خطب ومحاضرات
ماذا نستفيد من الجيل الفريد
الحلقة مفرغة
الحمد لله معز من أطاعه، ومذل من عصاه، أشهد أن لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وسبحان الله والحمد لله، وصلى الله وسلم على الرحمة المهداة، والسراج المنير، والبشير والنذير؛ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.
إخواني في الله: هذه تحيةٌ في هذه الليلة في هذا البيت من بيوت الله، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يشملنا برحمته، وأن ينزل علينا سكينةً من عنده، وأن يجعل ملائكته تغشانا، وأن يجعل دار الخلد مثوانا إنه سميعٌ مجيبٌ.
أيها الإخوة: عنوان هذا الدرس" ماذا نستفيد من الجيل الفريد؟"
والمقصود بالجيل الفريد هم: صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم. والله تعالى لما جعل النبي محمداً عليه الصلاة والسلام أفضل الأنبياء، جعل حواريه أفضل الصحابة، وأفضل الحواريين من بين صحابة الأنبياء جميعاً. فاختارهم عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وحمل دينه وشرعه، والجهاد مع رسوله، فنشروا الإسلام في الآفاق.
هذا الجيل الفريد، وقلت (الفريد)؛ لأنه لن يتكرر في البشرية مثله على الإطلاق، ولم يأتِ قبله مثله، ولم يأتِ بعده مثله أبداً.
إنه جيلٌ فريدٌ اصطفاهم الله تعالى، وهذه معلوماتٌ عن الصحابة في سطور قبل أن نشرع في تبيان العنوان والشروع في المقصود.
الصحابة في الفتوى
تعريف الصحابي
قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة وأربعة عشر ألفاً من الصحابة، وجملة الصحابة يبلغون مائة وعشرين ألفاً. قال ذلك: أبو زرعة الرازي .
مات في المدينة من الصحابة نحو عشرة آلاف، وباقيهم تفرق في البلدان. نقل ذلك عن مالك بن أنس الأصبحي .
نزل في الكوفة من الصحابة ألفٌ وخمسون منهم أربعة وعشرون بدريون، وقدم حمص من الصحابة خمسمائة رجل. وهذا القول لـقتادة بن دعامة السدوسي .
عدد الرواة من الصحابة
والذين روى عنهم الإمام أحمد مع كثرة روايته واطلاعه واتساع رحلته وإمامته من الصحابة تسعمائةٍ وسبعة وثلاثون نفساً، ووضع في الكتب الستة من الزيادات على ذلك ما يقارب من ثلاثمائة صحابي أيضاً. الحافظ إسماعيل أبي الفداء ابن كثير رحمه الله تعالى.
أكثر الصحابة فتوى مطلقاً سبعة: عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وزيد بن ثابت ، وعائشة رضوان الله عليهم. ورد ذلك عن ابن حزم ، وقال: يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد من هؤلاء مجلدٌ ضخم، ويليهم عشرون في الفتوى هم: أبو بكر ، وعثمان ، وأبو موسى ، ومعاذ ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو هريرة ، وأنس ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وسلمان ، وجابر ، وأبو سعيد ، وطلحة ، والزبير ، وأم سلمة ، يمكن جمع من فتيا كل واحدٍ منهم جزءاً صغيراً. قال: وفي الصحابة نحو من مائة وعشرين نفساً مقلون في الفتيا جداً، لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والثلاث، يمكن أن يجمع من فتوى جميعهم جزءٌ صغيرٌ بعد البحث؛ كـأبي بن كعب ، وأبي الدرداء ، وأبي طلحة ، والمقداد ، وغيرهم.
الصحابي: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو رآه ولو ساعةً من نهار، فهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال علي بن المديني: الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام، فيدخل في ذلك من لقيه ممن طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يروِ، ومن غزا معه أو لم يغزُ، ومن رآه رؤيةً ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض العمى وكان مؤمناً به، يدخل فيها كل مكلفٍ من الجن والإنس، ويدخل فيه من ارتد وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت سواء اجتمع به صلى الله عليه وسلم مرةً أخرى، أم لم يجتمع، وهذا هو الصحيح المعتمد عند الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني رحمه الله.
قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة وأربعة عشر ألفاً من الصحابة، وجملة الصحابة يبلغون مائة وعشرين ألفاً. قال ذلك: أبو زرعة الرازي .
مات في المدينة من الصحابة نحو عشرة آلاف، وباقيهم تفرق في البلدان. نقل ذلك عن مالك بن أنس الأصبحي .
نزل في الكوفة من الصحابة ألفٌ وخمسون منهم أربعة وعشرون بدريون، وقدم حمص من الصحابة خمسمائة رجل. وهذا القول لـقتادة بن دعامة السدوسي .
الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفٌ وخمسمائة. هذا قول الحافظ الذهبي .
والذين روى عنهم الإمام أحمد مع كثرة روايته واطلاعه واتساع رحلته وإمامته من الصحابة تسعمائةٍ وسبعة وثلاثون نفساً، ووضع في الكتب الستة من الزيادات على ذلك ما يقارب من ثلاثمائة صحابي أيضاً. الحافظ إسماعيل أبي الفداء ابن كثير رحمه الله تعالى.
ما هو فضلهم في الكتاب والسنة، حتى نعرف قيمة الصحابة؟
فضل الصحابة في القرآن
من هم؟
إنهم المهاجرون والأنصار الموصوفون في الآية الأولى من هذه الآيات في الصفات الثلاث وهي: الإيمان، والهجرة، والجهاد: هم المهاجرون الأولون الذين تركوا ديارهم وأموالهم وأولادهم إيثاراً لله ولرسوله من أجل إعلاء كلمة الله، وإظهار دين الإسلام على سائر الأديان.
والموصوفون في الآية نفسها بالإيواء والنصرة هم الأنصار الذين هم الأوس والخزرج، فإنهم آووا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه المهاجرين في منازلهم، ونصروا نبي الله صلى الله عليه وسلم بمقاتلة أعداء الدين، ثم بين الله تعالى الولاء والتلاحم الثابت بين المهاجرين والأنصار بقوله: أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:72] في النصرة والمساعدة، وهذا مما يؤكد قطع الموالاة بينهم وبين الكفار، وقال عز وجل عن أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ [التوبة:100] رغماً عن أنوف الحاقدين: وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100] فهذه الآية اشتملت على أبلغ الثناء من الله رب العالمين على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، حيث أخبر الله تعالى أنه رضي عنهم، ويكفيهم فخراً وأجراً أن الله رضي عنهم.
وقال عز وجل: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً [النور:55] وهذه تشمل الإيمان، والعمل الصالح، والخلافة، وإقامة الدعوة؛ والإيمان والعمل الصالح في الآية يشمل الخلافة وإقامة الدعوة، ويقول ابن تيمية رحمه الله: ومن المعلوم أن هذه النعوت منطبقة على الصحابة في زمن أبي بكر وعمر وعثمان ، فإنه إذ ذاك حصل الاستخلاف، وتمكن الدين بعد الخوف، لما قهروا فارس والروم، وفتحوا الشام والعراق ومصر وخراسان وأفريقيا ... إلى آخر كلامه رحمه الله.
وصفهم الله بوصفٍ جميلٍ في آخر سورة الفتح، فقال عز وجل: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29] فقوله: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29] هي التي استدل بها الإمام مالك رحمه الله على أن الذين يبغضون الصحابة لا حظ لهم في الفيء، وأن من أبغضهم كافر، ومن غاظه الصحابة فهو كافر: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29].
هذه الصورة العظيمة التي تبين العلاقة بينهم: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ُ الفتح:29] وتبين عبادتهم، والعلاقة، والتربية، وكيف نشئوا نشأةً قويةً، وأنهم باستمرار الزمن زادت عبادتهم وأعمالهم مثل: النبتة الصغيرة مع الزمن وتعاهدها بالسقيا تصبح شجرة كبيرة متجذرة في الأرض، وافرة الظلال، كثيرة الأغصان، متشابكة الجذوع: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ [الفتح:29] وكل واحد يهديه الله إلى الدين، فيتعاهد نفسه بالإيمان، والعمل الصالح، ومجالس الذكر، وأصحاب الخير؛ فإن إيمانه يزداد ويقوى حتى يصبح شجرة قوية، ومرور الوقت في صالحه، وعمره خيرٌ له.
وصف الصحابة في السنة النبوية
قال النووي رحمه الله: معنى الحديث: أن النجوم ما دامت باقية في السماء، فالسماء باقية، فإذا انكدرت النجوم وتناثرت يوم القيامة وهنت السماء، فانفطرت وانشقت وذهبت، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون) أي: من الفتن والحروب، وارتداد الأعراب، واختلاف القلوب ونحو ذلك، وقوله عليه الصلاة والسلام: (وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) معناه: ما يوعدون من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن، وطلوع قرن الشيطان، وظهور الروم، وانتهاك المدينة ومكة وغير ذلك، وهذه كلها من معجزاته صلى الله عليه وسلم.
فإذاً: الآن انظروا ماذا حصل من النقص لما ذهب الصحابة، والأمة في نقصٍ بعد ذهابهم ولا تزال يزداد نقصها.
هؤلاء الصحابة هم الأمة الوسط: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة:143] وهم على رأس الشهود الذين يشهدون لكل نبي على أمته، هل جاءكم نذير؟ يقولون: لا. ما جاءنا النذير: (يقال للنبي: هل بلغت؟ فيقول: نعم. فيقال: من شهودك؟ -يا نوح من شهودك؟! يا شعيب من شهودك؟! يا إبراهيم! يا عيسى! يا موسى؟! فيقول: محمدٌ وأمته، فيجاء بكم فتشهدون، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143] ) اعدلوا لتكونوا شهداء على الناس والحديث في صحيح البخاري .
كل الصحابة عدول وأثبات: ولذلك ما بحث أهل الجرح والتعديل في حال الصحابة، ولا يوجد في كتب الجرح والتعديل الصحابي هذا ثقة، وهذا ثقةٌ ثبتٌ، أو هذا صدوق، أو هذا لا بأس به، أو هذا ضعيف، فكلهم ثقات لا مجال للبحث فيهم في مسألة الجرح والتعديل، لأن الله عدلهم، وما دام الله عدلهم، فمن بعد ذلك يبحث في تعديلهم؟! المسألة منتهية، لكن النظر فيمن بعدهم، فالذين مات النبي عليه الصلاة والسلام وهم باقون على العهد وماتوا على العهد هؤلاء كلهم أخيار.
ولذلك لما جاء في الحديث أن عائد بن عمر وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عبيد الله بن زياد الأمير، فقال: (أي بني -ينصحه- إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن شر الرعاء الحطمة. فإياك أن تكون منهم) -تقسوا على الرعية، وتشتد على الرعية، وتحطم الرعية، وتكلف الرعية ما لا يطيقون، إياك أن تكون من الرعاء هؤلاء الحطمة الذين يحطمون الرعية- (فقال له: اجلس، فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال الصحابي: وهل كانت لهم نخالة، إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم) كلهم أخيار لا يوجد فيهم نخالة، فالنخالة بعدهم، والحديث في الصحيح.
قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:72] تتكلم هذه الآية عن قسمين.
من هم؟
إنهم المهاجرون والأنصار الموصوفون في الآية الأولى من هذه الآيات في الصفات الثلاث وهي: الإيمان، والهجرة، والجهاد: هم المهاجرون الأولون الذين تركوا ديارهم وأموالهم وأولادهم إيثاراً لله ولرسوله من أجل إعلاء كلمة الله، وإظهار دين الإسلام على سائر الأديان.
والموصوفون في الآية نفسها بالإيواء والنصرة هم الأنصار الذين هم الأوس والخزرج، فإنهم آووا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه المهاجرين في منازلهم، ونصروا نبي الله صلى الله عليه وسلم بمقاتلة أعداء الدين، ثم بين الله تعالى الولاء والتلاحم الثابت بين المهاجرين والأنصار بقوله: أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:72] في النصرة والمساعدة، وهذا مما يؤكد قطع الموالاة بينهم وبين الكفار، وقال عز وجل عن أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ [التوبة:100] رغماً عن أنوف الحاقدين: وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100] فهذه الآية اشتملت على أبلغ الثناء من الله رب العالمين على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، حيث أخبر الله تعالى أنه رضي عنهم، ويكفيهم فخراً وأجراً أن الله رضي عنهم.
وقال عز وجل: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً [النور:55] وهذه تشمل الإيمان، والعمل الصالح، والخلافة، وإقامة الدعوة؛ والإيمان والعمل الصالح في الآية يشمل الخلافة وإقامة الدعوة، ويقول ابن تيمية رحمه الله: ومن المعلوم أن هذه النعوت منطبقة على الصحابة في زمن أبي بكر وعمر وعثمان ، فإنه إذ ذاك حصل الاستخلاف، وتمكن الدين بعد الخوف، لما قهروا فارس والروم، وفتحوا الشام والعراق ومصر وخراسان وأفريقيا ... إلى آخر كلامه رحمه الله.
وصفهم الله بوصفٍ جميلٍ في آخر سورة الفتح، فقال عز وجل: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29] فقوله: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29] هي التي استدل بها الإمام مالك رحمه الله على أن الذين يبغضون الصحابة لا حظ لهم في الفيء، وأن من أبغضهم كافر، ومن غاظه الصحابة فهو كافر: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29].
هذه الصورة العظيمة التي تبين العلاقة بينهم: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ُ الفتح:29] وتبين عبادتهم، والعلاقة، والتربية، وكيف نشئوا نشأةً قويةً، وأنهم باستمرار الزمن زادت عبادتهم وأعمالهم مثل: النبتة الصغيرة مع الزمن وتعاهدها بالسقيا تصبح شجرة كبيرة متجذرة في الأرض، وافرة الظلال، كثيرة الأغصان، متشابكة الجذوع: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ [الفتح:29] وكل واحد يهديه الله إلى الدين، فيتعاهد نفسه بالإيمان، والعمل الصالح، ومجالس الذكر، وأصحاب الخير؛ فإن إيمانه يزداد ويقوى حتى يصبح شجرة قوية، ومرور الوقت في صالحه، وعمره خيرٌ له.
قال أبو موسى رضي الله تعالى عنه: (صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء) -مثلما أنتم الآن جالسون أيها الإخوة، فلا تنسوا النية بانتظار الصلاة القادمة؛ لأن من قعد ينتظر الصلاة، فهو في صلاة- فالصحابة صلوا مع النبي عليه الصلاة والسلام صلاة المغرب- (ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء، قال: فجلسنا، فخرج علينا، فقال: ما زلتم هاهنا -من المغرب- قلنا: يا رسول الله! صلينا معك المغرب، ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء، قال: أحسنتم -أو أصبتم- فرفع رأسه إلى السماء، وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: النجوم أمنةٌ للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنةٌ لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنةٌ لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) رواه مسلم.
قال النووي رحمه الله: معنى الحديث: أن النجوم ما دامت باقية في السماء، فالسماء باقية، فإذا انكدرت النجوم وتناثرت يوم القيامة وهنت السماء، فانفطرت وانشقت وذهبت، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون) أي: من الفتن والحروب، وارتداد الأعراب، واختلاف القلوب ونحو ذلك، وقوله عليه الصلاة والسلام: (وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) معناه: ما يوعدون من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن، وطلوع قرن الشيطان، وظهور الروم، وانتهاك المدينة ومكة وغير ذلك، وهذه كلها من معجزاته صلى الله عليه وسلم.
فإذاً: الآن انظروا ماذا حصل من النقص لما ذهب الصحابة، والأمة في نقصٍ بعد ذهابهم ولا تزال يزداد نقصها.
هؤلاء الصحابة هم الأمة الوسط: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة:143] وهم على رأس الشهود الذين يشهدون لكل نبي على أمته، هل جاءكم نذير؟ يقولون: لا. ما جاءنا النذير: (يقال للنبي: هل بلغت؟ فيقول: نعم. فيقال: من شهودك؟ -يا نوح من شهودك؟! يا شعيب من شهودك؟! يا إبراهيم! يا عيسى! يا موسى؟! فيقول: محمدٌ وأمته، فيجاء بكم فتشهدون، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143] ) اعدلوا لتكونوا شهداء على الناس والحديث في صحيح البخاري .
كل الصحابة عدول وأثبات: ولذلك ما بحث أهل الجرح والتعديل في حال الصحابة، ولا يوجد في كتب الجرح والتعديل الصحابي هذا ثقة، وهذا ثقةٌ ثبتٌ، أو هذا صدوق، أو هذا لا بأس به، أو هذا ضعيف، فكلهم ثقات لا مجال للبحث فيهم في مسألة الجرح والتعديل، لأن الله عدلهم، وما دام الله عدلهم، فمن بعد ذلك يبحث في تعديلهم؟! المسألة منتهية، لكن النظر فيمن بعدهم، فالذين مات النبي عليه الصلاة والسلام وهم باقون على العهد وماتوا على العهد هؤلاء كلهم أخيار.
ولذلك لما جاء في الحديث أن عائد بن عمر وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عبيد الله بن زياد الأمير، فقال: (أي بني -ينصحه- إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن شر الرعاء الحطمة. فإياك أن تكون منهم) -تقسوا على الرعية، وتشتد على الرعية، وتحطم الرعية، وتكلف الرعية ما لا يطيقون، إياك أن تكون من الرعاء هؤلاء الحطمة الذين يحطمون الرعية- (فقال له: اجلس، فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال الصحابي: وهل كانت لهم نخالة، إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم) كلهم أخيار لا يوجد فيهم نخالة، فالنخالة بعدهم، والحديث في الصحيح.
ماذا قال العلماء في شأن الصحابة؟
نحن نعلم أن الكلام في الصحابة حدث، وأن الطعون عليهم من أعداء الله قام سوقها، وأن التشكيك فيهم قد حصل، فنحن نحتاج إلى أن نقاوم بكلام مضاد نثبت به فضلهم ومكانتهم في الدين.
الحسن البصري يصف الصحابة
أيوب السختياني وعقيدته في الصحابة
قول الطحاوي في الصحابة
أما شارح الطحاوية فقد قال: فمن أضل ممن يكون في قلبه غلٌ على خيار المؤمنين وسادات أولياء الله تعالى بعد النبيين، بل قد فَضَلهم اليهود والنصارى بخصلة -الذي يسب الصحابة كان اليهود والنصارى أفضل منهم بخصلة- قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى. وقيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى. وقيل لأهل الرفض: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يستثنوا منهم إلا القليل.
قول الإمام أحمد بن حنبل في الصحابة
قول أبي زرعة في الصحابة
ابن القيم ووصفه للصحابة
قال عمر : [عسى ربه يبدله خيراً منكن] فنزل قوله تعالى: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ [التحريم:5] فنزلت بنصها في القرآن.
و أبو أيوب قال: [سبحانك هذا بهتان عظيم] فنزلت كما هي في القرآن، وقد كان أحدهم يرى الرأي، فينزل القرآن بموافقته، وحقيقٌ لمن كانت آراؤهم بهذه المنزلة أن يكون رأيهم لنا خيراً من رأينا لأنفسنا. ا هـ
قال الحسن البصري رحمه الله وقد سأله بعض الناس: [أخبرنا عن صفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فبكى ثم قال: ظهرت منهم علامات الخير في السيماء والسمت والهدي والصدق، وخشونة ملابسهم بالاقتصاد، وممشاهم بالتواضع، ومنطقهم بالعمل، ومطعمهم ومشربهم بالطيب من الرزق، وخضوعهم بالطاعة لربهم تعالى، واستقادتهم للحق فيما أحبوا وكرهوا، وعطاؤهم الحق من أنفسهم، ظمئت هواجرهم، ونحلت أجسامهم، واستخفوا بسخط المخلوقين في رضا الخالق، لم يفرطوا في غضب، ولم يحيفوا، ولم يجاوزوا حكم الله تعالى في القرآن، شغلوا الألسن بالذكر، بذلوا دماءهم حين استنصرهم، وبذلوا أموالهم حين استقرضهم، ولم يمنعهم خوفهم من المخلوقين، حسنت أخلاقهم، وهانت مئونتهم، وكفاهم اليسير من دنياهم إلى آخرتهم].
وقال أيوب السختياني رحمه الله: من أحب أبا بكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحب علياً فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق.
استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
ماذا نفعل في رمضان | 2983 استماع |
ماذا فعلوا بعباءة المرأة؟ | 2597 استماع |
ماذا يحدث تحت الأرض | 2452 استماع |
ماذا نلبس هذا الصيف | 2329 استماع |
ماذا قالوا عند الموت؟! [1] | 2323 استماع |
ماذا تسمع؟ | 2247 استماع |
ماذا تفعل في الحالات التالية؟ | 2135 استماع |
ماذا ينقصنا؟ | 2000 استماع |
ماذا تفعل في الإجازة | 1937 استماع |
ماذا بعد رمضان | 1345 استماع |