عنوان الفتوى : أيهما أجمل وأكمل في الجنة: الحور العين، أم المؤمنات الآدميات؟
لطالما اعتقدتُ أن النعيم في الجنة هو إيمان الإنسان، وحسناته؛ ولهذا السبب كنت أجتهد دائمًا لعمل الأعمال الصالحة، وطاعة الله قدر المستطاع، لكني الآن أشعر أن أكثر النعيم في الجنة للذكور، وأنهم من يمنحون رغباتهم في الجنة، بينما لا تحصل النساء عليها، والدليل على ذلك رغبة الرجال في تعدد الزوجات؛ فيعطيهم الله الحور العين، بينما ترغب النساء في أن يكنّ أجمل زوجات لأزواجهنّ، لكنهنّ لا يمنحن ذلك، بل يبدو أن كل الأدلة تثبت أن الحور العين أجمل وأفضل منهنّ، فلماذا لا تُخبر النساء أيضًا برغبتهنّ في أن يصبحن أجمل امرأة في حياة زوجها، وأجمل من الحور العين لزوجها؟ ولماذا يتم إخبارنا باستمرار بجمال الحور العين، وأن الرجال سيحصلون على الحور العين، لكن لم يتم إخبارنا أبدًا بأن رغبتنا في أن نكون الأجمل حاصلة أيضًا؟ ولماذا هناك الكثير من الأدلة على أن الرجال سيكون لديهم الحور العين، ولكن لا يوجد دليل على أن المرأة ستكون أجمل من الحور العين؟ ولماذا تكون الحور العين أفضل منا ونحن نصلي، ونصوم، ونكافح في الحياة، بينما لا يتعين عليهنّ المرور بأي شيء من هذا؟ ولماذا تتم معاقبة النساء على أشياء لم يفعلنها، فإذا عوقب زوج المرأة بالنار لبعض الوقت، ودخلت زوجته قبله، فلن يكون لها زوج طوال هذا الوقت، ومن ثم؛ تفقد مكافأة أن يكون لها زوج على شيء لم تفعله، وفي المقابل إذا عوقبت زوجة الرجل بالنار لبعض الوقت، فلن يؤثر ذلك على زوجها؛ لأنه سيعطى الحور العين، وزوجات أخريات؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجزم السائلة بأن الحور العين سيكنَّ أجمل من نساء الدنيا في الجنة؛ ليس في محله؛ فقد اختلف العلماء ابتداء في الحور العين: هل هنّ نساء الدنيا يعاد خلقهنّ مرة أخرى في الآخرة، أم هنّ خلق آخر غير نساء الدنيا؟
وعلى القول بأنهنّ خلق آخر؛ فقد اختلفوا أيضًا في أيهما أجمل وأكمل: الحور العين أم المؤمنات الآدميات في الجنة؟
أما الخلاف الأول: فقال الحليمي في «المنهاج في شعب الإيمان»: اختلف في الحور العين المذكورات في القرآن، فقال الحسن البصري: إن الحور العين هنّ المؤمنات من أزواج النبيين، والمؤمنين، يخلقن في الآخرة على أحسن صورة، والمشهور أن الحور العين ليس من نساء أهل الدنيا، إنما هنّ مخلوقات في الجنة. اهـ.
وأما الخلاف الثاني: فقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: اختلف أيهما أكثر حسنًا، وأبهر جمالًا، الحور أو الآدميات؟ فقيل: الحور؛ لما ذكر من وصفهنّ في القرآن، والسنة ... وقيل: الآدميات أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف، وروي مرفوعًا. وذكر ابن المبارك: أخبرنا رشدين، عن ابن أنعم، عن حيان ابن أبي جبلة، قال: إن نساء الدنيا من دخل منهنّ الجنة فضلن على الحور العين بما عملن في الدنيا. وقد قيل: إن الحور العين المذكورات في القرآن هنّ المؤمنات من أزواج النبيين، والمؤمنين، يخلقن في الآخرة على أحسن صورة، قاله الحسن البصري. اهـ.
وجزم السفيري في شرح البخاري بأن نساء الدنيا -وهنّ الآدميات- في الجنة أفضل وأحسن من الحور العين. واختار ذلك من المعاصرين ابن عثيمين، وراجعي في ذلك الفتوى: 201664.
وقال ابن القيم في «حادي الأرواح» في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لأَصْحَابِ الْيَمِينِ} قال: قال قتادة، وسعيد بن جبير: خلقناهنّ خلقًا جديدًا. وقال ابن عباس: يريد نساء الآدميات. وقال الكلبي، ومقاتل: يعني نساء أهل الدنيا العُجز الشمط، يقول تعالى: خلقناهنّ بعد الكبر، والهرم، وبعد الخلق الأول في الدنيا. ويؤيد هذا التفسير حديث أنس المرفوع: هنّ عجائزكم العمش الرمص... اهـ. وذكر في ذلك بعض الأدلة والآثار.
وقد رويت أحاديث بأسانيد ضعيفة، فيها الجزم بأن نساء الدنيا أفضل من الحور العين، بسبب صلاتهنّ، وصيامهنّ وعبادتهنّ الله تعالى، وراجعي في ذلك الفتوى: 35117.
وعلى أية حال؛ فالذي نجزم به هو أن كل من يدخل الجنة يكون في غاية الحسن، والجمال، وأن التفاوت في ذلك يكون باعتبار الدرجة، والمنزلة، وبحسب الإيمان، والعمل الصالح. وراجعي في ذلك الفتاوى: 201628، 184457، 308602، 443287.
كما نجزم بأن كل من يدخل الجنة سينال ما يريده، ويشتهيه، ويتمناه، وزيادة، كما قال تعالى: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35]، وقال سبحانه: لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ [يس:57]، وقال: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71]، وقال عز وجل: وهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ [الأنبياء: 102]، وقال سبحانه: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت:31].
وقال رجلٌ للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هل في الجنة من إبل؟ فقال له: إن يدخلك الله الجنة؛ يكن لك فيها ما اشتهت نفسك، ولذّت عينك. رواه أحمد، والترمذي، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب.
فأريحي قلبك، وطِيبي نفسًا، وليكن همّك هو دخول الجنة، وبعد ذلك سيكون ما تريدين، وتتمنين، بغض النظر عن التفاصيل، والكيفيات؛ فإن ذلك من الغيب الذي لا نعلم منه إلا ما جاء في نصوص الشرع.
وهذا يتناول السؤال عن زوجة من يدخل النار، ثم يخرج منها، إذا دخلت زوجته قبله الجنة، فمثل هذا التفصيل لا نعلم في بيان حاله دليلًا خاصًّا، إلا أننا نجزم بأن هذه المرأة سيكون لها في الجنة ما اشتهت نفسها، وستعطى فيها ما تشاء من أنواع النعيم.
والله أعلم.