شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [2]


الحلقة مفرغة

تلخيص لما سبق من أحكام الأذان والإقامة

تقدم لنا شيء من أحكام الأذان، وذكرنا من ذلك تعريف الأذان في اللغة والاصطلاح, وكذلك أيضاً تعريف الإقامة، وتقدم لنا أيضاً حكم الأذان والإقامة، وذكرنا أن حكمهما أنهما فرض كفاية، وأن بعض الأئمة ذهب إلى أنهما سنة.. إلى آخره.

قال المؤلف رحمه الله: (وهما مشروعان للصلوات الخمس).

أفاد المؤلف رحمه الله أن الأذان والإقامة كل منهما مشروعان للصلوات الخمس، وكذلك أيضاً لصلاة الجمعة، ما عدا هذا لا يشرع لها أذان ولا إقامة، فصلاة العيد لا أذان لها ولا إقامة، صلاة الاستسقاء لا أذان لها ولا إقامة، صلاة الكسوف والخسوف لها نداء ينادى لها فقط، وصلاة الجنازة لا أذان لها ولا إقامة.. إلى آخره.

قال المؤلف رحمه الله: (دون غيرها).

ودليل ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام إنما كان يؤذن للصلوات الخمس والجمعة فقط دون بقية الصلوات، فلم يرد أن الأذان شرع لغير الصلوات الخمس والجمعة.

قال رحمه الله: (للرجال دون النساء).

الأذان والإقامة كل منهما فرض كفاية كما سبق لنا، لكن هذه الفرضية لها شروط:

فالشرط الأول: قال المؤلف رحمه الله: (للرجال)، فيجب الأذان والإقامة للرجال دون النساء؛ ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـمالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه: ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم )، وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.

وكذلك أيضاً يدل على أن الأذان إنما هو للجماعة، والنساء لسن من أهل الجمعة والجماعة، فلا تجب عليهن الجماعة، وكذلك أيضاً لا تجب عليهن الجمعة.

فالشرط الأول لوجوب الأذان والإقامة أن يكونوا رجالاً، فإن كن نساءً فلا يجب عليهن الأذان والإقامة. واختلف أهل العلم رحمهم الله في الأذان والإقامة بالنسبة للنساء على أقوال، فذهب بعض أهل العلم إلى أن الأذان والإقامة للنساء كل منهما مباح.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن كلاً منهما مستحب.

وذهب آخرون وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أن الأذان والإقامة لهن مكروهة.

والرأي الرابع والأخير: أن الإقامة تشرع، إذا اجتمع النساء فإن الإقامة تكون مشروعةً لهن، أما بالنسبة للأذان فإنه ليس مشروعاً لهن، وعلى هذا إذا اجتمع النساء وصلين جماعةً فإنه يشرع لهن أن يقمن، وأما بالنسبة للأذان فإنه لا يشرع لهن أن يؤذن، كما لو اجتمعن في مدرسة أو في مكان ثم أردن أن يصلين جماعة فإنهن يقمن الصلاة؛ لأن الإقامة إعلام للحاضرين بالإقامة إلى الصلاة، وأما بالنسبة للأذان فهو إعلام للغائبين، والنساء يكن حاضرات، ولا حاجة إلى إعلام من كان غائباً؛ لأنهن يفترض فيهن أن يكن مجتمعات، هذا هو الشرط الأول.

الشرط الثاني: أن يكونوا جماعة، فلو كان واحداً فإنه لا يجب عليه الأذان ولا الإقامة، والمراد بالجماعة هنا أن يكونوا اثنين فأكثر، فإذا كانوا اثنين فأكثر فإنه يجب عليهما أن يؤذنا وأن يقيما، كما لو خرجا في سفر، أو خرجا في نزهة فإنه يجب عليهما أن يؤذنا ويقيما.

ويدل لذلك حديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم ).

الشرط الثالث: أن يكونوا مقيمين، فلو كانوا مسافرين لا يجب عليهم الأذان ولا الإقامة، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.

والصواب في ذلك: أنه لا فرق بين المقيم وبين المسافر، وأن الأذان والإقامة يجب على المقيمين ويجب على المسافرين، ويدل لذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لـمالك بن الحويرث : ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم )، ومالك ومن معه كانوا مسافرين، فالصواب في هذه المسألة: أن الأذان يجب على المسافرين كما يجب على المقيمين.

وأيضاً:لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ترك الأذان والإقامة في حال السفر، هذا لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، فالصواب أن الإقامة ليست شرطاً.

الشرط الرابع: أن تكون الصلاة مؤداةً، فلو كانت الصلاة مقضيةً فلا يجب لها أذان ولا إقامة، وهذا أيضاً هو المشهور من مذهب الإمام أحمد .

والصواب أيضاً: أن الأذان والإقامة يجب على جماعة الرجال سواء كانت الصلاة مؤداةً أو كانت مقضيةً، ويدل لذلك حديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم )، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا حضرت الصلاة ) يشمل حضور الصلاة في الوقت، ويشمل أيضاً حضور الصلاة خارج الوقت، فحضور الصلاة في الوقت هذا إذا كانت الصلاة مؤداةً، وحضور الصلاة خارج الوقت إذا كانت الصلاة مقضيةً.

الشرط الخامس: أن يكونوا جماعةً، والمراد بالجماعة كما سلف أن يكونوا اثنين فأكثر، أما إن كان واحداً فإنه يستحب له أن يؤذن، ولا يجب عليه أن يؤذن.

الشرط السادس: أن يكونوا أحراراً، فلو كانوا أرقاء لم يجب عليهم الأذان والإقامة، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.

والصواب في هذه المسألة أيضاً: أنه لا فرق بين الأحرار والأرقاء لعموم الأدلة، وسبق أن أشرنا إلى قاعدة وهذه القاعدة: أن الأصل في العبادات البدنية المحضة أنه يتساوى فيها الأحرار والأرقاء إلا بدليل.

فالصواب: أن الأذان والإقامة كل منهما يجب على الأرقاء كما يجب على الأحرار، وكذلك أيضاً جماعة الصلاة تجب على الأرقاء كما تجب على الأحرار، والجمعة أيضاً، وهذه قاعدة.

والشرط الأخير: أن يكون الأذان والإقامة للصلوات الخمس والجمعة، أما ما عدا ذلك فلا يشرع لها أذان ولا إقامة.

ألفاظ الأذان والإقامة

قال المؤلف رحمه الله: [والأذان خمس عشرة جملة لا ترجيع فيها، والإقامة إحدى عشرة كلمة].

تقدم لنا شروط وجوب الأذان والإقامة، الآن شرع المؤلف رحمه الله في بيان شروط الصحة في الأذان والإقامة:

فالشرط الأول من شروط صحة الأذان: أن يأتي بجمل الأذان خمس عشرة جملة، وقول المؤلف رحمه الله: (والأذان خمس عشرة جملة) هذا هو أذان بلال ، وهذا اختيار الإمام أحمد رحمه الله، فإن الإمام أحمد رحمه الله اختار أذان وإقامة بلال كما هو المعمول به الآن، الأذان خمس عشرة جملة، والإقامة إحدى عشرة جملة، فيكبر أربع تكبيرات، ثم يتشهد الشهادتين، ثم يتشهد بالرسالة للنبي صلى الله عليه وسلم شهادتين، ثم حي على الصلاة مرتين، ثم حي على الفلاح مرتين، ثم يكبر مرتين، ثم يقول: لا إله إلا الله مرةً واحدة.

والإقامة معروفة إحدى عشرة جملة، هذا هو أذان بلال ، وهذه أيضاً إقامة بلال ، الإمام أحمد رحمه الله اختار ذلك، وإنما اختار الإمام أحمد أذان بلال وإقامة بلال ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يؤذن له بلال هكذا في المدينة، في المدينة كان يؤذن له بلال فاختار أذان بلال .

الرأي الثاني: رأي أبي حنيفة ، أبو حنيفة رحمه الله في الأذان اختار أذان بلال ، وفي الإقامة اختار إقامة أبي محذورة ، في الأذان اختار أذان بلال وهو خمس عشرة جملة، وأما في الإقامة فإنه اختار إقامة أبي محذورة ، وإقامة أبي محذورة كأذان بلال إلا أن تضيف على ذلك قد قامت الصلاة مرتين، كم تكون جمل الإقامة؟ سبع عشرة، يعني إقامة أبي محذورة سبع عشرة جملة، هذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله.

الرأي الثالث: مذهب الشافعي رحمه الله تعالى، مذهب الشافعية ذهبوا إلى أذان أبي محذورة ، الشافعي اختار بالنسبة للأذان أذان أبي محذورة ، وأما الإقامة فإنه اختار إقامة بلال .

وكيفية أذان أبي محذورة كأذان بلال إلا أن فيه الترجيع، يعني يرجع الشهادتين، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (لا ترجيع فيها).

وكيفية الترجيع أن المؤذن يأتي بالشهادتين أولاً بصوت منخفض بحيث يسمع من حوله، ثم يرجع بعد ذلك ويرفع بهما صوته، فإذا أذن: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، يأتي بالشهادتين بصوت منخفض بحيث يسمع من حوله: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، ثم يعود مرةً أخرى: أشهد أن لا إله إلا الله يرفع صوته، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، هذا يسمى الترجيع.

الإمام أحمد رحمه الله لا يأخذ بالترجيع؛ لأنه اختار أذان بلال ، والشافعي رحمه الله اختار أذان أبي محذورة .

وأما الإمام مالك رحمه الله فهو اختار أذان أبي محذورة بتثنية التكبير في أوله، وعلى هذا يكون عنده سبع عشرة جملة، فاختار أذان أبي محذورة بتثنية التكبير في أوله، يعني بدلاً من أن يأتي بأربع تكبيرات يأتي بتكبيرتين، وأيضاً بالنسبة للإقامة اختار الإمام مالك رحمه الله إفراد قد قامت الصلاة، يعني أخذ إقامة بلال إلا أنه يفرد قد قامت الصلاة، وعلى هذا تكون جمل الإقامة عنده عشر.

والملخص في هذه المسألة أن نقول: السنة للمؤذن تارةً يؤذن بأذان بلال ويقيم بإقامة بلال ، وتارةً يؤذن بأذان أبي محذورة ويقيم بإقامة أبي محذورة ، فيجمع بين السنة الواردة كلها، كل السنة الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام يجمع بينها، تارةً يؤذن بأذان بلال وبإقامة بلال ، وتارةً يؤذن بأذان أبي محذورة وإقامة أبي محذورة ، فتارةً يؤذن بأذان بلال المعروف عندنا، الأذان خمس عشرة جملة، والإقامة إحدى عشرة جملة، وتارةً يؤذن بأذان أبي محذورة كأذان بلال إلا أن فيه الترجيع، يعني يرجع الشهادتين، فيذكر الشهادتين بصوت منخفض ثم بعد ذلك يعود فيرفع صوته بالشهادتين، فتكون عنده الجمل تسع عشرة جملة، هذا بالنسبة للأذان.

وأما بالنسبة للإقامة فكأذان بلال ويضيف على ذلك قد قامت الصلاة مرتين، يقيم بإقامة أبي محذورة ، هذا هو السنة، السنة أن الإنسان تارةً يفعل أذان بلال وإقامة بلال ، وتارةً يفعل أذان أبي محذورة وإقامة أبي محذورة ، فيطبق السنة كلها.

وقد تقدم أن أشرنا إلى قاعدة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهي أن الصفات التي وردت على وجوه متنوعة أنه يشرع للإنسان أن يأتي بهذه الصفة تارة وبتلك الصفة تارةً أخرى؛ لأنه إذا عمل هذا كله يكون عمل بكل السنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

المهم يشترط لصحة الأذان أن يأتي بالجمل كاملة، والجمل على المذهب خمس عشرة جملة.

قال المؤلف رحمه الله: (لا ترجيع فيها).

الترجيع سبق أن عرفناه أن يأتي بالشهادتين بصوت منخفض، ثم يرجع ويأتي بهما بصوت عال مرةً أخرى، يقول: لا ترجيع فيها، وذكرنا أن الصواب أنه يرجع في بعض الأحيان، بعض الأحيان يؤذن بأذان أبي محذورة فيعمل بكل السنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: (والإقامة إحدى عشرة كلمةً).

وهذه إقامة بلال ، وذكرنا أن إقامة أبي محذورة سبع عشرة، وذكرنا أيضاً أن السنة أن المؤذن تارةً يأتي بأذان بلال وإقامة بلال ، وتارةً يأتي بأذان أبي محذورة وإقامة أبي محذورة .

هذا شرط من شروط صحة الأذان والإقامة. وسنرجع لبقية الشروط حين يذكرها المؤلف.

شروط المؤذن وما يستحب فيه

قال المؤلف رحمه الله: [وينبغي أن يكون المؤذن أميناً صيتاً عالماً بالأوقات]. ويستحب أن يؤذن قائماً متطهراً ذكر المؤلف رحمه الله سنناً وآداباً للمؤذن، وهذه السنن تنقسم إلى قسمين: منها سنن واجبة، ومنها سنن مستحبة.

فنقول: الشروط التي يجب أن تتوافر في المؤذن هي:

الشرط الأول: أن يكون مسلماً، فيشترط في المؤذن أن يكون مسلماً.

الشرط الثاني: أن يكون مميزاً، يعني إن كان صغيراً لم يبلغ يشترط فيه أن يكون مميزاً.

الشرط الثالث: أن يكون عدلاً؛ وعلى هذا لو كان فاسقاً فإنه لا يرتب مؤذناً، لكن لو أن الفاسق أذن في أمر عارض فنقول: بأن أذانه صحيح، لكن الفاسق هذا لا يرتب ويولى في المناصب الدينية سواء كانت إمامة أو أذان أو خطابة أو غير ذلك؛ لأن المناصب الدينية هذه لا بد أن يكون المرتب فيها أهلاً، فهذه ثلاثة شروط.

الشرط الرابع: أن يكون عاقلاً، فالمجنون لا يصلح أن يكون مؤذناً.

الشرط الخامس: أن يكون ذكراً، فالمرأة لا يصلح أن تكون مؤذنةً.

الشرط السادس: أن يكون أميناً، يكون أميناً على الأوقات، ويكون أيضاً أمين على عورات الناس، ويدل لذلك قول الله عز وجل: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص:26] .

الشرط السابع: أن يكون عارفاً بأحكام الأذان والإقامة، يعني: يجب أن يكون عارفاً بحكمه، وهذا داخل في القوة؛ فإن الله عز وجل قال: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص:26] ، فيدخل في القوة المعرفة بأحكام الأذان والإقامة.

وظاهر كلام المؤلف رحمه الله في قوله: (وينبغي أن يكون المؤذن أميناً) أن صفة الأمانة سنة وليست واجبة.

والصواب: أن الأمانة شرط واجب لا بد أن يتوافر في المؤذن، فإن كان غير أمين على الوقت فلا يجوز أن يولى، أو كان غير أمين على عورات الناس فلا يجوز أن يولى؛ ودليل ذلك كما أسلفنا قول الله عز وجل: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص:26] .

قال: (صيتاً).

هذه الصفة صفة مستحبة، فكلما كان المؤذن أكثر صوتاً فإنه أولى؛ لأن ذلك أبلغ في الإعلام، وأيضاً النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعبد الله بن زيد لما رأى الرؤيا في الأذان: ( ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتاً )، وهذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه وغيرهما، وإسناده صحيح.

قال: (عالماً بالأوقات).

وهذه أيضاً صفة مستحبة، يعني يستحب للإمام أن يعرف الأوقات، أن يعرف الزوال، ويعرف الغروب، ويعرف الشروق، وسواء كانت معرفته بالوقت إما بنفسه أو بغيره، إما بنفسه يعني بنفسه يستطيع أن يعرف الزوال والشروق والغروب.. إلى آخره، أو بغيره بحيث إن هناك أحداً يبين له أن الوقت قد دخل.

ودليل ذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا وشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ، وكان رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت أصبحت )، فكونه رجلاً أعمى هذا ما يعرف الوقت بنفسه، لكن يعرفه بغيره، والآن معرفة الأوقات سهلة؛ لأن الناس الآن ما أصبحوا يعتمدون على العلامات الأفقية: الزوال ومغيب الشفق وطلوع الفجر ومصير غروب الشمس والشفق، ما أصبح الناس يعتمدون هذه الأشياء، وإنما أصبح الناس الآن يعتمدون على الحساب في معرفة أوقات الصلوات على هذه التقاويم، وينظرون إلى الآلات إلى الساعات.

ما يستحب في الأذان

قال المؤلف رحمه الله: [ويستحب أن يؤذن قائماً].

ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام لـبلال : ( قم فأذن )، وهذا في الصحيحين.

وأيضاً: إذا أذان المؤذن وهو قائم فإن ذلك أبلغ في الإعلام؛ لأن المقصود في الأذان إعلام الناس بدخول وقت الصلاة، فإذا كان الإنسان قائماً فإن هذا أبلغ في الإعلان.

وعلى هذا لو أذن وهو جالس ما حكم الأذان؟ صحيح؛ لأن هذه الصفة ليست واجبة وإنما هي مستحبة.

قال رحمه الله: (متطهراً).

ودليل ذلك: حديث المهاجر بن قنفذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر )، وأيضاً في حديث أبي الجهيم بن الصمة : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام لما سلم عليه لم يرد النبي عليه الصلاة والسلام السلام حتى أتى الجدار فتيمم على الجدار، ثم رد السلام، فرفع النبي عليه الصلاة والسلام الحدث، ثم بعد أن رفع النبي عليه الصلاة والسلام الحدث سلم عليه )، فهذا يدل على أنه يستحب للإنسان أن يذكر الله على طهر، والأذان لا شك أنه من ذكر الله عز وجل، وهذه أيضاً صفة مستحبة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث عائشة : ( كان يذكر الله على كل أحيانه )، فقولها: ( يذكر الله على كل أحيانه ) يدخل في ذلك الذكر وهو على طهارة، والذكر وهو على غير طهارة، فلو أذن المؤذن وهو غير متطهر فإن أذانه صحيح، لكن الأفضل والكمال أن يؤذن وهو متطهر، وحتى لو كان جنباً وأذن فإن أذانه صحيح لكن قال العلماء رحمهم الله: يكره أذان الجنب.

قال: [على موضع عال].

ويدل لذلك أيضاً ما ثبت في أبي داود : ( أن بلالاً كان يؤذن على سطح امرأة من بني النجار، وكان أعلى بيت قرب المسجد )، فيستحب أن يكون أذان الإنسان على علو، والآن هذه المسألة ذهبت غالباً؛ لأن المؤذنين الآن يؤذنون عن طريق هذه الآلات، وهذه الآلات ترفع الأذان بحيث يسمعها الناس من كل ناحية، لكن كلما كان صوتها أقوى كان أولى؛ لأن المقصود هو إبلاغ الناس بدخول وقت الصلاة.

قال: [مستقبل القبلة].

يستحب للمؤذن أن يستقبل القبلة، وقد ذكر بعض أهل العلم رحمهم الله أن استقبال القبلة مستحب بالإجماع، يعني بإجماع المسلمين أنه يستحب للمؤذن أن يؤذن وهو مستقبل القبلة.

وأيضاً يدل لذلك قصة عبد الله بن زيد : ( لما رأى الملك في المنام الذي علمه الأذان قال: فقام فاستقبل )، ويدل هذا على مشروعية استقبال القبلة، فنقول: السنة للمؤذن أن يستقبل القبلة، وذكرنا في ذلك دليلين:

أما الدليل الأول: فحديث عبد الله بن زيد وفيه ( لما رأى الملك يؤذن قال: قام فاستقبل )، لما علمه الأذان قال: ( قل: الله أكبر ).. إلى آخره.

والدليل الثاني: الإجماع، فإن الإجماع منعقد على أن السنة للمؤذن أن يستقبل القبلة.

وهذه كلها صفات مستحبة إلا أننا ذكرنا أن الأمانة صفة واجبة، وأيضاً كونه يعلم بالأوقات صفة مستحبة؛ لأننا ذكرنا أنه يكون أميناً على الوقت، وإذا كان أميناً فلا بد أن يكون عالماً بالوقت، لكن كونه يعلم بنفسه هذه صفة مستحبة سواء علم بنفسه أو علم بغيره، والسنة والأفضل أن يكون عالماً بنفسه، لكن لو كان عالماً بغيره فإن هذا جائز ولا بأس به، وذكرنا الدليل على ذلك حديث عبد الله بن أم مكتوم : ( وأنه كان رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت أصبحت ).

قال رحمه الله: [فإذا بلغ الحيعلة التفت يميناً وشمالاً].

هذه أيضاً من الصفات المسنونة في الأذان، إذا بلغ الحيعلة التفت يميناً وشمالاً، ويدل لذلك حديث أبي جحيفة رضي الله تعالى عنه: ( أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم وأذن بلال ، قال: فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يميناً وشمالاً يقول: حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح )، وهذا الحديث في الصحيح.

الشاهد قوله: ( فجعلت أتتبع فاه يميناً وشمالاً يقول: حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح ).

فالسنة للمؤذن أن يلتفت في الحيعلتين في حي على الصلاة، وفي حي على الفلاح، وقد ذكر العلماء رحمهم الله لكيفية الالتفات ثلاث صفات:

الصفة الأولى: أن يلتفت يميناً بحي على الصلاة، ويلتفت شمالاً بحي على الفلاح، فبحي على الصلاة يلتفت يميناً, حي على الصلاة حي على الصلاة، وحي على الفلاح حي على الفلاح شمالاً، هذه الصفة الأولى.

الصفة الثانية: أن يلتفت يميناً بحي على الصلاة، ثم يلتفت شمالاً بحي على الصلاة، وأيضاً حي على الفلاح يلتفت الأولى يميناً والثانية شمالاً فيقول: حي على الفلاح ويلتفت يميناً، ثمحي على الفلاح ويلتفت شمالاً، ثم هذه الصفة الثانية.

الصفة الثالثة: أن يلتفت بحي على الصلاة الأولى ولا يعود، ثم يكمل الثانية، يعني يقول: حي على الصلاة، حي على الصلاة، ثم يعود ويقول: حي على الفلاح، حي على الفلاح، هذه الصفة الثالثة.

فهذه ثلاث صفات لقول أبي جحيفة رضي الله تعالى عنه: ( فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يميناً وشمالاً حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح )، فهذه ثلاث صفات.

والآن المؤذن يؤذن عن طريق الآلات فهل يشرع له أن يلتفت أو لا يشرع له أن يلتفت؟ هل نقول للمؤذن: يشرع لك الالتفات أو نقول: لا يشرع لك الالتفات؟

نقول: فيه تفصيل، فإذا كان التفاته هذا سيؤدي إلى خفض الصوت فإنه لا يلتفت، وإن كان التفاته لا يؤدي إلى خفض الصوت فنقول: الأصل بقاء المشروعية، يعني هذه الآلات إذا كان التفات الإنسان عنها سيؤدي إلى خفض الصوت لكونها مثلاً في مكان واحد فلا يلتفت، وإذا كان التفاته لا يؤدي إلى خفض الصوت فنقول: الأصل بقاء المشروعية.

قال المؤلف رحمه الله: [ولا يزيل قدميه].

معنى ذلك أن تكون قدماه تجاه القبلة، وإنما ينحرف فقط برأسه أما بالنسبة لقدميه فإنها تكون تجاه القبلة.

قال المؤلف رحمه الله: [ويجعل إصبعيه في أذنيه].

جعل الإصبعين في الأذنين هذا دل له حديث أبي جحيفة رضي الله تعالى عنه، وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد والترمذي والحاكم وغيرهم، وجعل الإصبعين في الأذنين سنة إن ثبت الحديث؛ لأن كثيراً من أهل العلم يضعف الحديث الوارد في ذلك، وبعض أهل العلم يحسنه، أخرجه الإمام أحمد والترمذي والحاكم ، وصححه الحاكم ، وكثير من أهل العلم يضعفون ذلك.

وعلى هذا: إذا لم يثبت الحديث فنقول: بأنه لا يشرع أن يضع إصبعيه في أذنيه, وإن ثبت الحديث كما صححه الحاكم وحسنه بعض أهل العلم فنقول: بأنه يشرع، وقد ذكر العلماء -بناءً على ثبوت الحديث- لكيفية وضع الإصبعين في الأذنين ثلاث صفات:

الصفة الأولى: أن يضع يديه على أذنيه.

والصفة الثانية: أن يضم أصابعه إلى راحتيه، ويضع يديه على أذنيه.

والصفة الثالثة: أن يدخل السبابتين في أذنيه وفي صماخ أذنيه ويؤذن.

فهذه ثلاث صفات ذكرها أهل العلم رحمهم الله، وهذا إذا ثبت الحديث، فإن لم يثبت الحديث فإنه لا يشرع أن يضع إصبعيه في أذنيه.

قال المؤلف رحمه الله: [ويترسل في الأذان، ويحدر الإقامة].

ودليل ذلك ما رواه أبو داود من حديث جابر أن المؤلف رحمه الله النبي عليه الصلاة والسلام قال لـبلال : ( إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر ).

ففي هذا الحديث أمر النبي عليه الصلاة والسلام بلالاً أن يترسل في الأذان، وأن يحدر الإقامة، لكن هذا الحديث حديث جابر أخرجه الترمذي والبيهقي والحاكم وهو ضعيف لا يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام.

لكن عندنا دليل آخر غير هذا الدليل يدل على أن المشروع في الأذان الترسل وعدم الإسراع، والدليل على أن الأذان يشرع فيه رفع الصوت ما تقدم لنا من قول النبي صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن زيد : ( ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتاً )، يشرع رفع الصوت، وإذا أراد أن يرفع الصوت هل سيترسل أو يسرع؟ يترسل، وأيضاً الأذان إعلام للغائبين، فإذا كان كذلك يشرع فيه أن يتمهل.

بالنسبة للإقامة إعلام الحاضرين، ولا يشرع فيها رفع الصوت كما يشرع في الأذان، وإذا كان كذلك فإنه يحدرها أي: يسرع فيها.

التثويب في أذان الفجر

قال: [ويقول في أذان الصبح بعد الحيعلة: الصلاة خير من النوم].

هذا أيضاً سنة، يستحب في أذان الصبح أن يقول: الصلاة خير من النوم، ودليل ذلك حديث أبي محذورة أنه قال: ( علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة الأذان، إلى أن ذكر حي على الفلاح قال: فإذا كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم مرتين )، وهذا الحديث أخرجه النسائي وغيره، وهذا يسمى عند العلماء رحمهم الله بالتثويب، التثويب يطلقه العلماء رحمهم الله على ثلاثة أشياء:

الشيء الأول: الإقامة، فالإقامة يسميها العلماء رحمهم الله تثويباً، الإقامة تسمى تثويباً.

والثاني: قول: الصلاة خير من النوم، أيضاً هذا يسمى تثويباً عند العلماء، يعني في أذان الفجر تقول: الصلاة خير من النوم، هذا أيضاً يسمى تثويباً، وهذان القسمان مشروعان.

أيضاً من أقسام التثويب: أن المؤذن إذا انتهى من الأذان يرجع مرةً أخرى ويقول: حي على الصلاة حي على الفلاح.. إلى آخره، وهذا كان موجوداً في السابق، أما الآن ليس موجوداً، وهذا أيضاً يسمى تثويباً لكنه بدعة، هذا بدعة، فأصبح عندنا التثويب المشروع ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن يراد به الإقامة.

والقسم الثاني: أن المراد به أن يقول المؤذن في صلاة الفجر: الصلاة خير من النوم مرتين.

واختلف أهل العلم رحمهم الله في التثويب -يعني في قول: الصلاة خير من النوم- هل يقال في الأذان الأول أو يقال في الأذان الثاني؟

فأكثر أهل العلم رحمهم الله على أنه يقال في الأذان الثاني، يعني أن التثويب بقول: الصلاة خير من النوم يقال في الأذان الثاني، هذا ما عليه أكثر أهل العلم، واستدلوا على ذلك بحديث نعيم بن النحام ، وأيضاً حديث أنس .

والرأي الثاني: رأي أبي حنيفة رحمه الله, وأنه يقال في الأذان الأول، واستدل الحنفية على ذلك بحديث ابن عمر : ( كان في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم ).

فعندنا رأيان في هذه المسألة هل التثويب يعني قول: الصلاة خير من النوم يقال في الأذان الأول أو في الأذان الثاني؟

أكثر أهل العلم على أنه يكون في الأذان الثاني، وقلنا: بأن دليلهم على ذلك حديث نعيم وحديث أنس.

والرأي الثاني: أنه يقال في الأذان الأول، ودليلهم على ذلك ما في البيهقي من حديث ابن عمر قال: ( كان يقال في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم ).

والصواب في هذه المسألة ما عليه أكثر أهل العلم رحمهم الله تعالى، وأن التثويب بقول الصلاة خير من النوم إنما يكون في الأذان الثاني.

وأما ما ورد في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: ( كان في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم ) أن المراد بالأذان الأول هنا هو الأذان الثاني، لكن سمي بالأذان الأول نظراً للإقامة، فإن الإقامة تسمى أذاناً؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( بين كل أذانين صلاة ).

شروط الأذان

الأذان يشترط له شروط:

الشرط الأول: أن يأتي بالجمل الشرعية، وقد سبق أن بينا هذه الجمل، وأنها في أذان بلال خمس عشرة وإحدى عشرة، خمس عشرة للأذان وإحدى عشرة للإقامة، وفي أذان أبي محذورة تسع عشرة وسبع عشرة، هذا الشرط الأول.

الشرط الثاني: أن يكون الأذان بعد الوقت، وعلى هذا لو أذن قبل الوقت فإنه ل

تقدم لنا شيء من أحكام الأذان، وذكرنا من ذلك تعريف الأذان في اللغة والاصطلاح, وكذلك أيضاً تعريف الإقامة، وتقدم لنا أيضاً حكم الأذان والإقامة، وذكرنا أن حكمهما أنهما فرض كفاية، وأن بعض الأئمة ذهب إلى أنهما سنة.. إلى آخره.

قال المؤلف رحمه الله: (وهما مشروعان للصلوات الخمس).

أفاد المؤلف رحمه الله أن الأذان والإقامة كل منهما مشروعان للصلوات الخمس، وكذلك أيضاً لصلاة الجمعة، ما عدا هذا لا يشرع لها أذان ولا إقامة، فصلاة العيد لا أذان لها ولا إقامة، صلاة الاستسقاء لا أذان لها ولا إقامة، صلاة الكسوف والخسوف لها نداء ينادى لها فقط، وصلاة الجنازة لا أذان لها ولا إقامة.. إلى آخره.

قال المؤلف رحمه الله: (دون غيرها).

ودليل ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام إنما كان يؤذن للصلوات الخمس والجمعة فقط دون بقية الصلوات، فلم يرد أن الأذان شرع لغير الصلوات الخمس والجمعة.

قال رحمه الله: (للرجال دون النساء).

الأذان والإقامة كل منهما فرض كفاية كما سبق لنا، لكن هذه الفرضية لها شروط:

فالشرط الأول: قال المؤلف رحمه الله: (للرجال)، فيجب الأذان والإقامة للرجال دون النساء؛ ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـمالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه: ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم )، وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.

وكذلك أيضاً يدل على أن الأذان إنما هو للجماعة، والنساء لسن من أهل الجمعة والجماعة، فلا تجب عليهن الجماعة، وكذلك أيضاً لا تجب عليهن الجمعة.

فالشرط الأول لوجوب الأذان والإقامة أن يكونوا رجالاً، فإن كن نساءً فلا يجب عليهن الأذان والإقامة. واختلف أهل العلم رحمهم الله في الأذان والإقامة بالنسبة للنساء على أقوال، فذهب بعض أهل العلم إلى أن الأذان والإقامة للنساء كل منهما مباح.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن كلاً منهما مستحب.

وذهب آخرون وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أن الأذان والإقامة لهن مكروهة.

والرأي الرابع والأخير: أن الإقامة تشرع، إذا اجتمع النساء فإن الإقامة تكون مشروعةً لهن، أما بالنسبة للأذان فإنه ليس مشروعاً لهن، وعلى هذا إذا اجتمع النساء وصلين جماعةً فإنه يشرع لهن أن يقمن، وأما بالنسبة للأذان فإنه لا يشرع لهن أن يؤذن، كما لو اجتمعن في مدرسة أو في مكان ثم أردن أن يصلين جماعة فإنهن يقمن الصلاة؛ لأن الإقامة إعلام للحاضرين بالإقامة إلى الصلاة، وأما بالنسبة للأذان فهو إعلام للغائبين، والنساء يكن حاضرات، ولا حاجة إلى إعلام من كان غائباً؛ لأنهن يفترض فيهن أن يكن مجتمعات، هذا هو الشرط الأول.

الشرط الثاني: أن يكونوا جماعة، فلو كان واحداً فإنه لا يجب عليه الأذان ولا الإقامة، والمراد بالجماعة هنا أن يكونوا اثنين فأكثر، فإذا كانوا اثنين فأكثر فإنه يجب عليهما أن يؤذنا وأن يقيما، كما لو خرجا في سفر، أو خرجا في نزهة فإنه يجب عليهما أن يؤذنا ويقيما.

ويدل لذلك حديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم ).

الشرط الثالث: أن يكونوا مقيمين، فلو كانوا مسافرين لا يجب عليهم الأذان ولا الإقامة، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.

والصواب في ذلك: أنه لا فرق بين المقيم وبين المسافر، وأن الأذان والإقامة يجب على المقيمين ويجب على المسافرين، ويدل لذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لـمالك بن الحويرث : ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم )، ومالك ومن معه كانوا مسافرين، فالصواب في هذه المسألة: أن الأذان يجب على المسافرين كما يجب على المقيمين.

وأيضاً:لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ترك الأذان والإقامة في حال السفر، هذا لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، فالصواب أن الإقامة ليست شرطاً.

الشرط الرابع: أن تكون الصلاة مؤداةً، فلو كانت الصلاة مقضيةً فلا يجب لها أذان ولا إقامة، وهذا أيضاً هو المشهور من مذهب الإمام أحمد .

والصواب أيضاً: أن الأذان والإقامة يجب على جماعة الرجال سواء كانت الصلاة مؤداةً أو كانت مقضيةً، ويدل لذلك حديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم )، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا حضرت الصلاة ) يشمل حضور الصلاة في الوقت، ويشمل أيضاً حضور الصلاة خارج الوقت، فحضور الصلاة في الوقت هذا إذا كانت الصلاة مؤداةً، وحضور الصلاة خارج الوقت إذا كانت الصلاة مقضيةً.

الشرط الخامس: أن يكونوا جماعةً، والمراد بالجماعة كما سلف أن يكونوا اثنين فأكثر، أما إن كان واحداً فإنه يستحب له أن يؤذن، ولا يجب عليه أن يؤذن.

الشرط السادس: أن يكونوا أحراراً، فلو كانوا أرقاء لم يجب عليهم الأذان والإقامة، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.

والصواب في هذه المسألة أيضاً: أنه لا فرق بين الأحرار والأرقاء لعموم الأدلة، وسبق أن أشرنا إلى قاعدة وهذه القاعدة: أن الأصل في العبادات البدنية المحضة أنه يتساوى فيها الأحرار والأرقاء إلا بدليل.

فالصواب: أن الأذان والإقامة كل منهما يجب على الأرقاء كما يجب على الأحرار، وكذلك أيضاً جماعة الصلاة تجب على الأرقاء كما تجب على الأحرار، والجمعة أيضاً، وهذه قاعدة.

والشرط الأخير: أن يكون الأذان والإقامة للصلوات الخمس والجمعة، أما ما عدا ذلك فلا يشرع لها أذان ولا إقامة.