مثل لو أن النبات زاد، أو العبد تعلم صنعة، أو كبر، أو حصل له زيادة مرتبطة بذاته متصلة به ليست منفصلة عنه.

إذاً: هذا الأثر الأول على انتقال الملك: أن النماء سواء كان متصلاً أو منفصلاً يكون من ملك المالك الجديد المشتري، ولو لم يقبض؛ لأنه ملك الأمر المتعلق بالقبض كما ذكرناه قبل قليل، الضمان متعلق بالقبض، لكن بالنسبة للزيادة أنا بعتك الشيء هذا، ثم خرج من عندك فولدت مثلاً، التي ولدت كانت ملكاً لك وفي ذمتك، طيب هذا الأثر الأول.

الأثر الثاني: تنفذ تصرفات المشتري في المبيع:

تصرفاته به مثلاً كما لو أحال عليه شخصاً آخر، فمثلاً لو هذا الفرس الذي عندك، لو أنا أحلت عليه شخصاً آخر يقبض هذا الأمر، فإن هذه الإحالة تكون نافذة وصحيحة، وكذلك لو أنني وهبته. هو حقيقة البيع لابد أن يكون بعد القبض، لكن ما هو القبض؟ هذا لعله يأتي له كلام، مثلاً هذا القبض يكون قبض الطعام معروف أنه لا يبيعه حتى يستوفيه، لكن الأصح أن القبض يكون بالعرف أيضاً، فقبض الأرض مثلاً ليس كقبض الطعام، وقبض السيارة ليس كقبض الأرض.. فكل سلعة قبضها بحسبها، لكن البيع لا يكون إلا بعد القبض.

طيب الأثر الثالث: لو أن الشخص البائع بعدما باع عليك السلعة، باع علي مثلاً الفرس كما اتفقنا، لو افترضنا أنه قبل أن يسلمني الفرس مات، وكان هذا الإنسان مثلاً معسراً ومفلساً، وجاء الغرماء يطالبون بالأموال التي عنده، في هذه الحالة أكون أنا يا من اشتريت الفرس أحق منهم جميعاً بالفرس؛ لأنها ملكي وإن لم أقم بقبضها، فأكون أحق من بقيتهم بأخذ هذه الفرس، ويكون هذا أمانة في يد البائع ولا يدخل في التركة التي يكون الغرماء فيها متساوين كما هو معروف.

هذه ثلاثة آثار مترتبة على تمام البيع ولو لم يتم معه القبض، أما الأثر المترتب على القبض فهو الضمان.

الأثر الثاني: أداء الثمن في الحال

من الآثار أيضاً المترتبة على عقد البيع: أداء الثمن الحال.

أولاً: إذا افترضنا أنهم اشتروا ولا اتفقوا على الثمن هل هو حال أو مؤجل، فقلت لي مثلاً: أنا أريد أن أشتري سيارتك، قلت: بسبعين ألف ريال، فقلت: اشتريت، ولم نقل: إنه حال ولا مؤجل، في هذه الحالة ما حكم البيع؟ صحيح ويكون بيعاً حالاً؛ لأن الأصل أن البيع حال إلا إذا اتفق على التأجيل.

قال ابن عبد البر رحمه الله: الثمن حال أبداً إلا أن يذكر المتبايعان بينهما أجلاً، فيكون البيع إلى هذا الأجل المذكور.

إذاً: إذا لم يذكر تأجيل ولا حلول فالبيع حال.

طبعاً قد يذكر بعد ذلك تأجيل يقال: إلى أجل معين، بعد سنة، ما هو الفرق بين التأجيل وبين التنجيم؟ قد يذكر أجلاً وقد يذكر نجوماً، فما هو الفرق بين التأجيل والتنجيم؟

التأجيل أن تقول: الثمن بعد سنة، أما التنجيم فهو أن تدفع الثمن نجوماً، يعني: يحل عليك كل شهر مبلغ مثلاً ألف ريال من الثمن، فهذا يسمى تنجيماً، يعني نجوماً، والنجوم هي الأشياء التي تأتي الفينة بعد الفينة كما يقول العلماء مثلاً: نزل القرآن منجماً، يقصدون أنه نزل مفرقاً بحسب الوقائع والأحوال والأحداث.

وبطبيعة الحال إذا كان الثمن مؤجلاً أو منجماً فيجب أن يكون الأجل أو التنجيم معلوماً، يعني: إلى سنة إلى شهور؛ ولهذا الله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة:282] فالأجل معروف، وقوله: (مسمى) يعني: أن يكون الأجل مضروباً معروفاً؛ لئلا يقع في ذلك الخلاف، فإن الشريعة جاءت بمنع كل ما يؤدي إلى الخصام والخلاف بين المتبايعين، وجاء في هذا أشياء كثيرة ربما يأتي عرض لشيء منها فيما يتعلق بالبيوع المنهي عنها، فلابد أن يكون الثمن معروفاً، ولابد أن يكون الأجل مسمى كما ذكر الله تبارك وتعالى.

الأثر الثالث: رد المبيع عند عدم الاتفاق

أيضاً مما يتعلق بالأحكام المترتبة على البيع.. اشتراط ما يتعلق بالرد، رد المبيع عند عدم الاتفاق.

أولاً النقطة الأولى: إذا اتفق البائع والمشتري على أنه إذا لم تؤد الثمن في الوقت الفلاني فالبيع باطل.

اتفقت معك على بيع السيارة بسبعين ألف ريال، لكن قلت لك: إذا مضى ثلاثة أيام أو سبعة أيام أو غابت شمس اليوم وأنت ما دفعت الثمن فإن العقد يكون باطلاً، فيكون العقد باطلاً.

هذا يسميه بعض العلماء خيار النقد؛ لأنه جعلني بالخيار، وكذلك أنت تكون بالخيار؛ لأنه بإمكانك ألا تسلم الثمن، فبهذا تسلم من الصفقة.

فهذا يسمونه خيار النقد، وهو جائز عند الحنفية، وهو جائز أيضاً في قول مالك، والأقرب أن هذا صحيح؛ لأن المسلمين على شروطهم إلا شرطاً حلل حراماً أو حرم حلالاً.

فنقول: إن خيار النقد بهذه الصيغة إذا كان باتفاق بينهما فهو شرط صحيح ويعمل به، فإذا مضى الوقت ولم يسدد الثمن فيكون البيع مفسوخاً حينئذ.

طيب، إذا كان الثمن مؤجلاً، كأن اتفقنا على قيمة السيارة -أي سبعين ألف ريال- بعد سنة مثلاً، فهنا على البائع صاحب السيارة أن يسلم السلعة، ولا ينتظر تسليم الثمن؛ لأن الثمن بعد سنة، فهنا حتى لو لم يتفق على أن المشتري يقبض السلعة فإنه يأخذها، وإنما يكون التأجيل في الثمن فقط، ولا يطالب بتسليم الثمن إلا عند حلول الأجل.

وكذلك الحال إذا كان الثمن منجماً، لو بعت عليك السيارة بسبعين ألف ريال تدفع لي مثلاً كل شهر ألفين، فحينئذ تقبض السيارة ولو لم تدفع شيئاً إلا في حالة واحدة، ما هي؟ إذا كان هناك اتفاق على دفعة عند العقد، إذا كان هناك جزء من الثمن منجز مثلما لو قلت: أبيعك السيارة بسبعين ألفاً منها عشرة آلاف تدفعها فوراً، فحينئذ عشرة الآلاف يجب على المشتري أن يدفعها فوراً، ويحق للبائع ألا يسلمه السيارة إلا بعدما يقبض المقدار المنجز أو الدفعة الفورية على الصحيح.

فإنه يترتب على البيع انتقال الملك، فينتقل ملك السلعة من مالكها الأصلي إلى المشتري، وينتقل ملك الثمن من مالكه الأصلي أيضاً إلى البائع، فهذا يحصل للمشتري والبائع بالبيع، فإذا تمت صفقة البيع بالإيجاب والقبول والتفرق -لأنهم بالخيار ما لم يتفرقا- إذا تم ذلك انتقلت السلعة إلى المشتري وانتقل الثمن إلى البائع، وإن كان الضمان يتعلق بالقبض، لكن بالنسبة للاستحقاق فإنه يستحقه، ويترتب على هذا الاستحقاق عدة نتائج:

منها: لو أن هذه الفرس التي اشتريتها منك ولم أقم بقبضه ولدت، ولدها يكون لمن؟

ولدها يكون للمشتري؛ لأن الفرس انتقلت ملكيتها إلي، وإن كان لا يضمنها إلا بالقبض، فلو تم عقد البيع أن هذا الفرس لي وانتهينا وتفرقنا، حينئذ الفرس أصبحت ملكاً لي أو لا؟ فأي نماء تعلق بهذا المبيع فإنه لي للاستحقاق، سواء كان النماء متصلاً أو كان النماء منفصلاً.

النماء المنفصل مثل ما ذكرنا لو ولد، هذا نماء منفصل.

النماء المتصل مثل زيادة، مثل لو أن النبات زاد، أو العبد تعلم صنعة، أو كبر، أو حصل له زيادة مرتبطة بذاته متصلة به ليست منفصلة عنه.

إذاً: هذا الأثر الأول على انتقال الملك: أن النماء سواء كان متصلاً أو منفصلاً يكون من ملك المالك الجديد المشتري، ولو لم يقبض؛ لأنه ملك الأمر المتعلق بالقبض كما ذكرناه قبل قليل، الضمان متعلق بالقبض، لكن بالنسبة للزيادة أنا بعتك الشيء هذا، ثم خرج من عندك فولدت مثلاً، التي ولدت كانت ملكاً لك وفي ذمتك، طيب هذا الأثر الأول.

الأثر الثاني: تنفذ تصرفات المشتري في المبيع:

تصرفاته به مثلاً كما لو أحال عليه شخصاً آخر، فمثلاً لو هذا الفرس الذي عندك، لو أنا أحلت عليه شخصاً آخر يقبض هذا الأمر، فإن هذه الإحالة تكون نافذة وصحيحة، وكذلك لو أنني وهبته. هو حقيقة البيع لابد أن يكون بعد القبض، لكن ما هو القبض؟ هذا لعله يأتي له كلام، مثلاً هذا القبض يكون قبض الطعام معروف أنه لا يبيعه حتى يستوفيه، لكن الأصح أن القبض يكون بالعرف أيضاً، فقبض الأرض مثلاً ليس كقبض الطعام، وقبض السيارة ليس كقبض الأرض.. فكل سلعة قبضها بحسبها، لكن البيع لا يكون إلا بعد القبض.

طيب الأثر الثالث: لو أن الشخص البائع بعدما باع عليك السلعة، باع علي مثلاً الفرس كما اتفقنا، لو افترضنا أنه قبل أن يسلمني الفرس مات، وكان هذا الإنسان مثلاً معسراً ومفلساً، وجاء الغرماء يطالبون بالأموال التي عنده، في هذه الحالة أكون أنا يا من اشتريت الفرس أحق منهم جميعاً بالفرس؛ لأنها ملكي وإن لم أقم بقبضها، فأكون أحق من بقيتهم بأخذ هذه الفرس، ويكون هذا أمانة في يد البائع ولا يدخل في التركة التي يكون الغرماء فيها متساوين كما هو معروف.

هذه ثلاثة آثار مترتبة على تمام البيع ولو لم يتم معه القبض، أما الأثر المترتب على القبض فهو الضمان.

من الآثار أيضاً المترتبة على عقد البيع: أداء الثمن الحال.

أولاً: إذا افترضنا أنهم اشتروا ولا اتفقوا على الثمن هل هو حال أو مؤجل، فقلت لي مثلاً: أنا أريد أن أشتري سيارتك، قلت: بسبعين ألف ريال، فقلت: اشتريت، ولم نقل: إنه حال ولا مؤجل، في هذه الحالة ما حكم البيع؟ صحيح ويكون بيعاً حالاً؛ لأن الأصل أن البيع حال إلا إذا اتفق على التأجيل.

قال ابن عبد البر رحمه الله: الثمن حال أبداً إلا أن يذكر المتبايعان بينهما أجلاً، فيكون البيع إلى هذا الأجل المذكور.

إذاً: إذا لم يذكر تأجيل ولا حلول فالبيع حال.

طبعاً قد يذكر بعد ذلك تأجيل يقال: إلى أجل معين، بعد سنة، ما هو الفرق بين التأجيل وبين التنجيم؟ قد يذكر أجلاً وقد يذكر نجوماً، فما هو الفرق بين التأجيل والتنجيم؟

التأجيل أن تقول: الثمن بعد سنة، أما التنجيم فهو أن تدفع الثمن نجوماً، يعني: يحل عليك كل شهر مبلغ مثلاً ألف ريال من الثمن، فهذا يسمى تنجيماً، يعني نجوماً، والنجوم هي الأشياء التي تأتي الفينة بعد الفينة كما يقول العلماء مثلاً: نزل القرآن منجماً، يقصدون أنه نزل مفرقاً بحسب الوقائع والأحوال والأحداث.

وبطبيعة الحال إذا كان الثمن مؤجلاً أو منجماً فيجب أن يكون الأجل أو التنجيم معلوماً، يعني: إلى سنة إلى شهور؛ ولهذا الله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة:282] فالأجل معروف، وقوله: (مسمى) يعني: أن يكون الأجل مضروباً معروفاً؛ لئلا يقع في ذلك الخلاف، فإن الشريعة جاءت بمنع كل ما يؤدي إلى الخصام والخلاف بين المتبايعين، وجاء في هذا أشياء كثيرة ربما يأتي عرض لشيء منها فيما يتعلق بالبيوع المنهي عنها، فلابد أن يكون الثمن معروفاً، ولابد أن يكون الأجل مسمى كما ذكر الله تبارك وتعالى.

أيضاً مما يتعلق بالأحكام المترتبة على البيع.. اشتراط ما يتعلق بالرد، رد المبيع عند عدم الاتفاق.

أولاً النقطة الأولى: إذا اتفق البائع والمشتري على أنه إذا لم تؤد الثمن في الوقت الفلاني فالبيع باطل.

اتفقت معك على بيع السيارة بسبعين ألف ريال، لكن قلت لك: إذا مضى ثلاثة أيام أو سبعة أيام أو غابت شمس اليوم وأنت ما دفعت الثمن فإن العقد يكون باطلاً، فيكون العقد باطلاً.

هذا يسميه بعض العلماء خيار النقد؛ لأنه جعلني بالخيار، وكذلك أنت تكون بالخيار؛ لأنه بإمكانك ألا تسلم الثمن، فبهذا تسلم من الصفقة.

فهذا يسمونه خيار النقد، وهو جائز عند الحنفية، وهو جائز أيضاً في قول مالك، والأقرب أن هذا صحيح؛ لأن المسلمين على شروطهم إلا شرطاً حلل حراماً أو حرم حلالاً.

فنقول: إن خيار النقد بهذه الصيغة إذا كان باتفاق بينهما فهو شرط صحيح ويعمل به، فإذا مضى الوقت ولم يسدد الثمن فيكون البيع مفسوخاً حينئذ.

طيب، إذا كان الثمن مؤجلاً، كأن اتفقنا على قيمة السيارة -أي سبعين ألف ريال- بعد سنة مثلاً، فهنا على البائع صاحب السيارة أن يسلم السلعة، ولا ينتظر تسليم الثمن؛ لأن الثمن بعد سنة، فهنا حتى لو لم يتفق على أن المشتري يقبض السلعة فإنه يأخذها، وإنما يكون التأجيل في الثمن فقط، ولا يطالب بتسليم الثمن إلا عند حلول الأجل.

وكذلك الحال إذا كان الثمن منجماً، لو بعت عليك السيارة بسبعين ألف ريال تدفع لي مثلاً كل شهر ألفين، فحينئذ تقبض السيارة ولو لم تدفع شيئاً إلا في حالة واحدة، ما هي؟ إذا كان هناك اتفاق على دفعة عند العقد، إذا كان هناك جزء من الثمن منجز مثلما لو قلت: أبيعك السيارة بسبعين ألفاً منها عشرة آلاف تدفعها فوراً، فحينئذ عشرة الآلاف يجب على المشتري أن يدفعها فوراً، ويحق للبائع ألا يسلمه السيارة إلا بعدما يقبض المقدار المنجز أو الدفعة الفورية على الصحيح.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب الفدية 3987 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – باب الخيار -2 3926 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - زكاة السائمة 3854 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - باب زكاة العروض 3846 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب المسح على الخفين 3672 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب محظورات الإحرام -1 3625 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب صلاة المريض 3615 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – مراجعة ومسائل متفرقة في كتاب البيوع 3552 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب صفة الحج 3517 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب أركان الصلاة وواجباتها 3444 استماع