شرح سنن أبي داود [241]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (لا تنكح الثيب حتى تستأمر ولا البكر إلا بإذنها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الاستئمار.

حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان حدثنا يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا البكر إلا بإذنها. قالوا: يا رسول الله! وما إذنها؟ قال: أن تسكت) ].

يقول الإمام أبو داود رحمه الله: [باب في الاستئمار].

والاستئمار هو طلب الأمر من المرأة حين يعرض عليها الأزواج بأن توافق أو ترفض.

والاستئمار غالباً يأتي مع الثيبات؛ لأنهن اللاتي لابد لهن من أن ينطقن وأن يتكلمن بما يردنه من الرغبة فيمن يعرض عليهن أو الرفض، وأما الأبكار فقد جاء كثيراً التعبير في حقهن بالاستئذان، وجاء في بعض الأحاديث الاستئمار، لكن لا يلزم في حق البكر أنها تنطق كما هو مطلوب من الثيب، وإنما يكفي أن تصمت وأن تسكت؛ لأن الأبكار يغلب عليهن الحياء؛ لأن هذا شيء جديد عليهن، بخلاف الثيبات، فقد سبق لهن أن عاشرن الأزواج واتصلن بالأزواج فصارت الثيب يعبر عن طلب رأيها بالاستئمار، وأنه لابد من نطقها بما تريد، وأما الأبكار فيعبر في حقهن بالاستئذان، ويعبر بالاستئمار، لكنه لا يلزمها ما يلزم الثيب من النطق، بل إن نطقت فقد تبين مرادها بنطقها، وإن لم تنطق ولكنها سكتت لما يغلب عليها من الحياء فإن ذلك يكون كافياً، كما جاء بيان ذلك في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد أورد الإمام أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا البكر إلا بإذنها. قالوا: يا رسول الله! وما أذنها؟ قال: أن تسكت)، فهذا الحديث فيه الحكم المتعلق بالثيبات والحكم المتعلق بالأبكار، وفيه التفريق بين الثيبات والأبكار؛ لأن الثيبات مطلوب نطقهن وإفصاحهن بما يردن من الرغبة أو الامتناع، وأما الأبكار فإن حصل منهن النطق فقد اتضح مرادهن بنطقهن، وإن لم يحصل منهن وسكتن فسكوتهن يعتبر دليلاً على رضاهن.

وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن إذنها أن تصمت، وأنه لا يلزم أن تنطق كما يلزم في حق الثيب، وعلى هذا فالحديث واضح في التفريق بين الثيبات والأبكار؛ لأن الثيبات لابد لهن من النطق، ولهذا يأتي التعبير بالاستئمار أو بالأمر بأنها تستأمر، وأما الأبكار فإنه يأتي التعبير في حقهن بالإذن والتعبير بالاستئمار أو بالأمر، ولكن نطقهن ليس بلازم، بل يكفي السكوت والصمت، فهو دليل على موافقتها وعدم امتناعها، وأما إن رفضت وتكلمت وقالت: إنها لا تريد فإنها لا تجبر ولا تلزم.

تراجم رجال إسناد حديث (لا تنكح الثيب حتى تستأمر ولا البكر إلا بإذنها)

قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم ].

هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا أبان ].

هو أبان بن يزيد العطار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن يحيى ].

هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي سلمة ].

هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو مدني ثقة، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي هريرة ]

هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث (تستأمر اليتيمة في نفسها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد -يعني ابن زريع -.

ح: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد -المعنى- حدثني محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها) والإخبار في حديث يزيد ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (تستأمر اليتيمة في نفسها)]، والمقصود باليتيمة التي مات أبوها ووليها غيره، فإنه يستأمرها، يعني: يطلب منها أن تخبر بالرغبة فيمن يعرض عليها من الأزواج أو الرفض، والمقصود باليتيمة باعتبار ما كان؛ لأنها لا تستأذن وهي في حال يتمها، ولكنه باعتبار ما كان لها من اليتم، وإنما يكون ذلك بعد البلوغ، فبعد بلوغها تستأمر وتستأذن، ولا يلزم أن تنطق، بل يكفي أن تصمت، وعبر عنها باليتم باعتبار ما كان، وهو ما قبل البلوغ؛ لأن هذا الوصف كان معها، فعوملت بعد بلوغها معاملة ما كان قبل البلوغ من إطلاق اليتم عليها.

وهذا نظير قول الله عز وجل: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ [النساء:2]، ومعلوم أن اليتيم لا يعطى ماله إلا بعد أن يبلغ ويرشد، ولهذا يقول الله عز وجل: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، ومعناه أنه بعد البلوغ، ولكنه أطلق اليتم باعتبار ما كان لا باعتبار الحال، أي أنه كان يتيماً فيما مضى فاستعمل معه هذا الوصف بعد البلوغ.

قوله: [ (تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها) ].

هذا يدل على أن سكوت الأبكار إذن منهن، وأنه لا يلزم النطق، وهذا فيه -كما أشرت- أن الاستئمار يطلق أيضاً في حق من لا يلزمه النطق.

قوله: [ (وإن أبت فلا جواز عليها) ].

يعني: لا تجبر على الزواج، فما دام أنها رفضت وأنها لم توافق وامتنعت عن الزواج بمن عرض عليها فإنه لا جواز عليها، فلا يجوز أن تجبر على تزويجها.

تراجم رجال إسناد حديث (تستأمر اليتيمة في نفسها)

قوله: [حدثنا أبو كامل ].

هو فضيل بن حسين ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ عن يزيد -يعني ابن زريع - ].

يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ح: وحدثنا موسى بن إسماعيل ].

قوله: [ ح ] هي للتحول من إسناد إلى إسناد.

و موسى بن إسماعيل هو التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا حماد ].

هو حماد بن بن سلمة بن دينار البصري ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

و حماد هنا مهمل غير منسوب، والشخص إذا ذكر باسمه دون اسم أبيه يقال له: (مهمل) أو ذكر باسمه واسم أبيه ولكنه لم يؤت بما يزيد توضيحه فإنه -كذلك- يقال له: (مهمل)، أي أنه أهمل من أن يتميز عن غيره ممن يشابهه ويماثله.

و موسى بن إسماعيل إذا جاء يروي عن حماد وهو غير منسوب فالمراد به حماد بن سلمة وليس حماد بن زيد .

والمزي في تحفة الأشراف لما ذكر ترجمة حماد بن سلمة بعد ترجمة حماد بن زيد وهما متجاورتان في تهذيب الكمال ذكر فصلاً في تمييز هذا من هذا، وذلك بمعرفة الرواة الذين يروون عنه، فإذا روى فلان وفلان عن فلان فهو حماد بن زيد ، وإذا روى فلان وفلان وفلان عن حماد غير منسوب فهو حماد بن سلمة .

قوله: [المعنى ].

أي: المعنى واحد. يعني: الطريق التي فيها أبو كامل عن يزيد بن زريع والطريق الثانية التي فيها موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة المعنى فيهما واحد، فهاتان طريقان متفقتان في المعنى مع الاختلاف في الألفاظ.

[حدثني محمد بن عمرو ].

هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة ].

وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.

شرح قوله (والإخبار في حديث يزيد)

قوله: [والإخبار في حديث يزيد ].

يعني أن لفظ الإخبار -وهو قوله: حدثني محمد بن عمرو - جاء في الطريق الأولى طريق يزيد بن زريع الذي هو شيخ شيخ أبي داود في الإسناد الأول.

والطريق الثانية التي لم يسق لفظها هي بالعنعنة، والعنعنة -كما هو معلوم- لا تؤثر في رواية الأشخاص الذين لا يعرفون بالتدليس.

ولكن هذا من دقة المحدثين وعنايتهم ببيان كون راو قال: (حدثني) أو (أخبرني) وآخر قال: (عن)، والمقصود من ذلك بيان الواقع والحقيقة. ولهذا نجد في بعض الأحاديث أنه إذا كان الفرق بين الراويين بأن قال أحدهما: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) والثاني قال: (قال النبي صلى الله عليه وسلم) فإنهم يميزون بين هذا وهذا، وهذا كله من العناية بالضبط والتحديث بما سمعوه، وأنهم يتقيدون بالألفاظ حتى في التفريق بين كون هذا عبر بالرسول وهذا عبر بالنبي، مع أن التعبير بالنبي والتعبير بالرسول واحد، فيستوي قوله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا)، وقوله: (قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا)، ولا فرق، لكن هذا من العناية والدقة منهم رحمة الله عليهم.

شرح حديث استئمار اليتيمة من طريق ثانية وتراجم رجاله

[ قال أبو داود : وكذلك رواه أبو خالد سليمان بن حيان ومعاذ بن معاذ عن محمد بن عمرو ].

أبو خالد سليمان بن حيان هو أبو خالد الأحمر ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ومعاذ بن معاذ ].

هو معاذ بن معاذ العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد بن عمرو ].

مر ذكره .

شرح حديث استئمار اليتيمة من طريق ثالثة وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن إدريس عن محمد بن عمرو بهذا الحديث بإسناده، زاد فيه قال: (فإن بكت أو سكتت)، زاد (بكت).

قال أبو داود : وليس (بكت) بمحفوظ، وهو وهم في الحديث، والوهم من ابن إدريس أو من محمد بن العلاء ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه ذكر البكاء، حيث قال: [ (فإن بكت) ]، وهذا لم يرد في الروايات الأخرى، ولهذا قال أبو داود : إنه غير محفوظ. والمحفوظ ذكر الصمت والسكوت، وأما البكاء فلم يأت إلا في هذه الرواية، وقال: إنه وهم. وقال: إن الوهم من محمد بن العلاء أو من شيخه عبد الله بن إدريس .

قوله: [حدثنا محمد بن العلاء ].

هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن إدريس ].

هو عبد الله بن إدريس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد بن عمرو بهذا الحديث بإسناده ].

محمد بن عمرو مر ذكره.

شرح حديث (سكاتها إقرارها)

[ قال أبو داود : ورواه أبو عمرو ذكوان عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله! إن البكر تستحيي أن تتكلم! قال: (سكاتها إقرارها) ].

هذا موافق لما تقدم من أن البكر إذنها صماتها كما سبق أن مر في الحديث الأول، حيث قالوا: وما إذنها؟ قال: (أن تسكت)، وأنه لا يلزم نطقها.

تراجم رجال إسناد حديث (سكاتها إقرارها)

قوله: [ورواه أبو عمرو ذكوان ].

أبو عمرو ذكوان هو مولى عائشة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ عن عائشة ].

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وإسناد هذا الحديث معلق.

شرح حديث (آمروا النساء في بناتهن)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن إسماعيل بن أمية حدثني الثقة عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (آمروا النساء في بناتهن) ].

أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آمروا النساء في بناتهن)].

أي: أمهات البنات اللاتي يراد تزويجهن يرجع إلى أمهاتهن ويؤخذ رأيهن في المتقدمين للخطبة وهل يوافقن أو لا يوافقن.

هذا هو المقصود من الحديث، والحديث غير ثابت؛ لأن فيه هذا المبهم الذي قال عنه إسماعيل بن أمية : [حدثني الثقة].

وما ذكر في الحديث من أخذ رأي الأمهات هو من حسن العشرة ومن تطييب النفس، فهذا لا بأس به، لكن ليس بلازم مثل لزومه في حق البنات حيث يستأمرن ويستأذنَّ ويطلب منهن الموافقة.

فلا يلزم أن توافق الأمهات، ولكن كونهن يستشرن وكونهن يذكر لهن ذلك ويؤخذ رأيهن لا بأس به، فإن وافقت الأم فذاك، وإن كانت المصلحة في التزويج فإنه لا يلزم لو امتنعت أن يحصل الامتناع عن التزويج بسبب امتناعها، لكنه من تطييب الخاطر والمعاملة الطيبة فهذا أمر مطلوب، ولكن لا يكون متعيناً ولازماً بحيث لو رفضت لا يكون زواج ولا يَتِمُّ، وأن الأمر معها كالأمر مع البنت في أنها تستأمر.

والحديث -كما عرفنا- فيه مبهم، والرواية ولو كانت بلفظ التوثيق في المبهم فإنها لا تعتبر؛ لأنه قد يكون ثقة عنده مجروحاً عند غيره، ولو ذكره وبينه فإنه قد يعرف أنه غير ثقة، فالتوثيق مع الإبهام غير معتبر، والسر في ذلك أنه قد يكون ثقة عنده ومجروحاً عند غيره.

تراجم رجال إسناد حديث (آمروا النساء في بناتهن)

قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي ، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي ، وأخرج له النسائي في (عمل اليوم والليلة).

[حدثنا معاوية بن هشام ].

معاوية بن هشام صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن سفيان ].

هو الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إسماعيل بن أمية ].

إسماعيل بن أمية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثني الثقة عن ابن عمر ].

ابن عمر هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وهو -أيضاً- أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الاستئمار.

حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان حدثنا يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا البكر إلا بإذنها. قالوا: يا رسول الله! وما إذنها؟ قال: أن تسكت) ].

يقول الإمام أبو داود رحمه الله: [باب في الاستئمار].

والاستئمار هو طلب الأمر من المرأة حين يعرض عليها الأزواج بأن توافق أو ترفض.

والاستئمار غالباً يأتي مع الثيبات؛ لأنهن اللاتي لابد لهن من أن ينطقن وأن يتكلمن بما يردنه من الرغبة فيمن يعرض عليهن أو الرفض، وأما الأبكار فقد جاء كثيراً التعبير في حقهن بالاستئذان، وجاء في بعض الأحاديث الاستئمار، لكن لا يلزم في حق البكر أنها تنطق كما هو مطلوب من الثيب، وإنما يكفي أن تصمت وأن تسكت؛ لأن الأبكار يغلب عليهن الحياء؛ لأن هذا شيء جديد عليهن، بخلاف الثيبات، فقد سبق لهن أن عاشرن الأزواج واتصلن بالأزواج فصارت الثيب يعبر عن طلب رأيها بالاستئمار، وأنه لابد من نطقها بما تريد، وأما الأبكار فيعبر في حقهن بالاستئذان، ويعبر بالاستئمار، لكنه لا يلزمها ما يلزم الثيب من النطق، بل إن نطقت فقد تبين مرادها بنطقها، وإن لم تنطق ولكنها سكتت لما يغلب عليها من الحياء فإن ذلك يكون كافياً، كما جاء بيان ذلك في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد أورد الإمام أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا البكر إلا بإذنها. قالوا: يا رسول الله! وما أذنها؟ قال: أن تسكت)، فهذا الحديث فيه الحكم المتعلق بالثيبات والحكم المتعلق بالأبكار، وفيه التفريق بين الثيبات والأبكار؛ لأن الثيبات مطلوب نطقهن وإفصاحهن بما يردن من الرغبة أو الامتناع، وأما الأبكار فإن حصل منهن النطق فقد اتضح مرادهن بنطقهن، وإن لم يحصل منهن وسكتن فسكوتهن يعتبر دليلاً على رضاهن.

وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن إذنها أن تصمت، وأنه لا يلزم أن تنطق كما يلزم في حق الثيب، وعلى هذا فالحديث واضح في التفريق بين الثيبات والأبكار؛ لأن الثيبات لابد لهن من النطق، ولهذا يأتي التعبير بالاستئمار أو بالأمر بأنها تستأمر، وأما الأبكار فإنه يأتي التعبير في حقهن بالإذن والتعبير بالاستئمار أو بالأمر، ولكن نطقهن ليس بلازم، بل يكفي السكوت والصمت، فهو دليل على موافقتها وعدم امتناعها، وأما إن رفضت وتكلمت وقالت: إنها لا تريد فإنها لا تجبر ولا تلزم.

قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم ].

هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا أبان ].

هو أبان بن يزيد العطار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن يحيى ].

هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي سلمة ].

هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو مدني ثقة، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي هريرة ]

هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد -يعني ابن زريع -.

ح: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد -المعنى- حدثني محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها) والإخبار في حديث يزيد ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (تستأمر اليتيمة في نفسها)]، والمقصود باليتيمة التي مات أبوها ووليها غيره، فإنه يستأمرها، يعني: يطلب منها أن تخبر بالرغبة فيمن يعرض عليها من الأزواج أو الرفض، والمقصود باليتيمة باعتبار ما كان؛ لأنها لا تستأذن وهي في حال يتمها، ولكنه باعتبار ما كان لها من اليتم، وإنما يكون ذلك بعد البلوغ، فبعد بلوغها تستأمر وتستأذن، ولا يلزم أن تنطق، بل يكفي أن تصمت، وعبر عنها باليتم باعتبار ما كان، وهو ما قبل البلوغ؛ لأن هذا الوصف كان معها، فعوملت بعد بلوغها معاملة ما كان قبل البلوغ من إطلاق اليتم عليها.

وهذا نظير قول الله عز وجل: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ [النساء:2]، ومعلوم أن اليتيم لا يعطى ماله إلا بعد أن يبلغ ويرشد، ولهذا يقول الله عز وجل: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، ومعناه أنه بعد البلوغ، ولكنه أطلق اليتم باعتبار ما كان لا باعتبار الحال، أي أنه كان يتيماً فيما مضى فاستعمل معه هذا الوصف بعد البلوغ.

قوله: [ (تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها) ].

هذا يدل على أن سكوت الأبكار إذن منهن، وأنه لا يلزم النطق، وهذا فيه -كما أشرت- أن الاستئمار يطلق أيضاً في حق من لا يلزمه النطق.

قوله: [ (وإن أبت فلا جواز عليها) ].

يعني: لا تجبر على الزواج، فما دام أنها رفضت وأنها لم توافق وامتنعت عن الزواج بمن عرض عليها فإنه لا جواز عليها، فلا يجوز أن تجبر على تزويجها.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2893 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2845 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2839 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2733 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2704 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2695 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2690 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2681 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2656 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2652 استماع