خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/122"> الشيخ عبد الرحيم الطحان . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/122?sub=8325"> سلسلة مقدمة في علم التوحيد
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
مقدمة في علم التوحيد - تعريف علم التوحيد [2]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير، اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها، كل في كتاب مبين.
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذانا صماً، وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
معشر الإخوة الكرام! كنا نتدارس مقدمة لتوحيد ذي الجلال والإكرام، ووصلنا إلى الكلام عن اختصاص الإله بالغنى واختصاص العبد بالفقر، وأورد لذلك هذه القصة الطريفة، التي يرويها الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (5/372)، والخطيب البغدادي يقال له حافظ المشرق، وتوفي سنة (463هـ)، وهي السنة التي توفي فيها حافظ المغرب، صاحب كتاب التمهيد والاستيعاب في تراجم الأصحاب، والتميهد لما في الموطأ من الأحكام والأسانيد، شيخ الإسلام الإمام ابن عبد البر رحمه الله، فإنه توفي في نفس السنة التي توفي فيها حافظ المشرق أحمد بن ثابت بن علي الخطيب البغدادي حافظ المشرق، وما دخل بغداد بعد الإمام أحمد أفضل من الدارقطني ، وما دخل بغداد بعد الدارقطني أفضل من الخطيب البغدادي ، وهو الذي يقول فيه أئمتنا: كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه.
أملى كتابه تاريخ بغداد مدينة السلام أربعة عشر مجلداً من صدره بالأسانيد الثابتة، وبدأ بمن دخلوا بغداد من المحمدين إجلالاً واحتراماً لنبينا عليه الصلاة والسلام، ثم بدأ بمن اسمه أحمد، ثم عاد إلى الترتيب المعروف بدءاً بالهمزة وانتهاءً بالياء من إبراهيم إلى يحيى.
في الجزء الخامس في ترجمة محمد بن صبيح الذي يقال له ابن السماك الواعظ المشهور، توفي سنة (183هـ)، وهو من العلماء الربانيين، كان عند خليفة المؤمنين في ذلك الوقت هارون الرشيد عليهم جميعاً رحمة الله، في يوم قائظ شديد الحر، فدعا هارون بقلة ماء مبردة، وهذا الماء المبرد الذي نشربه الآن من ثلاجات ما كان يحصله أغنى المخلوقات في العصر الأول.
هارون الرشيد الذي هو خليفة المسلمين وكان يقول للسحابة: أمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك، وعندما أرسل إليه نقفور ملك الروم، كتاباً بأنهم لا يريدون أن يدفعوا الجزية، بل يطلب من هارون الرشيد أن يدفعوا جزية للنصارى، كان جواب هارون : من أمير المؤمنين هارون الرشيد إلى كلب الروم نقفور ، أما بعد: فالجواب ما تراه لا ما تسمعه، لن أكتب لك كلمة تسمعها أو تقرؤها، الجواب ستراه عما قريب، جيش أوله عندك وآخره عندي.
هارون الرشيد كان إذا أراد أن يذهب في سفر أو في حج سيركب على الدابة، وغاية ما يستطيع أن يحمل مظلة تقيه الشمس، لا سيارات مكيفة، ولا طائرات مترفة، كحالنا في هذه الأيام التي فُتحت علينا الزينة من كل جانب، وليتنا شكرنا الله؛ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [يونس:24].
البشرية الآن مهيأة لضربة الله، ولوقوع سخطه ونقمته وبطشه، لكن الله حليم فقط، إذا نظر إلى الأطفال الرضع، والشيوخ الركع، والبهائم الرتع، أخر بطشه ونقمته عن عباده، لكن البشرية مهيأة، فتحت الزينة من كل جهة وأشِروا وبطروا، وصار الأمر كما قال الله: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الروم:41]، عربدت السفن، فجور وخمور في الطائرات، وأما البر فترونه بأعينكم ولا داعي لوصفه.
هارون الرشيد دعا بقلة ماء، وهي من فخار، يوضع فيها الماء فيرشح منها ما يرشح ويضربها الهواء فالماء الذي يبقى فيها يصبح بارداً، أُتي بقلة ماء ليشربها، فقال ابن السماك محمد بن صبيح : لا تشرب يا أمير المؤمنين، قال: علام؟ قال: لأسألك ثم اشرب، قال: سل، قال: إن مُنعت هذا الكوز من الماء في هذا اليوم الحار القائظ فكم تدفع ثمناً له؟ قال: أدفع نصف ملكي، وهو يقول يدفع نصف ملكه لأنه ما اضُطر، ولو اضطر لدفع الملك كله!
قال: اشرب، فلما شرب، قال: يا أمير المؤمنين، إذا احتبس هذا الماء في بطنك وما استطعت أن تخرجه، كم تدفع ثمناً لإخراجه؟ ما استطعت أن تبول وبدأت تتلوى كما تتلوى الحية على الرمل، كما يحصل لمن يصاب -نسأل الله العافية- بحصاة في المثانة البولية، ويجلس يصيح صياحاً لو أن صياحه أثر في الجدار لصدعه وهدمه، من انحباس البول، لتجرى له بعد ذلك عملية جراحية لإخراج هذه الحصى، إذا لم تستطع أن تخرج الماء فماذا تفعل؟
سمنون الذي يقال له سمنون المحب وسمى نفسه سمنون الكذاب بعد ذلك، قال مخاطباً ربه:
ليس في سواك حظ فكيف ما شئت فاختبرني
فابتلاه الله بعسر البول، علامَ هذه الدعاوى العريضة؟ هلا قلت: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
ثبت في صحيح مسلم عن أنس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يزور بعض أصحابه من مرضه وقد صار كالفرخ -أي: كفرخ الطائر من مرضه وهزاله، عظام عليها جلد ليس بينهما شيء من اللحم- فقال له: ويحك ماذا كنت تدعو؟ قال: كنت أقول: اللهم ما كنت معذبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا، قال: ويحك لا تطيقه، هلا قلت: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).
ولذلك كان أكثر دعاء النبي عليه الصلاة والسلام: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار)، وكان أنس إذا دعا بدعوة جعل هذه الجملة في دعائه.
قال: إن حُبست هذه الشربة في بطنك وما استطعت أن تخرجها، كم تدفع ثمناً لإخراجها؟ قال: ادفع نصف ملكي الآخر، قال: تباً لهذا الملك الذي لا يَسوى بولة.
وقال له: يا أمير المؤمنين، إن ملكاً نصفه قيمة شربة ماء، ونصفه إخراج بولة، لخليق ألا يُتنافس فيه!
يعني: هذا لا داعي للتنافس فيه والحرص عليه، ملكك من أوله لآخره لا يسوى بولة فقط، ولا يسوى كوز ماء تشربه ثم تخرجه.
وعند هذا نتحقق -إخوتي الكرام- من قول ذي الجلال والإكرام: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، ما هو أغلى من الماء ونحن محتاجون إليه أكثر من احتياجنا للماء؟
الهواء، هل يستغني عنه كائن حي؟ لو حُجب الهواء عنك بمقدار ثلث دقيقة -عشرين ثانية- لمات الكائن الحي، الأوكسجين إذا توقف عن الدماغ ثلث دقيقة فقدت حياتك، ثم هذا الهواء تستنشق وتتنفس من غير كلفة ولا شعور، يعني: لا تحتاج عند النفس أن تحرك رجلك ولا أن ترفع يدك، أوليس كذلك؟
بلى، وأنت تفعل هذا نائماً ويقظان، واللهِ لو أن الهواء بثمن لمات البشر جميعاً، من أين تحصل أسطوانات الأوكسجين باستمرار لأجل أن تتنفس منها في الليل والنهار قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ [الأنبياء:42]، من يحفظكم ويحرسكم ويمدكم بما تحتاجونه في ليلكم ونهاركم، مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ [الأنبياء:42] أي: من دون الرحمن؟ هل يوجد أحد بدل الله يكلؤنا ويحفظنا؟ هو الحفيظ سبحانه وتعالى، وهذا أحد المعنيين في تفسير الآية، والثاني: من يمنعكم من عذاب الرحمن وبطشه وعقوبته إن نزلت بكم، من يهن الله فما له من مكرم.
والخلاصة أن الملك الذي قيمته بولة لا ينبغي أن نتنافس فيه.
إخوتي الكرام! نعم الله علينا ستأتينا عند المبحث الرابع في فضل التوحيد إن شاء الله ومنزلته؛ لأُظهر كيف منَّ الله علينا بهذه النعم الضرورية من غير ثمن لنكون عبيداً له حقاً، لئلا يتحكم أحد من المخلوقات فيما تحتاجه أبداننا، يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ [العنكبوت:56] ففيها رزقكم: هواء وماء موجود في كل مكان، ورق وشجر لا تخلو عنه بقعة إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ [العنكبوت:56].
أخص وصف في المخلوق الفقر، وأخص وصف في الخالق الغنى، ولذلك أحسن بيت قاله إمام من أئمة الإسلام في بيان حقيقة الإنسان وحقيقة الرحمن، بيت قاله الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله في آخر حياته، كتب قاعدة في التفسير وأرسلها لتلميذه الإمام ابن القيم عليهم جميعاً رحمة الله، وكتب الإمام على ظهرها أبياتاً من الشعر تزيد على العشرة، احفظوها -إخوتي الكرام- وهي موجودة في مدارج السالكين (1/525)، يقول في هذه القصيدة:
والفقر لي وصف ذات لازم أبداً كما الغنى أبداً وصف له ذاتي
وهذه الحال حال الخلق أجمعهم وكلهم عنده عبد له آتي
فمن بغى مطلباً من غير خالقه فهو الظلوم الجهول المشرك العاتي
إلى آخر الأبيات، ويقول في أولها.
أنا الفقير إلى رب البريات أنا المسيكين في مجموع حالاتي
أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي والخير إن يأتنا من عنده ياتي
كما قلت أبيات تزيد على العشرة احفظوها من مدارج السالكين.
إذاً: أخص وصف في المخلوق الفقر، وأخص وصف في الخالق الغنى.
ولذلك قرر أئمتنا المهتدون علماء التوحيد الموحدون: أن علة- احتياج العالم بأسره إلى ربه هي الفقر.
كل من عدا الله فقير، والفقير محتاج إلى الغني: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [فاطر:41].
قول الفلاسفة والمتكلمين في علة احتياج المخلوق للخالق
أما الفلاسفة فيقولون: العلة في احتياج العالم إلى خالقه حدوثه، والحادث لابد له من مُحدِث.
والمتكلمون يقولون: العلة في احتياج العالم إلى ربه إمكانه، أي: أنه يُتصور وجوده وعدمه، يتصور حياته وموته، يتصور ذكوريته وأنوثته، وهذا بالنسبة للإنسان، فما الذي رجح الذكورة على الأنوثة في الذكر، والأنوثة على الذكورة في الأنثى، إذاً: هذا ممكن، أي: الصفات المتقابلة يمكن أن تكون فيه: وجود وعدم، حياة وموت، ذكورة وأنوثة، طول وقصر، سمن وضعف، هذه صفات متقابلة ممكن أن توجد فيه، وكذا جمال ودمامة، ما الذي رجح بعض الممكنات على بعضها، لابد له من مرجِّح، هل أنت صورت نفسك في ظلمات ثلاث؟ لا، صورك الأبوان؟ لا، الجيران؟ لا، أحد من بني الإنسان؟ لا، فمن صورك؟ الرحمن: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ [آل عمران:6].
هل أنت جعلت نفسك ذكراً؟ أو لوالدك اختيار؟ أو لأحد من أهل الأرض كعباقرة الأطباء؟ لا، يقف علم البشر بأسرهم رغم أنوفهم عند هذه الآية: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:49-50]، هذا زعيم، وينبغي أن يولد له ذكور، لكن لن يولد له إلا الإناث رغم أنوفكم؛ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:50].
إذاً: ما الذي رجح أحد هذه الممكنات على ما يقابلها؟ فاعل، وهو الله جل وعلا خالق كل شيء.
فالفلاسفة يقولون: علة احتياج العالم إلى الله حدوثه، والمتكلمون يقولون: علة احتياج العالم إلى الله إمكانه، أي: إمكان وجوده وإمكان عدمه وعدم وجوده، وكل من القولين لا تحقيق فيه.
الرد على الفلاسفة والمتكلمين في علة احتياج الخلق لله
إذاً: لم يسبقه عدم، لم يطرأ عليه حدوث، وأما من عداه فحادث، إذاً: الحدوث ملازم للفقر وعلامة عليه، العلة في احتياجنا فقرنا، إذا كنا فقراء سنكون حادثين لا قدماء، ستكون لنا بداية قطعاً، وإمكان الحدوث هو علامة على الفقر.
فإذاً: الحدوث وإمكان الحدوث علامتان ملازمتان للفقر وليستا بعلتين لاحتياج العالم إلى خالقه، العلة في احتياج العالم بأسره إلى ربه أن العالم فقير، وكل من عدا الله فقير مهما كان شأنه، هل خرج إلى الدنيا باختياره؟ أو سيخرج منها باختياره؟ لا.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ [البقرة:258] سبحان الله! وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ [التوبة:74]، يعني: عتوا لأن الله أغناهم، وتكبروا على الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه أعطاهم، وكان الواجب عليهم أن يقابلوا ذلك بالشكر، وهذا حاج إبراهيم في ربه بما منَّ الله عليه من ملك عظيم، فبدلاً من أن يشكر الكريم بدأ يتعالى على رب العالمين.
العلة في احتياج المخلوقات بأسرها إلى ربها فقرها وغنى الله عنها، وليست العلة في احتياج العالم إلى الله ما قاله الفلاسفة والمتكلمون، فإنهم قالوا قولين في احتياج العالم إلى رب الكونين، ليسا بعلة إنما هما دلالة على العلة الحقيقية:
أما الفلاسفة فيقولون: العلة في احتياج العالم إلى خالقه حدوثه، والحادث لابد له من مُحدِث.
والمتكلمون يقولون: العلة في احتياج العالم إلى ربه إمكانه، أي: أنه يُتصور وجوده وعدمه، يتصور حياته وموته، يتصور ذكوريته وأنوثته، وهذا بالنسبة للإنسان، فما الذي رجح الذكورة على الأنوثة في الذكر، والأنوثة على الذكورة في الأنثى، إذاً: هذا ممكن، أي: الصفات المتقابلة يمكن أن تكون فيه: وجود وعدم، حياة وموت، ذكورة وأنوثة، طول وقصر، سمن وضعف، هذه صفات متقابلة ممكن أن توجد فيه، وكذا جمال ودمامة، ما الذي رجح بعض الممكنات على بعضها، لابد له من مرجِّح، هل أنت صورت نفسك في ظلمات ثلاث؟ لا، صورك الأبوان؟ لا، الجيران؟ لا، أحد من بني الإنسان؟ لا، فمن صورك؟ الرحمن: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ [آل عمران:6].
هل أنت جعلت نفسك ذكراً؟ أو لوالدك اختيار؟ أو لأحد من أهل الأرض كعباقرة الأطباء؟ لا، يقف علم البشر بأسرهم رغم أنوفهم عند هذه الآية: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:49-50]، هذا زعيم، وينبغي أن يولد له ذكور، لكن لن يولد له إلا الإناث رغم أنوفكم؛ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:50].
إذاً: ما الذي رجح أحد هذه الممكنات على ما يقابلها؟ فاعل، وهو الله جل وعلا خالق كل شيء.
فالفلاسفة يقولون: علة احتياج العالم إلى الله حدوثه، والمتكلمون يقولون: علة احتياج العالم إلى الله إمكانه، أي: إمكان وجوده وإمكان عدمه وعدم وجوده، وكل من القولين لا تحقيق فيه.
نقول: الحدوث وإمكان الحدوث علامتان على الفقر، والعلة في الاحتياج هي الفقر؛ لأن الفقير حادث سبق بعدم، ومن لم يسبق بعدم وهو الأول الذي لم يتقدمه أحد والذي لم يخلقه أحد، إنما هو خالق كل شيء، الأول الآخر الظاهر الباطن، وهو بكل شيء عليم.
إذاً: لم يسبقه عدم، لم يطرأ عليه حدوث، وأما من عداه فحادث، إذاً: الحدوث ملازم للفقر وعلامة عليه، العلة في احتياجنا فقرنا، إذا كنا فقراء سنكون حادثين لا قدماء، ستكون لنا بداية قطعاً، وإمكان الحدوث هو علامة على الفقر.
فإذاً: الحدوث وإمكان الحدوث علامتان ملازمتان للفقر وليستا بعلتين لاحتياج العالم إلى خالقه، العلة في احتياج العالم بأسره إلى ربه أن العالم فقير، وكل من عدا الله فقير مهما كان شأنه، هل خرج إلى الدنيا باختياره؟ أو سيخرج منها باختياره؟ لا.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ [البقرة:258] سبحان الله! وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ [التوبة:74]، يعني: عتوا لأن الله أغناهم، وتكبروا على الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه أعطاهم، وكان الواجب عليهم أن يقابلوا ذلك بالشكر، وهذا حاج إبراهيم في ربه بما منَّ الله عليه من ملك عظيم، فبدلاً من أن يشكر الكريم بدأ يتعالى على رب العالمين.
النمرود وادعاء الألوهية
سفسطة، ما هي السفسطة؟ هي: جحد حقائق الأشياء، والكلام الباطل، يقال: لا تسفسط، يعني لا تقل كلاماً لا حقيقة له، أنت لا تحيي ولا تميت، أنت مسكين وأنا مسكين، والذي يحيي ويميت هو رب العالمين، يعني: هي ليس بمعنى: لا تكذب، بل أشنع، أي: لا تقل شيئاً لا حقيقة له، فالسفسطة إنكار الحقائق وجحد الضروريات، وأنت مسكين لا تحيي ولا تميت، قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258]، كيف تحيي وتميت؟
قال: آتي برجلين من رعيتي أحكم عليهما بالإعدام، أنفذ الحكم في واحد وأعفو عن الآخر، هذا أمته وهذا أحييته! فهذا إحياء وإماتة أم هذه سفسطة؟ هذه هي السفسطة، وإنكار الحقائق والتلاعب بالألفاظ.
إذا كان الإنسان عنده هذا الشطط وهذه الحماقة والسفاهة، فينبغي أن تنقله إلى أمر لا يسفسط فيه، قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ [البقرة:258]، ما شاء الله! وأنت إله عظيم تحيي وتميت، وأنت تعارض هذا الإله الذي يحيي ويميت، لكن هناك معارضة ثانية: الله يأتي بالشمس من المشرق، فغيِّر النظام وائت بها من المغرب، لا يستطيع أن يقول: أنا الذي آتي بها من المشرق لمَ؟
لو قال: لقام من أكبر منه سناً وقال: أيها الملك لا تكذب، الشمس تخرج من المشرق قبل أن تولد أنت، وليس لك ولا لغيرك تصرف فيها، لكن أنت أمام قضية ليس لك خيار فيها، إما أن تأتي بها من المغرب وإما أن يظهر بطلانك، لست إذاً بإله ولا غني، أنت فقير ضعيف رغم أنفك.
هذا الذي ادعى أنه يحيي ويميت قتله الله بأي شيء؟
بأضعف جنده، أوحى الله إلى أضعف جنده وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31]، إلى البعوضة، قال: اذهبي فادخلي في أذنه، وسيري إلى دماغه، ودوري هناك لتكوني سبباً في إبادته، لن أقتله برصاص ولا بسيف، إنما سأقتله بأضعف جندي وأحقر مخلوقاتي.
بلوى فرعون في ادعاء الألوهية
تفتخر بمُلك ما أجريته، وتتحلى بحلي مستعار، لو أنت شققت النيل وقلت له كن فكان قلت: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51].
هارون الرشيد في أيام خلافته عندما قرأ هذه الآية، قال: يفتخر الخبيث بأنه صار ملكاً لمصر والأنهار تجري من تحته، والله لأولينَّ على مصر أقل عبيدي شأناً، فدعا بعبد من عبيده وقال: أنت حر لوجه الله، اذهب جعلتك أميراً على مصر إغاظة لفرعون، فذهب الأمير، فلما وصل إلى أبواب مصر قال: هذه البلدة التي قال فيها فرعون أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51]؟
قالوا: نعم، قال: والله لن أدخلها حياءً من الله، فرجع إلى هارون وقال: ولغيري، هذه الإمرة التي كان يتزعم بها فرعون وادعى الألوهية بسببها، أضعف مملوك في الدولة الإسلامية زهد فيها، يفتخر بهذا الملك.
بعوضة دخلت وبدأت تدور في دماغه، فجمع حاشيته وخواصه، ولا يوجد عمليات جراحية في ذلك الوقت، قال: هذه البعوضة لابد من إخراجها، قالوا: كيف نخرجها، الرأس مسدود من جميع الجهات؟ قال: ما في حيلة إلا أن تأخذوا الأحذية وتضربوني على رأسي، فإذا ضربتموني لعلها تموت، فأخذوا الأحذية يضربونه، المسكينة عندما يأتي الضرب تقف ولا تدور، فإذا رفعوا الضرب دارت حتى مات ضرباً بالنعال.
طيب: أنت تحيي وتمت أما استطعت أن تميت بعوضة؟ استمع لقول الله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ [الحج:73]، هذا المثل عندما ضرب ضج المشركون، لكن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها؛ لبيان الحق وإظهار الأمر؛ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا [الحج:73] وهي أضعف جند الله وأحقر مخلوقاته، وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ [الحج:73]، يعني: جميع الرؤساء، والزعماء، والطواغيت، لو يجتمعون على خلق ذبابة ما استطاعوا؛ لأن الذبابة فيها الروح، والروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً.
يا رب هذا العصر عصر التكنولوجيا والتطور، وغزو الفضاء، والصعود إلى القمر، لا زال قول الله يصدق علينا: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85].
نعم: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ [الحج:73]، تأتي الذبابة تقف على أنفه فتقرصه وتطير، تؤذيه وتهرب، لا يستطيع أن ينتصر منها، ولو يطلق عليها المدافع الرشاشة: وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:73-74].
قال أبو جعفر المنصور للإمام الباقر عليه رحمة الله ورضوانه: كل شيء خلقه الله لحكمة، فعلامَ خلق الذباب؟ قال: ليذل به الجبابرة يا أمير المؤمنين، أن يقف ليلقي الخطاب وتأتي الذبابة تؤذيه، لا يمنعها مانع ولا يحجبها حاجب، ضَعُفَ الطَّالِبُ [الحج:73]، كل من عدا الله ضعيف، كل من عدا الله فقير، فهل يصلح أن يكون عيسى إلهاً؟
اعتقاد جازم خالف الواقع فهو اعتقاد باطل مكذوب، اعتقاد مزور لا حقيقة له، وأما خرافة الواحد ثلاثة أو الثلاثة واحد، ونأتي بالثوب ونعمل هكذا وهكذا وهكذا، هذه ثلاثة وصارت واحد، والمثلث له ثلاثة أضلاع وهو شيء واحد، هذه خرافة الصبيان، ينبغي أن يتنزه عنها الإنسان، أنت لو خاطبت البقر لا البشر وقلت لهم: ما معنى الواحد؟ يقولون: الواحد واحد، وتقول: ما معنى الثلاثة؟ يقولون: الثلاثة ثلاثة.
تقول: هل يمكن أن تكون الثلاثة اثنين؟ يقول: أنت مجنون! الثلاثة ثلاثة، والواحد واحد، والاثنان اثنان، أما الواحد ثلاثة والثلاثة واحد بأي لغة تتكلم؟ بلغة الوهم والخيال والخرافة والتخرص، واضح أن هذا اعتقاد جازم؛ لكنه باطل.
فالعلم يأتي بمعنى الاعتقاد الجازم، فإن طابق الواقع عن دليل فهو حق، وإن لم يطابق الواقع لعدم وجود دليل يدل عليه فهو باطل، كل من عدا الله فقير فكيف إذاً يصلح أن نجعله إلهاً؟!
إخوتي الكرام! موضوع فقر العالم بأسره واحتياجه إلى ربه بحثه الإمام ابن القيم أيضاً بحثاً وافياً نافعاً، في كتابه طريق الهجرتين وباب السعادتين، تكلم على الفقر من أول الكتاب من (ص:6) في صفحات كثيرة جليلة نافعة، يجب عليكم لزاماً أن تنظروا هذا المبحث لتعرفوا الفارق بين الخلق وبين الرب في طريق الهجرتين وباب السعادتين، ويقصد بالهجرتين هجرتان مباركتان هما مدلول كلمة توحيد ربنا الرحمن، الهجرة الأولى هي: هجرة إلى الله عن طريق إفراده بالعبادة ونبذ ما يعبد من دونه، والثانية: هجرة إلى رسوله عليه الصلاة والسلام عن طريق متابعته وطرح كل إمام غيره، هو إمامنا ونسأل الله أن يجعلنا من أمته، وأن ينادينا باسمه يوم القيامة يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ [الإسراء:71]، فلا إمام لنا إلا المصطفى عليه صلوات الله وسلامه، وكل واحد يخطئ ويصيب ويؤخذ من قوله ويترك، إلا هذا النبي الأمي عليه صلوات الله وسلامه الذي لا ينطق عن الهوى.
الهجرة إلى الله هو مدلول (لا إله إلا الله)، والهجرة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام هو مدلول (محمد رسول الله)، إياك أريد بما تريد، لا أقصد غيرك، وقصدي لك على حسب شرعك، كما جاء به نبيك صلى الله عليه وسلم.
إذاً: العلم يأتي بمعنى الاعتقاد الجازم الذي يطابق الواقع عن دليل، فهو حق، وإذا لم يطابق الواقع لعدم الدليل الذي يدل عليه فهو باطل.
قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258]، حقيقة أو سفسطة؟
سفسطة، ما هي السفسطة؟ هي: جحد حقائق الأشياء، والكلام الباطل، يقال: لا تسفسط، يعني لا تقل كلاماً لا حقيقة له، أنت لا تحيي ولا تميت، أنت مسكين وأنا مسكين، والذي يحيي ويميت هو رب العالمين، يعني: هي ليس بمعنى: لا تكذب، بل أشنع، أي: لا تقل شيئاً لا حقيقة له، فالسفسطة إنكار الحقائق وجحد الضروريات، وأنت مسكين لا تحيي ولا تميت، قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258]، كيف تحيي وتميت؟
قال: آتي برجلين من رعيتي أحكم عليهما بالإعدام، أنفذ الحكم في واحد وأعفو عن الآخر، هذا أمته وهذا أحييته! فهذا إحياء وإماتة أم هذه سفسطة؟ هذه هي السفسطة، وإنكار الحقائق والتلاعب بالألفاظ.
إذا كان الإنسان عنده هذا الشطط وهذه الحماقة والسفاهة، فينبغي أن تنقله إلى أمر لا يسفسط فيه، قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ [البقرة:258]، ما شاء الله! وأنت إله عظيم تحيي وتميت، وأنت تعارض هذا الإله الذي يحيي ويميت، لكن هناك معارضة ثانية: الله يأتي بالشمس من المشرق، فغيِّر النظام وائت بها من المغرب، لا يستطيع أن يقول: أنا الذي آتي بها من المشرق لمَ؟
لو قال: لقام من أكبر منه سناً وقال: أيها الملك لا تكذب، الشمس تخرج من المشرق قبل أن تولد أنت، وليس لك ولا لغيرك تصرف فيها، لكن أنت أمام قضية ليس لك خيار فيها، إما أن تأتي بها من المغرب وإما أن يظهر بطلانك، لست إذاً بإله ولا غني، أنت فقير ضعيف رغم أنفك.
هذا الذي ادعى أنه يحيي ويميت قتله الله بأي شيء؟
بأضعف جنده، أوحى الله إلى أضعف جنده وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31]، إلى البعوضة، قال: اذهبي فادخلي في أذنه، وسيري إلى دماغه، ودوري هناك لتكوني سبباً في إبادته، لن أقتله برصاص ولا بسيف، إنما سأقتله بأضعف جندي وأحقر مخلوقاتي.