مقدمة في علم التوحيد - شروط التكليف بالتوحيد [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحَزْن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، يا أرحم الراحمين.

اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك.

اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

إخوتي الكرام! لابد عند ذكر العقل من التنبيه على أمر ينبغي أن نعيه وأن نتفكر فيه، العقل الغريزي المطبوع متى لا يؤدي ثمرته، ولا يحصل فيه زكاء، ولا يحصل فيه نور، ولا يكون فيه عقل مسموع مكتسب؟

إذا سيطر على العقل أمران، وإذا تلبس العقل الغريزي بأمرين حُجب عن أداء مهمته، وعن أداء وظيفته، وعن تحصيل العلم والوعي والنور والخير والبركة:

أحدهما حسي، والآخر معنوي.

وإذا اجتمعا -وهذا حال أكثر الناس في هذه الأيام- اجتمعت البلايا بأسرها على التمام، فكيف سيقوم العقل الغريزي بعد ذلك بأداء مهمته ليزكو وليكون فيه بصيرة وطهارة.

الأمر الحسي الذي يحجب العقل عن أداء وظيفته

أما الأمر الحسي فالمسكرات والمخدرات، إذا تعاطاها أحد من المكلفين والمكلفات حُجب عقله، ومُنع من أداء وظيفته، المسكر والمخدر، مسكر يزيل العقل ويمنعه من أداء وظيفته ومن تحصيل العلوم النظرية وتدبير الصناعات الخفية، ومن قوة الإرادة وحصول المجاهدة، وقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة المحرمة.

وهناك أمر معنوي أشنع من الحسي بكثير، فإذا كان المسكر الحسي والمخدر الحسي له فترة محددة ثم يزول أثره، فهناك حاجب معنوي إذا خيم على العقل صار الإنسان بهيمة، وهو أحط من البهيمة، ولا يمكن أن يعود إليه عقله إلا إذا تنزه من هذا الأمر، كما أنه لا يمكن أن يعي عقله وأن يبصر، إلا إذا ذهب عنه المسكر والمخدر الحسي، الأمر المعنوي مركب من أمرين، كما أن الحسي من أمرين: مسكرات ومخدرات.

والمعنوي هو اتباع الهوى، أي: السير وراء ما يهواه الإنسان في هذه الحياة من الشهوات، هذا يحجب العقل، إذا سار الإنسان وراء هواه وشهواته، فقد حُجب عقله عن أداء وظيفته، وعقله الغريزي لا يتنور ولا يتبصر ولا يهتدي، والله جل وعلا يقرر هذا في كتابه فيقول في سورة الفرقان: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:43-44] .

جعل ما يهواه معبوده ودينا له في هذه الحياة، وما يهوى شيئاً إلا ويصيره معبوداً له، والمشتهيات وما يهواه الناس متنوع متعدد مختلف، هذا يهوى زوجته ويبيع دينه من أجلها، تعس عبد الزوجة! وهذا يهوى درهمه وديناره ويبيع دينه فيهما؛ تعس عبد الدرهم والدينار! وهذا يهوى الملابس والمنظر الحسن؛ تعس عبد القطيفة! تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش، وهذا يهوى ويهوى، كل واحد يهوى شيئاً.

الهوى: سُمي هوى لأنه يهوي بصاحبه في نار جهنم، وإذا أُصيب الإنسان بالهوى فقد حُجب عقله وأُزيل، ولا بصيرة فيه ولا نور ولا زكاء، ولذلك الهوى هو الهوان، كما قال أئمتنا:

إن الهوان هو الهوى نقص اسمه فإذا هويت فقد لقيت هوانا

وقيل:

نون الهوان من الهوى مسروقة فإذا هويت فقد لقيت هوانا

أصل الهوى هوان، وتسقط عن رتبة الإنسان، وتلتحق برتبة هي أحط من رتبة الحيوان: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44] .

والهوى للعقل البشري بمثابة الدخان للمرآة، عندك مرآة صافية مصقولة، أتيت بدخان أسود أمامها بحيث غطاها، هل ترى صورتك فيها؟ متى ما سار الهوى فيك واستحكم على عقلك حُجب عقلك.

ولذلك من تعلق بالصور والنسوان والغلمان حُجب عقله، وصار من أتباع الشيطان، ومن فطم نفسه عن الهوى فهو من عباد المولى: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24]، هذا الأمر الأول مسكر معنوي.

التقليد الأعمى وكيف يحجب العقل عن وظيفته

والثاني: مسكر معنوي هو التقليد الأعمى، يمشي على عرفه وعادة قومه، كما هو الآن: وطنية وقومية، ومن يدعو إلى واحد منهما فهو كافر برب البرية، وليس من عداد المسلمين عند رب العالمين، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، ما عندنا شيء ننتمي إليه إلا فكرة لها شريعة تجمع بيننا لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، هذه جنسيتنا وهذا وطننا، وأما وطنيات مزيفة فهذه جاهلية، والقوميات المشئومة جاهلية أيضاً.

ولذلك من سار على عرف قومه ووطنه وتقليد آبائه وأجداده دون أن يكون ذلك على بصيرة من دينه وربه وشريعته، فهذا يحجب عقله، فيقال له: ما حجتك؟ يقول: قومي يفعلون هذا، وأنا سأفعل مثل فعلهم، وإذا كان قومي سيدخلون النار فسأدخل معهم، انتهى الأمر، فعل الآباء، فعل القوم.

وهذه هي حجة فرعونية، وهي حجة قرشية عربية، كانوا يعارضون بها دعوات الله الربانية.

أما الأمر الحسي فالمسكرات والمخدرات، إذا تعاطاها أحد من المكلفين والمكلفات حُجب عقله، ومُنع من أداء وظيفته، المسكر والمخدر، مسكر يزيل العقل ويمنعه من أداء وظيفته ومن تحصيل العلوم النظرية وتدبير الصناعات الخفية، ومن قوة الإرادة وحصول المجاهدة، وقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة المحرمة.

وهناك أمر معنوي أشنع من الحسي بكثير، فإذا كان المسكر الحسي والمخدر الحسي له فترة محددة ثم يزول أثره، فهناك حاجب معنوي إذا خيم على العقل صار الإنسان بهيمة، وهو أحط من البهيمة، ولا يمكن أن يعود إليه عقله إلا إذا تنزه من هذا الأمر، كما أنه لا يمكن أن يعي عقله وأن يبصر، إلا إذا ذهب عنه المسكر والمخدر الحسي، الأمر المعنوي مركب من أمرين، كما أن الحسي من أمرين: مسكرات ومخدرات.

والمعنوي هو اتباع الهوى، أي: السير وراء ما يهواه الإنسان في هذه الحياة من الشهوات، هذا يحجب العقل، إذا سار الإنسان وراء هواه وشهواته، فقد حُجب عقله عن أداء وظيفته، وعقله الغريزي لا يتنور ولا يتبصر ولا يهتدي، والله جل وعلا يقرر هذا في كتابه فيقول في سورة الفرقان: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:43-44] .

جعل ما يهواه معبوده ودينا له في هذه الحياة، وما يهوى شيئاً إلا ويصيره معبوداً له، والمشتهيات وما يهواه الناس متنوع متعدد مختلف، هذا يهوى زوجته ويبيع دينه من أجلها، تعس عبد الزوجة! وهذا يهوى درهمه وديناره ويبيع دينه فيهما؛ تعس عبد الدرهم والدينار! وهذا يهوى الملابس والمنظر الحسن؛ تعس عبد القطيفة! تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش، وهذا يهوى ويهوى، كل واحد يهوى شيئاً.

الهوى: سُمي هوى لأنه يهوي بصاحبه في نار جهنم، وإذا أُصيب الإنسان بالهوى فقد حُجب عقله وأُزيل، ولا بصيرة فيه ولا نور ولا زكاء، ولذلك الهوى هو الهوان، كما قال أئمتنا:

إن الهوان هو الهوى نقص اسمه فإذا هويت فقد لقيت هوانا

وقيل:

نون الهوان من الهوى مسروقة فإذا هويت فقد لقيت هوانا

أصل الهوى هوان، وتسقط عن رتبة الإنسان، وتلتحق برتبة هي أحط من رتبة الحيوان: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44] .

والهوى للعقل البشري بمثابة الدخان للمرآة، عندك مرآة صافية مصقولة، أتيت بدخان أسود أمامها بحيث غطاها، هل ترى صورتك فيها؟ متى ما سار الهوى فيك واستحكم على عقلك حُجب عقلك.

ولذلك من تعلق بالصور والنسوان والغلمان حُجب عقله، وصار من أتباع الشيطان، ومن فطم نفسه عن الهوى فهو من عباد المولى: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24]، هذا الأمر الأول مسكر معنوي.

والثاني: مسكر معنوي هو التقليد الأعمى، يمشي على عرفه وعادة قومه، كما هو الآن: وطنية وقومية، ومن يدعو إلى واحد منهما فهو كافر برب البرية، وليس من عداد المسلمين عند رب العالمين، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، ما عندنا شيء ننتمي إليه إلا فكرة لها شريعة تجمع بيننا لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، هذه جنسيتنا وهذا وطننا، وأما وطنيات مزيفة فهذه جاهلية، والقوميات المشئومة جاهلية أيضاً.

ولذلك من سار على عرف قومه ووطنه وتقليد آبائه وأجداده دون أن يكون ذلك على بصيرة من دينه وربه وشريعته، فهذا يحجب عقله، فيقال له: ما حجتك؟ يقول: قومي يفعلون هذا، وأنا سأفعل مثل فعلهم، وإذا كان قومي سيدخلون النار فسأدخل معهم، انتهى الأمر، فعل الآباء، فعل القوم.

وهذه هي حجة فرعونية، وهي حجة قرشية عربية، كانوا يعارضون بها دعوات الله الربانية.

الحجة الفرعونية في رد الحق

انظر إلى فرعون العاتي اللعين عندما قال لنبي الله موسى وهارون على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه، في سورة طه: قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:49-50] ، حجة قوية بينة، ربنا الخالق، وجعل لكل مخلوق ما يناسبه وهداه إلى التصرف حسبما يلائمه: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50] ، أي: هداه ليتصرف حسبما ركز في طبعه وغريزته، فلو وضعت أمام الحمار والكلب حشيشة وعظاماً، الكلب يأكل العظام والحمار يأكل الحشيش، رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50].

ولو أطعمت الذباب ما أطعمته لا يخرج منه إلا قذر، هداه الله أن يخرج هذا، والنحل بحجمها تأكل من كل الثمرات ثم يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه، لمَ هذا؟ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50] ، كل مخلوق فطره ربه ليتصرف حسبما ركز فيه سبحانه وتعالى، إذاً: هذه حجة قوية.

قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى [طه:51] هذه هي الحجة الفرعونية، وهذه هي العصا التي يعارض بها الطغاة الهداة في جميع الأوقات، يقول له: إذا كان الأمر كذلك فما بال القرون الأولى كانت على الشرك، أنت تدعو الآن إلى التوحيد الخالص، فما بال القرون الأولى كانت مشركة وتعبد مع الله أنداداً: قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى [طه:51]، يعني هل الأمم السابقة التي مضت مثل عاد وثمود وقوم نوح وغيرهم ممن كانوا يعبدون الأصنام، ويجعلون أنداداً للرحمن، يعني: هل هؤلاء على ضلال وأنت وأخوك على هدى؟ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى [طه:51]، أي: هذا الإله الذي تدعو إليه لا صحة له.

قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي [طه:52]، أي حسابها عند الله، فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى [طه:52] ، وهذا أحد القولين في تفسير الآية، وهو أقوى القولين لإثبات الحجة الفرعونية التي يدعو إليها كثير من غواة البشرية في هذه الأيام، اتباع الآباء وعادات الأقوام، لا تخرج عن عرف وطنك، هذا وطنك مقدس! أما دينك فليدنس.

التفسير الثاني: أن فرعون اللعين العاتي، عندما علم قوة حجة نبي الله موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، أراد أن يشاغب، وأن يحدث اللغط والصخب والتشويش حول هذه الحجة، وأن ينقل الناس إلى حديث آخر لئلا يعتبروا هذه الحجة القوية التي يقررها موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، فيقول: فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى [طه:51] ، يعني: قُصَّ لنا أخبار المتقدمين وحدثنا عنهم، وكأنه يقول: الآن اتركنا من الحديث عن قضية الإله، وأنه هو الله الذي خلقك وخلق كل شيء وينبغي أن نعبده، اتركنا من هذا، حدثنا عن الأمم السابقة ليضيع المطلوب، فأجابه نبي الله باختصار: عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى [طه:52]، أي: وهذا الإله هو الذي ستؤول إليه أنت وغيرك، وسيحاسبكم على النقير والقطمير فاعبدوه وحده لا شريك له: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50] .

الحجة الفرعونية ما هي؟ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى [طه:51].

الحجة القرشية في رد الحق

وما هي الحجة القرشية؟

قريش اتبعوا أيضاً حجة غوية أشار إليها ربنا في أول سورة ص: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ * كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ * وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:1-5]، لمَ عجاب؟ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ [ص:7]، أي: ما أدركنا على هذا آباءنا ولا أجدادنا، آباؤنا وأجدادنا كانوا يعبدون هبل واللات والعزى ويتمسحون بالأصنام.

والملة الآخرة أيضاً يمكن أن تمدها، فالنصارى يقولون بالتثليث وأن الله ثلاثة، واليهود يقولون العزير ابن الله، فما بال محمد -عليه الصلاة والسلام- يدعو إلى التوحيد الخالص، وأن الله واحد لا شريك له؟!

إذاً: ما هي حجتهم التي يلوحون بها، والعصا التي يهوشون بها، ويردون بها حجج الرسل الواضحة البينة النقية؟

الجواب: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ص:7]، فالذي يقلد تقليداً أعمى، هل يمكن لعقله أن يقوم بوظيفته؟ حُجب العقل مباشرة، متى ما قلد حُجب العقل، تبعت الهوى فحجب العقل، سكرت أو حششت بأي حشيش أو أفيون، أو ما شاع الآن من عقاقير ملعونة يأخذها الناس كالكوكايين، وبعضها تطرح الإنسان ثلاثة أيام متتالية، وقد فشت بين الأمة وانتشرت بين الناس، وأمريكا مع عتوها وبغيها وجبروتها وضلالها لا زالت للآن تمنع المخدرات، لكنها تبيح المسكرات، والدول العربية لها تبع، فتبيح المسكرات وتمنع المخدرات -انتبهوا- لا طاعة لرب الأرض والسموات، إنما طاعة للشيطان، وعما قريب ستتخذ أمريكا قراراً بإباحة المخدرات بأنواعها، وسيتبعها العالم بأسره، تحت ستار الحرية الشخصية، وستجدون هذا.

الرد على من يبيح المسكرات ويحرم المخدرات

أصدرت أمريكا في الستينات الميلادية قراراً بحظر الخمر ومنعها، وعاقبت من يفعل ذلك، وما استمرت على هذا القرار إلا بضعة أشهر، ثم انتكست، وقالت: الخمر حلال مشروبات روحية!! علام تباح الخمور وتُمنع المخدرات؟! وأنا أعجب لمن يسيرون وراء العمالة من حيث لا يشعرون، فيضخمون من أمر المخدرات ويبطلون المسكرات، والمسكرات قد ورد في تحريمها نص قطعي في كتاب الله جل وعلا، ومستحلها لا شك في كفره، وعلامَ تُمنح التراخيص بحل الخمر بيعاً وشراء وتصنيعاً وشرباً وتقديما في الحفلات!!

فينبغي أن نسوي بين المتماثلين، إما أن نطيع الرحمن وإما نطيع الشيطان، وأما أن تكون تارة مع الله وتارة مع الشيطان، فهذا هو التناقض البشرى في هذا العصر، مخدرات ممنوعة، ويستدلون بعد ذلك بالآيات التي تحرم ما يزيل العقل، وخذ منهم بعد ذلك فقهاً وتفسيراً واستنباطاً واستنتاجاً، المسكرات مباحة لا حرج فيها، لمَ هذا؟ إما أن نحرم الصنفين وأما أن نبيح الصنفين.

ولذلك حقيقة بعض الدول الآن كأستراليا تبيح المخدرات كما تبيح المسكرات، هذا هو النظام المتناسق مع بعضه، يعني: ظلمات بعضها فوق بعض، غائط وبول جمعنا بينهما حقيقة، لكن أن نقول عن الغائط نجس، وعن البول طاهر لا يجوز هذا، أو نقول: تضمخوا بالبول فهذا طاهر، وابتعدوا عن العذرة فهذه نجسة!! هذا لا يجوز، البول نجس ومحرم، والمخدر نجس ومحرم، فعلامَ الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه، أريد أن أعلم لمَ؟ هذا هو التناقض البشري في هذه الأيام.

لكن عما قريب سيُتخذ قرار بحل المخدرات وسيتبعها العالم بأسره، وذلك تحت ستار الحرية الشخصية.

إذا كان المخدر ضاراً فالمسكر أضر من المخدر بكثير، إن ضرر من يشرب الخمر على الأمة أكثر من ضرر من يشرب المخدر على الأمة، نعم، ضرر شارب المخدر على نفسه أضر من شرب الخمر على نفسه، إذا شرب الخمر يضر الأمة أكثر، ونفسه تتضرر ضرراً أقل من الضرر العام، والمخدر على العكس، نفسه تضرر أكثر فيصاب بجبن ونذالة وخسة ودياثة، لكن الأمة منه في مأمن، فلا يعتدي على أحد، وإذا شرب الخمر يصول ويجول ويسفك الدم، ويقتل أباه وأمه، ويقع على أخته وابنته، فضرره على الناس عندما يسكر أكثر من ضرره على نفسه، وضرره على نفسه عندما يتعاطى المخدر أكثر من ضرره على الناس، وكل منهما ضار مضر، وكل منهما محرم في شريعة الله، فعلامَ الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه؟

لابد -إخوتي الكرام- من وعي هذه القضية في هذه الأيام، ولذلك إذا دُعي أحدكم للكلام في مخدر فليقل: نجمع بينهما، نتكلم على المسكرات، ونتكلم على فساد عقول البشرية في هذه الأوقات، كيف استحلوه وأباحوه، ثم بعد ذلك نقول: إن الإسلام صان العقول، فكما حرم المسكر حرم المخدر، ودين الله متفق مع بعضه منتظم، لا يعارض بعضه بعضاً، ثم نكر على الأنظمة الوضعية الردية كيف حرمت المخدرات وأباحت المسكرات.

لابد -إخوتي الكرام- من وعي هذه القضية، وحذار حذار أن نُستدرج في أمر من الأمور لنتكلم فيه من وجهة شرعية لنخدم راية الجاهلية، نحن ننشر دين الله على أنه كلٌّ لا يتجزأ، وأما من يريد كلاماً في جزئية معينة، فنتكلم عليها وعلى ما يقابلها ونبين فاسد موقفه نحوها، وهذا هو صراط الله المستقيم.

إذاً إخوتي الكرام! العقل يزال بمسكر حسي، ويزال بمخدر حسي، ويزال أيضاً بهوى معنوي، ويزال بتقليد أعمى معنوي، وهذا -كما قلنا- هو حجة فرعون وحجة قريش مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ص:7]، قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى [طه:51] .

فلابد -إخوتي الكرام- من تنزه الإنسان عن هذين المسكرين الحسي والمعنوي؛ ليقوم العقل بعد ذلك بوظيفته، وليصبح عقلاً زكياً بصيراً مهتدياً واعياً.