شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [8]


الحلقة مفرغة

جلسة الاستراحة

قال المؤلف رحمه الله: (وينهض قائماً, فيصلي الثانية كالأولى).

تكلمنا على ما يتعلق بجلسة الاستراحة، هل جلسة الاستراحة مشروعة أو ليست مشروعة.

وذكرنا في ذلك رأيين لأهل العلم رحمهم الله.

الرأي الأول: أن جلسة الاستراحة ليست مشروعة، وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله.

وعند الشافعي تشرع جلسة الاستراحة.

وذكرنا دليل كل قول، الجمهور قالوا: بأنها لا تشرع, والرأي الثاني رأي الشافعي الذي قال: بأنها تشرع.

وذكرنا من أدلة الجمهور أن أكثر الذين وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا هذه الجلسة، وكذلك أيضاً الصحابة رضي الله تعالى عنهم كـابن عمر وابن عباس وابن مسعود وابن الزبير وأبي سعيد لم يكونوا يجلسون هذه الجلسة، ولو كانت هذه الجلسة مشروعة وكان النبي عليه الصلاة والسلام يفعلها لطبقها هؤلاء الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

وأما الذين قالوا بأنها مشروعة كـالشافعي رحمه الله فاستدل بورود ذلك في حديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه ( أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض قائماً حتى يستتم قاعداً ).

الرأي الثالث في هذه المسألة: أنها تشرع عند الحاجة، فإذا كان الإنسان محتاجاً إلى هذه الجلسة إما لمرض أو تعب أو لكبر سن.. إلى آخره فإنه يفعلها، وأما إذا لم يكن محتاجاً فإنه لا يفعلها، وهذا لعله هو الأقرب؛ لأن مالك بن الحويرث قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته، والنبي عليه الصلاة والسلام في آخر حياته أخذه اللحم، ولهذا ذكرت عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قبل أن يموت كان يصلي جالساً في الليل، فهذا يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام في آخر حياته كان يلحقه شيء من التعب, فيحتاج إلى أن يجلس، وعلى هذا نقول: إذا احتاج إليها الإنسان فإنه يجلس، وإذا لم يحتج إليها فلا يجلس.

وأما محل جلسة الاستراحة فهي بعد تمام الأولى وعند القيام إلى الثانية، يعني: إذا نهض من السجود الثاني في الركعة الأولى، وقبل أن ينهض إلى الركعة الثانية فإنه يجلس للاستراحة, وكذلك أيضاً إذا انتهى من الركعة الثالثة إذا رفع رأسه من السجود في الركعة الثالثة وقبل أن ينهض إلى الرابعة فإنه يجلس للاستراحة، هذا بالنسبة لمحلها.

أما بالنسبة لكيفيتها فكيفيتها ككيفية الجلوس للتشهد الأول، يعني: يجلس فيها ككيفية الجلوس في التشهد الأول.

وهل لها ذكر أو ليس لها ذكر؟

نقول: بأنه لا ذكر لها, وإنما يجلس الإنسان وإذا اطمأن جالساً واستراح شيئاً نهض.

وهل يجلسها المأموم إذا كان الإمام لا يجلسها؟

يعني: إذا كان الإمام لا يرى جلسة الاستراحة والمأموم يرى جلسة الاستراحة فهل يجلسها أو لا يجلسها؟

نقول: إن المأموم إذا كان يرى جلسة الاستراحة والإمام لا يراها فإنه لا يجلسها؛ لأنه إذا جلس فإنه يتأخر عن إمامه، وكما تقدم لنا قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا ركع فاركعوا ).. إلى آخره، لو قلنا: بأنه يشرع لك أن تسجدها لخالفت إمامك, فالإمام يقوم وأنت تجلس، وهذا فيه مخالفة للإمام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه ).

أما إذا كان الأمر بالعكس إذا كان الإمام يراها والمأموم لا يراها فنقول: يتابع إمامه، فإذا جلس الإمام للاستراحة جلس.

إذا كان الإمام يرى جلسة الاستراحة قد يقول: إن جلست للاستراحة شوشت على الناس، نقول: لا، بإمكان الإمام إذا كان يرى جلسة الاستراحة أن يجلسها ولا يشوش على الناس، فينهض ويجلس، ثم بعد ذلك إذا أراد أن يقوم كبر، والمأمومون في تلك الحال يكونون ساجدين، ينهض الإمام ويجلس فإذا استراح قام مكبراً؛ لأن هذا كله محل للتكبير، ثم بعد ذلك يقوم معه المأموم, ولا يحصل شيء من التشويش.

الجلوس للتشهد الأول

قال المؤلف رحمه الله: [ فإذا فرغ منهما جلس للتشهد مفترشاً ].

يعني: إذا فرغ من الركعة الأولى والركعة الثانية جلس للتشهد، وهذا هو التشهد الأول.

والجلوس للتشهد الأول له كيفيتان:

الكيفية الأولى: كيفية مجزئة.

والكيفية الثانية: كيفية مستحبة.

أما الكيفية الأولى وهي الكيفية المجزئة فكيفما جلس الإنسان، كيفما جلست للتشهد الأول في الصلاة فإن هذا مجزئ.

وأما بالنسبة للكيفية الثانية وهي الكيفية المستحبة فأن تفترش رجلك اليسرى وأن تنصب اليمنى.

وأما بالنسبة لليدين فلهما صفتان بالنسبة لكيفيتهما، وبالنسبة لمحل وضعهما، أما بالنسبة لكيفية الرجلين فالسنة أن تكون الرجل اليسرى مفروشة, وذلك بأن يكون ظهرها إلى الأرض، وبطنها يجلس عليه، وأما بالنسبة للرجل اليمنى فالسنة أن تكون منصوبة، وأن يثني أصابع رجله تجاه القبلة، تكون أصابع رجله اليمنى إلى تجاه القبلة, وتكون منصوبة، هذا بالنسبة إلى الرجلين.

وأما بالنسبة للكفين لهما حالان: حال يتعلق بمكانهما، وحال يتعلق بكيفيتهما.

أما بالنسبة لمكان الكفين ففيه صفتان:

الصفة الأولى: أن تجعل اليد اليمنى على الفخذ اليمنى، واليد اليسرى على الفخذ اليسرى، هذه الصفة الأولى.

الصفة الثانية: أن تقدم اليد اليمنى حتى تكون على حرف الركبة اليمنى، وأما اليد اليسرى فأنت تجعلها على الركبة اليسرى كأنك قابض لها.

أما بالنسبة لكيفية الكفين فأيضاً ورد فيه صفتان:

الصفة الأولى: تقبض الخنصر والبنصر وتحلق الإبهام والوسطى، وتشير بالسبابة، السبابة هذه تكون دائماً مشيراً بها، وورد في أبي داود أن الإنسان يحنيها, أي: ينيمها شيء يسيراً، يعني: تقبض الخنصر والبنصر وتحلق الإبهام والوسطى وتشير بالسبابة وتحنيها شيئاً يسيراً، وتحركها عند الدعاء، إذا دعا الإنسان فإنه يحركها، الإشارة تكون دائماً.

أما بالنسبة للتحريك فهل يحركها دائماً أو لا يحركها أو يحركها في بعض المواضع؟

هذا موضع خلاف بين أهل العلم، بعض أهل العلم يقول: يحركها دائماً ما دام في التشهد، وقال آخرون: لا يحركها، وقال آخرون: يحركها عند لفظ الجلالة، وقال آخرون: يحركها عند الدعاء، وهذا القول هو أصوب الأقوال؛ لما ورد في صحيح مسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم يحركها يدعو بها )، هذا القول هو أصوب الأقوال، وأما ما ورد من أنه يحركها دائماً يعني: ما ورد من إثبات التحريك وما ورد من نفي التحريك فهذا كله الصواب أنه غير ثابت، الذي ثبت في صحيح مسلم : ( أنه يحركها يدعو بها ).

وعلى هذا نقول: السنة في هذه الأشياء أنك تقبض الخنصر والبنصر وتحلق الإبهام والوسطى وتشير بالسبابة تحركها عند الدعاء، فإذا قلت: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام - تحركها- عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، اللهم بارك.. أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً.. إلى آخره، تحركها عند الدعاء، هذا هو أصوب الأقوال.

وأما كما أشرنا أن بعض أهل العلم انتصر إلى أنك تحركها دائماً، وأثبت زيادة يحركها، وبعضهم انتصر إلى أن الإنسان لا يحركها ويشير بها، وأثبت ما ورد من نفي التحريك، والصواب أن كلاً منهما شاذ, وليس ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي ثبت هو يحركها حال الدعاء فقط، هذه هي الصفة الأولى.

الصفة الثانية: تقبض الخنصر والبنصر وأيضاً الوسطى والإبهام وتشير بالسبابة تدعو بها، تحركها عند الدعاء. هذه الصفة الثانية، فتارة تفعل هذه, تارة تقبض على جميع الأصابع، وتارة تحلق.

وأيضاً بالنسبة لأماكن اليدين تارة يجعل اليد اليسرى على الركبة اليسرى، واليد اليمنى تجعلها على حرف الركبة اليمنى، وتارة تجعل اليد اليمنى على الفخذ اليمنى، واليد اليسرى على الفخذ اليسرى، فتفعل السنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها، تارة تفعل هذه السنة، وتارة هذه السنة؛ لما تقدم لنا من أن القاعدة في السنن الواردة على وجوه متنوعة أن الإنسان يأتي بها تارة هكذا وتارة هكذا، يأتي تارة بهذه السنة، وتارة بهذه السنة.

قال المؤلف رحمه الله: ( فإذا فرغ منهما جلس للتشهد مفترشاً ).

ودليل ذلك: حديث أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه يقول أبو حميد : ( فإذا جلس في الركعتين جلس على اليسرى ونصب الأخرى )، وفي لفظ: ( فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته ) يعني: أقبل: ثنى أصابع الرجلين إلى جهة القبلة.

قال المؤلف رحمه الله: [ ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ويده اليمنى على فخذه اليمنى، ويقبض منهما الخنصر والبنصر، ويحلق الإبهام مع الوسطى، ويشير بالسبابة في تشهده مراراً ].

وهذه ذكرنا أن الصواب أنه تارة يقبض الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام والوسطى ويشير بالسبابة يحركها عند الدعاء، وتارة يقبض الخنصر والبنصر والوسطى والإبهام، ويشير بالسبابة يحركها عند الدعاء, فيه صفتان واردتان عن النبي صلى الله عليه وسلم.

صيغ التشهد

قال المؤلف رحمه الله: [ ويقول: التحيات لله، والصلوات الطيبات، السلام عليك -إلى آخره- فهذا أصح ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد ].

التشهد ورد له صيغ عن النبي عليه الصلاة والسلام.

الصيغة الأولى: ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله، وهو تشهد ابن مسعود ، وهذا التشهد وارد في الصحيحين، وصفته: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، هذا التشهد يختاره الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

الصيغة الثانية: تشهد ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهذا وارد في صحيح مسلم , وفيه: ( التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ).. إلى آخره.

الصفة الثالثة: تشهد أبي موسى الأشعري : ( التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ).. إلى آخره.

الصيغة الرابعة: تشهد عمر رضي الله تعالى عنه: التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات لله، الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته.. إلى آخره.

وهناك أيضاً تشهد عائشة ، وتشهد ابن عمر .. إلى آخره.

فينبغي أيضاً أن يحفظ طالب العلم شيئاً من هذه التشهدات، تحفظ تشهد ابن مسعود , هذا المشهور الذي ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله، تحفظ تشهد ابن عباس كما في مسلم ، تحفظ تشهد أبي موسى الأشعري أيضاً في مسلم ، تحفظ تشهد عمر .. عائشة .. ابن عمر , إلى آخره، فتفعل هذا التشهد في هذه الصلاة، وهذا التشهد في هذه الصلاة، وهذا في هذه السنة، وهذا في الوتر.. إلى آخره، تطبق كل السنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد

قال المؤلف رحمه الله: [ ثم يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد ].

نذكر هنا -أولاً- مسألة وهي:

إذا تشهد التشهد الأول هل يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام أو نقول: بأنه في التشهد الأول يقتصر عليه دون الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام؟

هذا موضع خلاف، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أن الإنسان إذا تشهد التشهد الأول وانتهى فإنه يقوم, ولا يشرع له أن يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

والرأي الثاني رأي الشافعي رحمه الله: أنه إذا تشهد التشهد الأول فإنه يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام في التشهد الأول قبل أن يقوم إلى الركعة الثالثة، هذا قول الشافعي رحمه الله.

والأقرب في ذلك: ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله, وأن الإنسان يقتصر على التشهد الأول. وقد ورد في صحيح ابن خزيمة رحمه الله: ( ثم قام ولم يدع )، فهذا دليل على أن الإنسان يقتصر على التشهد الأول, ولا يزيد عليه الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام هذه تكون في التشهد الثاني.

وكذلك أيضاً الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ورد لها عدة صيغ، كما في حديث كعب بن عجرة وحديث أبي مسعود وحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وحديث أبي حميد .. إلى آخره، وسنذكر شيئاً من هذه الصيغ، فنقول:

الصيغة الأولى: ما ذكره المؤلف رحمه الله من حديث كعب بن عجرة : (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم, إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم, إنك حميد مجيد).

الصيغة الثانية: ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد ).

فهاتان الصيغتان متقاربتان، فالصيغة الأولى تقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، تقفز كما صليت على إبراهيم، على إبراهيم هذه تقفزها، والصيغة الثانية تضيفها، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، كما صليت على إبراهيم هذه في الصيغة الثانية، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في الصيغة الأولى على إبراهيم ليست موجودة في الصلاة والتبريك.

الصيغة الثالثة: صيغة أبي مسعود البدري , وهي مثل الصيغة الأولى، يعني: الفروق بينها يسيرة، مثل الصيغة الأولى إلا أنك تضيف: في العالمين إنك حميد مجيد. تقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد). هذه صيغة أبي مسعود البدري .

وكذلك أيضاً صيغة أبي حميد : ( اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد )، هذه صيغة أبي حميد في الصحيحين.

فمثل هذه الصيغ ينبغي لطالب العلم أن يحفظها كما سبق، ويأتي بهذه الصيغة تارة وتلك تارة أخرى.

التعوذ من أربع بعد التشهد

قال المؤلف رحمه الله: [ ويستحب أن يتعوذ من عذاب القبر، ومن عذاب جهنم، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال ].

يستحب إذا انتهى من الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام أن يتعوذ من هذه الأمور الأربعة: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال.

واختلف أهل العلم رحمهم الله هل التعوذ من هذه الأمور الأربعة واجب أو مستحب؟

للعلماء في ذلك رأيان:

الرأي الأول رأي جمهور أهل العلم: أن التعوذ من هذه الأمور الأربعة مستحب، وأنه سنة، وليس واجباً، واستدلوا على ذلك بحديث ابن مسعود في التشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علمه التشهد قال: ( ثم ليتخير من الدعاء أعجبه )، بعد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قال: ( ثم ليتخير من الدعاء أعجبه ) يعني: ما يعجبه من الدعاء، فهذا دليل على أن التعوذ من هذه الأربعة ليس واجباً.

والرأي الثاني وإليه ذهب طاوس رحمه الله: أن التعوذ من هذه الأربع واجب؛ لما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ). فقوله: ( فليتعوذ بالله من أربع ) هذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب.

والصواب في ذلك: رأي جمهور أهل العلم, وأن التعوذ بالله من هذه الأربع سنة, وليس واجباً؛ لأننا ذكرنا حديث ابن مسعود ، حديث ابن مسعود يدل على الاستحباب, قال: ( ثم ليتخير من الدعاء أعجبه )، ( ثم ليتخير من الدعاء ما شاء )، فهذا يدل على أن التعوذ بالله من هذه الأربع ليس واجباً, وإنما هو على سبيل الاستحباب، وهذا القول هو الصواب.

حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير

أيضاً بقينا في الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في التشهد الأخير هل هي واجبة أو ليست واجبة؟

من مفردات مذهب الحنابلة أن الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في التشهد الأخير ركن، لا بد أن تأتي بها، ويقولون: يكفي من الركن أن تقول: اللهم صل على محمد، يعني: إذا انتهيت من التشهد إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله تقول: اللهم صل على محمد فقط، وتكون قد أتيت بالركن، أما ما عدا ذلك ما بعد ذلك ليس ركناً.

وعند جمهور أهل العلم رحمهم الله: أن الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ليست واجبة، وإنما هي سنة، ويدل لذلك ما تقدم من حديث ابن مسعود ؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما علمه التشهد قال: ( ثم ليتخير من الدعاء أعجبه )، فقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( ثم ليتخير من الدعاء أعجبه ) يدل على أن الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ليست واجبة, وإنما هي مستحبة، وأيضاً يدل على أن الاستعاذة بالله من هذه الأربع ليست واجبة, وإنما هي مستحبة.

التسليم

قال المؤلف رحمه الله: [ ثم يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره كذلك ].

التسليم هذا ركن، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وعند الإمام أبي حنيفة رحمه الله أنه ليس ركناً، فـأبو حنيفة رحمه الله يرى أن التسليم تحلل من محظور، وأن الإنسان إذا أتى بالتشهد فقد انقضت صلاته، فإن لم يسلم فصلاته صحيحة، يعني: لو أن الإنسان أتى بتشهد ابن مسعود : (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، تكون قد انتهت الصلاة، إن شاء أن يقوم قام، وإن شاء أن يتكلم تكلم، وإن شاء أن يأكل أكل.. إلى آخره، فالتسليم عنده ليس ركناً، هذا رأي أبي حنيفة , يستحب أن يأتي به.

وعند الجمهور أنه ركن, وهو الصواب؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث علي : ( تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم ).

وأيضاً حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يجزئ عن أحدكم أن يقول من على يمينه وشماله: السلام عليكم، السلام عليكم )، قال: ( يجزئ ), فدل على أن التسليم لا بد من الإتيان به للإجزاء، وأن الإنسان إذا لم يأت به لم تجزئ صلاته.

وأيضاً النبي عليه الصلاة والسلام واظب عليه في الحضر وفي السفر.

فالصواب في ذلك: أن التسليم ركن من أركان الصلاة.

والذين قالوا: بأنه ركن اختلفوا هل الركن تسليمة واحدة أو تسليمتان؟

فالمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه لا بد من تسليمتين، ما تكفي تسليمة واحدة، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ، في الفرض لا بد أن تسلم تسليمتين، ودليل ذلك ما تقدم من حديث جابر بن سمرة في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( يجزئ عن أحدكم أن يقول من على يمينه وشماله: السلام عليكم، السلام عليكم )، فقال: ( يجزئ من على يمينه وشماله )، فدل على أن الإنسان لكي يحصل له الإجزاء يأتي بالتسليم عن اليمين، والتسليم عن الشمال.

والرأي الثاني وهو قول الشافعية والمالكية: أنه تكفي تسليمة واحدة، الركن تسليمة واحدة، وأما التسليمة الثانية فمستحبة، واستدلوا على ذلك بأن النبي عليه الصلاة والسلام في صلاة الليل ربما اكتفى بتسليمة, كما في حديث عائشة وحديث ابن عمر .

والصواب في ذلك: ما ذهب إليه الإمام أحمد , وهو الأحوط، ولم يحفظ عن النبي عليه الصلاة والسلام في صلاة الفرض أنه اقتصر على تسليمة واحدة، وكذلك أيضاً خلفاؤه من بعده لم يحفظ عنهم أنهم اقتصروا على تسليمة واحدة، مع أنه تقدم لنا حديث جابر بن سمرة : ( يجزئ عن أحدكم أن يقول من على يمينه وشماله ), إلى آخره، فالصواب: أنه لا بد من تسليمتين، هذا هو الصواب في الفرض، وهذا هو الأحوط.

أما بالنسبة للنافلة يكفي فيها تسليمة، السنة أن الإنسان يأتي بتسليمتين، لكن لو أنه أتى بتسليمة واحدة في النفل فإن هذا كاف, كما في حديث عائشة : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يفصل بتسليمة يسمعناها )، وأيضاً حديث ابن عمر ، فنقول: إذا سلم الإنسان في النفل تسليمة واحدة فإن هذا كاف, ولا بأس به لو اقتصر على هذه التسليمة.

حكم القراءة بعد الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة

قال المؤلف رحمه الله: [ وإن كانت الصلاة أكثر من ركعتين نهض بعد التشهد الأول كنهوضه من السجود، ثم يصلي ركعتين, لا يقرأ فيهما بعد الفاتحة شيئاً ].

قول المؤلف: (ثم يصلي ركعتين لا يقرأ فيهما بعد الفاتحة شيئاً) هذا فيه نظر، والصواب: أنه يستحب للمسلم أن يقرأ في صلاة الظهر خاصة في الركعة الثالثة وفي الركعة الرابعة بعد الفاتحة أحياناً، وحديث أبي قتادة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب ) في الصحيحين، حديث أبي قتادة هذا استدل به المؤلف، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد , أن الإنسان في الركعتين الأخريين لا يقرأ إلا الفاتحة، لكن الصواب أنه يقرأ في الركعتين الأخريين من صلاة الظهر في بعض الأحيان. هذا هو السنة, فالسنة أن تقرأ في بعض الأحيان، ويدل لذلك حديث أبي سعيد في صحيح مسلم : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الركعتين الأخريين على النصف من ذلك )، إذا كان في الركعتين الأخريين كل ركعة على النصف من ذلك كم يكون قرأ النبي عليه الصلاة والسلام في الركعة الثالثة والرابعة؟ يكون قرأ في الركعة الثالثة خمس عشرة آية، وفي الرابعة خمس عشرة آية، والفاتحة سبع، يكون زاد النبي عليه الصلاة والسلام، فالصواب أن نقول: في بعض الأحيان, يعني: عندنا حديث أبي قتادة في الصحيحين: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب )، وعندنا حديث أبي سعيد وفيه: ( قراءة النبي عليه الصلاة والسلام في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الركعتين الأخريين على النصف من ذلك ). فهذا الحديث حديث أبي سعيد في مسلم يدل على أنه يستحب للمصلي أن يقرأ في الركعتين الأخريين من صلاة الظهر أحياناً، ففي بعض الأحيان تقرأ تزيد على الفاتحة، وأغلب الأحيان تترك ذلك، هذا إذا كان الإنسان إماماً أو منفرداً، أما إن كان مأموماً فإنه لا يسكت، فلو أنه قرأ الفاتحة في الركعة الثالثة والإمام حتى الآن لم يركع فإنه يواصل ويقرأ، فالصلاة ليس فيها سكوت، ولهذا في حديث معاوية بن الحكم السلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين، إنما هو التكبير والتسبيح وقراءة القرآن )، فحصر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بهذه الأشياء بالتكبير والتسبيح وقراءة القرآن، فنقول: بأنه لا يسكت.

ومثله أيضاً كما تقدم أن الإنسان لا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، هذا إذا كان إماماً أو منفرداً، فإن كان مأموماً فإنه لا يسكت، إذا كان مأموماً انتهى من التشهد الأول والإمام حتى الآن لم ينهض فإنه يواصل ويصلي على النبي عليه الصلاة والسلام, ولا يسكت.

التورك في التشهد الأخير

قال المؤلف رحمه الله: [ فإذا جلس للتشهد الأخير تورك، فنصب رجله اليمنى وفرش اليسرى وأخرجهما عن يمينه ].

أيضاً التشهد الأخير يستحب للمصلي أن يتورك فيه، وقد ورد للتورك صفتان:

الصفة الأولى: أن تنصب الرجل اليمنى، تكون الرجل منصوبة، وأصابعها تجاه القبلة، وتخرج الرجل اليسرى تحت ساق اليمنى، الرجل اليسرى تكون تحت ساق اليمنى، وتفضي بمقعدتك إلى الأرض، تكون المقعدة على الأرض، والرجل اليمنى تكون منصوبة، وأما الرجل اليسرى تخرجها تحت الساق الأيمن، هذه الصفة الأولى.

الصفة الثانية: أنك تخرج الرجل اليمنى والرجل اليسرى من الجانب الأيمن، وتكون كل من الرجل اليمنى والرجل اليسرى مفروشة، يعني: تكون الرجل اليمنى مفروشة، والرجل اليسرى تكون مفروشة، وتخرجهما من الجانب الأيمن، وتفضي بمقعدتك إلى الأرض، هاتان صفتان للتورك.

هناك صفة ثالثة أضافها بعض أهل العلم, وهي: أنك تجعل الرجل اليسرى بين ساق اليمنى وفخذ اليمنى، تجعل الرجل اليسرى بين الساق والفخذ، والرجل اليمنى تكون مفروشة، وتخرج الرجل اليسرى بين الساق اليمنى والفخذ اليمنى.

هذه الصفة هل هي صفة مستقلة أو هي الصفة الأولى؟

يظهر من الأحاديث أن هذه الصفة هي الصفة الأولى؛ لأن إسناد الحديثين واحد، فهذه الصفة ترجع إلى الصفة الأولى, وهي أنه ينصب اليمنى ويخرج اليسرى تحت ساق اليمنى، ويفضي بمقعدته إلى الأرض، فيكون عندنا للتورك صفتان.

قال المؤلف رحمه الله: [ ولا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما ].

التورك لا يشرع في كل جلوس، بل يكون في التشهد الأخير إذا كان في الصلاة تشهدان.

ولنعلم أن الأصل في جلسات الصلاة هو الافتراش, يعني: يفرش رجله اليسرى ويكون ظهرها إلى الأرض، ويجلس على بطنها، وينصب اليمنى، هذا هو الأصل، خرج عن ذلك الأصل التورك كما في حديث أبي حميد .

لكن هل التورك مشروع في كل تشهد أو في كل جلوس.

هذا موضع خلاف بين الأئمة رحمهم الله، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه يتورك في التشهد الأخير بشرط أن يكون في الصلاة تشهدان، مثل صلاة العشاء وصلاة المغرب، المغرب فيها تشهدان، يتورك في الأخير، العشاء فيها تشهدان يتورك في الأخير، الظهر .. العصر, لكن إذا لم يكن فيها إلا تشهد واحد فإنه لا يتورك, مثل صلاة الفجر، مثل السنة الراتبة, ليس فيها إلا تشهد واحد, فهنا لا يتورك, وإنما يفترش.

وعند الشافعي رحمه الله: أنه يتورك في كل تشهد أخير، سواء كان في الصلاة تشهد أو كان فيها تشهدان، الشافعي يقول: بأنه يتورك في كل تشهد أخير، هذا رأي الشافعي رحمه الله.

الرأي الثالث رأي أبي حنيفة رحمه الله: أنه لا تورك أصلاً، أبو حنيفة ليس عنده إلا الافتراش، ليس عنده ما يسمى بالتورك.

عكس ذلك مالك رحمه الله يقول: يتورك في كل تشهد.

والأقرب من هذه الأقوال هو: ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله, وأنه لا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان في التشهد الأخير؛ لحديث أبي حميد لما حكى صلاة النبي عليه الصلاة والسلام حكى التشهد الأول, وأن النبي عليه الصلاة والسلام افترش فيه، ثم حكى التشهد الثاني, وأن النبي عليه الصلاة والسلام تورك فيه، حديث أبي حميد يدل لما ذهب إليه المؤلف, وهو مذهب الإمام أحمد , أن النبي عليه الصلاة والسلام لما أتى التشهد الأول افترش، ولما أتى التشهد الثاني تورك. فدل ذلك على أن التورك إنما هو مشروع في صلاة فيها تشهدان في التشهد الأخير منهما.

صيغ التسليم

أيضاً قول المؤلف رحمه الله قبل ذلك: [ ثم يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله ].

هذه الصيغة وردت من حديث ابن مسعود في السنن: ( السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله ).

والصيغة الثانية في النسائي من حديث ابن عمر يقول: ( السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ).

ورد أيضاً من حديث وائل بن حجر : ( السلام عليكم