خطب ومحاضرات
شرح الترمذي - باب مفتاح الصلاة الطهور [4]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
تقدم معنا أن هذا الباب عنوانه: باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور، وقد روى الترمذي عليه رحمة الله، في هذا الباب حديثين عن النبي عليه الصلاة والسلام.
الحديث الأول: من رواية رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، وقد ساق الترمذي حديث علي عن أربعةٍ من شيوخه، عن قتيبة بن سعيد ، وهناد بن السري ، ومحمود بن غيلان ، ومحمد بن بشار رحمهم الله جميعاً، عن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، قال أبو عيسى : هذا الحديث أصح شيءٍ في هذا الباب وأحسنه.
وأما حديث جابر رضي الله عنه فرواه الإمام الترمذي ، من طريق شيخه أبي بكر محمد بن زنجويه ، وعن غير واحدٍ من شيوخه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء).
وقد انتهينا من المبحث الأول المتعلق بإسناد هذين الحديثين، ثم بعد ذلك ذكرنا ثلاثة أمور تتعلق بالمبحث الثاني في فقه الحديث ومعناه:
الأمر الأول: مضى الكلام عليه وهو أن الطهارة شرطٌ لصحة الصلاة بالاتفاق.
الأمر الثاني: في التحريمة التي يدخل الإنسان بها في الصلاة، (تحريمها التكبير).
الأمر الثالث: (وتحليلها التسليم).
وبقي علينا -كما قلت- أمرٌ رابع ضمن فقه الحديث ومعناه ألا وهو (مفتاح الجنة الصلاة).
هذه الجملة وردت في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين، وفيه ضعفٌ يسير من حيث الإسناد، وسنذكر الآن معناه من حيث فقه الحديث ودلالة هذا اللفظ؛ لأن في ظاهر اللفظ إشكال؛ لأن المفتاح ما يتوصل به إلى المخبآت، وإلى الأشياء التي أغلق عليها، وهذا ينبغي أن يكون بأعظم شيءٍ في الإسلام؛ ليتوصل به إلى دار السلام، فهناك أعظم من الصلاة بكثير، وهي شهادة التوحيد: لا إله إلا الله، محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فينبغي أن يُجعل المفتاح بالشهادتين، وأن يقال: مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن ما عدا كلمة الشهادة يكون بمثابة تقوية لأسنان المفتاح، أما المفتاح الذي ستُفتح به الجنة فهو الإيمان بالله، عن طريق النطق بكلمة التوحيد: لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ففي ظاهر هذا الحديث -كما قلت- إشكال، حيث جعل مفتاح الجنة الصلاة، والأصل أن تكون كلمة التوحيد هي المفتاح، وقد ورد هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام، في قوله: ( مفتاح الجنة لا إله إلا الله )، وثبوته أقوى من ثبوت حديث جابر في قوله: ( مفتاح الجنة الصلاة )، وسأذكر تحقيق الكلام في الرواية الأولى التي تفيد أن (مفتاح الجنة لا إله إلا الله)، ثم أجمع بين الروايتين إن شاء الله، وبذلك نكون قد انتهينا من فقهِ هذين الحديثين وبيان ما يتعلق بمعناهما، ثم ننتقل بعد ذلك إلى تخريج الحديثين، وإلى شرح قول الترمذي : وفي الباب، وتخريج ما ذكره في الباب من حديثين آخرين: حديث جابر وقد رواه الترمذي ، وحديث أبي سعيد الخدري كما سأبين من أخرجه ومن رواه إن شاء الله.
ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام: (أن مفتاح الجنة لا إله إلا الله)، في مسند الإمام أحمد، في الجزء الخامس صفحة اثنتين وأربعين ومائتين، ورواه البزار أيضاً كما في كشف الأستار عن زوائد مسند البزار في الجزء الأول، صفحة تسعٍ، وهو في مجمع الزوائد في الجزء الأول صفحة سبع عشرة، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مفتاح الجنة: شهادة أن لا إله إلا الله)، لا تفتح إلا بهذه الكلمة، لا إله إلا الله.
وقوله: (لا إله إلا الله)، هذه جملةٌ نعنون بها على كلمتي الشهادة: الشهادة لله بالألوهية والوحدانية، والشهادة لنبيه عليه الصلاة والسلام بالرسالة، كما يقال: سورة الحمد عنواناً على سورة الفاتحة بكاملها، وهنا كذلك عندما يقال: كلمة التوحيد، أي: شهادة أن لا إله إلا الله ويدخل فيها: محمدٌ رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا معلومٌ من الدين بالضرورة، فقوله: (مفتاح الجنة: شهادة أن لا إله إلا الله)، أي: وأن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلا يقبل الله شهادة العبد بأن الله له الألوهية ينبغي أن يعبد، إلا إذا أقر بالنبوة والرسالة لنبيه عليه الصلاة والسلام.
تخريج حديث (مفتاح الجنة لا إله إلا الله) ودرجته
الضعف الذي في حديث معاذ بن جبل من شهر بن حوشب ، وشهر بن حوشب من أئمة التابعين عليهم جميعاً رضوان رب العالمين، لكن لم يسمع من معاذ ، ففي الحديث انقطاع، والانقطاع هذا يسبب ضعفاً في الحديث؛ لأن شروط قبول الحديث صحةً أو حُسناً، خمسة، منها: اتصال السند، وإذا انقطع خرج عن كونه صحيحاً أو حسناً؛ لأنه غير متصل الإسناد وشهر على المعتمد صدوق، وحديثه في درجة الحسن، وأما تضعيف بعض الأئمة له فهذا رأيٌ لهم، إنما المعتمد في أمره ما قاله الحافظ في التقريب: صدوقٌ كثير الإرسال والأوهام، وقد أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم في صحيحه، وأهل السنن الأربعة.
في الإسناد إسماعيل بن عياش الحمصي، وروايته عن غير أهل بلده فيها ضعفٌ وتخليطٌ، فإذا روى عن غير أهل الشام فإنه يهم ويخطئ، وهنا روايته عن أهل الحجاز؛ ولذلك قال الحافظ في ترجمته: صدوقٌ في أهل بلده إذا روى عنهم، فإذا روى عن غيرهم خلط، ثم رمز إلى أن حديثه أخرجه أهل السنن الأربعة.
وهذا الأثر الذي رواه الإمام أحمد في المسند، والبزار ، ورواه البيهقي في شعب الإيمان، كما نص على ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري، في أول كتاب الجنائز من صحيح البخاري في الجزء الثالث صفحة تسعٍ ومائة، وزاد في الرواية: (مفتاح الجنة: شهادة أن لا إله إلا الله، ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان)، فإن جئت بمفتاحٍ له أسنانٍ فتح لك، أي: فتح لك باب الجنة، وإلا لم يفتح لك، قال الحافظ ابن حجر : ويحتمل أن هذه الزيادة مدرجة في الأثر، وأن كلام النبي عليه الصلاة والسلام قد انتهى كما في رواية المسند والبزار : (مفتاح الجنة: لا إله إلا الله).
قال الحافظ ابن حجر : وقد روى ابن إسحاق في المغازي: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل العلاء بن الحضرمي وقال له: (إذا سئلت عن مفتاح الجنة، فقل: مفتاح الجنة لا إله إلا الله)، وهذا الأثر الثابت عن معاذ ، ورواه ابن إسحاق عن العلاء بن الحضرمي، روي أيضاً عن وهب بن منبه موقوفاً عليه من كلامه وهو من أئمة التابعين، وأثره ذكره البخاري في صحيحه، في أول كتاب الجنائز في المكان المشار إليه آنفاً، قال البخاري: وقيل لـوهب : أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاحٌ إلا وله أسنان، فإذا جئت بمفتاحٍ له أسنان فتح لك، وإلا لن يفتح لك.
وهذا الأثر ساقه البخاري معلقاً في صحيحه، قال الحافظ في الفتح: وقد وصله البخاري في التاريخ الكبير، كما وصله أبو نعيم في الحلية؛ لكن عن وهب بن منبه من كلامه، والأثر إليه ثابت، والإسناد إليه متصل.
معنى حديث: (مفتاح الجنة لا إله إلا الله)
قال أئمتنا: لا يقال هذا أبداً؛ لأن المراد إذا جئت بمفتاح له أسنان، فتح لك الباب على التمام، أو فتح لك من أول الأمر، وأما إذا كانت بعض الأسنان فيها تآكل، فلا بد الآن من عمل فرك وتعديل عليه ويكون بإدخاله إلى الكير إلى نار السعير، ونسأل الله العافية، من أجل أن يقوّم ويصلح السن الذي حصل فيه خلل.
إذاً: إذا أتيت بالمفتاح وله الأسنان، لكن قد انكسرت بعض الأسنان فلا يقال: ذهبت مذهب الخوارج الذين يقولون: من ضيع واجباً أو ارتكب منهياً فهو مخلدٌ في نار جهنم، ولا يمكنه أن يدخل الجنة، ولا أن يشم ريحها.
وهذا هو قول المعتزلة أيضاً، وهو قول فروخ المعتزلة والخوارج وهم الإباضية، وهو: أن من لقي الله بمعصيةٍ فهو مخلدٌ في نار جهنم، هو وإبليس وأبو جهل ، وفرعون، وهامان ، وقارون سواء، فلا يمكن أن يرى الجنة، ولا أن يشم ريحها، وأما جبال الحسنات التي عملها فقد ضاعت كلها بمعصيةٍ واحدة، وهذا لا يستقيم في كرم الرحمن سبحانه وتعالى، وكيف يسوي من وحده بمن جحده؟! وكيف يسوي من عبده بمن تنكب عن عبادته واستكبر عليه سبحانه وتعالى؟! لا يمكن التسوية، بل إذا زل العبد فأمره موكولٌ إلى الله عز وجل، إن شاء أن يعذبه من أجل أن يُعدِّل السن الذي انكسر عنده، وإن شاء أن يرحمه، وهو أرحمن الراحمين وأكرم الأكرمين، ولذلك لا نجزم بوقوع العقوبة على العاصي، إنما نقول: هو تحت المشيئة: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48]، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116].
إذاً الشرك لا يغفر، وما عداه يحتمل شيئين: إن غفر الله له فهذا فضل، وإن عذبه فهذا عدل، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، فإذا عذب لا يخلد في النار؛ لأنه أتى بالمفتاح، وإذا غفر الله له ففضله واسعٌ سبحانه وتعالى.
إذاً: هذا القول لا يقودنا إلى قول الخوارج؛ ولذلك عندما استشكل بعض أئمتنا كالإمام الداودي عليه رحمة الله، قال: هذا القيد محمولٌ على التشبيه، وكأن قائله لم يبلغه حديث أبي ذر ، الذي سيذكره عما قريب في الصحيحين وغيرهم إن شاء الله، هذا القول من وهب بن منبه ، ومن الزيادة المدرجة في حديث معاذ محمولة على التشديد والتغليظ، وكأنه قالها مستحضراً حديث أبي ذر بأن (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق)، (وإن شرب الخمر).
إذاً: كأن الإمام الداودي فهم من هذه الرواية أن الأسنان إذا تآكلت أو انكسرت، فلا يمكن أن يفتح الباب أبداً، وهذا هو قول الخوارج والمعتزلة والإباضية، قول الفرق الضالة الرديئة.
وهذا الكلام من الإمام الداودي عندما توهم أن الأسنان إذا سقط بعضها لا يمكن الفتح مطلقاً، فقال ما قال.
قال الحافظ ابن حجر: ونعم ما قال رحمه الله ورضي عنه، قال: والتحقيق أن من أتى بكلمة التوحيد مخلصاً من قلبه فقد أتى بمفتاحٍ له أسنان، فإذا قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام فقد وجد معه المفتاح الذي له أسنان: لأن المفتاح بلا أسنان لا يسمى مفتاحاً، بل هو عود أو حديدة، فمن قال: لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله عليه الصلاة والسلام مخلصاً من قلبه أتى بمفتاحٍ له أسنان، فإذا وقع بعد ذلك في شيءٍ من التفريط، إما بتضييع المأمورات، وإما بارتكاب المحظورات، ومات وهو مصرٌ عليها، فهذا مفتاح أسنانه رخوة وضعيفة؛ لأن كلمة التوحيد تقوى في قلب الإنسان بالعمل، والإيمان يقوى في قلبك، فيزداد إذا عملت، ويضعف إذا ضيعت العمل، فيزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
ولذلك كان أئمتنا يقولون: الإيمان في القلب كالشجرة، والشجرة كلما سقيتها ازدادت قوةً ومتانةً وإحساناً، فمهما عصفت الرياح بها بعد ذلك لا تقلعها، وإذا لم تسقها فقد تعتريها أعاصير ورياح، فإن كانت خفيفة هزتها، وإن كانت قوية اقتلعتها من أصلها، وكما يقال: الإيمان عقدة كعقدة الحبل، فأحياناً تكون العقدة متينة، بحيث لا يمكن أن تفكها لا بيديك ولا بأسنانك، وأحياناً تكون رخوة، لكنها تقوى بالعمل، وتقويتها تسترخي وتضعف بترك العمل، والأسنان موجودةٌ بكلمة: لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتقويتها بالعمل الصالح، وضعفها بترك العمل، وعلى هذا التعليل والتفسير والتحليل الذي ذكره هذا الإمام المبارك لا يكون هناك اقتراب لا من قول الخوارج ولا المعتزلة ولا الإباضية.
شواهد لحديث (مفتاح الجنة لا إله إلا الله..)
فقد ثبت في المسند، والصحيحين، وسنن الترمذي ، من حديث أبي ذر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال
ووجه الإشكال: كيف سيدخل الجنة إنسانٌ عاصٍ مفرط مخلط لمجرد أنه قال: لا إله إلا الله؟
والجواب عن هذا أن يقال: إما أن يدخلها في البداية إن غفر الله له، وإما في المآل والنهاية إذا عذبه، يعني: إذا وحد وصلى وصام وحج واعتمر وزكى وجاهد، وتلبس بمعصية، ثم مات فلا يسوى بإبليس؛ لأن الله لا يسوي بين المؤمنين والكافرين، ولذلك إذا عُذب فلن يعذب في نار الكفار، بل يعذب في طبقةٍ خاصة بالعصاة فقط، أما دركات النار التي للكفار فلن يعذب فيها، وهذا يعني أن من وحد الله جل وعلا، فقد يعذب في النار لكنه يمتاز عن الكفار، فيكون في أخف دركاتها، ثم يزول عنه العذاب بعد ذلك وتبقى النار تلتهم وتتأجج على من فيها، ومن قال من أئمتنا بفناء النار، فإنه يقصد بالفناء فناء دار العصاة، هذه هي التي تفنى، وهذا هو الذي قرره الإمام ابن القيم عليه رحمة الله، في كتابه الوابل الصيب وغيره، وحكي عنه كلامٌ موهِم، توهم عنه بعض الناس أنه يقول: بفناء النار التي للكفار، وتلك النار لا تفنى، والجنة لا تفنى.
إذاً: التي تفنى هي دار عصاة الموحدين، فبعد أن يعذبوا فيها ثم تفنى، وتصبح النار تتأجج على الكفار ولا يبقى من النار التي هي للعصاة شيء.
والشاهد من قوله: ( من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة ) فإذا عملت الصالحات صارت الأسنان قوية، وإلا صار فيها ضعفٌ ورخاوة.
وهذا المعنى ثابتٌ أيضاً من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، رواه الإمام أحمد في مسنده، والبزار ، والطبراني في معجمه الكبير، والنسائي في السنن الكبرى، عن أبي الدرداء ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق)، بمثل رواية أبي ذر أيضاً، وهو ثابتٌ أيضاً في مسند الإمام أحمد بسندٍ رجاله ثقات، ورواه الطبراني في معجمه الكبير، عن سلمة بن نعيم الأشجعي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، وإن زنى وإن سرق).
وثبت هذا المعنى في أحاديث تفيد التواتر ومُنكرها كافرٌ فاسق، منها: ما في مسند الإمام أحمد ، وصحيح مسلم ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الموجبتان: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار)، فبين النبي عليه الصلاة والسلام الموجبتين: موجبة الخلود في النار وهي: من مات يشرك بالله شيئاً، وموجبة دخول الجنة وهي: من مات لا يشرك بالله شيئاً.
وثبت في المسند أيضاً وصحيح البخاري ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة)، وثبت في مسند الإمام أحمد ، ومسند البزار ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة)، بلفظ حديث أنس المتقدم، والحديث رواه البزار ، والطبراني في معجمه الأوسط، والصغير، والبيهقي في شعب الإيمان، ورواه أبو نعيم في الحلية، والخطيب البغدادي عليهم جميعاً رحمة الله، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه) يعني: لا بد من أن تنفعه، وأن يدخل بسببها الجنة، يصيبه قبل ذلك ما أصابه.
وقوله: (من قال: لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره)، يعني: من عمره، (يصيبه قبل ذلك ما أصابه)، والمعنى: أنه في مدة حياته ستنفعه، وبعد أن يبعث وينشر للحساب ستنفعه، إما مباشرةً والله يعفو عن زلَلهُ وهو أرحم الراحمين، وإما بعد أن يعذب، المهم أنه لا بد من أن ينتفع، ولا يمكن أن يسوى بين هذا الموحد وهذا الجاحد.
هذه الآثار المتقدمة التي ذكرتها وعرفتها نشهد لحديث معاذ بأن: (مفتاح الجنة لا إله إلا الله)، ولذلك أورد الحافظ ابن حجر حديث معاذ في الفتح، وعزاه البيهقي في شعب الإيمان ولمسند البزار ، ولم يبين ضعفه، وقد اشترط في هدي الساري أنه إذا ذكر حديثاً في فتح الباري ولم يبين ضعفه فلا ينزل عن درجة الاحتجاج به، فهو إما صحيحٌ وإما حسن؛ وعليه فحديث معاذ حسنٌ عند الحافظ لغيره، لوجود شواهد تشهد لمعناه، والمعنى حقيقةً حق لا إشكال فيه، (مفتاح الجنة لا إله إلا الله)، وتقدم معنا في روايات كثيرة ما يدل على هذا، وأن من أتى بكلمة التوحيد، فتح له باب الجنة ودخلها عاجلاً أو آجلاً.
وحديث معاذ الذي رواه -كما قلت- الإمام أحمد ، والبزار ، والبيهقي في شعب الإيمان، ورواه ابن إسحاق عن العلاء بن الحضرمي : (مفتاح الجنة لا إله إلا الله)، فيه ضعف؛ لأن شهر بن حوشب لم يسمع من معاذ ؛ لكن هذا الضعف انجبر بالروايات الصحيحة الوفيرة الكثيرة المتكاثرة التي تدل على هذا المعنى، وهو أن من أتى بكلمة التوحيد فقد أتى بشيءٍ يُفتح له به باب الجنة، والحافظ سكت على تضعيف حديث معاذ، فعلى حسب شرطه في كتابه أن الحديث في درجة الحسن عنده، والعلم عند الله جل وعلا.
وهذا الحديث أيضاً فيه ضعف، لكن سيأتينا له شواهد تقويه فيكون أقوى من حديث جابر ، بأن (مفتاح الجنة الصلاة)، ثم نجمع بين الأثرين إن شاء الله.
الضعف الذي في حديث معاذ بن جبل من شهر بن حوشب ، وشهر بن حوشب من أئمة التابعين عليهم جميعاً رضوان رب العالمين، لكن لم يسمع من معاذ ، ففي الحديث انقطاع، والانقطاع هذا يسبب ضعفاً في الحديث؛ لأن شروط قبول الحديث صحةً أو حُسناً، خمسة، منها: اتصال السند، وإذا انقطع خرج عن كونه صحيحاً أو حسناً؛ لأنه غير متصل الإسناد وشهر على المعتمد صدوق، وحديثه في درجة الحسن، وأما تضعيف بعض الأئمة له فهذا رأيٌ لهم، إنما المعتمد في أمره ما قاله الحافظ في التقريب: صدوقٌ كثير الإرسال والأوهام، وقد أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم في صحيحه، وأهل السنن الأربعة.
في الإسناد إسماعيل بن عياش الحمصي، وروايته عن غير أهل بلده فيها ضعفٌ وتخليطٌ، فإذا روى عن غير أهل الشام فإنه يهم ويخطئ، وهنا روايته عن أهل الحجاز؛ ولذلك قال الحافظ في ترجمته: صدوقٌ في أهل بلده إذا روى عنهم، فإذا روى عن غيرهم خلط، ثم رمز إلى أن حديثه أخرجه أهل السنن الأربعة.
وهذا الأثر الذي رواه الإمام أحمد في المسند، والبزار ، ورواه البيهقي في شعب الإيمان، كما نص على ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري، في أول كتاب الجنائز من صحيح البخاري في الجزء الثالث صفحة تسعٍ ومائة، وزاد في الرواية: (مفتاح الجنة: شهادة أن لا إله إلا الله، ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان)، فإن جئت بمفتاحٍ له أسنانٍ فتح لك، أي: فتح لك باب الجنة، وإلا لم يفتح لك، قال الحافظ ابن حجر : ويحتمل أن هذه الزيادة مدرجة في الأثر، وأن كلام النبي عليه الصلاة والسلام قد انتهى كما في رواية المسند والبزار : (مفتاح الجنة: لا إله إلا الله).
قال الحافظ ابن حجر : وقد روى ابن إسحاق في المغازي: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل العلاء بن الحضرمي وقال له: (إذا سئلت عن مفتاح الجنة، فقل: مفتاح الجنة لا إله إلا الله)، وهذا الأثر الثابت عن معاذ ، ورواه ابن إسحاق عن العلاء بن الحضرمي، روي أيضاً عن وهب بن منبه موقوفاً عليه من كلامه وهو من أئمة التابعين، وأثره ذكره البخاري في صحيحه، في أول كتاب الجنائز في المكان المشار إليه آنفاً، قال البخاري: وقيل لـوهب : أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاحٌ إلا وله أسنان، فإذا جئت بمفتاحٍ له أسنان فتح لك، وإلا لن يفتح لك.
وهذا الأثر ساقه البخاري معلقاً في صحيحه، قال الحافظ في الفتح: وقد وصله البخاري في التاريخ الكبير، كما وصله أبو نعيم في الحلية؛ لكن عن وهب بن منبه من كلامه، والأثر إليه ثابت، والإسناد إليه متصل.
وقوله: (مفتاح الجنة: لا إله إلا الله، ولكن لا بد للمفتاح من أسنان)، هذه الجملة: (لا بد للمفتاح من أسنان) في رواية شعب الإيمان للبيهقي من حديث معاذ ، وهل هي مدرجةٌ أو من كلام النبي عليه الصلاة والسلام؟ في ذلك كلام، وهي ثابتة من كلام وهب بن منبه ، ولا تقودنا إلى رأي الخوارج قطعاً وجزماً، الذين قالوا: إذا اشترطتم لكلمة التوحيد الأسنان، وهي فعل المأمورات، وترك المنهيات، وأخل الإنسان بمأمور، أو ارتكب محظوراً، فقد انكسر أحد أسنان المفتاح، وبالتالي فلا يمكن أن يدخل الجنة.
قال أئمتنا: لا يقال هذا أبداً؛ لأن المراد إذا جئت بمفتاح له أسنان، فتح لك الباب على التمام، أو فتح لك من أول الأمر، وأما إذا كانت بعض الأسنان فيها تآكل، فلا بد الآن من عمل فرك وتعديل عليه ويكون بإدخاله إلى الكير إلى نار السعير، ونسأل الله العافية، من أجل أن يقوّم ويصلح السن الذي حصل فيه خلل.
إذاً: إذا أتيت بالمفتاح وله الأسنان، لكن قد انكسرت بعض الأسنان فلا يقال: ذهبت مذهب الخوارج الذين يقولون: من ضيع واجباً أو ارتكب منهياً فهو مخلدٌ في نار جهنم، ولا يمكنه أن يدخل الجنة، ولا أن يشم ريحها.
وهذا هو قول المعتزلة أيضاً، وهو قول فروخ المعتزلة والخوارج وهم الإباضية، وهو: أن من لقي الله بمعصيةٍ فهو مخلدٌ في نار جهنم، هو وإبليس وأبو جهل ، وفرعون، وهامان ، وقارون سواء، فلا يمكن أن يرى الجنة، ولا أن يشم ريحها، وأما جبال الحسنات التي عملها فقد ضاعت كلها بمعصيةٍ واحدة، وهذا لا يستقيم في كرم الرحمن سبحانه وتعالى، وكيف يسوي من وحده بمن جحده؟! وكيف يسوي من عبده بمن تنكب عن عبادته واستكبر عليه سبحانه وتعالى؟! لا يمكن التسوية، بل إذا زل العبد فأمره موكولٌ إلى الله عز وجل، إن شاء أن يعذبه من أجل أن يُعدِّل السن الذي انكسر عنده، وإن شاء أن يرحمه، وهو أرحمن الراحمين وأكرم الأكرمين، ولذلك لا نجزم بوقوع العقوبة على العاصي، إنما نقول: هو تحت المشيئة: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48]، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116].
إذاً الشرك لا يغفر، وما عداه يحتمل شيئين: إن غفر الله له فهذا فضل، وإن عذبه فهذا عدل، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، فإذا عذب لا يخلد في النار؛ لأنه أتى بالمفتاح، وإذا غفر الله له ففضله واسعٌ سبحانه وتعالى.
إذاً: هذا القول لا يقودنا إلى قول الخوارج؛ ولذلك عندما استشكل بعض أئمتنا كالإمام الداودي عليه رحمة الله، قال: هذا القيد محمولٌ على التشبيه، وكأن قائله لم يبلغه حديث أبي ذر ، الذي سيذكره عما قريب في الصحيحين وغيرهم إن شاء الله، هذا القول من وهب بن منبه ، ومن الزيادة المدرجة في حديث معاذ محمولة على التشديد والتغليظ، وكأنه قالها مستحضراً حديث أبي ذر بأن (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق)، (وإن شرب الخمر).
إذاً: كأن الإمام الداودي فهم من هذه الرواية أن الأسنان إذا تآكلت أو انكسرت، فلا يمكن أن يفتح الباب أبداً، وهذا هو قول الخوارج والمعتزلة والإباضية، قول الفرق الضالة الرديئة.
وهذا الكلام من الإمام الداودي عندما توهم أن الأسنان إذا سقط بعضها لا يمكن الفتح مطلقاً، فقال ما قال.
قال الحافظ ابن حجر: ونعم ما قال رحمه الله ورضي عنه، قال: والتحقيق أن من أتى بكلمة التوحيد مخلصاً من قلبه فقد أتى بمفتاحٍ له أسنان، فإذا قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام فقد وجد معه المفتاح الذي له أسنان: لأن المفتاح بلا أسنان لا يسمى مفتاحاً، بل هو عود أو حديدة، فمن قال: لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله عليه الصلاة والسلام مخلصاً من قلبه أتى بمفتاحٍ له أسنان، فإذا وقع بعد ذلك في شيءٍ من التفريط، إما بتضييع المأمورات، وإما بارتكاب المحظورات، ومات وهو مصرٌ عليها، فهذا مفتاح أسنانه رخوة وضعيفة؛ لأن كلمة التوحيد تقوى في قلب الإنسان بالعمل، والإيمان يقوى في قلبك، فيزداد إذا عملت، ويضعف إذا ضيعت العمل، فيزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
ولذلك كان أئمتنا يقولون: الإيمان في القلب كالشجرة، والشجرة كلما سقيتها ازدادت قوةً ومتانةً وإحساناً، فمهما عصفت الرياح بها بعد ذلك لا تقلعها، وإذا لم تسقها فقد تعتريها أعاصير ورياح، فإن كانت خفيفة هزتها، وإن كانت قوية اقتلعتها من أصلها، وكما يقال: الإيمان عقدة كعقدة الحبل، فأحياناً تكون العقدة متينة، بحيث لا يمكن أن تفكها لا بيديك ولا بأسنانك، وأحياناً تكون رخوة، لكنها تقوى بالعمل، وتقويتها تسترخي وتضعف بترك العمل، والأسنان موجودةٌ بكلمة: لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتقويتها بالعمل الصالح، وضعفها بترك العمل، وعلى هذا التعليل والتفسير والتحليل الذي ذكره هذا الإمام المبارك لا يكون هناك اقتراب لا من قول الخوارج ولا المعتزلة ولا الإباضية.
وهذا المعنى الذي دل عليه حديث معاذ ، ورواه كما قلت ابن إسحاق ، عن العلاء بن الحضرمي عليهم جميعاً رضوان الله ورحمته، وقرره الحافظ ابن حجر بما ذكرت ووضحت، تواترت به نصوص الشريعة المطهرة.
فقد ثبت في المسند، والصحيحين، وسنن الترمذي ، من حديث أبي ذر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال
ووجه الإشكال: كيف سيدخل الجنة إنسانٌ عاصٍ مفرط مخلط لمجرد أنه قال: لا إله إلا الله؟
والجواب عن هذا أن يقال: إما أن يدخلها في البداية إن غفر الله له، وإما في المآل والنهاية إذا عذبه، يعني: إذا وحد وصلى وصام وحج واعتمر وزكى وجاهد، وتلبس بمعصية، ثم مات فلا يسوى بإبليس؛ لأن الله لا يسوي بين المؤمنين والكافرين، ولذلك إذا عُذب فلن يعذب في نار الكفار، بل يعذب في طبقةٍ خاصة بالعصاة فقط، أما دركات النار التي للكفار فلن يعذب فيها، وهذا يعني أن من وحد الله جل وعلا، فقد يعذب في النار لكنه يمتاز عن الكفار، فيكون في أخف دركاتها، ثم يزول عنه العذاب بعد ذلك وتبقى النار تلتهم وتتأجج على من فيها، ومن قال من أئمتنا بفناء النار، فإنه يقصد بالفناء فناء دار العصاة، هذه هي التي تفنى، وهذا هو الذي قرره الإمام ابن القيم عليه رحمة الله، في كتابه الوابل الصيب وغيره، وحكي عنه كلامٌ موهِم، توهم عنه بعض الناس أنه يقول: بفناء النار التي للكفار، وتلك النار لا تفنى، والجنة لا تفنى.
إذاً: التي تفنى هي دار عصاة الموحدين، فبعد أن يعذبوا فيها ثم تفنى، وتصبح النار تتأجج على الكفار ولا يبقى من النار التي هي للعصاة شيء.
والشاهد من قوله: ( من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة ) فإذا عملت الصالحات صارت الأسنان قوية، وإلا صار فيها ضعفٌ ورخاوة.
وهذا المعنى ثابتٌ أيضاً من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، رواه الإمام أحمد في مسنده، والبزار ، والطبراني في معجمه الكبير، والنسائي في السنن الكبرى، عن أبي الدرداء ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق)، بمثل رواية أبي ذر أيضاً، وهو ثابتٌ أيضاً في مسند الإمام أحمد بسندٍ رجاله ثقات، ورواه الطبراني في معجمه الكبير، عن سلمة بن نعيم الأشجعي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، وإن زنى وإن سرق).
وثبت هذا المعنى في أحاديث تفيد التواتر ومُنكرها كافرٌ فاسق، منها: ما في مسند الإمام أحمد ، وصحيح مسلم ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الموجبتان: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار)، فبين النبي عليه الصلاة والسلام الموجبتين: موجبة الخلود في النار وهي: من مات يشرك بالله شيئاً، وموجبة دخول الجنة وهي: من مات لا يشرك بالله شيئاً.
وثبت في المسند أيضاً وصحيح البخاري ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة)، وثبت في مسند الإمام أحمد ، ومسند البزار ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة)، بلفظ حديث أنس المتقدم، والحديث رواه البزار ، والطبراني في معجمه الأوسط، والصغير، والبيهقي في شعب الإيمان، ورواه أبو نعيم في الحلية، والخطيب البغدادي عليهم جميعاً رحمة الله، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه) يعني: لا بد من أن تنفعه، وأن يدخل بسببها الجنة، يصيبه قبل ذلك ما أصابه.
وقوله: (من قال: لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره)، يعني: من عمره، (يصيبه قبل ذلك ما أصابه)، والمعنى: أنه في مدة حياته ستنفعه، وبعد أن يبعث وينشر للحساب ستنفعه، إما مباشرةً والله يعفو عن زلَلهُ وهو أرحم الراحمين، وإما بعد أن يعذب، المهم أنه لا بد من أن ينتفع، ولا يمكن أن يسوى بين هذا الموحد وهذا الجاحد.
هذه الآثار المتقدمة التي ذكرتها وعرفتها نشهد لحديث معاذ بأن: (مفتاح الجنة لا إله إلا الله)، ولذلك أورد الحافظ ابن حجر حديث معاذ في الفتح، وعزاه البيهقي في شعب الإيمان ولمسند البزار ، ولم يبين ضعفه، وقد اشترط في هدي الساري أنه إذا ذكر حديثاً في فتح الباري ولم يبين ضعفه فلا ينزل عن درجة الاحتجاج به، فهو إما صحيحٌ وإما حسن؛ وعليه فحديث معاذ حسنٌ عند الحافظ لغيره، لوجود شواهد تشهد لمعناه، والمعنى حقيقةً حق لا إشكال فيه، (مفتاح الجنة لا إله إلا الله)، وتقدم معنا في روايات كثيرة ما يدل على هذا، وأن من أتى بكلمة التوحيد، فتح له باب الجنة ودخلها عاجلاً أو آجلاً.
وحديث معاذ الذي رواه -كما قلت- الإمام أحمد ، والبزار ، والبيهقي في شعب الإيمان، ورواه ابن إسحاق عن العلاء بن الحضرمي : (مفتاح الجنة لا إله إلا الله)، فيه ضعف؛ لأن شهر بن حوشب لم يسمع من معاذ ؛ لكن هذا الضعف انجبر بالروايات الصحيحة الوفيرة الكثيرة المتكاثرة التي تدل على هذا المعنى، وهو أن من أتى بكلمة التوحيد فقد أتى بشيءٍ يُفتح له به باب الجنة، والحافظ سكت على تضعيف حديث معاذ، فعلى حسب شرطه في كتابه أن الحديث في درجة الحسن عنده، والعلم عند الله جل وعلا.
استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح الترمذي - باب الاستتار عند الحاجة، والاستنجاء باليمين، والاستنجاء بالحجارة [4] | 4045 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في فضل الطهور [6] | 3979 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [9] | 3906 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [46] | 3793 استماع |
شرح الترمذي - مقدمات [8] | 3787 استماع |
شرح الترمذي - باب مفتاح الصلاة الطهور [2] | 3771 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [18] | 3570 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [24] | 3486 استماع |
شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [10] | 3465 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [6] | 3416 استماع |