خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/35"> الشيخ محمد صالح المنجد . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/35?sub=11747"> مجموعة ماذا
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
ماذا ينقصنا؟
الحلقة مفرغة
لما أنهى النبي صلى الله عليه وسلم مهمته في تبوك ولم يلق حرباً، وقد تم له ما أراد، رجع إلى المدينة سالماً غانماً، وفي طريقه إلى المدينة حدثت حوادث مهمة، فقد حاول بعض المنافقين قتله في الطريق، ولكن الله لم يمكنهم من ذلك، وفضحهم وكشف أمرهم، وقبل أن يدخل المدينة أمر بعض أصحابه أن يذهبوا لهدم مسجد الضرار الذي بناه المنافقون ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله، فهدم وأحرق، ولما وصل إلى المدينة استقبله المؤمنون استقبالاً حافلاً مهيباً، فرحين بمرجعه إليهم سالماً غانماً، وجاء المخلفون يعتذرون، فقبل عذرهم، ولكن الثلاثة الذين ذكرهم الله لم يكن لهم عذر، فأمر بهجرهم، ثم تاب الله تعالى عليهم، إنه هو التواب الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحياكم الله ومرحباً وأهلاً في هذا البيت من بيوت الله، ونسأل الله عز وجل أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل فينا شقياً ولا محروماً: رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ [آل عمران:193] رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].. رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [البقرة:126].
أيها الإخوة! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، عنوان درسنا إن شاء الله "ماذا ينقصنا؟" ولقد تأملت في النواقص التي تنقصنا نحن المسلمين، وفكرت في هذا العنوان، فرأيت أن الذي ينقصنا من كثرته لا يحصى، وأنه لعل الأجدى أن نفكر فيما يوجد عندنا، فهو أسهل في الحصر، وأما ما ينقص، فيصعب حصره من كثرته، ولكن من باب المحاسبة لأنفسنا؛ تعالوا نفكر في شيء مما ينقصنا؛ لنحاول الاستدراك وتحصيل بعض المطلوب، وقد قال الله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18] ماذا ينقصنا؟
أول ما يخطر في البال مما ينقصنا تحقيق الإخلاص لله عز وجل، الإخلاص مسألة المسائل وأصل الأصول، الإخلاص الذي إذا حصله الإنسان المسلم؛ صلح حاله في كل شيء.
أقوال السلف في الإخلاص
وقال البخاري رحمه الله تعالى: باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، وقال إبراهيم التيمي : ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذباً، وقال ابن أبي مليكة: [أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل] ويُذكر عن الحسن: [ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق]. ما خاف عذاب الله إلا مؤمن، ولا أمن عذاب الله إلا منافق، هذا بعض ما ورد عن السلف مما يدفعنا إلى الحرص على الإخلاص، ومجاهدة النفس في سبيل الوصول إليه.
الطريق إلى الإخلاص
هذا السؤال يجيبنا عليه العلامة ابن القيم رحمه الله، فيقول: لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار، الضب والحوت -فالضب يسكن في الصحراء والحوت يكون في الماء- فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص، فأقبل على الطمع أولاً، فاذبحه بسكين اليأس، عليك بالإياس مما في أيدي الناس، ولا ترجو على عملك الصالح شيئاً دنيوياً، اقطع الطمع من الدنيا بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء، فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؛ سهل عليك الإخلاص، فإن قلت: وما الذي يسهل عليَّ ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؟ قلت: أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقيناً أنه ليس من شيء يُطمع فيه إلا وهو بيد الله وحده، لا يملكه غيره، ولا يؤتي العبد منها شيئاً، ولا يؤتي العبد منها إلا ما أراد.
وأما الزهد في الثناء والمدح، فيسهله عليك علمك أنه ليس أحدٌ ينفع مدحه ويضر ذمه إلا الله وحده. كما ذكر ذلك الأعرابي للنبي عليه الصلاة والسلام: إن مدحي زينٌ، وإن ذمي شينٌ، فقال: (ذلك الله عز وجل، الذي مدحه زين، وذمه شين). إذا مدح الله عز وجل أحداً، كان زيناً، وإذا ذم أحداً؛ كان شيناً على هذا المذموم.
فازهد في مدح من لا يزينك مدحه، وفي ذم من لا يشينك ذمه، وارغب في مدح من كل الزين في مدحه، وكل الشين في ذمه، ولن يقدر على ذلك إلا بالصبر واليقين، فمتى فقدت الصبر واليقين؛ كنت كمن أراد السفر في البحر بغير مركب، قال تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ [الروم:60] وقال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24].
علامات الإخلاص
إذا كان يراقب الله في أعماله، ويحتسب الأجر في أفعاله وأقواله، ويعمل بعلمه، وينصر سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويقمع البدعة، ويحلي باطنه، ويزكي نفسه، ويحس بقربه من الله، وأن قلبه منير، فعند ذلك هو إذاً من المخلصين.
كان الصالحون يدخرون أعمالاً معينة عظيمة لآخرتهم، يقول ابن كثير رحمه الله عن السلطان عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب ملك دمشق والشام، يقول: لما توفي أبوه كان شجاعاً باسلاً عالماً فاضلاً، هذا الرجل تولى بعد أبيه، وكان شجاعاً باسلاً عالماً فاضلاً، اشتغل بالفقه على مذهب أبي حنيفة، وفي اللغة والنحو على التاج الكندي، وكان قد أمر أن يُجمع له كتاب في اللغة يشمل الصحاح للجوهري والجمهرة لـابن جريج والتهذيب للأزهري، وأمر أن يرتب له مسند الإمام أحمد، وكان يحب العلماء ويكرمهم ويجتهد في متابعة الخير، ويقول: أنا على عقيدة الطحاوي، وأوصى عند وفاته ألا يكفن إلا في البياض، وأن يلحد له، ولا يبنى عليه، وكان يقول: واقعة دمياط أدخرها عند الله تعالى، وأرجو أن يرحمني بها، يعني: أنه أبلى بها بلاءً حسناً رحمه الله تعالى، وقد جُمع له بين الشجاعة والبراعة والعلم ومحبة أهله.
فالإنسان وكل واحد منا يحاول أن يعمل أعمالاً صالحةً يدخرها عند الله، هذه لآخرتي، هذه ليوم العطش الأكبر، هذه ليوم الخوف الأعظم، يعمل الصالحات ويدخرها للآخرة، اعمل وخبئ وادخر لذلك اليوم.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: يتعين على أهل العلم من المتعلمين والمعلمين، أن يجعلوا أساس أمرهم الذي يبنون عليه حركاتهم وسكناتهم الإخلاص التام، والتقرب إلى الله تعالى بهذه العبادة التي هي أجل العبادات وأكملها وأنفعها وأعمها نفعاً، ويتفقد هذا الأصل النافع في كل دقيق وجليل من أمورهم، فإن درسوا، أو دارسوا، أو بحثوا، أو ناظروا، أو أسمعوا، أو استمعوا، أو كتبوا، أو حفظوا، أو كرروا دروسهم الخاصة، أو راجعوا عليها أو على غيرها الكتب الأخرى، أو جلسوا مجلس علم، أو نقلوا أقدامهم في مجالس العلم، أو اشتروا كتباً، أو ما يعين على العلم، كان الإخلاص لله واحتساب أجره وثوابه ملازماً لهم؛ ليصير اشتغالهم كله قوةً وطاعةً، وسيراً إلى الله وإلى كرامته، وليتحققوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له طريقاً إلى الجنة) أخرجه مسلم ؛ فكل طريق حسيٍ أو معنويٍ يسلكه أهل العلم يعين على العلم أو يحصله؛ فإنه داخل في هذا.
وقال البخاري رحمه الله تعالى: باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، وقال إبراهيم التيمي : ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذباً، وقال ابن أبي مليكة: [أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل] ويُذكر عن الحسن: [ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق]. ما خاف عذاب الله إلا مؤمن، ولا أمن عذاب الله إلا منافق، هذا بعض ما ورد عن السلف مما يدفعنا إلى الحرص على الإخلاص، ومجاهدة النفس في سبيل الوصول إليه.
وهنا يأتي السؤال المهم: ما الطريق إلى الإخلاص؟ كيف نحصل الإخلاص؟
هذا السؤال يجيبنا عليه العلامة ابن القيم رحمه الله، فيقول: لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار، الضب والحوت -فالضب يسكن في الصحراء والحوت يكون في الماء- فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص، فأقبل على الطمع أولاً، فاذبحه بسكين اليأس، عليك بالإياس مما في أيدي الناس، ولا ترجو على عملك الصالح شيئاً دنيوياً، اقطع الطمع من الدنيا بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء، فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؛ سهل عليك الإخلاص، فإن قلت: وما الذي يسهل عليَّ ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؟ قلت: أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقيناً أنه ليس من شيء يُطمع فيه إلا وهو بيد الله وحده، لا يملكه غيره، ولا يؤتي العبد منها شيئاً، ولا يؤتي العبد منها إلا ما أراد.
وأما الزهد في الثناء والمدح، فيسهله عليك علمك أنه ليس أحدٌ ينفع مدحه ويضر ذمه إلا الله وحده. كما ذكر ذلك الأعرابي للنبي عليه الصلاة والسلام: إن مدحي زينٌ، وإن ذمي شينٌ، فقال: (ذلك الله عز وجل، الذي مدحه زين، وذمه شين). إذا مدح الله عز وجل أحداً، كان زيناً، وإذا ذم أحداً؛ كان شيناً على هذا المذموم.
فازهد في مدح من لا يزينك مدحه، وفي ذم من لا يشينك ذمه، وارغب في مدح من كل الزين في مدحه، وكل الشين في ذمه، ولن يقدر على ذلك إلا بالصبر واليقين، فمتى فقدت الصبر واليقين؛ كنت كمن أراد السفر في البحر بغير مركب، قال تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ [الروم:60] وقال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24].
ما هي العلامات التي يعرف بها العبد أنه مخلص؟
إذا كان يراقب الله في أعماله، ويحتسب الأجر في أفعاله وأقواله، ويعمل بعلمه، وينصر سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويقمع البدعة، ويحلي باطنه، ويزكي نفسه، ويحس بقربه من الله، وأن قلبه منير، فعند ذلك هو إذاً من المخلصين.
كان الصالحون يدخرون أعمالاً معينة عظيمة لآخرتهم، يقول ابن كثير رحمه الله عن السلطان عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب ملك دمشق والشام، يقول: لما توفي أبوه كان شجاعاً باسلاً عالماً فاضلاً، هذا الرجل تولى بعد أبيه، وكان شجاعاً باسلاً عالماً فاضلاً، اشتغل بالفقه على مذهب أبي حنيفة، وفي اللغة والنحو على التاج الكندي، وكان قد أمر أن يُجمع له كتاب في اللغة يشمل الصحاح للجوهري والجمهرة لـابن جريج والتهذيب للأزهري، وأمر أن يرتب له مسند الإمام أحمد، وكان يحب العلماء ويكرمهم ويجتهد في متابعة الخير، ويقول: أنا على عقيدة الطحاوي، وأوصى عند وفاته ألا يكفن إلا في البياض، وأن يلحد له، ولا يبنى عليه، وكان يقول: واقعة دمياط أدخرها عند الله تعالى، وأرجو أن يرحمني بها، يعني: أنه أبلى بها بلاءً حسناً رحمه الله تعالى، وقد جُمع له بين الشجاعة والبراعة والعلم ومحبة أهله.
فالإنسان وكل واحد منا يحاول أن يعمل أعمالاً صالحةً يدخرها عند الله، هذه لآخرتي، هذه ليوم العطش الأكبر، هذه ليوم الخوف الأعظم، يعمل الصالحات ويدخرها للآخرة، اعمل وخبئ وادخر لذلك اليوم.
أي شيء ينقصنا أيضاً بعد الإخلاص؟
ينقصنا -أيها الإخوة- القدوات، نحن في قحط في القدوات إلا من رحم الله فوفقه للقدوات: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً [النحل:120] يؤتم به، قال الله تعالى: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74].
ما طلبوا ذلك للشهرة، وإنما طلبوه ليحصل لهم أجر الاقتداء، لماذا يريدون أن يكونوا أئمة يُقتدى بهم؟ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74]؟ لكي يحصل لهم الأجر بالاقتداء: (من دل على هدى، كان له من الأجور مثل أجر من تبعه).
أهمية القدوة
إحداهما وهي أشدها: سقوط عدالته، ولا تقبل شهادته، لأن الإنسان إذا جاء إلى منكر وجلس، وجلوسه حرام، فهو مجاهر بجلوسه في المنكر، وجلوسه منكر.
والثانية: أنه قدوة، فيقع العوام بسبب تعاطيه ذلك في اعتقاد جوازه في الشرع، فيكون ذلك سبباً للإحداث في الدين.
إذاً موقع القدوة مهم، إذا جعلك الله يا أخي قدوةً إماماً أو مدرساً، أو في أي مكان أنت فيه قدوة، حتى لو كنت أباً لأولادك أنت قدوة في البيت، فاحرص كل الحرص أن تعطي القدوة حقها، فلا تفعل منكراً، ولا تأته، ولا تجلس في مكانه، لماذا قيل في الصلاة على المجاهر بالمعصية المصر عليها أن أهل العلم والفضل لا يصلون عليه؟ لو جيء برجل معروف بشرب الخمر، أو مات منتحراً، أو مات بالمخدرات، جيء به إلى شيخ إمام معروف، أو عالم، أو داعية مشهور، فينبغي ألا يصلي عليه، ويقول: صلوا على صاحبكم، لماذا؟ لأنه موقع القدوة.
السلف في موقع القدوة
وفي مجلس البخاري رحمه الله رفع إنسان قذاة من لحيته وطرحها في الأرض في المسجد، قال الراوي: فرأيت محمد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى الناس، فلما غفل الناس، رأيته مد يده ورفع القذاة من الأرض، فأدخلها في كمه، فلما خرج من المسجد، أخرجها وطرحها في الأرض، فكأنه صان المسجد عما تصان عنه اللحية، فكان أبو عبد الله محط الأنظار، قدوة.
ولذلك نقلت القصة، وكان هناك من يراقب ويشاهد، لأن هؤلاء أئمة، والإنسان إذا خالط القدوات يتعلم ويستفيد، ولذلك يقول أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله: زرت أحمد بن حنبل ، فلما دخلت عليه بيته قام فاعتنقي، وأجلسني في صدر المجلس، فقلت: يا أبا عبد الله أليس يقال صاحب البيت، أو المجلس أحق بصدر بيته، أو مجلسه؟ قال: نعم، نعم هو أحق، لكن يقعد ويقعد من يريد، وأنا أردت أن أوثرك، فأقعدتك.
فقلت في نفسي: خذ إليك أبا عبيد فائدة، ثم قلت: يا أبا عبد الله لو كنت آتيك على حق ما تستحق، لأتيتك كل يوم، فقال: لا تقل ذلك، فإن لي إخواناً لا ألقاهم في كل سنة إلا مرة، أنا أوثق في مودتهم ممن ألقى كل يوم، مع أني ما أراهم في السنة إلا مرة لبعد البلدان والانشغالات ونحو ذلك، لكني أحبهم أكثر من بعض الناس الذين أراهم يومياً، ذلك الغائب أحب إلي، قلت: هذه أخرى يا أبا عبيد، أي: لا يلزم أن يكون من لا يرى باستمرار مكروهاً، أو أقل محبة. فلما أردت القيام، قام معي، قلت: لا تفعل يا أبا عبد الله ، قال: قال الشعبي: من تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى باب الدار، ويؤخذ بركابه، قلت: يا أبا عبد الله من عن الشعبي؟ قال: ابن أبي زائدة عن مجالد عن الشعبي، قلت: يا أبا عبيد هذه الثالثة.
نحن يا إخوان! ينقصنا الآن نقصاً حاداً جداً وجود القدوات، وجود القدوات في المدرسين والمدرسات، فهناك مدرس خلف سور المدرسة يدخن والطلاب في الطابور، وأخلاقه شرسة، ومدرسة تقول: الكعب العالي ممنوع يا بنات، واللباس لا بد أن يكون محتشماً، وهي كعب حذائها ارتفاعه كبير، والفتحة في تنورتها طويلة، وهناك أبٌ مقصرٌ في الصلاة ويريد من أولاده أن يصلوا، ويشاهد التلفزيون ويريد من الأولاد الامتناع، كيف سيحدث هذا؟!!
وموقع القدوة خطيرٌ ومهمٌ، ولذلك فإن الإنسان إذا صار يُقتدى به؛ لا بد أن يلاحظ أعماله، ويحاسب نفسه على تصرفاته أكثر من أن يكون شخصاً عادياً، ولذلك أهل القدوة الحقيقيون لا يكاد يوجد عليهم مقال، [عن
إحداهما وهي أشدها: سقوط عدالته، ولا تقبل شهادته، لأن الإنسان إذا جاء إلى منكر وجلس، وجلوسه حرام، فهو مجاهر بجلوسه في المنكر، وجلوسه منكر.
والثانية: أنه قدوة، فيقع العوام بسبب تعاطيه ذلك في اعتقاد جوازه في الشرع، فيكون ذلك سبباً للإحداث في الدين.
إذاً موقع القدوة مهم، إذا جعلك الله يا أخي قدوةً إماماً أو مدرساً، أو في أي مكان أنت فيه قدوة، حتى لو كنت أباً لأولادك أنت قدوة في البيت، فاحرص كل الحرص أن تعطي القدوة حقها، فلا تفعل منكراً، ولا تأته، ولا تجلس في مكانه، لماذا قيل في الصلاة على المجاهر بالمعصية المصر عليها أن أهل العلم والفضل لا يصلون عليه؟ لو جيء برجل معروف بشرب الخمر، أو مات منتحراً، أو مات بالمخدرات، جيء به إلى شيخ إمام معروف، أو عالم، أو داعية مشهور، فينبغي ألا يصلي عليه، ويقول: صلوا على صاحبكم، لماذا؟ لأنه موقع القدوة.
نحن أيها الإخوة! ينقصنا قدوات، وينقصنا تحقيق موقع القدوة، قال الليث بن سعد: كنت في المدينة مع الحجاج وهي كثيرة السرجين، أي: الزِّبل من كثرة دواب الحجاج ، فكنت ألبس خفين خفاً على خف، فإذا بلغت باب المسجد، نزعت أحدهما ودخلت، فقال يحيى بن سعيد الأنصاري : لا تفعل هذا، فإنك إمام منظور إليه، يريد لبس خف على خف، على مسألة بسيطة، قال: انتبه يا ليث أنت إمام ينظر إليك.
وفي مجلس البخاري رحمه الله رفع إنسان قذاة من لحيته وطرحها في الأرض في المسجد، قال الراوي: فرأيت محمد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى الناس، فلما غفل الناس، رأيته مد يده ورفع القذاة من الأرض، فأدخلها في كمه، فلما خرج من المسجد، أخرجها وطرحها في الأرض، فكأنه صان المسجد عما تصان عنه اللحية، فكان أبو عبد الله محط الأنظار، قدوة.
ولذلك نقلت القصة، وكان هناك من يراقب ويشاهد، لأن هؤلاء أئمة، والإنسان إذا خالط القدوات يتعلم ويستفيد، ولذلك يقول أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله: زرت أحمد بن حنبل ، فلما دخلت عليه بيته قام فاعتنقي، وأجلسني في صدر المجلس، فقلت: يا أبا عبد الله أليس يقال صاحب البيت، أو المجلس أحق بصدر بيته، أو مجلسه؟ قال: نعم، نعم هو أحق، لكن يقعد ويقعد من يريد، وأنا أردت أن أوثرك، فأقعدتك.
فقلت في نفسي: خذ إليك أبا عبيد فائدة، ثم قلت: يا أبا عبد الله لو كنت آتيك على حق ما تستحق، لأتيتك كل يوم، فقال: لا تقل ذلك، فإن لي إخواناً لا ألقاهم في كل سنة إلا مرة، أنا أوثق في مودتهم ممن ألقى كل يوم، مع أني ما أراهم في السنة إلا مرة لبعد البلدان والانشغالات ونحو ذلك، لكني أحبهم أكثر من بعض الناس الذين أراهم يومياً، ذلك الغائب أحب إلي، قلت: هذه أخرى يا أبا عبيد، أي: لا يلزم أن يكون من لا يرى باستمرار مكروهاً، أو أقل محبة. فلما أردت القيام، قام معي، قلت: لا تفعل يا أبا عبد الله ، قال: قال الشعبي: من تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى باب الدار، ويؤخذ بركابه، قلت: يا أبا عبد الله من عن الشعبي؟ قال: ابن أبي زائدة عن مجالد عن الشعبي، قلت: يا أبا عبيد هذه الثالثة.
نحن يا إخوان! ينقصنا الآن نقصاً حاداً جداً وجود القدوات، وجود القدوات في المدرسين والمدرسات، فهناك مدرس خلف سور المدرسة يدخن والطلاب في الطابور، وأخلاقه شرسة، ومدرسة تقول: الكعب العالي ممنوع يا بنات، واللباس لا بد أن يكون محتشماً، وهي كعب حذائها ارتفاعه كبير، والفتحة في تنورتها طويلة، وهناك أبٌ مقصرٌ في الصلاة ويريد من أولاده أن يصلوا، ويشاهد التلفزيون ويريد من الأولاد الامتناع، كيف سيحدث هذا؟!!
عندنا نقصٌ حادٌ في وجود الدعاة، وأهل العلم، ومفاتيح الخير في الناس، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويلٌ لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه) رواه ابن ماجة رحمه الله وصححه الألباني نفس الله عنه وشفاه.
) إن من الناس مفاتيح للخير ) المفتاح: آلة فتح الباب المعروفة، والمقصود: أن الله أجرى على أيدي هؤلاء العباد مفاتيح للخير، أجرى على أيديهم فتح أبواب الخير للناس، يفتحون للناس باب علم، أو باب صلاح، أو باب هداية، حتى كأنهم صاروا مفاتيح كأن المفاتيح وضعت في أيديهم، فيقال: هذا جعل الله مفاتيح الخير على يديه.
أثنى النبي عليه الصلاة والسلام عليهم قال: (طوبى) طوبى لذلك، فمن الناس من يشتغلون بالخير ويشغلون غيرهم للخير، فيعمل حلقةً، فيأتي أصحابه إليها يستفيدون، أو يعمل مشروعاً خيرياً، فيشترك فيه الناس، فينتفع آخرون، وينتفعون هم، وينتفع هو في الدرجة الأولى، وهكذا يمشي في إصلاح بين الخلق، فيحصل الصلح وترجع المياه إلى مجاريها، ويرجع الوئام ويتصل حبل المودة، وتنصلح أحوال الأسرة، أو أحوال الشركاء المختلفين، فهذا الإنسان من مفاتيح الخير.
ونحن في وضعنا الذي نعيش فيه نحتاج حاجةً ماسةً إلى مفاتيح الخير هؤلاء، لو قلّ أهل الخير في المجتمع؛ فإننا على خطر عظيم، روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن بشر ، قال: لقد سمعت حديثاً منذ زمان، يقول: (إذا كنت في قوم عشرين رجلاً، أو أقل، أو أكثر، فتصفحت في وجوههم، فلم تر فيهم رجلاً يُهاب في الله، فاعلم أن الأمر قد رق) إذا صرت في مكان، في شركة، أو مكتب، أو مدرسة، فنظرت في عشرين رجلاً حولك لم تر فيهم واحداً من يُهاب لله، فاعلم أن الأمر قد رق، وأن أمر الدين صار رقيقاً ليس متيناً.
ينقصنا دعاة، لأننا في حال بئيس، الناس يعيشون أزمة في العقيدة، وأزمة في الأخلاق، وأزمة علاقات اجتماعية، فيهم شرك، وفيهم بدعة، وفيهم معاصٍ، وفيهم موبقات، وتفكك أسري، وتناحر، وعصبية، وكيد، وسحر، وعين، من كل الجهات، إذا جئت تنظر؛ وجدت شراً كبيراً، ما الذي يصلح الأمر؟
وجود الدعاة إلى الله عز وجل الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ونحن نعلم أن مهمة التغيير مهمة شاقة وصعبة. إن عمر بن عبد العزيز رحمه الله لما تولى المهمة العظيمة وشعر بحجم المسئولية، والخلافة تولاها على المسلمين، قال: "إني أعالج أمراً -أكافح وأناضل وأصارع، وأبذل الجهد- لا يعين عليه إلا الله، قد شب عليه الصغير، وهرم عليه الكبير، وهاجر عليه الأعرابي، وفصح عليه الأعجمي حتى حسبه الناس ديناً لا يرون الحق غيره".
تعودوا على منكرات وأخطاء، شبوا عليها ونشئوا حتى صاروا يرونها حقاً، وأنا جئت أريد أن أغير "إني أعالج أمراً لا يعين عليه إلا الله" ابتداءً من الشرك الموجود في عصرنا بين المسلمين الذين يسألون غير الله، ويطلبون من أصحاب القبور قضاء الحوائج.
ذهب موحدٌ فاضلٌ إلى أحد شيوخ الصوفية ، فقال له: دعاء غير الله حرام وشرك، إذا سألت فاسأل الله، بدلاً من أن تقول: يا عبد الله وتنادي الميت، قل : يا ألله! قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ [الأعراف:194] قال: يا ابني هذه آية وهابية ما لك فيها!!
وذهب أحد الأفاضل إلى شيخ من هؤلاء، فقال له: إن الاستغاثة بالأموات حرام وشرك، والأدلة من القرآن والسنة كذا كذا، فقال ذلك الضال: فقط أنت عندك أدلة، أنا عندي أدلة، قال: وما هو دليلك؟ قال: عمتي تقول: يا شيخ سعد، أي: تنادي الولي سعد تستغيث به، فهذا دليل.
واقع الأمة المزري
وإذا نظرت في قضية البدع، لوجدت أموراً لا يحصيها إلا الله.
وعلى مستوى التفكك الأسري طلاق، ومهاجرات، وخصومات، وقضايا، وتشرد أولاد، وعدد كبير من حالات الانحراف في الفتيات وفي الأولاد في البيوت المفككة. فلانة أبوها طلق أمها ثم انتقلت إلى بيت جدتها، الرقيب ضعيف، فانحرفت البنت.
وأخرى أبوها طلق أمها، ثم عاشت في بيت زوج أمها، لم تجد الرعاية، فانحرفت البنت، وانتقلت إلى بيت خالها، فحصل السوء، وهكذا التفكك يولد الفجور.
وعلى مستوى الانحطاط الأخلاقي هناك أفلام وقنوات، وفحش في الأطباق الفضائية وأناس تستأجر شقة مفروشة بخمسين ريالاً في الليلة إلى الصباح ليسهروا على القنوات التافهة التي تأتي بها أجهزة مركبة على الصحون الفضائية، واشتراكات في القنوات ومواقع على شبكة نسيج العنكبوت الإنترنت، ودسكات كمبيوتر متداولة بأيدي المراهقين في المدارس المحملة بالأشياء القذرة حتى في شهر رمضان، والبريد الإلكتروني يرسل الفحش، وأشياء منتشرة كانتشار النار في الهشيم.
ما الذي يصلح هذا الحال؟
قيام دعوة إلى الله بقوة لإصلاح الخلق ودعوتهم إلى الله بترقيق قلوبهم، وتذكيرهم ووعظهم.
وترى التشبه بالكفار أمراً منتشراً متفشياً قد يصيب البعض باليأس، فقد دخلت داعية من الداعيات إلى مسرح مدرسة لإلقاء كلمة في الطالبات، فهالها وأصابها الإحباط أن كل ما رأت بعينها كان أحمر اللون، الطالبة التي ليست معها وردة حمراء معها شال أحمر، أو قفاز أحمر، أو حقيبة حمراء، أو منديل أحمر، لماذا هذا؟ عيد الحب، انتهت الورود الحمراء من المحلات في ليلة، إنها مصيبة وكارثة، البنات في المتوسطة يقلدنَ الكفار في عيد الحب.
إن انتشال هؤلاء وإصلاح الأوضاع بحاجة ماسة إلى دعاة، الوضع يحتاج إلى حركة في الدعوة إلى الله، وإصلاح المجتمع، وإصلاح الخلق، وبذل الجهد في هذا، ما أسهل الهدم! وما أصعب البناء! والإنسان الداعية يأخذ أجر من اتبعه على الهدى الذي يدعو إليه إلى يوم القيامة، ولو تسلسل الناس الذين تعلم كل واحد من الآخر.
ثم الداعية من فضله قد ينتج شخصاً أفضل منه، قد يكون داعية يدعو أحد الناس، وهذا الشخص يتفوق على الداعية مستقبلاً في العلم والقدرات والإمكانات ونصرة الدين، ولكن ذلك الأول مع أنه أقل في الإمكانات، لكنه لما أنتج هذا وهذا وهذا، سيكون له شيءٌ عظيمٌ من الأجر.
ويقول أبو سليمان الداراني : اختلفت إلى مجلس قاص، واعظ، فأثر كلامه في قلبي، فلما قمت، لم يبق في قلبي منه شيء، فعدت إليه ثانيةً، فأثر كلامه في قلبي بعدما قمت وفكرت، ثم عدت إليه الثالثة، فأثر كلامه في قلبي حتى رجعت إلى منزلي، فكسرت آلات المخالفات، عود، وطنبور، وربابة، ومزمار، وطبل، والآن الشاشات والأفلام.
أحد الشباب حضر جنازة عظيمة لامرأة نحسبها من الصالحات، فلما رأى كثرة الناس اتعظ من منظر الجنازة وهو ذاهب إلى المقبرة أخذ أشرطة الغناء من السيارة كلها وألقاها في الشارع. فالإنسان قد يتأثر فعلاً ويتعظ في لحظات، يقول أبو سليمان : أول مرة كان التأثير ضعيفاً، وفي المرة الثانية حصل التأثير في الشارع، وفي المرة الثالثة رجعت إلى منزلي فكسرت آلات المخالفات، ولزمت الطريق المستقيم، فحكيت هذه الحكاية لـيحيى بن معاذ بعد سنين أي عندما صار أبو سليمان رجلاً مشهوراً ومعروفاً بالزهد والورع والعبادة والذكر، قال يحيى : عصفورٌ اصطاد كركياً -يبدو أن الكركي هذا نوع نادر ونفيس من الطيور- فقال: عصفورٌ اصطاد كركياً، أي: يقول: انظر سبحان الله! هذا القاص مثل: العصفور، لكن اصطاد لنا هذا الشخص العظيم.
فالداعية له أجر وفضل، فليحرص الدعاة على دعوة الخلق وإنتاج الصالحين؛ لأنهم إذا بثوا في المجتمع، حصل نفعٌ كبيرٌ.
فإذا ذهبت تنظر يا أخي في واقع الأمة فيما أصابها من الشرك الأكبر فضلاً عن الشرك الأصغر، لوجدت ذلك منتشراً معشعشاً.
وإذا نظرت في قضية البدع، لوجدت أموراً لا يحصيها إلا الله.
وعلى مستوى التفكك الأسري طلاق، ومهاجرات، وخصومات، وقضايا، وتشرد أولاد، وعدد كبير من حالات الانحراف في الفتيات وفي الأولاد في البيوت المفككة. فلانة أبوها طلق أمها ثم انتقلت إلى بيت جدتها، الرقيب ضعيف، فانحرفت البنت.
وأخرى أبوها طلق أمها، ثم عاشت في بيت زوج أمها، لم تجد الرعاية، فانحرفت البنت، وانتقلت إلى بيت خالها، فحصل السوء، وهكذا التفكك يولد الفجور.
وعلى مستوى الانحطاط الأخلاقي هناك أفلام وقنوات، وفحش في الأطباق الفضائية وأناس تستأجر شقة مفروشة بخمسين ريالاً في الليلة إلى الصباح ليسهروا على القنوات التافهة التي تأتي بها أجهزة مركبة على الصحون الفضائية، واشتراكات في القنوات ومواقع على شبكة نسيج العنكبوت الإنترنت، ودسكات كمبيوتر متداولة بأيدي المراهقين في المدارس المحملة بالأشياء القذرة حتى في شهر رمضان، والبريد الإلكتروني يرسل الفحش، وأشياء منتشرة كانتشار النار في الهشيم.
ما الذي يصلح هذا الحال؟
قيام دعوة إلى الله بقوة لإصلاح الخلق ودعوتهم إلى الله بترقيق قلوبهم، وتذكيرهم ووعظهم.
وترى التشبه بالكفار أمراً منتشراً متفشياً قد يصيب البعض باليأس، فقد دخلت داعية من الداعيات إلى مسرح مدرسة لإلقاء كلمة في الطالبات، فهالها وأصابها الإحباط أن كل ما رأت بعينها كان أحمر اللون، الطالبة التي ليست معها وردة حمراء معها شال أحمر، أو قفاز أحمر، أو حقيبة حمراء، أو منديل أحمر، لماذا هذا؟ عيد الحب، انتهت الورود الحمراء من المحلات في ليلة، إنها مصيبة وكارثة، البنات في المتوسطة يقلدنَ الكفار في عيد الحب.
إن انتشال هؤلاء وإصلاح الأوضاع بحاجة ماسة إلى دعاة، الوضع يحتاج إلى حركة في الدعوة إلى الله، وإصلاح المجتمع، وإصلاح الخلق، وبذل الجهد في هذا، ما أسهل الهدم! وما أصعب البناء! والإنسان الداعية يأخذ أجر من اتبعه على الهدى الذي يدعو إليه إلى يوم القيامة، ولو تسلسل الناس الذين تعلم كل واحد من الآخر.
ثم الداعية من فضله قد ينتج شخصاً أفضل منه، قد يكون داعية يدعو أحد الناس، وهذا الشخص يتفوق على الداعية مستقبلاً في العلم والقدرات والإمكانات ونصرة الدين، ولكن ذلك الأول مع أنه أقل في الإمكانات، لكنه لما أنتج هذا وهذا وهذا، سيكون له شيءٌ عظيمٌ من الأجر.
ويقول أبو سليمان الداراني : اختلفت إلى مجلس قاص، واعظ، فأثر كلامه في قلبي، فلما قمت، لم يبق في قلبي منه شيء، فعدت إليه ثانيةً، فأثر كلامه في قلبي بعدما قمت وفكرت، ثم عدت إليه الثالثة، فأثر كلامه في قلبي حتى رجعت إلى منزلي، فكسرت آلات المخالفات، عود، وطنبور، وربابة، ومزمار، وطبل، والآن الشاشات والأفلام.
أحد الشباب حضر جنازة عظيمة لامرأة نحسبها من الصالحات، فلما رأى كثرة الناس اتعظ من منظر الجنازة وهو ذاهب إلى المقبرة أخذ أشرطة الغناء من السيارة كلها وألقاها في الشارع. فالإنسان قد يتأثر فعلاً ويتعظ في لحظات، يقول أبو سليمان : أول مرة كان التأثير ضعيفاً، وفي المرة الثانية حصل التأثير في الشارع، وفي المرة الثالثة رجعت إلى منزلي فكسرت آلات المخالفات، ولزمت الطريق المستقيم، فحكيت هذه الحكاية لـيحيى بن معاذ بعد سنين أي عندما صار أبو سليمان رجلاً مشهوراً ومعروفاً بالزهد والورع والعبادة والذكر، قال يحيى : عصفورٌ اصطاد كركياً -يبدو أن الكركي هذا نوع نادر ونفيس من الطيور- فقال: عصفورٌ اصطاد كركياً، أي: يقول: انظر سبحان الله! هذا القاص مثل: العصفور، لكن اصطاد لنا هذا الشخص العظيم.
فالداعية له أجر وفضل، فليحرص الدعاة على دعوة الخلق وإنتاج الصالحين؛ لأنهم إذا بثوا في المجتمع، حصل نفعٌ كبيرٌ.