خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/122"> الشيخ عبد الرحيم الطحان . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/122?sub=8325"> سلسلة مقدمة في علم التوحيد
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
مقدمة في علم التوحيد - ثمرة علم التوحيد [1]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها، كل في كتاب مبين.
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: موضوعات علم التوحيد ثلاثة:
أولها: ذات الله؛ من ثلاث جهات وحيثيات واعتبارات: من حيث ما يتصف الله به، وما يتنزه عنه، وحقه على عباده، وقلنا هذا: توحيد المعبود.
ثانياً: ذوات الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام؛ من أربع جهات واعتبارات: من حيث ما يجب عليهم ويلزمهم، وما يجوز في حقهم، وما يستحيل عليهم، وحقوقهم على أممهم، وهذا توحيد المتبوع، هجرة لله وهجرة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام كما تقدم معنا طريق الهجرتين وباب السعادتين للإمام ابن القيم ، وكنت ذكرت لكم موضوع الفقر في هذا الكتاب وعلة احتياج العالم بأسره إلى ربه أن العالم فقير، والله هو الغني عنه، ويقصد بقوله: طريق الهجرتين: هجرة إلى الله وحده عن طريق عبادته ونبذ ما يُعبد من دونه، وهجرة إلى رسوله عليه الصلاة والسلام عن طريق الاقتداء به وطرح كل إمام غيره محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو إمامنا والله معبودنا، هذا معبود وهذا إمام عليه الصلاة والسلام.
ثالثاً: السمعيات، من حيث اعتقادها، واعتقادها يقوم على دعامتين وركنين حذار حذار أن تغفلوا عنهما، هما الحكم في كل مُغَيب ورد به السمع، أولهما: إقرار، ثانيهما: إمرار، نقر بالصفة لأنها ثابتة، ولا نبحث في كنهها وكيفيتها؛ لأنه ليس عند العقل دليل على الإثبات والنفي، وهي تتعلق بمغيب، فلا يجوز أن يبحث فيها، فكل ما خطر ببالك فالأمر بخلاف ذلك، فلا تتعن ولا تتعب، كل ما ورد قراءته تفسيره ..
ولذلك عندما يرد أن الله يغضب، إن قيل لنا: ما معنى يغضب؟ نقول: معناه يغضب، وأن الله جل وعلا يمقت: كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:3]، المقت، معناه المقت، لكن نبين لك المعنى في لغة العرب، المقت: هو أشد الغضب، فإن قال: كيف الغضب؟ كيف تقوم هذه الصفة في الله؟ قل: إقرار وإمرار.
وعندما يخبرنا الله جل وعلا أنه يسمع ويرى، إن قيل: كيف يرى؟ قل: إقرار وإمرار بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64] ماهية يديه؟ حقيقتهما ومن أي شيء هما؟ قل: كل هذا ضلال، السؤال عنه بدعة.
وقلت بدعة لأمرين، وفاتني أن أكمل الأمر الثاني:
أولهما: قلت: سؤال عما لا يمكن للعقل البشرى أن يقف على كنهه وحقيقته، فهو بدعة.
والثاني: لأنه سؤال عما لم يجرِ في العصر الأول، انقرض عصر الصحابة الكرام، وما سأل صحابي نبينا عليه الصلاة والسلام عن كيفية صفة من صفات الرحمن، ولا عن أي مغيب كان، ولم ذلك؟
لأنهم أصرح الناس عقولاً، وأَسدُّ الناس فهماً، وأطهر الناس قلوباً، يعلمون أن المغيب على حسب حال الغائب، وليس حاله كحال الحاضر الشاهد، فذاك صفاته تناسبه وهذا صفاته تناسبه، وكل صفة تتناسب مع الموصوف.
انتبهوا لتقرير هذا في مثال حسي:
اليد صفة لموصوف، موصوفات مختلفة تتصف باليد، انظر كيف تختلف الصفات: يد الإنسان لها في ذهنك كيفية معينة، وذلك لأنك تعرف الموصوف، أي الذات الموصوفة باليد.
يد الباب لها في ذهنك كيفية معينة تختلف عن يد الإنسان، وكذا يد الكلب، ويد البقرة، ويد الماكينة التي يفرم فيها اللحم، فالصفة واحدة والموصوفات مختلفة، وعندما نقول: يد الرحمن يكون الاختلاف أعظم وأعظم، لأنه إذا كان مخلوقان اتفقا في صفة واختلفا في حقيقتها، اتفقا في مسماها واختلفا في كنهها وحقيقتها، ولله المثل الأعلى، فيده ليست كأيدينا، ووجه ليس كوجوهنا، وغضبه ليس كغضبنا، ورحمته ليست كرحمتنا، ليس كمثله شيء في ذاته وصفاته وأفعاله، لمَ؟
الذات عندما اختلفت عن ذواتنا فالصفات قطعاً وجزماً تختلف عن صفاتنا، الإنسان له عينان والصرصور له عينان، ولو قلنا: لك عينان كعيني الصرصور تغضب ولا ترضى وتعتبر هذا شتماً وذماً، وأنت مخلوق والصرصور مخلوق، فلمَ إذا قلنا لله عينان يبصر بهما تقول، إذاً: يلزم تشبيه عيناه بعيني؟ من أين أتيت بهذا التشبيه والتمثيل؟ هل تشابهت عيناك مع عيني الصرصور؟ وهل تشابه فمك مع فم الدب والخنزير؟ من باب الأولى ألا تتشابه صفات الله الجليل مع صفات المخلوق الحقير الفقير؛ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] .
انتبه أخي الكريم، وهذا كما قلت: حكم فاصل بيننا وبين المبتدعة الذين حكموا عقولهم في المغيبات، وتجرءوا على الآيات المحكمات وأحاديث خير البريات عليه الصلاة والسلام، فردوها لأنها لم توافق عقولهم على زعمهم، العقليات عندهم دليل على إثبات هذا، طيب، إذا لم يكن عند العقل دليل على الإثبات، فهل عند العقل دليل على النفي؟ يقول: لا، قل: حكمت على نفسك، فإذا لم يكن عنده دليل على الإثبات ولا على النفي، فكيف نفيت ما أثبته النبي عليه الصلاة والسلام.
إذاً: هذه الأمور الثلاثة هي موضوع علم التوحيد، ذات الله من ثلاث اعتبارات، وذوات الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام من أربع جهات وحيثيات، والسمعيات من حيث اعتقادها، اعتقادنا بها يقوم على الإقرار والإمرار.
لا أطيل عليكم، آخذ شيئاً من الأمر الثالث، ويعلم الله ما كان في نيتي أن أطيل، لكن الأمور تأتي للذهن، وبما أنها ضمن إطار التوحيد فلا بأس، وأئمتنا كانوا يقولون كما يقول أبو حيان : إذا رأيت الرجل ينتقل من بحث إلى بحث فهذا لأحد أمرين، إما لتخليط في عقله، وإما لعدم علمه، وأسأل الله ألا يشملنا أحد الوصفين، لأننا ما خرجنا عن موضوعنا.
وأنا عادتي عندما أن هذا لو كان محاضرة الدراسة لم أتوسع؛ لأنه منهج نسير فيه، فأقتصر على سرد هذه الأمور الثلاثة دون تمثيل، وأقول: سيأتي إيضاحها بعد ذلك، لكنني لو فعلت هذا أخشى ألا تدركه بعض العقول في هذه المحاضرات، ولذلك لا مانع من ضرب أمثلة؛ لأنه بالمثال -كما يقول أئمتنا الأبرار- يتضح الحال، فعندما أقول السمعيات من حيث اعتقادها إقرار وإمرار وسيأتينا إيضاحها، الآن يقول: ما معنى إقرار وما معنى إمرار؟
حقيقة هذه يعرفها مَن مهر في العلم، وعرف هذه الاصطلاحات ومدلولاتها، أما إذا كان مبتدئاً فكأنك تخاطبه بما لا يفقه، فلا بد من ضرب الأمثلة وذكر الشواهد، وأن هذا لا يتناقض مع العقل، إنني أخشى أن نقول له إقرار وإمرار ويلتقي بنصراني فيقول: نحن عندنا إقرار وإمرار، والواحد ثلاثة والثلاثة واحد، يقول: أنت إذا لم تحصنه تكون قد أعطيته شيئاً استغله غيرك للتلبيس عليه، فلا بد من تقول: انتبه، إقرار وإمرار هذه مقيدة بما لا يتعارض مع العقل الصريح، أما إذا تعارض فلا يجوز أن تقر، ينبغي أن تبحث في هذا المنقول لتبين أنه مكذوب أو خاطئ، فهذا كله يحتاج كما قلت إلى أمثلة، لذلك أرجو المعذرة إذا طالت المقدمة، وأخشى أن تطول إلى عشر محاضرات أو أكثر، لكن إن طالت فما زلنا في إطار التوحيد.
لما صلى عمر بن الخطاب صلاة الفجر رضي الله عنه وأطال كما في الموطأ، حتى كادت أن تطلع الشمس، فقالوا له: كادت الشمس أن تطلع، قال: والله لو طلعت ما وجدتنا غافلين، يعني: لو طلعت علينا لا تطلع علينا ونحن نيام، لأننا نعبد الرحمن.
وكان كثيراً ما يقرأ بسورة يوسف رضي الله عنه وأرضاه، ويحب القراءة بها، وإذا قرأ يُسمع نشجيجه -أي: نحيبه وبكاؤه- من رواء الصفوف، فكان في وجهه خطان أسودان مجريان للدموع من كثرة بكائه رضي الله عنه وأرضاه.
وبمقتله يحتفل الشيعة وعندهم الاحتفال بيوم مقتل عمر أعظم من الاحتفال بعيد الفطر وعيد الأضحى؛ لأنه هو الذي قضى على المجوس، ولعلهم يغارون على المجوس الذين قُضي عليهم من عبدة النار وهم الفرس، فيفرحون بمقتل عمر والذي قتله مجوسي وهو أبو لؤلؤة المجوسي . عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه لما صلى صلاة الفجر وكادت الشمس أن تطلع قال: والله لو طلعت لما وجدتنا غافلين.
وكنت أيام ما كان والدي حياً عليه رحمة الله، ورحم الله أمواتكم وأموات المسلمين أجمعين، كثيراً ما أسمعه يقرأ سورة يوسف، دائماً يقرؤها باستمرار، وكان يبك عندما يأتي لقول الله جل وعلا: وَتَولى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ [يوسف:84]، ثم بعد ذلك -وهذا رأيته في جاكرتا من قريب وكثيراً ما أراه- رأيته هنا في النوم يقرأ سورة يوسف في الرؤيا وهو ميت بصوت رطب، فكم فرحت في تلك الليلة، وقلت: أسأل الله أن تكون هذه بشارة خير له بحسن الخاتمة، وأسأل الله أن يختم لنا وللمسلمين أجمعين بخير، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
فإذا طالت المقدمة فاعذروني من أجل إيضاح الأمور في أول هذه المحاضرات.
فالأمر الثالث إخوتي الكرام من المقدمة: ثمرة علم التوحيد.
وهي ثلاث ثمرات، كل ثمرة معتبرة قيمة، أتكلم على الثمرة الأولى فقط، وأرجئ الثمرتين إلى المحاضرة الآتية إن شاء الله، لنتدارس معهما بعد ذلك المبحث الرابع في المقدمة، وهو في فضل علم التوحيد ومنزلته، والأدلة التي تبين رفعة قدره وأفضليته على العلوم كلها.
ثمرة علم التوحيد
علم التوحيد -إخوتي الكرام- له ثمرات طيبة نافعة:
أولها: معرفة الله معرفة حقيقية، والعلم به علماً قطعياً، وهذا مطلوب في هذه الحياة من المكلفين والمكلفات، يعني: أردت أن تعبد ربك ينبغي أن تعرفه، وأن تعلمه، بحيث يوافق اعتقادك وعلمك ومعرفتك واقع المعتقد فيه، هذا الاعتقاد ينبغي أن يطابق واقع المعتقد وهو الله، فإذا عبدت الله على جهل بالتوحيد فما عرفت الله في حقيقة الأمر، وعبدت هواك ونفسك ولم تعبد ربك.
ولذلك قال أئمتنا: ما عرف الله من أشرك به وجعل له نداً وولداً، الذي يقول: الواحد ثلاثة والثلاثة واحد لا يعرف الله، والذي يقول: العزير ابن الله لا يعرف الله، والذي يعبد الحجر والشجر والشمس والقمر والذكر ليقربه ذلك إلى الله لا يعرف الله، والذي يطوف بالقبور ويستغيث بها ويتمسح بها لا يعرف الله.
ولذلك لما حكى الله اعتقاد المشركين، قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، حكم عليهم بشركهم وضلالهم، فصرفوا العبادة لغير الله ولبَّس عليهم الشيطان أنهم يعبدون الله.
ما عرف الله من أشرك به
ولذلك عندما أقسم الناس في العصر الأول بآبائهم وبغير ذلك، ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام والحديث في السنن والمستدرك وهو حديث صحيح أنه قال: (من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر)، إذاً: ما عرف الله، (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، لما جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام كما في سنن أبي داود ، وقال: (يا محمد! ما شاء الله وشئت، قال له: أجعلتني لله نداً، قل: ما شاء الله وحده)، كيف تسوى بين مشيئتي ومشيئة الله، والواو في اللغة العربية لمطلق الجمع وتقتضي التسوية، عندما أقول حضر حسن وحمزة وزيد اشتركوا في الحضور وتساووا في ذلك، وهل مشيئة العبد تساوي مشيئة الرب؟ قطعاً لا.
ينتهي سعي العباد بأسرهم من عرشهم إلى فرشهم إلى آيتين من كتاب الله:
الأولى: في سورة الإنسان التي سُميت باسمنا، وهي سورة الدهر: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً [الإنسان:30] .
والآية الثانية: في سورة التكوير: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29] .
إذاً: مشيئتنا تابعة لمشيئته، فإذا أردت أن تسند المشيئة لمخلوق مع الخالق تقول: ما شاء الله ثم شئت، لمَ؟ لأن ثم تقتضي الترتيب مع التراخي والمهلة، فإذاً: مشيئة الله أولاً نافذة لا راد لها، ثم إذا قدر الله لك أن تنفذ مشيئتك فهي تابعة لمشيئته، إذاً متراخية عنها، متأخرة تابعة لمشيئة الله، فلا تقل: ما شاء الله وشئت، ولا تقل: أنا متوكل على الله وعليك، بل، متوكل على الله في هذا الأمر ثم عليك، جعلتك وكيلي، ولا أنا مستعين بالله وبك، بل مستعين بالله ثم بك، ولا حرج أن تستعين بغير الله وأن تستغيث بغير الله فيما يقدر عليه، تقول: أنا أستغيث بالله ثم بك، أي أطلب منك أن تنصرني من هذا الظالم، لكن إياك أن تقول: أستغيث به وبك، أسأل الله وأسألك، إياك أن تقول. ما شاء الله وشئت.
إذاً: لا بد -إخوتي الكرام- من معرفة الله معرفة حقيقية، والعلم به علماً قطعياً، هذا لا يكون إلا إذا عرفت توحيده، كيف ستوحد الله إذا لم تعرفه، لا بد من أن تعبد الله كما يريد لا كما تريد.
بدعة الموالد جهل بالتوحيد
لأن النبي عليه الصلاة والسلام نحن نحتفل به ونبتهج به في كل لحظة، في كل حركة وسكون، لا ننام إلا على حسب شرعه، ولا نأكل إلا على حسب شرعه، ولا نبيع إلا على حسب شرعه، ولا نتزوج إلا على حسب شرعه، ولا نطلق إلا على حسب شرعه، ولا نلبس إلا على حسب شرعه، لا نتحرك حركة ولا نسكن سكوناً إلا على حسب شرع النبي عليه الصلاة والسلام، ولساننا لا يفتر من الصلاة والسلام عليه، وإذا جلسنا مجلساً لم نصل ولم نسلم عليه في ذلك المجلس فهذا المجلس حسرة علينا وشقاء لنا، ونقوم عن أنتن من جيفة حمار، وأمرنا إلى الله إن شاء عذبنا وإن شاء غفر لنا.
إذاً: هل نسينا النبي عليه الصلاة والسلام طرفة عين؟ نحن إذا أمسينا نصلي عليه عشراً على أقل تقدير لننال شفاعته، وإذا أصبحنا نصلي عليه عشراً على أقل تقدير لننال شفاعته، من الذي يحتفل؟ يحتفل من نسيه، من ترك شرعه وأعرض عن هديه، فجاء الشيطان ليزين له أنه من أتباعه، وقال له: احتفل في عيد المولد أنك من أتباعه.
هذه جاءتنا من النصارى، عندما ضيع المسلمون عليه الصلاة والسلام.
ومن أتقى لله وأحب لرسول الله الصحابة أم نحن؟ الصحابة أتقى لله منا، وأحب لرسول الله منا، مع أنه والله المؤمن يتمنى لو رأى طلعة وجه النبي عليه الصلاة والسلام، مع هذا لا نتردد في أن حب الصحابة لنبينا عليه الصلاة والسلام أكثر من حبنا، لا من باب ضعف حبنا ولكن لتمكن حب النبي في قلوبهم عليه الصلاة والسلام، فهل كانوا يحتفلون بعيد مولده؟ لا، لم يحتفلوا به في يوم من الأيام.
كنت مع بعض الإخوة من أهل تلك البلاد فقلت: ماذا يعمل هؤلاء؟ قال: يحتفلون بمولد السيدة، يقول: كانوا يرقصون ويغنون ويعربدون ويعصون الله، قال: يا مولانا كل واحد يذكر ربه على مزاجه! واحد يذكره بالعود، واحد بالدربكة، واحد بالطبل، واحد بالقرآن، واحد بالصلاة، كل واحد يذكر الله كما يريد.
قلت: يا أخا الإسلام، هل يجوز للإنسان أن يصلي كما يريد؟ يعني: أنت لو جئت لتركع فركعت على جنبك! فهل يجوز؟ لا، تقول: أنا أركع وأعظم الله، وأقول: سبحان ربى العظيم سبحان ربى العظيم، نقول: اترك الصلاة أحسن من أن تركع على جنبك؛ لأنك لو صليت وركعت على جنبك فأنت مرتد، ولو تركت الصلاة فأنت عند الجمهور مؤمن عاص، لأنك هنا تتلاعب بشريعة الله.
قلت: هل يجوز أن نصلي كما نريد؟ توقف، قال: كيف؟ قلت: هل يجوز أن نركع على جنب؟ قال: لا، قلت: فلا يجوز أن نذكر الله إلا كما يريد الله، الذكر عبادة فكيف نساء ورجال يختلطون؟ نرقص حول قبر، ونتمسح به ونشرب سجاير، ونقول: نحن نذكر الله، وكل واحد يذكر الله على مزاجه، وهذا يزني ويقول أذكر الله، وهذا يشرب خمراً ويقول أذكر الله، صار حالنا كحال المشركين، عبدوا الأصنام وقالوا: نعبد الرحمن، ووضعوا حول الكعبة ثلاثمائة وستين صنماً، وقالوا: نعبد بها الله، كيف تسجدون لها وتقولون نعبد الله؟
وكانت كل قبيلة عندها صنم، وإذا حجت تقول: لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، يعني أنت مع ذلك المالك الحقيقي، لا شريك لك إلا شريكاً واحداً، وهذا الشريك لا يستقل عنك، كقول النصارى: الثلاثة واحد، يعني: هم يتبعون الأول، لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، يعني أنت تملكه وتملك ما يُقدمون له من الهدايا، أنت المعبود الحقيقي، هذا لا يصلح، هذا ضلال وشرك.
هذا كله لا يتضح لك إلا إذا عرفت التوحيد.
فمن ثمرات التوحيد معرفة الله معرفة حقيقية، والعلم بالله علماً قطعياً، فما عرف الله من أشرك به وجعل له نداً وولداً، وما عرف الله من مثَّله ومثَّل خلقه به، فجعل الله شبيهاً للمخلوقات، وفهم من صفاته ما يفهم من صفات المخلوقات، هذا يقال له ممثل، والممثل يعبد صنماً -لا تنسوا هذه العبارات- كما أن المعطل يعبد عدما
الممثل يعبد صنماً؛ لأنه فهم من الله ما يفهمه من المخلوقات، فهل هذا صنم أو هذا هو الله؟ صنم، عندما يمثل الخالق بالمخلوق، نقول: أنت الآن تعبد الأصنام، وما تعبد ذا الجلال والإكرام، فالممثل يعبد صنماً، عندما يمثل الله بخلقه أو يمثل الخلق به، نقول هذا ضلال.
من يمدح الطواغيت جاهل بالله
أمَا قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [التوبة:43]، أمَا قال الله لنبيه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128]؟
إذا كان خير خلق الله عليه الصلاة والسلام يُسأل عما يفعل، فكيف بصعلوك يحكم بقانون الشيطان يقال عنه: إنه لا يُسأل عما يفعل؟ هذا لو كان يعرف التوحيد لما قال هذا.
عندما قال بعض الشعراء وغالب ظني أنه الحسن بن هانئ يمدح بعض حكام الفاطميين الباطنية الملاحدة، يمدح المعز لدين الله الفاطمي ، وهو الذليل وليس معزاً لدين الله، أو يمدح غيره من الحكام الباطنيين -لا أستحضر الآن- يقول له:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار واحكم فأنت الواحد القهار
طيب؛ أين المعز لدين الله الفاطمي ؟ في خبر كان كما يقال، أكله الدود من زمن ممدود.
هذا الشاعر لو كان يعرف التوحيد لما نطق بهذا الكلام الخبيث، يعلم أنه هو وغيره رصاصة توقعهم في الأرض تحت التراب، ذاك عندما قال لطاغوت بلاده: لا يُسأل عما يفعل، رصاصة أدخلته القبر، كيف لا يُسأل عما يفعل ويموت برصاصة!
لا بد من أن نعرف الله معرفة حقيقية، ومتى نعلم؟ إذا عرفناه، وما يتصف به، وما يتنزه عنه، وحقه على عباده، عندما تقسم بمخلوق فأنت لا تعرف الخالق، لو عرفت عظمة الخالق لما أقسمت بهذا المخلوق الفقير الحقير.
ولذلك عندما أقسم الناس في العصر الأول بآبائهم وبغير ذلك، ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام والحديث في السنن والمستدرك وهو حديث صحيح أنه قال: (من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر)، إذاً: ما عرف الله، (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، لما جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام كما في سنن أبي داود ، وقال: (يا محمد! ما شاء الله وشئت، قال له: أجعلتني لله نداً، قل: ما شاء الله وحده)، كيف تسوى بين مشيئتي ومشيئة الله، والواو في اللغة العربية لمطلق الجمع وتقتضي التسوية، عندما أقول حضر حسن وحمزة وزيد اشتركوا في الحضور وتساووا في ذلك، وهل مشيئة العبد تساوي مشيئة الرب؟ قطعاً لا.
ينتهي سعي العباد بأسرهم من عرشهم إلى فرشهم إلى آيتين من كتاب الله:
الأولى: في سورة الإنسان التي سُميت باسمنا، وهي سورة الدهر: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً [الإنسان:30] .
والآية الثانية: في سورة التكوير: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29] .
إذاً: مشيئتنا تابعة لمشيئته، فإذا أردت أن تسند المشيئة لمخلوق مع الخالق تقول: ما شاء الله ثم شئت، لمَ؟ لأن ثم تقتضي الترتيب مع التراخي والمهلة، فإذاً: مشيئة الله أولاً نافذة لا راد لها، ثم إذا قدر الله لك أن تنفذ مشيئتك فهي تابعة لمشيئته، إذاً متراخية عنها، متأخرة تابعة لمشيئة الله، فلا تقل: ما شاء الله وشئت، ولا تقل: أنا متوكل على الله وعليك، بل، متوكل على الله في هذا الأمر ثم عليك، جعلتك وكيلي، ولا أنا مستعين بالله وبك، بل مستعين بالله ثم بك، ولا حرج أن تستعين بغير الله وأن تستغيث بغير الله فيما يقدر عليه، تقول: أنا أستغيث بالله ثم بك، أي أطلب منك أن تنصرني من هذا الظالم، لكن إياك أن تقول: أستغيث به وبك، أسأل الله وأسألك، إياك أن تقول. ما شاء الله وشئت.
إذاً: لا بد -إخوتي الكرام- من معرفة الله معرفة حقيقية، والعلم به علماً قطعياً، هذا لا يكون إلا إذا عرفت توحيده، كيف ستوحد الله إذا لم تعرفه، لا بد من أن تعبد الله كما يريد لا كما تريد.