شرح سنن أبي داود [120]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه)

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ باب الرجل يعتمد في الصلاة عصا.

حدثنا عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي حدثنا أبي عن شيبان عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف قال: قدمت الرقة، فقال لي بعض أصحابي: هل لك في رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلت: غنيمة، فدفعنا إلى وابصة قلت لصاحبي: نبدأ فننظر إلى دله فإذا عليه قلنسوة لاطئة ذات أذنين وبرنس خز أغبر، وإذا هو معتمد على عصا في صلاته، فقلنا له بعد أن سلمنا، فقال: حدثتني أم قيس بنت محصن (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم، اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه) ].

كلمة عن موت الشيخ الألباني رحمه الله تعالى

رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن يقبض العلم بموت العلماء) .

هذا الحديث الشريف يدلنا على أهمية العلم، وعلى عظم شأن العلماء، وأن فقدهم وذهابهم إنما هو قبض للعلم، وأن الله عز وجل لا يقبض العلم من قلوب الرجال بحيث يكون الإنسان عنده علم ثم يصبح وليس عنده علم، وإنما يقبض العلم بموت العلماء، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر).

هذا هو شأن العلماء وهذه هي منزلتهم، حيث وصفهم النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنهم وُرّاث الأنبياء، ونعم الميراث ذلك الميراث، ألا وهو العلم الشرعي النافع المستمد من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو العلم الحقيقي الذي هو علم الكتاب والسنة.

وإن قبض العلماء -كما جاء في كلام بعض أهل العلم- ثلمة في الدين، ونقص للمسلمين، وإن مما حصل في الليلة الماضية أنه قد توفي العالم الكبير والمحدث الشهير العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله وغفر له، وهو في الحقيقة عالم كبير، ومحدث مشهور، وله جهود عظيمة في خدمة السنة، وفي العناية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيان مصادر تلك الأحاديث، والكتب التي ذكرتها، وبيان درجتها من الصحة والضعف، ومن ذلك هذا الكتاب الذي نشرحه وهو سنن أبي داود ، فإن له فيه وفي غيره جهوداً، حيث اعتنى بذكر ما صح وما ضعف، فجهوده عظيمة، وخدمته للسنة مشهورة، ولا يستغني طلبة العلم عن الرجوع إلى كتبه وإلى مؤلفاته، فإن فيها الخير الكثير وفيها العلم الغزير، وإن ذهاب مثل هذا العالم نقص على المسلمين ومصيبة، ونسأل الله عز وجل أن يعوض المسلمين خيراً، وأن يوفق المسلمين لما فيه الخير، وأن يوفق طلبة العلم للعناية بتحصيله وطبله ومعرفته، إنه سبحانه وتعالى جواد كريم.

وهو رحمة الله عليه وإن كان له بعض الآراء التي نعتبره قد أخطأ فيها، ولكنها مغمورة في بحور صوابه، وفيما حصل على يديه من الخير والنفع للمسلمين من خدمة سنة المصطفى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذه الأمور التي حصلت منه -والتي نعتبرها أخطاء- هو مجتهد فيها، وهو مأجور على اجتهاده، ولكن ذلك لا يجعل الإنسان يتساهل أو يتهاون في علمه الكثير الغزير، وفي نفعه العظيم العميم، فإنه بحق من العلماء الأفذاذ الذين اشتهروا في هذا العصر، والذين لهم جهود في خدمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي بداية النصف الأول من هذا العام -الذي هو عام عشرين بعد الأربعمائة والألف- فقد المسلمون فيه عالماً كبيراً من العلماء الربانيين، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً، وهو سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، وتوفي في آخر النصف الأول أيضاً من هذا العام العالم الكبير والمحدث المشهور: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله عز وجل، وقد توفي بينهما الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله الذي كان يدرس على هذا الكرسي، فهؤلاء علماء قد فقدناهم في النصف الأول من هذا العام، فنسأل الله عز وجل أن يغفر للجميع وأن يتجاوز عنهم، وأن يرفع درجاتهم، فإن هذين العالمين -فيما نحسب- من العلماء الكبار الجهابذة المحققين الذين عندهم العناية الفائقة بالعلم، وعندهم الهمة العالية، وقد حصل على أيديهم الخير الكثير، والنفع العظيم للإسلام والمسلمين، فجزاهم الله عز وجل أحسن الجزاء، وغفر لهم وتجاوز عن سيئاتهم، وختم لنا جميعاً بخاتمة السعادة، إنه سبحانه وتعالى جواد كريم.

قوله: [باب الرجل يعتمد في الصلاة على العصا].

يعني: هل له ذلك أو ليس له ذلك؟

فالمصلي إذا كان محتاجاً إلى أن يستعمل العصا وأن يعتمد عليها في قيامه فله ذلك، وقد جاء عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أنهم كانوا يفعلون ذلك، وجاء في ذلك هذا الحديث الذي أورده أبو داود في هذا الباب، ولكنه حديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وممن ضعفه العالم المحدث الذي توفي في الليلة الماضية: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله .

ومقتضاه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، لكن هذا لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق؛ لأن فيه من هو ضعيف، ولا يعول على حديثه ولا يحتج به.

ولكن قد جاء عن بعض الصحابة أنهم كانوا يفعلون ذلك في صلاة التراويح، ومن المعلوم أن القيام في الصلاة من أركان الصلاة وإذا كان الإنسان يقدر على أن يقوم، ولكنه إذا كان يحتاج إلى أن يعتمد على عصا فله ذلك، وقد جاء ذلك عن بعض الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وكان سبب الحديث أن أحد رواته جاء إلى مكان يقال له: الرقة، -وهي بلد معروف- فقيل له: هل لك في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يعني: هل لك رغبة في أن تلتقي برجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهذا يدلنا على أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم لما كانوا موجودين في زمن التابعين، كان التابعون يعتبرون الالتقاء بهم من أجل المكاسب ومن أعظم الغنائم، وكانوا يحرصون على أن يلقوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابة هم الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم، فالذي يلقاهم ينظر إلى العيون التي نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن عيون الصحابة رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان التابعون هم الذين يرون الصحابة، وقرن التابعين يلي قرن الصحابة في الفضل.

فهذا التابعي لما قيل له: [ هل لك في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ] كان جوابه عظيماً: [ قلت: نعم، غنيمة ] يعني: رؤيته ولقيه غنيمة.

وهذا يدلنا على عظم منزلة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولهذا فرح هذا الرجل بذلك، وسُر به؛ لأنه عرض عليه أن يحصل على غنيمة كبيرة وعلى نعمة عظيمة، ألا وهي رؤية رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: [ فذهبنا إلى وابصة ] وهو وابصة بن معبد رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا وهم ذاهبون إليه: [ ننظر أولاً إلى دله ] يعني: هيئته ولباسه والكيفية التي يكون عليها، قال: [ فذهبنا إليه ] وهذا يدلنا على أن التابعين يحرصون على أن يعرفوا هيئة الصحابة، وعلى دل الصحابة، وهيئة اللبس التي يكون عليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

قال: [ فوجدنا عليه قلنسوة لاطئة ] يعني: ملتصقة برأسه [ لها أذانان، وعليه برنس خز، لونه أغبر ] والخز هو لباس من الصوف، والبرنس هو الذي يكون رأسه مرتبط به، فما يغطى به الرأس يكون ملتصقاً بالقميص من الخلف، بحيث ينزع عن الرأس ويعاد على الرأس، ولون ذلك البرنس أغبر كلون التراب.

فجاءوا إليه ووجدوه يصلي، فلما سلموا قالوا له في ذلك فروي عن أم قيس بنت محصن الأسدية الحديث الذي ذكره أبو داود ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم، اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولكن الحديث كما عرفنا غير صحيح، وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقيام هو ركن من أركان الصلاة، ولا يجوز للإنسان أن يصلي جالساً مع قدرته على القيام، وإذا كان يقدر وليس عليه مشقة في أن يقوم -ولو كان معتمداًعلى عصا- فإن هذا هو الذي ينبغي له، وبعض أهل العلم يقول: يصلي جالساً، ولكن الأولى والأحوط في الدين أن يقوم الإنسان ما دام قادراً على القيام، حتى ولو كان معتمداً على عصا؛ لأن في ذلك أخذاً بالأحوط، واطمئناناً إلى كون الإنسان يؤدي ما عليه بارتياح وطمأنينة.

تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله لما أسن وحمل اللحم اتخذ عموداً ..)

قوله: [ حدثنا عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي ].

وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم في المقدمة وأبو داود .

[ عن أبيه ].

هو عبد الرحمن بن صخر الوابصي، وهو مجهول، أخرج له أبو داود وحده.

[ عن شيبان ].

هو ابن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حصين بن عبد الرحمن ].

هو حصين بن عبد الرحمن السلمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هلال بن يساف ].

وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن وابصة ].

هو وابصة بن معبد رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن أم قيس بنت محصن الأسدية ].

وهي أخت عكاشة بن محصن الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، حيث جاء في آخره أن عكاشة بن محصن قال: (يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة).

وأم قيس صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ باب الرجل يعتمد في الصلاة عصا.

حدثنا عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي حدثنا أبي عن شيبان عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف قال: قدمت الرقة، فقال لي بعض أصحابي: هل لك في رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلت: غنيمة، فدفعنا إلى وابصة قلت لصاحبي: نبدأ فننظر إلى دله فإذا عليه قلنسوة لاطئة ذات أذنين وبرنس خز أغبر، وإذا هو معتمد على عصا في صلاته، فقلنا له بعد أن سلمنا، فقال: حدثتني أم قيس بنت محصن (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم، اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه) ].

رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن يقبض العلم بموت العلماء) .

هذا الحديث الشريف يدلنا على أهمية العلم، وعلى عظم شأن العلماء، وأن فقدهم وذهابهم إنما هو قبض للعلم، وأن الله عز وجل لا يقبض العلم من قلوب الرجال بحيث يكون الإنسان عنده علم ثم يصبح وليس عنده علم، وإنما يقبض العلم بموت العلماء، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر).

هذا هو شأن العلماء وهذه هي منزلتهم، حيث وصفهم النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنهم وُرّاث الأنبياء، ونعم الميراث ذلك الميراث، ألا وهو العلم الشرعي النافع المستمد من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو العلم الحقيقي الذي هو علم الكتاب والسنة.

وإن قبض العلماء -كما جاء في كلام بعض أهل العلم- ثلمة في الدين، ونقص للمسلمين، وإن مما حصل في الليلة الماضية أنه قد توفي العالم الكبير والمحدث الشهير العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله وغفر له، وهو في الحقيقة عالم كبير، ومحدث مشهور، وله جهود عظيمة في خدمة السنة، وفي العناية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيان مصادر تلك الأحاديث، والكتب التي ذكرتها، وبيان درجتها من الصحة والضعف، ومن ذلك هذا الكتاب الذي نشرحه وهو سنن أبي داود ، فإن له فيه وفي غيره جهوداً، حيث اعتنى بذكر ما صح وما ضعف، فجهوده عظيمة، وخدمته للسنة مشهورة، ولا يستغني طلبة العلم عن الرجوع إلى كتبه وإلى مؤلفاته، فإن فيها الخير الكثير وفيها العلم الغزير، وإن ذهاب مثل هذا العالم نقص على المسلمين ومصيبة، ونسأل الله عز وجل أن يعوض المسلمين خيراً، وأن يوفق المسلمين لما فيه الخير، وأن يوفق طلبة العلم للعناية بتحصيله وطبله ومعرفته، إنه سبحانه وتعالى جواد كريم.

وهو رحمة الله عليه وإن كان له بعض الآراء التي نعتبره قد أخطأ فيها، ولكنها مغمورة في بحور صوابه، وفيما حصل على يديه من الخير والنفع للمسلمين من خدمة سنة المصطفى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذه الأمور التي حصلت منه -والتي نعتبرها أخطاء- هو مجتهد فيها، وهو مأجور على اجتهاده، ولكن ذلك لا يجعل الإنسان يتساهل أو يتهاون في علمه الكثير الغزير، وفي نفعه العظيم العميم، فإنه بحق من العلماء الأفذاذ الذين اشتهروا في هذا العصر، والذين لهم جهود في خدمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي بداية النصف الأول من هذا العام -الذي هو عام عشرين بعد الأربعمائة والألف- فقد المسلمون فيه عالماً كبيراً من العلماء الربانيين، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً، وهو سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، وتوفي في آخر النصف الأول أيضاً من هذا العام العالم الكبير والمحدث المشهور: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله عز وجل، وقد توفي بينهما الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله الذي كان يدرس على هذا الكرسي، فهؤلاء علماء قد فقدناهم في النصف الأول من هذا العام، فنسأل الله عز وجل أن يغفر للجميع وأن يتجاوز عنهم، وأن يرفع درجاتهم، فإن هذين العالمين -فيما نحسب- من العلماء الكبار الجهابذة المحققين الذين عندهم العناية الفائقة بالعلم، وعندهم الهمة العالية، وقد حصل على أيديهم الخير الكثير، والنفع العظيم للإسلام والمسلمين، فجزاهم الله عز وجل أحسن الجزاء، وغفر لهم وتجاوز عن سيئاتهم، وختم لنا جميعاً بخاتمة السعادة، إنه سبحانه وتعالى جواد كريم.

قوله: [باب الرجل يعتمد في الصلاة على العصا].

يعني: هل له ذلك أو ليس له ذلك؟

فالمصلي إذا كان محتاجاً إلى أن يستعمل العصا وأن يعتمد عليها في قيامه فله ذلك، وقد جاء عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أنهم كانوا يفعلون ذلك، وجاء في ذلك هذا الحديث الذي أورده أبو داود في هذا الباب، ولكنه حديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وممن ضعفه العالم المحدث الذي توفي في الليلة الماضية: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله .

ومقتضاه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، لكن هذا لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق؛ لأن فيه من هو ضعيف، ولا يعول على حديثه ولا يحتج به.

ولكن قد جاء عن بعض الصحابة أنهم كانوا يفعلون ذلك في صلاة التراويح، ومن المعلوم أن القيام في الصلاة من أركان الصلاة وإذا كان الإنسان يقدر على أن يقوم، ولكنه إذا كان يحتاج إلى أن يعتمد على عصا فله ذلك، وقد جاء ذلك عن بعض الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وكان سبب الحديث أن أحد رواته جاء إلى مكان يقال له: الرقة، -وهي بلد معروف- فقيل له: هل لك في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يعني: هل لك رغبة في أن تلتقي برجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهذا يدلنا على أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم لما كانوا موجودين في زمن التابعين، كان التابعون يعتبرون الالتقاء بهم من أجل المكاسب ومن أعظم الغنائم، وكانوا يحرصون على أن يلقوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابة هم الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم، فالذي يلقاهم ينظر إلى العيون التي نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن عيون الصحابة رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان التابعون هم الذين يرون الصحابة، وقرن التابعين يلي قرن الصحابة في الفضل.

فهذا التابعي لما قيل له: [ هل لك في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ] كان جوابه عظيماً: [ قلت: نعم، غنيمة ] يعني: رؤيته ولقيه غنيمة.

وهذا يدلنا على عظم منزلة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولهذا فرح هذا الرجل بذلك، وسُر به؛ لأنه عرض عليه أن يحصل على غنيمة كبيرة وعلى نعمة عظيمة، ألا وهي رؤية رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: [ فذهبنا إلى وابصة ] وهو وابصة بن معبد رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا وهم ذاهبون إليه: [ ننظر أولاً إلى دله ] يعني: هيئته ولباسه والكيفية التي يكون عليها، قال: [ فذهبنا إليه ] وهذا يدلنا على أن التابعين يحرصون على أن يعرفوا هيئة الصحابة، وعلى دل الصحابة، وهيئة اللبس التي يكون عليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

قال: [ فوجدنا عليه قلنسوة لاطئة ] يعني: ملتصقة برأسه [ لها أذانان، وعليه برنس خز، لونه أغبر ] والخز هو لباس من الصوف، والبرنس هو الذي يكون رأسه مرتبط به، فما يغطى به الرأس يكون ملتصقاً بالقميص من الخلف، بحيث ينزع عن الرأس ويعاد على الرأس، ولون ذلك البرنس أغبر كلون التراب.

فجاءوا إليه ووجدوه يصلي، فلما سلموا قالوا له في ذلك فروي عن أم قيس بنت محصن الأسدية الحديث الذي ذكره أبو داود ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم، اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولكن الحديث كما عرفنا غير صحيح، وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقيام هو ركن من أركان الصلاة، ولا يجوز للإنسان أن يصلي جالساً مع قدرته على القيام، وإذا كان يقدر وليس عليه مشقة في أن يقوم -ولو كان معتمداًعلى عصا- فإن هذا هو الذي ينبغي له، وبعض أهل العلم يقول: يصلي جالساً، ولكن الأولى والأحوط في الدين أن يقوم الإنسان ما دام قادراً على القيام، حتى ولو كان معتمداً على عصا؛ لأن في ذلك أخذاً بالأحوط، واطمئناناً إلى كون الإنسان يؤدي ما عليه بارتياح وطمأنينة.

قوله: [ حدثنا عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي ].

وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم في المقدمة وأبو داود .

[ عن أبيه ].

هو عبد الرحمن بن صخر الوابصي، وهو مجهول، أخرج له أبو داود وحده.

[ عن شيبان ].

هو ابن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حصين بن عبد الرحمن ].

هو حصين بن عبد الرحمن السلمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هلال بن يساف ].

وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن وابصة ].

هو وابصة بن معبد رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن أم قيس بنت محصن الأسدية ].

وهي أخت عكاشة بن محصن الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، حيث جاء في آخره أن عكاشة بن محصن قال: (يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة).

وأم قيس صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث النهي عن الكلام في الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن الكلام في الصلاة.

حدثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه قال: (كان أحدنا يكلم الرجل إلى جنبه في الصلاة فنزلت: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام) ].

أورد أبو داود رحمه الله النهي عن الكلام في الصلاة، وقد سبق أن مر بنا قريباً حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه الذي شمت رجلاً وهو يصلي، وأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم نظروا إليه، فتعجب من نظرهم إليه، وأنه رآهم يسكتونه فسكت، ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته قال عليه الصلاة والسلام: (إن الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتحميد وذكر الله عز وجل)، فكانوا قبل ذلك يتكلمون في صلاتهم.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أنهم قبل أن ينزل قول الله عز وجل: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] كان الرجل يكلم الرجل إلى جنبه في الصلاة، وقد جاء في بعض الأحاديث أن الرجل يطلب حاجته ويقول: ائتني بكذا واذهب بكذا واعمل كذا، وكانوا في الصلاة، وهذا مثلما يكون في الطواف فالطواف مثل الصلاة يحتاج إلى طهارة ولكن أبيح فيه الكلام.

قوله: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، أي: ساكتين، والقنوت يأتي لمعان عديدة ومنها السكوت، والمقصود هنا أنهم يكونون ساكتين في صلاتهم لا متكلمين، وإنما يتكلمون بذكر الله عز وجل وقراءة القرآن والتسبيح وما إلى ذلك من الأمور المطلوبة، ولهذا فإن العاطس إذا عطس يحمد الله؛ لأن حمد الله ذكر لله عز وجل، ولكن المشمت لا يشمت لأن التشميت خطاب، حيث يقول: يرحمك الله، فهو يخاطب شخصاً، والذي يقول: الحمد لله، لا يخاطب أحداً، وإنما يذكر الله عز وجل، فيجوز للعاطس أن يحمد الله عز وجل ويكون ذلك سراً، ومن سمعه ليس له أن يشمته؛ لأن التشميت كلام، والكلام ممنوع في الصلاة.

وعلى هذا فإن الكلام كان سائغاً في الصلاة وبعد أن نزل قول الله عز وجل وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] قال زيد رضي الله عنه: (أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام).

وإذا كان هناك أمر فإنه يكون بالإشارة كما تقدم في باب الإشارة في الصلاة.

وعلى هذا فإن الكلام في الصلاة لا يسوغ ولا يجوز وإنما يكون فيها قراءة القرآن وذكر الله عز وجل وحمده والثناء عليه وغير ذلك مما ورد في الصلاة.

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن الكلام في الصلاة

قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ].

محمد بن عيسى هو الطباع ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة .

[ عن هشيم ].

هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إسماعيل بن أبي خالد ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحارث بن شبيل ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن أبي عمرو الشيباني ].

واسمه سعد بن إياس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زيد بن أرقم ].

زيد بن أرقم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قوله: [ أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ].

إذا قال الصحابة: (أمرنا ونهينا) فإن الآمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والناهي لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه إذا قال أمرت ونهيت فإن الآمر له هو الله سبحانه وتعالى، كما مر في الحديث (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم.).

ولكن في هذه الآية الكريمة: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] أمر من الله عز وجل لعباده المؤمنين في الوحي الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم في كتابه الذي يتلى، حيث أمروا بالقيام قانتين، أي: ساكتين غير متكلمين.

ولهذا قال الصحابي الجليل: [ فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن الكلام في الصلاة.

حدثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه قال: (كان أحدنا يكلم الرجل إلى جنبه في الصلاة فنزلت: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام) ].

أورد أبو داود رحمه الله النهي عن الكلام في الصلاة، وقد سبق أن مر بنا قريباً حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه الذي شمت رجلاً وهو يصلي، وأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم نظروا إليه، فتعجب من نظرهم إليه، وأنه رآهم يسكتونه فسكت، ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته قال عليه الصلاة والسلام: (إن الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتحميد وذكر الله عز وجل)، فكانوا قبل ذلك يتكلمون في صلاتهم.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أنهم قبل أن ينزل قول الله عز وجل: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] كان الرجل يكلم الرجل إلى جنبه في الصلاة، وقد جاء في بعض الأحاديث أن الرجل يطلب حاجته ويقول: ائتني بكذا واذهب بكذا واعمل كذا، وكانوا في الصلاة، وهذا مثلما يكون في الطواف فالطواف مثل الصلاة يحتاج إلى طهارة ولكن أبيح فيه الكلام.

قوله: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، أي: ساكتين، والقنوت يأتي لمعان عديدة ومنها السكوت، والمقصود هنا أنهم يكونون ساكتين في صلاتهم لا متكلمين، وإنما يتكلمون بذكر الله عز وجل وقراءة القرآن والتسبيح وما إلى ذلك من الأمور المطلوبة، ولهذا فإن العاطس إذا عطس يحمد الله؛ لأن حمد الله ذكر لله عز وجل، ولكن المشمت لا يشمت لأن التشميت خطاب، حيث يقول: يرحمك الله، فهو يخاطب شخصاً، والذي يقول: الحمد لله، لا يخاطب أحداً، وإنما يذكر الله عز وجل، فيجوز للعاطس أن يحمد الله عز وجل ويكون ذلك سراً، ومن سمعه ليس له أن يشمته؛ لأن التشميت كلام، والكلام ممنوع في الصلاة.

وعلى هذا فإن الكلام كان سائغاً في الصلاة وبعد أن نزل قول الله عز وجل وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] قال زيد رضي الله عنه: (أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام).

وإذا كان هناك أمر فإنه يكون بالإشارة كما تقدم في باب الإشارة في الصلاة.

وعلى هذا فإن الكلام في الصلاة لا يسوغ ولا يجوز وإنما يكون فيها قراءة القرآن وذكر الله عز وجل وحمده والثناء عليه وغير ذلك مما ورد في الصلاة.

قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ].

محمد بن عيسى هو الطباع ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة .

[ عن هشيم ].

هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إسماعيل بن أبي خالد ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحارث بن شبيل ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن أبي عمرو الشيباني ].

واسمه سعد بن إياس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زيد بن أرقم ].

زيد بن أرقم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قوله: [ أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ].

إذا قال الصحابة: (أمرنا ونهينا) فإن الآمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والناهي لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه إذا قال أمرت ونهيت فإن الآمر له هو الله سبحانه وتعالى، كما مر في الحديث (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم.).

ولكن في هذه الآية الكريمة: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] أمر من الله عز وجل لعباده المؤمنين في الوحي الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم في كتابه الذي يتلى، حيث أمروا بالقيام قانتين، أي: ساكتين غير متكلمين.

ولهذا قال الصحابي الجليل: [ فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ].

شرح حديث: (صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صلاة القاعد.

حدثنا محمد بن قدامة بن أعين قال: حدثنا جرير عن منصور عن هلال -يعني ابن يساف - عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: (حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة، فأتيته فوجدته يصلي جالساً، فوضعت يدي على رأسي فقلت فقال: مالك يا عبد الله بن عمرو قلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت: صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة وأنت تصلي قاعداً، قال: أجل، ولكني لست كأحد منكم) ].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب صلاة القاعد، وهي إما أن تكون في فرض وإما أن تكون في نفل، فالفرض لا يجوز للإنسان أن يصليه قاعداً إلا إذا عجز عن القيام: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وإذا لم يستطع أن يصلي قاعداً صلى على جنبه وهو نائم على فراشه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وسيأتي حديث عمران بن الحصين في ذلك.

وإذا صلى المريض جالساً وهو لا يستطيع أن يصلي قائماً فإن أجره لا ينقص عن حال صحته وعافيته؛ لأنه لم يصل جالساً إلا بسبب المرض والعذر الذي أقعده، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، وهو الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمله وهو صحيح مقيم).

والحديث أورده البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد، وهو حديث واضح الدلالة على أن المريض الذي يصلي الفرض قاعداً له الأجر كاملاً.

أما بالنسبة للنافلة فإذا كان الإنسان يصلي النافلة وهو عاجز فله الأجر كاملاً، أما إذا كان يصلي النافلة وهو قادر على أن يقوم فإنه يجوز له ذلك، ولكن أجره على النصف من أجر القائم، وقد جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه هذا الذي أورده أبو داود في سننه قال: حُدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة) يعني: له نصف الأجر، وهذا إنما هو في النافلة.

وقوله: [ حُدثت ].

إذا قالب: الصحابي (حدثت) فالذي يحدثه بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يسمى مرسل صحابي، وهو أن يروي الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يسمعه منه، ومراسيل الصحابة حجة.

وقد ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده يصلي قاعداً، فوضع يده على رأسه متعجباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم له الأجر الكامل وله الأجر العظيم، فكيف يصلي جالساً مع أن أجر من يصلي جالساً على النصف من أجر الذي يصلي قائماً، فقال: ( مالك يا عبد الله بن عمرو ) أي: مالك وضعت يدك على رأسك للتعجب؟ فقال: إني حُدثت أنك قلت كذا، وإني رأيتك تصلي قاعداً، قال: (نعم، ولكني لست كأحد منكم) فهذا يدلنا على أن من قدر على القيام وصلى جالساً في النوافل فإن صلاته صحيحة وله أجر نصف القائم في الصلاة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون له الأجر كاملاً كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة)

قوله: [ حدثنا محمد بن قدامة بن أعين ].

هو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة ].

[ عن جرير ].

هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن منصور ].

هو منصور بن المعتمر الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هلال يعني ابن يساف ].

وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي يحيى ].

وهو الأعرج ، واسمه مصدع وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.

[ عن عبد الله بن عمرو ].

هو عبد الله بن عمرو بن العاص، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة الذين هم عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير ، وهم من صغار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وهؤلاء الأربعة صحابة أبناء صحابة.




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2887 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2831 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2728 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2698 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2688 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2677 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2674 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2651 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2643 استماع