عنوان الفتوى : اغتسال المرأة من الحيض بعد انقطاع خروج الدم
كانت تأتيني العادة 7 أيام، وتناقصت إلى 6 و5 و4 أيام، وكنت أغتسل بمجرد انقطاع الدم، وعندما أتبوّل أرى الكدرة، ولا ألقِي لها بالًا؛ لأني لا أعلم أنها تتبع الحيض؛ فأنا لا أرى القصة البيضاء.
والآن جاءتني الدورة الشهرية ليلة الجمعة، واستمرّ الدم حتى ليلة الأحد، وبعدها نزلت إفرازات بنية، ولم أكن أعرف أن صفة الجفاف أن أدخل قطنة إلى الموضع، بل استخدمت الحفاظة ظهر يوم الأحد ثلاث ساعات، ولم أجد فيها شيئًا، فاغتسلت الساعة الرابعة عصرًا، وصليت الظهر والعصر، وبعدها بساعة، أو نصف ساعة نزلت كدرة، وبعدها لم أصلّ، فرأيت في موقعكم أنه يجب أن أضع قطنة، فأضعها، فأجد كدرة أو صفرة كل وقت، وليس جفافًا، مع العلم أني عند اغتسالي لم أضع قطنة في المكان، بل استخدمت الحفاظة، وأنا الآن أقول في نفسي: ربما لم أكن طاهرة عند اغتسالي؛ فالكدرة كانت لا تنزل خارج الموضع، ولو أني تفحصت لربما لوجدتها، فهل أغتسل، أم أنتظر زوال الإفرازات؟ فأنا أخاف أن أصلي وأنا نجسة، وأخاف ألا أصلي وأنا طاهرة.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن عدم رؤية الدم في (الحفاظة)، لا يعد طهرًا، بل لا بد من التحقق من انقطاع الدم، وما قد يتبعه من صفرة، أو كدرة؛ إذ لها حكم دم الحيض، ما دامت متصلة به.
وللطهر علامتان، قال الباجي في "المنتقى": وَالْمُعْتَادُ فِي الطُّهْرِ أَمْرَانِ: الْقَصَّةُ الْبَيْضَاءُ، وَهِيَ مَاءٌ أَبْيَضُ. وَالْأَمْرُ الثَّانِي: الْجُفُوفُ، وَهُوَ أَنْ تُدْخِلَ الْمَرْأَةُ الْقُطْنَ، أَوْ الْخِرْقَةَ فِي قُبُلِهَا؛ فَيَخْرُجَ ذَلِكَ جَافًّا، لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ. وَعَادَةُ النِّسَاءِ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ: فَمِنْهُنَّ مَنْ عَادَتُهَا أَنْ تَرَى الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، وَمِنْهُنَّ مَنْ عَادَتُهَا أَنْ تَرَى الْجَفَافَ. انتهى.
وقال ابن قاسم في حاشية على الروض المربع: والجفوف: أن تدخل الخرقة، فتخرجها جافة، ليس عليها شيء من الدم، ولا من الصفرة، ولا من الكدرة ـ لأن فرج المرأة لا يخلو من الرطوبة غالبًا. والقصة بفتح القاف: ماء أبيض يتبع الحيض، يشبه ماء الجص ـ شبهت الرطوبة النقية لبياضها بالجص، وقال بعضهم: يشبه ماء العجين، وقيل: يشبه المني، ويحتمل أنه يختلف باعتبار النساء، وأسنانهن، وباختلاف الفصول، والبلدان، والطباع، وغالب ما يذكره النساء شبه المني. انتهى.
وما دمت لا ترين القصة البيضاء؛ فاعتمدي على العلامة الثانية، وهي جفوف المحل. وضابطه -كما سبق- هُوَ: أَنْ تُدْخِلَ الْمَرْأَةُ المنديل فِي مخرج الدم، ويكفي ظاهر المخرج، وهو ما يبدو عند الجلوس لقضاء الحاجة، ولا يلزم إدخال المنديل إلى باطن المخرج، ولا يطلب؛ فإن خرج نقيًّا، ليس به أثر دم، ولا صفرة، ولا كدرة؛ فقد حصل الطهر، فاغتسلي حينئذ، جاء في الفواكه الدواني للنفراوي: (وكذا إذا رأت الجفوف) وهو علامة ثانية للطهر، ومعناه: أن تدخل المرأة خرقة في فرجها؛ فتخرج جافة، ليس عليها شيء من أنواع الدم، ولا يضر بللها بغير الدم -كرطوبة الفرج؛ إذ لا يخلو عنها غالبًا-. انتهى.
وعليه؛ فالصفرة، والكدرة تأخذان حكم الحيض، إن نزلتا زمن العادة الشهرية، أو اتصل نزولهما بدم الحيض؛ لخبر عائشة -رضي الله عنها- أن النساء كن يبعثن إليها بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة، فتقول: انتظرن، لا تعجلن؛ حتى ترين القصة البيضاء.
قال ابن قدامة -رحمه الله: فصل: وحكم الصفرة، والكدرة حكم الدم العبيط في أنها في أيام الحيض حيض، وتجلس منها المبتدأة كما تجلس من غيرها، وإن رأتها بعد العادة متصلة بها؛ فهو كما لو رأت غيرها، على ما بينا، وإن طهرت ثم رأت كدرة أو صفرة، لم تلتفت إليها؛ لخبر أم عطية، وعائشة. انتهى.
وبناء على ما سبق؛ فغسلك ليس في محلّه، وعليك إعادته متى ما رأيت علامة الطهر التي سبق بيانها؛ لكون تلك الصفرة أو الكدرة التي ترينها تعد حيضًا.
والله أعلم