شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب الفوات والإحصار - حديث 798-800


الحلقة مفرغة

الباب الأخير هو باب الفوات والإحصار، وهذا آخر باب في الحج.

في الحديث رقم (780):

عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ( أحصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحلق رأسه، وجامع نساءه، ونحر هديه حتى اعتمر عاماً قابلاً ) رواه البخاري.

تخريج الحديث

الحديث رواه البخاري في الحج، باب: إذا أحصر المعتمر، ورواه البيهقي في المناسك، باب: الإحصار، وغيرهم.

معاني ألفاظ الحديث

قوله: (أحصر) بضم الهمزة وكسر الصاد، وهذا المبني لما لم يسم فاعله، ومعنى (أحصر) أي: منع. وبعضهم يفرقون بين أحصر وحصر، فيكون هذا إذا حصره عدو، وهذا إذا حصره مرض، والواقع أن الإحصار يشمل الأمرين معاً، إذا حصره عدو أو حصره مرض أو مانع.

قوله: (ونحر هديه) كم كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم لما أحصر؟ الإحصار هذا متى كان؟ في الحديبية ؟ كم كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال ابن عباس رضي الله عنه: ( كان سبعين بدنة ).

قال: (ثم اعتمر عاماً قابلاً) هذا العام القابل هو عام القضية أو عام القضاء وكان سنة سبع.

ما يكون به الإحصار وأقوال أهل العلم فيه

النقطة الثالثة في الحديث: بم يكون الإحصار؟

وفيه قولان مشهوران:

القول الأول: أن الإحصار يكون بالعدو، لا يكون الإحصار إلا إذا منعه عدو عن البيت، وهذا قول الشافعي ومالك، وهو الرواية المشهورة عن الإمام أحمد، وممن قال بهذا القول أيضاً ابن عباس من الصحابة رضي الله عنهم وابن عمر، وأنس وابن الزبير وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وغيرهم.

واستدلوا بالآية الكريمة، وهي قوله سبحانه: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، فقالوا: إن الإحصار المقصود والمذكور في الآية هو حصر أو منع العدو، بدليل سبب النزول، وأيضاً بدليل قوله بعد ذلك: فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196]، فقالوا: الأمن مقابل الخوف الذي حصل لهم من العدو.

وقالوا: إنه في الآية بعد ذلك قال: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، فقالوا: لو كان المريض داخلاً في الإحصار لم يكن لذكره بعد ذلك معنى، ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنه: (لا حصر إلا حصر العدو)، وقد رواه البيهقي عنه بإسناد صحيح، وابن عباس ممن يقول بأن الإحصار لا يكون إلا من عدو.

القول الثاني: بأن الإحصار يكون بكل ما يمنع الإنسان عن البيت، سواء كان ذلك بعدو أو بحادث سيارة أو بمرض أو بحبس، يسجن.

نعيد القول الثاني:

القول الثاني: أن الإحصار يكون بكل ما يمنع الإنسان من دخول البيت، سواء كان بعدو أو بمرض أو بحادث سيارة أو بسجن، أو بغير ذلك مما يحول بين الإنسان وبين إتمام نسكه.

وهذا قول ابن مسعود رضي الله عنه وعطاء وعروة، وهو مذهب أبي حنيفة وقول لـمالك ورواية عن الإمام أحمد، وقد اختار هذا القول الإمام البخاري في صحيحه، وكذلك ابن تيمية وابن القيم وابن باز وابن عثيمين رحم الله الجميع.

واستدلوا بالآية ذاتها، فقالوا: إن قوله سبحانه: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ [البقرة:196] عام يشمل الحصر والمنع بأي سبب كان.

وقوله: فَإِذَا أَمِنتُمْ [البقرة:196] المقصود الأمن ليس فقط من العدو، من العدو أو مما يحول بين الإنسان وبين البيت.

واستدلوا أيضاً بحديث: ( من كسر أو عرج فقد حل )، وسوف نذكره بعد قليل وسنده حسن إن شاء الله.

وهذا القول الثاني هو الراجح، وهو الأوسع؛ الأكثر توسعة على الناس، والأنسب إلى سعة الشريعة أن يكون الإحصار عاماً؛ لحصر العدو أو المرض أو غيره.

فبناءً عليه نقول: المحصر يعني: الذي لم يستطع دخول البيت بمنع أو بعدو أو بحبس -لو سجن- أو بمرض -لو حصل له مرض- أو حادث سيارة، نقول: المحصر يذبح هديه -إن كان معه هدي- كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو يشتري إن لم يكن معه هدي فإنه يشتري؛ فإن لم يجد هدياً فلا شيء عليه ويحل.

قضاء المحصر نسكه الذي أحصر عنه

يبقى السؤال: إذا حل فهل عليه أن يحرم من قابل -كما قال ابن عباس - يحرم في السنة القادمة أو لا؟

بعض الفقهاء يقولون: عليه حجة أو عمرة من قابل عن التي حصر عنها، يعني: كأنها في ذمته وإن حل منها، فعليه أن يحج أو يعتمر من العام القابل.

ونقول: إنه لا يلزمه الحج من قابل إلا إن كان أصل الوجوب عليه، يعني: إن كان حجه أو عمرته كانت فرضاً، فعليه أن يحج من قابل حج الفريضة، والدليل على أنه لا يلزم أن يحج من قابل إذا لم يكن في ذمته شيء واجب أصلاً أن النبي عليه الصلاة والسلام لما تحلل عام الحديبية نحر هديه وحلق رأسه، وتحلل وتحلل أصحابه، أيضاً يكون حلق الرأس ضمن التحلل -كما هو معروف- إن لم أكن ذكرته، فإنه يذكر أن الإنسان المحصر ينحر هديه ويحلق رأسه.

فنقول: الدليل أنه لا يلزمه حج أو عمرة من قابل أن الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية خلق كثير، ولم يأت معه عليه الصلاة والسلام كل هؤلاء في عمرة القضية أو ما بعد ذلك، مما يدل على عدم الوجوب، وهذا الذي رجحه ابن تيمية، وقال: إن تسمية العمرة التالية -يعني: في السنة السابعة- بعمرة القضية أو عمرة القضاء ليس معناه أن هذا قضاء للعمرة التي حصروا عنها في الحديبية، وإنما عمرة القضية يعني: القضية القائمة بين الرسول عليه الصلاة والسلام وقريش قضية الصلح، سميت بهذا أنها ضمن بنود الصلح، أنه يحج من عام قابل، وليس ذلك قضاء ما فات، وهذا هو القول الراجح كما ذكرت.

فوائد الحديث

من فوائد الحديث: وجوب إتمام الحج والعمرة لمن شرع فيهما.

ومن فوائد الحديث: أن المحصر يتمتع بالرخص -رخصة الإحصار- سواء كان حصره بعدو أو بغيره، فينحر هديه ويحلق رأسه ويحل.

ومن فوائد الحديث: أنه إن كان إحرامه فرضاً وجب عليه قضاؤه بعد ذلك، وإن كان نفلاً فالأصح أنه ليس عليه في ذلك شيء.

الحديث رواه البخاري في الحج، باب: إذا أحصر المعتمر، ورواه البيهقي في المناسك، باب: الإحصار، وغيرهم.

قوله: (أحصر) بضم الهمزة وكسر الصاد، وهذا المبني لما لم يسم فاعله، ومعنى (أحصر) أي: منع. وبعضهم يفرقون بين أحصر وحصر، فيكون هذا إذا حصره عدو، وهذا إذا حصره مرض، والواقع أن الإحصار يشمل الأمرين معاً، إذا حصره عدو أو حصره مرض أو مانع.

قوله: (ونحر هديه) كم كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم لما أحصر؟ الإحصار هذا متى كان؟ في الحديبية ؟ كم كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال ابن عباس رضي الله عنه: ( كان سبعين بدنة ).

قال: (ثم اعتمر عاماً قابلاً) هذا العام القابل هو عام القضية أو عام القضاء وكان سنة سبع.