أرشيف المقالات

قتل المصلين في مسجد صعدة

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
يخرج المصلّي إلى بيت من بيوت الله وهو في أمان الله لأداء الصلاة، وإذا بمفاجأة ليست في الحسبان ولا تخطر على الأذهان!..
انفجارٌ هائـل وسط الخارجــين من الصلاة!..
يُسْفِر عن ضحايا بالعشرات مابين قتيل وجريح..
يا الله! ما هذا؟! تبلُغ الجرْأة إلى هذا الحدّ..
جرْأةٌ على بيت من بيوت الله، وعلى مصلّين في ذِمَّة الله قصَدُوه بأمان الله لأداء فريضةٍ من فرائض الله هي شعيرة من شعائر الله، شعيرة الجمعة !..
استهانةٌ بقُدْسِيَّة عِصْمة الإنسان، وقُدْسِيّة المكان، وقُدْسيّة الـزمان، وقدسية أهل الدين مِن بني الإنسان، واستهانة بِقُدْسِيّة التشريع المقَدِّس لكل ذلك، الذي شرَعه ربُّ الكون والإنسان...
يا لَهَولِ الجريمة!!
للصلاة وحدها مكانة عظيمةٌ..
ولِـمَن يؤدّيها حصانةٌ كبيرة..
أساء الخارجي إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - في حضْرته الشريفة، وحضْرة صحابته الكرام..
وهو سيّد ولد آدم، وهو إمام المرسلين..
وعقوبة هذه الإساءة القتْل، ومع ذلك يعْفو عنه النبي - عليه الصلاة والسلام -، لأن له حق العفو في حياته عندما يشاء لمن أساء إليه..
وكان سبب العفو احتمـال أن يكون المسيئ يُصـلّي!..
إنـها مكانة الصلاة..
حتى في ظروف الإساءة..
فكيف بالمصلين الأبرياء الغافلين عن مثـل ذلك، الخارجين مِن فَوْرهِـم مِن أداء الفريضة؟!!
روى البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن أبي نعم قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: بعَث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اليمن بذُهَيبة في أديمٍ (جِلْد) مقْروظٍ (مدبوغ) لم تحصَّل من تُرابها، قال: فقسمها بين أربعة نفر، بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع إمّا علقمة، وإمّا عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء..
قال فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ألا تأمنونني، وأنا أمينُ مَن في السماء، يأتيني خبر السماء صباحًا ومساء)، قال: فقام رجُل غائر العينين مُشرِف الوجْنتين ناشز الجبْهة كثّ اللحية محلوق الرأس مُشمِّر الإزار، فقال: يا رسول الله اتّق الله، قال: (ويلك أو لستُ أحق أهل الأرض أن يتقي الله)، قال: ثم ولّى الرجل، قال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: (لا، لعله أن يكون يصلي)، فقال خالد: وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إني لم أُؤمَر أن أنقِّب قلوب الناس ولا أشقّ بطونهم)، قال: ثم نظر إليه وهو مقفٍّ، فقال: (إنه يخرج من ضأضِأ (نَسْلِ) هذا قوم يتلُون كتاب الله رطْبًا لا يجاوز حناجرهم يمْرقون من الدين كما يمْرق السهم من الرَّمِيِّة - وأظنه قال - لئن أدركْتهم لأقتلنّهم قتْل ثمود..
(وقد خرج هؤلاء الخوارج على المسلمين فيما بعد بالسيف في خلافة عليٍّ - رضي الله عنهم - فقتَلهم).
المصلي المسيئ تشفع له صلاته، وهؤلاء المصلون الأبرياء يمزّقهم التفجير أشلاءً عقيب صلاة الجمعة عند باب المسجد..
جريمةٌ عظمى!!
في المنع التقليدي للناس من بيوت الله يتوعّد ربنا - جل وعلا - المانعين بأشدّ الوعيد..
بأنه لا أظْلَمَ منهم وأنّ لهم خِزْي الدنيا والعــذاب العظيـــم في لآخرة، قال - تعالى -: ومَن أظْلَم مـمّن منَع مساجــدَ الله أنْ يُذكَـــرَ فيها اسمُــه وسعَى في خرابها؟! أولئك ما كان لهم أنْ يدخُلوها إلا خائفين لهم في الدنيـا خِزْيٌ ولهم في الآخرةِ عذابٌ عظيم.
البقرة.
إن قتْل الناس بعد الخروج من المسجد ليس منعًا محدودًا ولا جريمةً محدودة، وإنما هو منْعٌ بعيد الأثر، طويل المدَى، شديد الفِعل في إرهابه الشديــد العامّ لعمـوم الناس من ارتياد عموم المساجد..
إضـــافةً إلى جرائم القتْل الحاصل العشْوائي الهم َجِيّ للناس التي هي بعددهم، فقتْل كل شخص منهم جريمة مستقلة، وامتناع أيّ شخص من أيّ مسجد بسبب أثر هذا القتل جريمة، والعزوف الواقع على أيّ مسجد بسبب ذلك جريمة، وامتداد ذلك في كل صلاةٍ وكل يومٍ جريمة..
إنها تركيبةٌ من الجرائم المَهُولة!!..
جُزْءٌ منها هو الصدّ عن بيوت الله الذي عقوبته عقوبة الظالم الذي لا أظلم منه، والذي لا يمكن أن يُفْلِت من عقوبة الله..
إضافة للفضيحة والخزي الدنيوي..
والعـذاب العظيم الأُخـــروي، فكيـف بهذه التركيبة كلهــا من الجرائـم؟ لا شك أن عقوباتها عند الله أوسع وأكبر وأكثر بكثير..
ولنا أنْ ننتظر لهؤلاء من الجبار - سبحانه - ما هو أكبر من عقوبة المنع المحدود ومعها الافتضاح والخزي العاجل وعذاب الآخرة العظيم..
لوقوعهم فيما هو أكبر..
في التركيبة وإصرارهم على عدم الاستسلام لِحكم الله..
ذلك الانتظار الواثق ِلعاقبةٍ لهـم لا ريب فيها، وكـــلُّ آتٍ قريب، ولن يتخلّف مع الإصرار وعيد الله الصريح في الآية..
إن ربك لبالمرصاد...
أما الضحايا فهم شهداء بإذن الله قضَوا في طاعة الله، وشتّان ما بين النتيجتين، ويا بُعْدَ مابين المصيرين..
نسأل الله العافية، وأن يحفظ علينا الأمْن والإيمان، والوَحْدَة والأُخُوّة كالبُنيان، وأنْ يصرف عنا شرور الفوضى الخلّاقة إنه سميعٌ مجيب.

محمد الصادق مغلّس المراني

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير