ماذا قالوا عند الموت؟! [2]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

عباد الله: أيها الإخوة! تحدثنا في الخطبة الماضية عن أقوال الصالحين عند الموت وبعض العبارات والأعمال التي قاموا بها عندما حضرتهم المنية وأقبلوا على الله، ومسلسل المنون يتتابع، ونذكر في هذه الخطبة الجانب المقابل في سوء الخاتمة وأقوال بعض من ختم فيه بالسوء عندما حضرتهم الوفاة.

اعلموا -رحمكم الله- أن الصالحين يتخوفون من سوء الخاتمة، ويخشون أن يبدو لهم عند الموت ما لم يكونوا يحتسبون، وأنهم يوقنون أن الأعمال بالخواتيم، وأن العبد يبعث على ما مات عليه كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم .

الإصرار على الكبائر سبب في سوء الخاتمة

والخاتمة السيئة لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه، وإنما تكون لمن كان له فساد في العقل وإصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت، فيختم لهؤلاء بخاتمة سيئة، وقد تبدو تلك الخاتمة من بعض من حضرهم الموت، ولهذا أسباب، فمن ذلك:

فساد الاعتقاد؛ وهو أخطرها على الإطلاق، فيتكشف في حال السكرات بطلان ما اعتقده، ولهذا يقول تعالى:وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47] .. قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً [الكهف:105-104].

فخاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطن للعبد ربما لا يطلع عليها الناس، فتظهر عند وفاته، يظهر المخبوء، قال عبد العزيز بن أبي رواد رحمه الله: حضرت رجلاً عند الموت يلقن لا إله إلا الله، فقال في آخر ما قال: هو كافرٌ بها، ومات على ذلك، قال: فسألت عنه، فإذا هو مدمن خمر، فكان عبد العزيز يقول: اتقوا الذنوب فإنها هي التي أوقعته.

إن الإصرار على المعاصي وهو سببٌ ثانٍ لسوء الخاتمة يجعل إلفها في قلب صاحبها، وإذا كان ميله إليها أكثر، حضرته عند الوفاة ربما فغلبت عليه فهلك، فهذه شهوة المعصية تصير حجاباً بين صاحبها وبين ربه، وتكون سبباً في شقائه في آخر عمره، ويعرف ذلك بمثال: وهو أن الإنسان لا شك أنه يرى في منامه من الأحوال التي ألفها طول عمره، حتى أن الذي قضى عمره في العلم يرى من الأحوال المتعلقة بالعلم والعلماء، والذي قضى عمره في الخياطة يرى من الأحوال المتعلقة بالخياطة، والذي اشتغل بالتجارة إدمانه عليها يومياً، وانشغاله بها يجعله يراها في نومه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن نوعٍ من أنواع الرؤى، أي: (رؤى الشيء يهمّ الرجل في نهاره، فيراه في نومه) والموت وإن كان فوق النوم، لكن سكراته وما يتقدمه من الغشيان قريب من النوم، فطول الإلف بالمعاصي يقتضي تذكرها عند الموت، وعودها في القلب، فإذا قبضت روح العاصي في تلك الحال، يختم له بالسوء حتى قال مجاهد رحمه الله: [ما من ميت يموت إلا مثل له جلساؤه الذين كان يجالسهم] فهذه خطورة اعتياد المعصية والإدمان عليها، وضعف الإيمان الذي يجعل الإنسان واقعاً في المعاصي.

سوء الخاتمة على قسمين

وسوء الخاتمة على رتبتين: إما أن يغلب على القلب عند سكرات الموت وظهور أهواله شكٌ، أو جحودٌ، فتقبض الروح على تلك الحال، فتكون حجاباً بينه وبين الله أبداً، وذلك يقتضي العذاب المخلد.

والرتبة الثانية: أن يغلب على القلب عند الموت حب أمر من الأمور التي كان يقارفها صاحبها وهو حي، فتظهر عند وفاته، فربما تكون سبباً في عذابه، قال ابن كثير رحمه الله: والمقصود أن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت مع خذلان الشيطان له، فيجتمع له الخذلان مع ضعف الإيمان، فيقع في سوء الخاتمة، قال الله تعالى:وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:29].

والخاتمة السيئة لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه، وإنما تكون لمن كان له فساد في العقل وإصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت، فيختم لهؤلاء بخاتمة سيئة، وقد تبدو تلك الخاتمة من بعض من حضرهم الموت، ولهذا أسباب، فمن ذلك:

فساد الاعتقاد؛ وهو أخطرها على الإطلاق، فيتكشف في حال السكرات بطلان ما اعتقده، ولهذا يقول تعالى:وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47] .. قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً [الكهف:105-104].

فخاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطن للعبد ربما لا يطلع عليها الناس، فتظهر عند وفاته، يظهر المخبوء، قال عبد العزيز بن أبي رواد رحمه الله: حضرت رجلاً عند الموت يلقن لا إله إلا الله، فقال في آخر ما قال: هو كافرٌ بها، ومات على ذلك، قال: فسألت عنه، فإذا هو مدمن خمر، فكان عبد العزيز يقول: اتقوا الذنوب فإنها هي التي أوقعته.

إن الإصرار على المعاصي وهو سببٌ ثانٍ لسوء الخاتمة يجعل إلفها في قلب صاحبها، وإذا كان ميله إليها أكثر، حضرته عند الوفاة ربما فغلبت عليه فهلك، فهذه شهوة المعصية تصير حجاباً بين صاحبها وبين ربه، وتكون سبباً في شقائه في آخر عمره، ويعرف ذلك بمثال: وهو أن الإنسان لا شك أنه يرى في منامه من الأحوال التي ألفها طول عمره، حتى أن الذي قضى عمره في العلم يرى من الأحوال المتعلقة بالعلم والعلماء، والذي قضى عمره في الخياطة يرى من الأحوال المتعلقة بالخياطة، والذي اشتغل بالتجارة إدمانه عليها يومياً، وانشغاله بها يجعله يراها في نومه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن نوعٍ من أنواع الرؤى، أي: (رؤى الشيء يهمّ الرجل في نهاره، فيراه في نومه) والموت وإن كان فوق النوم، لكن سكراته وما يتقدمه من الغشيان قريب من النوم، فطول الإلف بالمعاصي يقتضي تذكرها عند الموت، وعودها في القلب، فإذا قبضت روح العاصي في تلك الحال، يختم له بالسوء حتى قال مجاهد رحمه الله: [ما من ميت يموت إلا مثل له جلساؤه الذين كان يجالسهم] فهذه خطورة اعتياد المعصية والإدمان عليها، وضعف الإيمان الذي يجعل الإنسان واقعاً في المعاصي.

وسوء الخاتمة على رتبتين: إما أن يغلب على القلب عند سكرات الموت وظهور أهواله شكٌ، أو جحودٌ، فتقبض الروح على تلك الحال، فتكون حجاباً بينه وبين الله أبداً، وذلك يقتضي العذاب المخلد.

والرتبة الثانية: أن يغلب على القلب عند الموت حب أمر من الأمور التي كان يقارفها صاحبها وهو حي، فتظهر عند وفاته، فربما تكون سبباً في عذابه، قال ابن كثير رحمه الله: والمقصود أن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت مع خذلان الشيطان له، فيجتمع له الخذلان مع ضعف الإيمان، فيقع في سوء الخاتمة، قال الله تعالى:وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:29].

وسوء الخاتمة لا يقع فيها من صلح ظاهره وباطنه مع الله، وصدق في أقواله وأعماله، فهذا لم يسمع به، وإنما يقع سوء الخاتمة لمن فسد باطنه اعتقاداً، وظاهره عملاً، ولمن له جرأة على الكبائر، وإقدام على الجرائم، وقد يظهر من المحتضر ما يدل على سوء خاتمته مثل: النكول عن نطق الشهادتين ورفض ذلك، والتحدث بالسيئات والمحرمات، وإظهار التعلق بها.

فرعون وسوء خاتمته

وإن من أمثلة سوء الخاتمة التي ذكرت لنا في القرآن العظيم ما حصل عند هلاك الطاغية فرعون، لما قاده الله سبحانه وتعالى بقدرته مع جنوده الكفرة لاتباع موسى وقومه، فدخلوا وراءهم في البحر بعدما هاب فرعون الدخول وهم بالرجوع، ولكن هيهات ولات حين مناص، نفذ القدر، واستجيبت الدعوة، ولم يملك من نفسه إلا الدخول، فتجلد لأمرائه، وأظهر الشدة والجرأة، وقال: ليس بنو إسرائيل بأحق بالبحر منا، فاقتحموا كلهم عن آخرهم، فلما توسطوا في البحر وتكاملوا فيه، أمر الله القدير البحر أن يرتطم عليهم، فلم ينج منهم أحد، فجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم وتراكمت فوق فرعون، وغشيته سكرات الموت، فقال وهو على تلك الحال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] فآمن حيث لا ينفعه الإيمان، ولهذا قال الله: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:91] ولما شك بعض بني إسرائيل في موته، أمر الله البحر أن يلقيه جسداً سوياً بلا روح: وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ [يونس:90] إذا نزل الموت، لا تفيد التوبة، إذا غرغر العبد أغلق باب التوبة: حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ [يونس:90-92] وجعل جبريل عليه السلام يدس من زبد البحر في فم فرعون مخافة أن تدركه رحمة الله تعالى، فلم يتمكن من الشهادة قبل نزول الموت، ولم يعرف التوحيد ويقر به، ويظهر ذلك عليه إلا بعد نزول الموت، فلم ينفعه ذلك.

سوء خاتمة عضد الدولة

وقد حدثتنا كتب التاريخ الإسلامية عن نماذج من الطواغيت، وماذا فعل الله بهم بعد تجبرهم، ومن ذلك الذي كان يسمى بـعضد الدولة ، ذكر ابن كثير رحمه الله قصته في البداية والنهاية : خرج مرة إلى بستان له، فقال: أود لو جاء المطر، فنزل المطر -والله يمهل، وكانت فتنة لهذا الرجل- فنزل المطر، فأنشأ يقول:

ليس شرب الراح إلا في المطر          وغناءٌ من جوار في السحر

غانيات سالبات للنهى     ناعماتٌ في تضاعيف الوتر

غناء ووتر وأوتار وأغاني.

راقصات زاهرت مجلٌ     رافلات في أفانين الحبر

مطربات غنجاتٌ لحنٌ     رافضات الهم آمال الفكر

مبرزات الكأس من مطلعها     مسقيات الخمر من فاق البشر

عضد الدولة وابن ركنها     مالك الأملاك غلاب القدر

سهل الله إليه نصرهم     في ملوك الأرض ما دام القمر

وأراه الخير في أولاده     ولباس الملك فيهم بل غرر

قال ابن كثير رحمه الله: قبحه الله وقبح شعره وقبح أولاده، فإنه اجترأ في أبياته هذه، فلم يفلح بعدها، فيقال: إن بدأ أخذه كان حين قوله: غلاب القدر، أخذه الله فأهلكه، فتمثل عند موته بأبيات، وانظروا الفرق بين هذه الأبيات والتي قبلها، وفيها كلمة الرمق وهو التراب العالق في الماء:

تمتع من الدنيا فإنك لا تبقى     وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرمقا

ولا تأمنن الدهر إني أمنته     فلم يبقِ لي حالاً ولم يرع لي حقا

قتلت صناديد الرجال فلم أدع     عدواً ولم أمهل على ظنه خلقا

وأخليت دور الملك من كل بازلٍ     وشتتهم غرباً ومزقتهم شرقا

فلما بلغت النجم عزاً ورفعةً     ودانت رقاب الخلق أجمع لي رقاً

رماني الردى سهماً فأخمد جمرتي     فهاأنا ذا في حفرتي عاجلاً ملقى

فأفسدت دنياي وديني سفاهةً     فمن ذا الذي مني بمصرعه أشقى

فيا ليت شعري بعد موتي ما أرى     إلى رحمة الله أم ناره ألقى

فهكذا حصل من هذا الذي قال عن نفسه: مالك الأملاك غلاب القدر، قال:فهاأنا ذا في حفرتي عاجلاً ملقى، وجعل يكرر هذه الأبيات، ثم جعل يكرر قوله تعالى: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29].. مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29] حتى مات.

وهكذا كان لأصحاب السلطان وقفات عند الموت كما حصل لبعض الخلفاء لما احتضر، سمع غسالاً يغسل الثياب، فقال: ما هذا؟ قالوا: غسال، قال: يا ليتني كنت غسالاً أكسب ما أعيش به يوماً بيوم ولم ألِ الخلافة، ثم قال:

لعمري لقد عمرت في الملك برهةً     ودانت لي الدنيا بوقع البواسلِ

وأعطيت حمر المال والحكم والنهى     ولي سلمت كل الملوك الجبابرِ

فأضحى الذي قد كان مما يسرني      كحل مضى في مزمنات الغوابرِ

فيا ليتني لم أعنِ بالملك ليلةً     ولم أسع في لذات عيش النواظرِ

وقيل لبعض هؤلاء من أصحاب السلطان في مرض الموت: كيف تجدك؟ قال: أجدني كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ [الأنعام:94].

عبد الملك بن مروان وخاتمته

قال سعيد بن عبد العزيز : لما احتضر عبد الملك ، أمر بفتح أبواب قصره، فلما فتحت، سمع قصاراً بالوادي، فقال: ما هذا؟ قالوا: قصار! فقال: يا ليتني كنت قصاراً أعيش من عمل يدي، فلما بلغ سعيد بن المسيب قوله، قال: [الحمد لله الذي جعلهم عند موتهم يفرون إلينا، ولا نفر إليهم] ولما حضره الموت، جعل يندم ويندب، ويضرب بيده على رأسه ويقول: وددت أني اكتسبت قوتي يوماً بيوم، واشتغلت بعبادة ربي عزَّ وجلَّ وطاعته، ولما حضرته الوفاة، دعا بنيه فوصاهم ثم قال: الحمد لله الذي لا يسأل أحداً من خلقه صغيراً أو كبيراً، ويروى أنه قال: ارفعوني، فرفعوه حتى شم الهواء، ثم قال: يا دنيا ما أطيبك! إن طويلك لقصير، وإن كثيرك لحقير، وإن كنا بك لفي غرور، ذكر القصة ابن كثير رحمه الله في كتابه البداية .

أينما بنوا من القصور      خلوها والتحقوا بالقبور

أينما غرسوا من الزرع     تركوه وولوا حيث لا رجع

وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ [سبأ:54].

ولما حضرت أحد السلاطين الوفاة، جعل يقول: حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام:44] وجعل يقول: لو علمت أن عمري قصير ما فعلت، وجعل يقول: ذهبت الحيل، فلا حيلة.

سوء الخاتمة لأهل البدع والكفر

وأما أهل البدعة، فإنه يحضرهم من السوء عند موتهم ما الله به عليم، وهذه قصة فيها عبرة لأحد هؤلاء الذي كان يسمى إسماعيل بن محمد بن أبي يزيد أبو هاشم الحميري الملقب بالسيد، كان من الشعراء المشهورين , ولكنه كان باطنياً خبيثاً، ومبتدعاً غثيثاً من أهل الرفض والكفر المحض، وكان ممن يشرب الخمر، ويقول بالرجعة -أي: بعد الموت سيكون رجوع إلى الدنيا، ثم موت ورجوع ثم موت ورجوع- وهكذا يعتقد هؤلاء، قال يوماً لرجلٍ من أهل السنة : أقرضني ديناراً ولك عندي مائة دينار إذا رجعنا إلى الدنيا، فقال له الرجل: إني أخشى أن تعود كلباً أو خنزيراً فيذهب ديناري، وكان قبَّحه الله يسب الصحابة في شعره، قال الأصمعي : ولولا ذلك ما قدمت عليه أحداً في طبقته، ولما حضرته الوفاة، اسود وجهه عند الموت، وأصابه كربٌ شديدٌ جداً، ولما مات، لم يدفنوه لسبه الصحابة رضي الله عنهم، وهكذا يكون أهل الكفر وأهل البدعة عند الموت في أشنع موقف وأسوئه.

نسأل الله السلامة والعافية، اللهم ثبتنا عند الممات، اللهم اجعل ميتتنا على الإيمان يا رحمن.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

وإن من أمثلة سوء الخاتمة التي ذكرت لنا في القرآن العظيم ما حصل عند هلاك الطاغية فرعون، لما قاده الله سبحانه وتعالى بقدرته مع جنوده الكفرة لاتباع موسى وقومه، فدخلوا وراءهم في البحر بعدما هاب فرعون الدخول وهم بالرجوع، ولكن هيهات ولات حين مناص، نفذ القدر، واستجيبت الدعوة، ولم يملك من نفسه إلا الدخول، فتجلد لأمرائه، وأظهر الشدة والجرأة، وقال: ليس بنو إسرائيل بأحق بالبحر منا، فاقتحموا كلهم عن آخرهم، فلما توسطوا في البحر وتكاملوا فيه، أمر الله القدير البحر أن يرتطم عليهم، فلم ينج منهم أحد، فجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم وتراكمت فوق فرعون، وغشيته سكرات الموت، فقال وهو على تلك الحال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] فآمن حيث لا ينفعه الإيمان، ولهذا قال الله: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:91] ولما شك بعض بني إسرائيل في موته، أمر الله البحر أن يلقيه جسداً سوياً بلا روح: وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ [يونس:90] إذا نزل الموت، لا تفيد التوبة، إذا غرغر العبد أغلق باب التوبة: حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ [يونس:90-92] وجعل جبريل عليه السلام يدس من زبد البحر في فم فرعون مخافة أن تدركه رحمة الله تعالى، فلم يتمكن من الشهادة قبل نزول الموت، ولم يعرف التوحيد ويقر به، ويظهر ذلك عليه إلا بعد نزول الموت، فلم ينفعه ذلك.




استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة اسٌتمع
ماذا نفعل في رمضان 2980 استماع
ماذا فعلوا بعباءة المرأة؟ 2592 استماع
ماذا يحدث تحت الأرض 2450 استماع
ماذا نلبس هذا الصيف 2325 استماع
ماذا قالوا عند الموت؟! [1] 2321 استماع
ماذا تسمع؟ 2244 استماع
ماذا تفعل في الحالات التالية؟ 2133 استماع
ماذا ينقصنا؟ 1997 استماع
ماذا تفعل في الإجازة 1936 استماع
ماذا بعد رمضان 1342 استماع