شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [12]


الحلقة مفرغة

ذكر المؤلف رحمه الله سابقاً أن صلاة التطوع على خمسة أضرب، وصلاة التطوع من جوابر الصلاة، وسبقت الإشارة إلى أن هذه الفرائض التي أوجبها الله عز وجل جعل الشارع لها جوابر تجبرها، إذ إن هذه الفرائض يعتريها شيء من الخلل والسهو والغفلة، ومن رحمة الله عز وجل أن جعل ما يجبر هذا السهو لكي يأتي المسلم يوم القيامة بصلاة تامة، فإن أول ما يقضى بين العباد فيما يتعلق بحق الله عز وجل الصلاة.

وسبقت الإشارة إلى أن جوابر الصلاة ثلاثة: سجود السهو، والذكر بعد الصلاة، وصلاة التطوع، وتقدم لنا ما يتعلق بسجود السهو، وكذا أيضاً ما يتعلق بالذكر دبر الصلاة، ثم بعد ذلك شرع المؤلف رحمه الله فيما يتعلق بصلاة التطوع، وتقدم لنا في الدروس السابقة شيء من أضرب صلاة التطوع، فإن المؤلف رحمه الله جعلها على خمسة أضرب، فتقدم لنا ما يتعلق بالضرب الأول وهو السنن الرواتب، وإنما بدأ بها المؤلف رحمه الله لأنها تابعة للفرائض، فوقتها هو وقت الفريضة.

وتقدم ما يتعلق من الأحكام المتعلقة بسنن الرواتب، فيما يتعلق بعددها، ووقتها، وما يتعلق بقضائها، وأيضاً السنن التي تشرع في هذه السنن أو بعضها.. إلى آخره.

وكذلك أيضاً ثنى المؤلف رحمه الله بالضرب الثاني وهو الوتر؛ لأن الوتر أيضاً تابع للفرائض، الوتر يكون بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وأيضاً بعض العلماء كـأبي حنيفة رحمه الله ذهب إلى وجوبه، وسبقت الإشارة إلى أحكام الوتر من حيث الوجوب، من حيث الوقت، من حيث القضاء.. إلى آخره، وأيضاً بيان كيفية الوتر إذا أراد أن يوتر بثلاث أو خمس أو سبع أو تسع ونحو ذلك، وما كيفية ذلك تقدم بيانه… إلى آخره.

ثم ثلث المؤلف رحمه الله بصلاة التطوع تطوعاً مطلقاً، وما يتعلق بصلاة الليل، تقدم لنا أيضاً صلاة الليل والسنن التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها عند القيام لصلاة الليل، وما هو أفضل أوقاتها، وما هو وقتها.. إلى آخره.

ثم قال المؤلف رحمه الله: [الضرب الرابع: ما تسن له الجماعة وهو ثلاثة أنواع أحدها: التراويح]، هذا الضرب الرابع من ضروب صلاة التطوع.

التراويح جمع ترويحة، وهي في الأصل اسم للجلسة مطلقاً.

وأما في الاصطلاح: فهو قيام رمضان.

حكم صلاة التراويح

والتراويح سنة مؤكدة سنها النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي فصلوها معه، ثم تأخر فصلى في بيته بقية الشهر، وقال: إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها )، وهذا في الصحيحين.

ويدل لذلك أيضاً حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )، وهذا في الصحيحين.

والتراويح يذكرها أهل السنة رحمهم الله في تآليفهم في العقيدة، إذ إن تأدية هذه الصلاة من سمات أهل السنة، وعدم تأديتها من سمات أهل البدعة؛ الرافضة قبحهم الله لا يرون التراويح ويقولون بأنها بدعة عمر ، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: من لم يصل التراويح من أهل السنة ففيه شبه بالرافضة؛ لأن الرافضة كما أسلفت لا يرون التراويح، ويقولون: بأنها بدعة عمر رضي الله تعالى عنه، وهذا من خللهم وخطئهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سن التراويح كما تقدم لنا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وأيضاً بين فضلها كما سبق في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ).

عدد صلاة التراويح

قال المؤلف رحمه الله: [وهي عشرون ركعة بعد العشاء في رمضان].

تقدم حكمها وأنه سنة مؤكدة، ثم بين المؤلف رحمه الله عدد ركعاتها، فقال: عشرون ركعة دون الوتر، يعني عدد ركعات التراويح دون الوتر عشرون ركعة، فيصلي عشرين ركعة ثم بعد ذلك يوتر، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله والشافعي وأبي حنيفة ، فالأئمة الثلاثة يرون أن عدد ركعات التراويح عشرون ركعة، عند الإمام مالك رحمه الله عدد ركعاتها ست وثلاثون ركعة.

وقال بعض العلماء: بأن عدد ركعاتها إحدى عشرة، وقيل: ثلاث عشرة، فهذه أربعة آراء، الأئمة الثلاثة أبو حنيفة والشافعي وأحمد : عشرون ركعة دون الوتر، مالك : ست وثلاثون ركعة دون الوتر، وذهب بعض أهل الحديث إلى أنها إحدى عشرة، وذهب آخرون إلى أنها ثلاث عشرة.

شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يقول: التراويح ليس لها عدد معين، وحينئذ يكون تكثير الركعات وتقليلها حسب تطويل الركوع والسجود والقراءة، فإذا أطال الإنسان القراءة والركوع والسجود قلل الركعات، وإذا قصر أكثر الركعات وهو كله حسن.

المؤلف رحمه الله ذهب إلى أن عدد ركعات التراويح عشرون، وقلنا بأن هذا أيضاً مذهب أبي حنيفة والشافعي ، واستدلوا على ذلك بأثر السائب بن يزيد قال: كانوا يقومون على عهد عمر رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة. وهذا أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، والبيهقي في السنن الكبرى، وإسناده صحيح.

من قال: بأنها إحدى عشرة استدل بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشر ركعة )، وهذا في الصحيحين.

وكذلك أيضاً استدلوا بأن عمر رضي الله تعالى عنه أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما بالناس بإحدى عشرة ركعة. وهذا أخرجه مالك والبيهقي ، وإسناده صحيح.

والذين قالوا: بأنها ثلاث عشرة استدلوا بما ورد من حديث عائشة وحديث ابن عباس في فعل النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث عشرة.. إلى آخره، وتقدم أن أشرنا إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, وأنه ليس في التراويح عدد معين، وأن هذا كله حسن.

والأقرب في ذلك أن يقال: إن الإنسان ينظر إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهدي النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: ( أنه ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشر ركعة )، فيأخذ بهدي النبي عليه الصلاة والسلام، ويطيل القراءة والركوع والسجود؛ لأنه كما سلف من قول شيخ الإسلام أن التكثير والتقليل يكون على حسب طول القراءة والركوع والسجود، وعلى هذا إذا قلل الركعات فإنه يركد الركوع والسجود والقراءة.

وكان السلف رحمهم الله يعتمدون على العصي من طول القيام، وكانوا ينصرفون قبل طلوع الفجر، فينبغي للإنسان أن يطيل، ولو أن أحداً صلى عشرين فهذا لا إنكار عليه، فالسلف رحمهم الله تقدم لنا حديث السائب بن يزيد كانوا يقومون في عهد عمر بعشرين ركعة, وأيضاً السلف فعلوا العشرين، فـالأعمش وسعيد بن جبير وأبو مجلز وابن أبي مليكة رحمهم الله كانوا يصلون عشرين ركعة، فلا تحجير.

وتقدم لنا حديث ابن عمر في الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( صلاة الليل مثنى مثنى )، فلا حد، لو صلى الإنسان عشرين كما قال الأئمة أو صلى ستاً وثلاثين كما قال الإمام مالك فإنه لا تحجير، لكن الأفضل أن الإنسان يتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي كما صلى النبي عليه الصلاة والسلام، ويطيل القراءة والركوع والسجود.

وقت صلاة التراويح

قال المؤلف رحمه الله: [بعد العشاء في رمضان].

هنا بين المؤلف رحمه الله وقت صلاة التراويح، وأن وقت صلاة التراويح بعد صلاة العشاء، فإذا صلى الإنسان العشاء وصلى السنة الراتبة يصلي التراويح.

قال المؤلف رحمه الله: [ويمتد وقتها إلى طلوع الفجر].

يعني: الوقت يمتد إلى طلوع الفجر؛ لأن التراويح من صلاة الليل، وصلاة الليل يمتد وقتها إلى طلوع الفجر، وسبق بيان ذلك وذكر الأدلة عليه من حديث أبي سعيد , ابن عمر وكذلك أيضاً حديث عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بإحدى عشرة ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر يسلم من كل ركعتين )، وهل الأفضل أن يؤديها الإنسان في أول الليل أو في آخره؟

هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، فقال بعض العلماء كالإمام أحمد رحمه الله: الأفضل أن تكون في أول الليل؛ لأن الناس في عهد عمر رضي الله تعالى عنه كانوا يقومون أول الليل.

والرأي الثاني: أن الأفضل أن يصليها آخر الليل، وهذا قال به الإمام مالك رحمه الله؛ لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من طمع أن يقوم من آخر الليل فليوتر آخره، فإن صلاة آخر الليل مشهودة محظورة، ومن لم يطمع أن يقوم من آخر الليل فليوتر أوله )، وهذا أخرجه مسلم .

وأيضاً حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( ينزل ربنا حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا فيقول: من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ من يدعوني فأستجيب له؟ إلى طلوع الفجر، وذلك كل ليلة ).

وأيضاً قال عمر رضي الله تعالى عنه: والتي ينامون عنها أفضل. يعني: كونهم يتركون الوتر في آخر الليل، ويفعلونه في أول الليل، وينامون عن الصلاة في آخر الليل، شرف الفضيلة.

والأقرب في ذلك أن يقال: أنه ينظر الإنسان إلى الأرفق ما دام الناس يفعلونها في المساجد، والأرفق بالناس اليوم أن تؤدى في أول الليل؛ لأنها إذا أديت في آخر الليل أو قيل بأنها تؤدى في آخر الليل للحق الناس في ذلك مشقة، إلا إن كانوا جماعة محصورة، أو كان الإنسان منفرداً فإن السنة أن تكون صلاته آخر الليل هذا الأفضل.

والتراويح سنة مؤكدة سنها النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي فصلوها معه، ثم تأخر فصلى في بيته بقية الشهر، وقال: إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها )، وهذا في الصحيحين.

ويدل لذلك أيضاً حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )، وهذا في الصحيحين.

والتراويح يذكرها أهل السنة رحمهم الله في تآليفهم في العقيدة، إذ إن تأدية هذه الصلاة من سمات أهل السنة، وعدم تأديتها من سمات أهل البدعة؛ الرافضة قبحهم الله لا يرون التراويح ويقولون بأنها بدعة عمر ، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: من لم يصل التراويح من أهل السنة ففيه شبه بالرافضة؛ لأن الرافضة كما أسلفت لا يرون التراويح، ويقولون: بأنها بدعة عمر رضي الله تعالى عنه، وهذا من خللهم وخطئهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سن التراويح كما تقدم لنا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وأيضاً بين فضلها كما سبق في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ).




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [22] 2516 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الزكاة [1] 2462 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الطهارة [4] 2442 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [2] 2395 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [14] 2352 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الطهارة [2] 2348 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب النكاح [1] 2310 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [23] 2304 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الزكاة [6] 2301 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الزكاة [9] 2271 استماع