شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [16]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [القاعدة الثانية والثمانون: والنماء المنفصل تارة يكون متولداً من عين الذات كالولد والطلع والصوف واللبن والبيض، وتارة يكون متولداً من غيرها, واستحق بسبب العين كالمهر والأجرة والأرش.

والحقوق المتعلقة بالأعيان ثلاثة: عقود, وفسوخ, وحقوق تتعلق بغير عقد ولا فسخ.

فأما العقود فلها حالتان:

إحداهما: أن ترد على الأعيان بعد وجود نمائها المنفصل، فلا يتبعها النماء سواء كان من العين أو غيرها، إلا ما كان متولداً من العين في حال اتصاله بها واستتاره وتغيبه فيها بأصل الخلقة، فإنه يدخل تبعاً، كالولد واللبن والبيض والطلع غير المؤبر، أو كان ملازماً للعين لا يفارقها عادة، كالشعر والصوف فإنها تلحق بالمتصل في استتباع العين، وفي المجرد والفصول وجه في الرهن أنه لا يدخل فيه صوف الحيوان ولبنه، ولا ورق الشجر المقصود وهو بعيد, أما المنفصل البائن فلا يتبع بغير خلاف، إلا في التدبير, فإن في استتباع الأولاد فيه روايتين.

والحالة الثانية: أن يحدث النماء بعد ورود العقد على العين, فينقسم العقد إلى تملك وغيره، فأما عقود التمليكات المنجزة، فما ورد منها على العين والمنفعة بعوض أو غيره فإنه يستلزم استتباع النماء المنفصل من العين وغيره، كالبيع والهبة والعتق وعوضه, وعوض الخلع والكتابة والإجارة والصداق وغيرها.

وما ورد منها على العين المجردة من غير منفعة، كالوصية بالرقبة دون المنافع، والمشتري لها من مستحقها -على القول بصحة البيع- فلا يتبع فيه النماء من غير العين.

وفي استتباع الأولاد وجهان -بناء على أن الولد جزء أو كسب- وما ورد فيها على المنفعة المجردة، فإن عم المنافع كالوقف والوصية بالمنفعة تتبع فيه النماء الحادث من العين أو غيرها، إلا الولد فإن فيه وجهين: مصرح بهما في الوقف، ومخرجان في غيره، بناء على أنه جزء أو كسب, وفي أرش الجناية على الطرف بالإتلاف احتمالان.

وإن كان العقد على منفعة خاصة لا تتأبد كالإجارة فلا تتبع فيه شيئاً من النماء المنفصل بغير خلاف، وأما عقود غير التمليكات المنجزة فنوعان:

أحدهما: ما يئول إلى التملك، فما كان منه لازماً لا يستقل العاقد أو من يقوم مقامه بإبطاله من غير سبب، فإنه يتبع فيه النماء المنفصل من العين وغيرها، ويندرج في ذلك صور:

منها: المكاتبة، فتملك أكسابها ويتبعها أولادها بمجرد العقد.

ومنها: المكاتب، يملك أكسابها ويتبعه أولاده من أمته كما يتبع الحر ولده من أمته ولا يتبعه ولده من أمة لغيره.

ومنها: الموصى بعتقه إذا كسب بعد الموت وقبل إعتاق الورثة.

ومنها: المعلق عتقه بوقت أو صفة بعد الموت، كمن قال لعبده: إن مت ثم دخلت الدار فأنت حر، أو أنت حر بعد موتي بسنة.

ومنها: الموصى بوقفه إذا نما بعد الموت وقبل إيقافه.

ومنها: ما نقل يعقوب بن بختان وإبراهيم بن هانئ عن أحمد في من جعل مالاً في وجوه البر فاتجر.

ومنها: الموصى به لمعين يقف على قبوله إذا نما بعد الموت وقبل القبول نماء منفصلاً.

ومنها: النذر والصدقة والوقف إذا لزمت في عين لم يجز لمن أخرجها عن ملكه أنه يشتري شيئاً من نتاجها... إلخ].

تقدم لنا في القاعدة الحادية والثمانين ما يتعلق بالنماء المتصل، وذكرنا أن النماء المتصل يندرج تحته ثلاثة أقسام.

وفي هذه القاعدة: القاعدة الثانية والثمانين: النماء المنفصل، والكلام على النماء المنفصل طويل جداً، تندرج تحته في الجملة خمسة أقسام، كل قسم تحته أنواع، فسنقسم هذه القاعدة لكي تتضح، وقبل أن نبدأ بهذه الأقسام سنشير إلى ما تكلم به المؤلف رحمه الله.

معنى النماء المنفصل وأقسامه باعتبار الكيفية

أولاً: ما هو النماء المنفصل؟

النماء المنفصل هو: ما تولد عن العين، مما ينفك عنها حقيقة أو حكماً، فما ينفك عنها حقيقة مثل: الولد، والبيض، واللبن .. إلخ، وما ينفك عنها حكماً مثل: الصوف، والشعر.

قال المؤلف رحمه الله في بداية هذا القاعدة: (والنماء المنفصل تارة يكون متولداً من عين الذات، كالولد والطلع والصوف واللبن والبيض).

متولداً من عين الذات، أي: من الذات نفسها، وهذا التقسيم باعتبار كيفية النماء المنفصل، فقال: فإنه ينقسم إلى قسمين: فتارة يكون من عين الذات، وتارة يكون متولداً من غيرها، واستحق بسبب العين، كالمهر، فالمهر ليس متولداً من العين، وإنما متولداً من غير العين، فلو أن رجلاً زوج أمته فإنه يملك مهرها، فيكون هذا المهر متولداً من غيرها ولكنه بسببها، ولهذا قال: (متولداً من غيرها، واستحق بسببها)، فالسيد استحق المهر بسبب هذه الأمة.

مثال آخر: الأجرة، فهي متولدة من غير البيت وإنما استحقت بسبب البيت.

مثال آخر: الأرش في حادث السيارة، فالأرش متولد من حادث السيارة، ولكن ليس من عين السيارة، إنما استحق بسبب ملكك لهذه السيارة.

حالات تبعية النماء المنفصل للعين في العقود

ونبدأ الآن في: متى يتبع النماء المنفصل العين؟ ومتى لا يتبع النماء المنفصل العين؟

نقول: يتبع النماء المنفصل العين في العقود، وفي الفسوخ، وفي الحقوق.

قال: (أما العقود). ونحن لن نقسمها بتقسيم المؤلف رحمه الله، بل سنقسم تقسيمات خلاف ما سار عليه المؤلف رحمه الله، لكنها ستظل كلام المؤلف رحمه الله تعالى.

الحالة الأولى: ورود العقود على الأعيان بعد وجود نمائها المنفصل

قال رحمه الله: (فأما العقود فلها حالتان:

إحداهما: أن ترد على الأعيان بعد وجود نمائها المنفصل فلا يتبعها النماء، وسواء كان من العين أو غيرها).

فنقول: القسم الأول لأحوال النماء المنفصل في تبعيته للعين: أن يرد الأخذ على العين بعد وجود النماء، فلا يتبع العين.

مثال ذلك: عندنا الآن شاة ولدت، أو بقرة ولدت، أو بيت أجرناه، وبعد ذلك بعنا البيت، فالأجرة تكون للبائع، فلا نقول: للمشتري؛ حتى لا تكون تابعة، ولهذا قال المؤلف: (أن ترد على الأعيان بعد وجود نمائها المنفصل فلا يتبعها النماء، وسواء كان من العين). كما قلنا: ولدت الشاة، (أو غيرها) مثل: الأجرة، فهنا لا يتبع.

لكن استثنى المؤلف رحمه الله من هذا القسم ثلاث صور:

الصورة الأولى: قال: (إلا ما كان متولداً من العين في حال اتصاله بها، واستتاره وتغيبه فيها بأصل الخلقة، فإنه يدخل تبعاً كالولد واللبن والبيض والطلع غير المؤبر).

سبق وقلنا: إنه إذا كان الأخذ على العين بعد وجود النماء، فلا يتبع النماء، إلا إذا كان النماء مستتراً، مثلاً: بيع الحامل والولد ما زال في بطنها، فالولد يتبع هنا، وكمن باع البقرة فيها لبن، أو باع الدجاج، قال: (كالولد واللبن والبيض...) إلخ. فنقول: هذه تتبع، وهي مما يستثنى من الحالة الأولى.

الصورة الثانية: قال: (أو كان ملازماً للعين لا يفارقها عادة كالشعر والصوف). فإنه يتبع، كمن باع الشاة وفيها شعر كثير، أو فيها صوف كثير، فهذه تتبع.

ثم قال: (أما المنفصل البائن فلا يتبع بغير خلاف، إلا في التدبير، فإن في استتباع الأولاد فيه روايتين). هذه الصورة الثالثة: إذا دبر الأمة، والتدبير: أن يعلق عتق العبد بالموصي. مثال ذلك: قال لعبده: إذا مت فأنت حر، أو قال لأمته: إذا مت فأنت حرة، ثم ولدت، فهذا الولد فيه روايتان:

الرواية الأولى: أن ولد المدبرة في حكمها ويتبعها في التدبير، وهذا هو المذهب.

والرواية الثانية: أنه لا يتبعها.

الخلاصة في هذا القسم:

الصورة الأولى: إذا كان مستتراً منفصلاً مثل: الولد والبيض واللبن، فهنا حكمه أنه يتبع للعين.

الصورة الثانية: إذا كان ملازماً عادة كالشعر والصوف، فهنا كذلك يتبع.

الصورة الثالثة: ما يتعلق بالمدبرة، وفيها الخلاف.

الحالة الثانية: حدوث النماء بعد ورود العقد على العين في عقود التمليكات

قال المؤلف رحمه الله: (والحالة الثانية: أن يحدث النماء بعد ورود العقد على العين، فينقسم العقد إلى تملك وغيره).

نقول: القسم الثاني: أن يحدث النماء بعد ورود العقد على العين، وكان من عقود التمليكات. فهذا تحته أربع صور:

الصورة الأولى: أن يكون التمليك للعين ومنفعة النماء، فهنا نقول: النماء يتبع.

مثال ذلك: قال المؤلف رحمه الله: (كالبيع والهبة والعتق). باعه الشاة وهي حامل، ثم بعد ذلك ولدت الشاة، فالولد يتبع أمه فيكون للمشتري، أو وهبه البقرة ثم ولدت، أو وهبه السيارة ثم أجرها، ونحو ذلك. ولهذا قال المؤلف: (كالبيع والهبة والعتق وعوضه وعوض الخلع والكتابة والإجارة والصداق وغيرها).

قال رحمه الله: (فما ورد منها على العين والمنفعة بعوض أو غيره، فإنه يستلزم استتباع النماء المنفصل من العين وغيرها). فعلى العين كالولد واللبن والبيض, وغيرها كأجرة الكتب ونحو ذلك.

الصورة الثانية: أن يكون التمليك للعين دون المنفعة، فلا يتبع. قال المؤلف رحمه الله: (وما ورد منها على العين المجردة من غير منفعة، كالوصية بالرقبة دون المنافع، والمشتري لها من مستحقها على القول بصحة المبيع، فلا يتبع فيه النماء من غير العين، وفي استتباع الأولاد وجهان).

مثال ذلك: وصَّى رجل فقال: زيد له هذه السيارة دون منفعتها، أو له ملك هذه السيارة لكن لمدة سنة، وليس له منافع هذه السيارة، فمنافع هذه السيارة لعمرو، فإن زيد ملك هذه السيارة دون المنفعة، فالتمليك ورد على العين دون المنفعة، فإذا أُجرت هذه السيارة، فإن زيداً لا يستحق الأجرة. فإذا كان من غير العين فيتبع.

وأما الأولاد فهل يتبعون أم لا؟ فيه وجهان، مثال ذلك: وصى بهذه البقرة لزيد دون منافعها ثم ولدت، هل هذا الولد للموصى له أم الورثة؟ فيه وجهان.

الصورة الثالثة: ورد على المنفعة دون العين، عكس الصورة السابقة، فإنه يتبع، ومثل لذلك المؤلف رحمه الله فقال: (فإن عم المنافع كالوقف والوصية بالمنفعة تتبع فيه النماء الحادث من العين وغيرها، إلا الولد فإن فيه وجهين).

مثلاً: قال: هذا البيت وقف على إمام المسجد، فإمام المسجد يملك منفعة البيت، والبيت هذا موضع خلاف، فبعض العلماء يقول: لله، وبعض العلماء يقول: للواقف، والصحيح أنه يكون لله عز وجل، ونماء الأجرة يكون للإمام، فهو يملك، وتمليكه هنا للمنفعة دون العين.

وفي الأولاد، فلو كان الوقف ناقة، وولدت، فقال: هذه الناقة وقف على زيد، فزيد الآن يملك الحليب ويملك الركوب، لكن بالنسبة للولد هل يملكه أو لا يملكه؟ قال المؤلف: (فيه وجهين) للعلماء رحمهم الله قال: (مصرحٌ بهما في الوقف، ومخرجين في غيره بناء على أنه جزء أو كسب).

يعني: ولد الحيوان الموقوف، إن قلنا بأنه جزء، فلا يملك؛ لأن الوقف أصبح ملكاً لله، وإن قلنا: بأنه كسب، فإنه يملكه. قال المؤلف رحمه الله: فيه خلاف.

الصورة الرابعة رحمه الله: قال: (وإن كان العقد على منفعة خاصة لا تتأبد كالإجارة فلا تتبع فيه شيئاً من النماء المنفصل بغير خلاف).

هذه الصورة الرابعة من عقود التمليكات: إذا كان العقد على منفعة خاصة لا تتأبد كالإجارة، فالإجارة لا تتأبد، مثال ذلك: استأجر ناقة لتحميل الأثقال، فولدت الناقة، فلا يكون داخلاً في عقد الإجارة، وحليب الناقة لا يصح أن يستفيد منه المستأجر.

الحالة الثالثة: حدوث النماء بعد ورود العقد على العين في غير عقود التمليكات

قال رحمه الله: (وأما عقود غير التمليكات المنجزة فنوعان:).. إلخ.

نقول: القسم الثالث: أن يحدث النماء بعد ورود العقد على العين في غير عقود التمليكات، وهذا تحته ثلاث صور:

الصورة الأولى: قال: (أن يكون لازماً يئول إلى التمليك، فإنه يتبع فيه النماء مطلقاً، سواء كان من العين أو من غير العين)، ومثل المؤلف فقال: (منها: المكاتبة). المكاتبة: أصل الكتابة هذا يئول إلى التمليك، لكنه من غير عقود التمليك، فالأمة إذا حررت نفسها من سيدها يتبعها النماء، وأولادها يتبعونها في الكتابة، فإذا عتقت عتق الأولاد، ومثلها المكاتب أيضاً، فيملك أكسابه، ولا يملكها السيد، كذلك أيضاً يملك أكسابه الأولاد.

وقال رحمه الله: (الموصى بعتقه).

إذا أوصى الواصي بعتق رقيقه زيد، ثم كسب بعد الموت، وقبل إعتاق الورثة، فإن العتق له، فالكسب يكون تابعاً له.

وقال رحمه الله: (المعلق عتقه بوقت أو صفة بعد الموت).

إذا قال مثلاً: إذا مت ثم مرت سنة فأعتقوا زيداً، أو أعتقوا زيداً بعد موتي بسنة، أو قال: إذا أنا مت، وحفظ زيد القرآن فأعتقوه، فهذا معلق عتقه بوقت أو صفة بعد الموت، وقوله: (بوقت) كما لو قال: بعد سنة من موتي، (أو صفة): إذا حفظ القرآن بعد موتي.

فبالنسبة للنماء فهذا كسبه، أي: بعد وجود الشرط للكسب يكون تابعاً له، وقبل وجود الشرط يكون للورثة.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (الموصى بوقفه إذا نما بعد الموت وقبل إيقافه)، هذا النماء يكون تابعاً له، فإذا أوصى أن يوقف دكانه الفلاني ثم أُجر بعد الموت، فالنماء بعد الموت يكون تابعاً له.

قال رحمه الله: (الموصى به لمعين يقف على قبوله به ونمائه) إذا أوصى بهذه السيارة لزيد، فلا يملكها زيد إلا بالقبول، فإذا وجد النماء قبل القبول يكون للموصى له وليس للورثة.

قال المؤلف رحمه الله: (النذر والصدقة والوقف، إذا لزمت في عين لم يجز لمن أخرجها عن ملكه أن يشتري شيئاً من نتاجها).

مثال: إذا أوقفت هذا الخيل فلا يجوز لك أن تشتري شيئاً من نتاجه؛ لأن هذا نوع من الرجوع في الوقف، كذلك إذا نذرت هذا الخيل أو هذه الناقة للفقراء، فلا يجوز لك أن تشتري شيئاً من نتاجها؛ لأنه يكون تابعاً لها في النماء في تحريم الرجوع، (فالعائد في الصدقة كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)، فلا يجوز أن تشتري الوقف، ولا يجوز أن تشتري الزكاة، ولا يجوز أن تشتري الصدقة، ولهذا عمر رضي الله تعالى عنه لما وقف فرساً في سبيل الله، فأضاعه الذي وقفه عليه، وأراد عمر أن يشتريه نهي أن يشتريه. فمثل هذا النتاج تابع، ففي هذه الأشياء لا يجوز لك أن تشتري هذا النتاج، كنتاج الوقف، ونتاج الزكاة، ونتاج الصدقة، ونتاج النذر، كل هذا الذي أخرجته لله عز وجل، يكون النتاج تابعاً له؛ لأنه أصبح لله عز وجل، فلا يجوز لك أن ترجع بشيء منه ولا بقيمته.

الصورة الثانية: أن يكون غير لازم مما يئول إلى التمليك.

قال المؤلف رحمه الله: [فلا يتبع فيه النماء من غير عينه, وفي استتباع الولد].

ففي الصورة الثانية: إذا كان من غير العين فلا يتبع، وأما الولد إذا كان من العين، فيقول المؤلف رحمه الله: فيه خلاف. ومثل المؤلف رحمه الله تعالى فقال: [المدبرة: فإنه يتبعها ولدها على المشهور] إذا دبر أمته ولها ولد رقيق وعتقت فولدها يتبعها في العتق.

قال رحمه الله: (فلا يتبع فيه النماء من غير عينه). مثل: الكسب، فلا يتبع الأمة، بل يكون للسيد؛ لأنها لا تزال رقيقة.

ومثله أيضاً: [المعلق عتقها بصفة، إذا حملت وولدت بين التعليق ووجود الصفة، ففي عتقه معها وجهان].

إذا علق عتقها بصفة، كأن يقول: إن حفظت القرآن فأنت حرة، فيقول المؤلف رحمه الله: لما حملت وولدت أصبحت الآن أم ولد، وأم الولد تحت السيد، وبالنسبة للولد إذا حفظت القرآن وعتقت، يقول المؤلف: [فيه وجهان].

الصورة الثالثة: ما لا يئول إلى التمليك، ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فلا يملك النماء بما بغير إشكال] لكن قال: [فإن كان العقد وارداً على العين وهو لازم، فحكم النماء حكم الأصل, وإن كان غير لازم، أو لازماً لكنه معقود على المنفعة من غير تأبيد، أو على ما في الذمة، فلا يكون النماء داخلاً في العقد].

يعني: لا يدخل داخل الملك، لكنه في مورد الأصل، فهل يكون النماء تابعاً للأصل أي: في مورد الأصل؟ يعني: في الشيء الذي من أجله حصل الأصل أو لا.

هذا الذي أراد المؤلف أن يبينه، وذكر المؤلف في الحقيقة ثلاثة أقسام، وهذه الأقسام تتضح بالأمثلة التي ذكرها المؤلف. يعني: أنه قال: لازم بأن يكون وارداً على العين، وغير لازم بأن يكون وارداً على ما في الذمة، فعندنا تبعية النماء في الملك لا يدخل في الملك، وتبعية النماء في مورد العقد، يعني: في الذي من أجله حصل العقد، فقال رحمه الله: [منها: المرهون]. فلو كان عندنا ناقة مرهونة، ثم ولدت، فلا يملكها المرتهن، بل تكون رهناً تبعاً للعين في مورد الأصل، ويكون المهر تابعاً.

قال رحمه الله: [والأجير] كالراعي الذي عنده ماشية أمانة عنده، فولدت هذه الماشية، فإن هذا النماء يكون تبعاً للعين في مورد الأصل، وهو الحمل.

قال رحمه الله: [والمستأجَر] كالبعير، أو كالناقة المستأجرة، فإذا ولدت هذه الناقة، فلا يملك المستأجر أن ينتفع بهذه الناقة؛ لأن مورد العقد على الأصل.

وفيما يتعلق بالأمانة، فالنماء تابع للأصل في أنه أمانة.

قال رحمه الله: [والوديعة] فلو كانت الوديعة ناقة، ثم ولدت هذه الناقة، فالولد يكون وديعة تبعاً لأمه كما قلنا في نماء الرهن: يكون رهناً تبعاً لأمه، وأيضاً يكون أمانة في الحفظ، وإلا فلا ضمان عليه.

وفي العارية: كمن استعار هذه الناقة ثم ولدت، فيكون النماء تابعاً للأصل في الانتفاع والأمانة والضمان.

قال رحمه الله: [المقبوض على وجه السوم] فلو أنه قبض هذه الناقة على وجه السوم، ثم ولدت، يكون ولدها تابعاً، وهذا حكمه حكم المقبوض، والمقبوض يضمن، فكما أنه يضمن الأصل فيضمن الفرع المكمل له.

تبعية النماء المنفصل للعين في الفسوخ

قال رحمه الله: [فصل: وأما الفسوخ] فعلى حسب تقسيمنا يكون هذا هو القسم الرابع قال رحمه الله: [فلا تتبع فيها النماء الحاصل من الكسب بغير خلاف, وأما المتولد من العين ففي تبعيته روايتان في الجملة، يرجعان إلى أن الفسخ هل هو رفع للعقد من أصله أو من حينه؟ والأصح عدم الاستتباع، ويندرج تحت ذلك صور: منها: الزكاة].

إذاً: النماء الحاصل من الكسب هذا لا يكون تابعاً، وأما المتولد من العين، فذكر المؤلف رحمه الله فيه قولين, ويتضح في حالة الصور التي ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى، فقال: [منها: الزكاة، إذا عينت وهلك المال، وقلنا: له الرجوع]. رجل عنده خمس من الإبل، فيها شاة، فأخرج زكاته قبل الحول عن هذه الخمس من الإبل، ثم بعد ذلك ماتت هذه الإبل الخمس، أو ماتت واحدة، فنقص النصاب، فأصبح الآن لا تجب عليه الزكاة؛ لأنه عند الحول لم يكن عنده إلا أربع، فهل له أن يرجع بالشاة أو ليس له أن يرجع بالشاة التي أعطاها الفقراء؟

إذا قلنا: لا يرجع، فهذا أمر واضح، لكن إذا قلنا: يرجع، ثم ولدت الشاة، هل الولد يكون تابعاً معها أو لا يكون تابعاً؟

لنفرض أن الشاة قد أعطاها الفقراء، وقال لنا: أنا دفعت شاة عن خمس من الإبل، ثم هلكت هذه الإبل الخمس، أو هلكت واحدة، فليس عندي نصاب، فلا تجب علي زكاة.

قلنا: بعض العلماء يقول: يرد الشاة، قال: لكنها ولدت الآن، فهل يستحق الولد، أم لا يستحق الولد؟ يعني: هل نرد عليه الشاة فقط، أو نرد عليه الشاة والولد؟ قال: فيه خلاف.

ومثله أيضاً قال المؤلف رحمه الله: (المبيع في زمن الخيار إذا نما نماءً منفصلاً ثم فسخ). ولنفرض السيارة مثلاً: قال المشتري: الخيار لمدة ثلاثة أيام، ثم أجرت السيارة، الآن فيها نماء أجرة: (ألف ريال)، ثم فسخ العقد، فالألف هذه يستحقها المشتري.

قال: (فلا يتبع فيها النماء الحاصل من الكسب بغير خلاف).

وأيضاً: [الإقالة إذا قلنا بأنها فسخ، والرد بالعيب]. كمن أجر السيارة ثم تبين أن فيها عيباً، ثم ردها، فالأجرة هنا للمشتري. [وفي رد النماء فيه روايتان].

قال رحمه الله: [فسخ البائع لإفلاس المشتري].

فلو أن المشتري اشترى سيارة فقلنا له: سدد للبائع فلم يسدد، فالبائع هنا له الحق في فسخ العقد، فإذا أجرت السيارة فالأجرة -على كلام المؤلف- للمشتري.

قال المؤلف رحمه الله: [واللقطة] فإذا نمت اللقطة قبل الحول نقول: النماء لمالكها، وإذا نمت بعد الحول فنقول: النماء للملتقط؛ لأنهم يقولون: اللقطة بعد الحول تدخل في ملك الملتقط قهراً عليه، والمشهور من المذهب: أنها تدخل في ملك الملتقط قهراً عليه دون اختياره، كذلك الاختيار للذين يرون أن له الحق بالاختيار.

قال رحمه الله: [ورجوع الأب فيما وهب ولده]. مثلاً: لو وهب رجل ولده سيارة أو بيتاً ثم رجع، فله الحق أن يرجع، فإذا كان البيت قد نما نماءً منفصلاً كالأجرة مثلاً، فالأجرة تكون للولد.

إذاً: في الفسوخ: ما كان من كسب فإنه لا يتبع، وما كان من متولد فهذا يقول المؤلف رحمه الله: فيه روايتان.

تبعية النماء المنفصل للعين في الحقوق

قال رحمه الله: [وأما الحقوق المتعلقة بالأعيان من غير عقد ولا فسخ].

هذه أيضاً الحقوق المتعلقة بالأعيان قسمها المؤلف رحمه الله إلى ثلاثة أقسام:

قال: أن تكون [ملكاً قهراً فحكمه حكم سائر التملكات].

القسم الثاني: أن تكون [حقاً لازماً لا يمكن إبطاله].

القسم الثالث: أن تكون حقاً [غير لازم بل يمكن إبطاله].

نقول: هذا القسم الخامس والأخير من هذه القاعدة، ويحتوي على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: إذا كانت ملكاً قهراً، مثاله: نماء التركة إذا كان على الميت دين، فإن حقوق الغرماء تتعلق بالتركة فقط. ولذلك يقول المؤلف رحمه الله: (كسائر التملكات). لأن التركة تدخل في ملك الورثة قهراً عليهم دون اختيار، مثل اللقطة بعد الحول من التملكات القهرية، فهنا نقول: نماء التركة يكون للورثة، ولا يتعلق به حق الغرماء.

القسم الثاني: أن تكون حقاً لازماً، أي: ليس ملكاً، وإنما حقاً لازماً لا يمكن إبطاله، ومثَّل المؤلف لذلك فقال: [كحق الاستيلاد وسرى حكمه إلى الأولاد دون الأكساب].

ومعنى حق الاستيلاد: الأمة المستولدة من غير السيد، فهذا رجل زوج أمته، هذه الأمة الآن مستولدة من غير السيد، فالكسب يكون للسيد؛ لأنها رقيقة والأولاد يكونون تبعاً لها، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (سرى حكمه إلى الأولاد دون الأكساب) فالأكساب للسيد، وأما الأولاد: فإنهم يكونون تبعاً لأمهم، ويعتقون بموت السيد.

القسم الثالث والأخير: قال المؤلف رحمه الله: (وإن كان غير لازم بل يمكن إبطاله). أي: أن يكون حقاً ليس من حقوق التملكات، وهو غير لازم يمكن إبطاله، قال رحمه الله: [لم يتبع النماء فيه بحال]. أي: أن النماء لا يتبعه، ومثّل المؤلف رحمه الله لذلك فقال: [الأمة الجانية]، فالجناية تتعلق برقبتها دون ولدها، فلو جنت وقتلت، فإنها هي التي تباع، أما الولد فلا تتعلق الجناية به، أي: أن السيد إما أن يفديها وإما أن تباع، ليسدد أرش الجناية، والنماء هنا لا يتبع الأمة، فلا يباع معها.

ومنه: [الأمانات إذا تعدى فيها ثم نمت] كالوديعة مثلاً، فالوديعة أمانة، [إذا تعدى فيها ثم نمت، فإنه يتبعها في الضمان]. فمثال الوديعة: البقرة وديعة عند شخص، ثم استعملها، وكان الواجب عليه ألا يستعمل هذه الوديعة، لكن لو استعملها أصبحت مضمونة عليه، ولو ولدت، فولدها أيضاً يكون مضموناً عليه.

أولاً: ما هو النماء المنفصل؟

النماء المنفصل هو: ما تولد عن العين، مما ينفك عنها حقيقة أو حكماً، فما ينفك عنها حقيقة مثل: الولد، والبيض، واللبن .. إلخ، وما ينفك عنها حكماً مثل: الصوف، والشعر.

قال المؤلف رحمه الله في بداية هذا القاعدة: (والنماء المنفصل تارة يكون متولداً من عين الذات، كالولد والطلع والصوف واللبن والبيض).

متولداً من عين الذات، أي: من الذات نفسها، وهذا التقسيم باعتبار كيفية النماء المنفصل، فقال: فإنه ينقسم إلى قسمين: فتارة يكون من عين الذات، وتارة يكون متولداً من غيرها، واستحق بسبب العين، كالمهر، فالمهر ليس متولداً من العين، وإنما متولداً من غير العين، فلو أن رجلاً زوج أمته فإنه يملك مهرها، فيكون هذا المهر متولداً من غيرها ولكنه بسببها، ولهذا قال: (متولداً من غيرها، واستحق بسببها)، فالسيد استحق المهر بسبب هذه الأمة.

مثال آخر: الأجرة، فهي متولدة من غير البيت وإنما استحقت بسبب البيت.

مثال آخر: الأرش في حادث السيارة، فالأرش متولد من حادث السيارة، ولكن ليس من عين السيارة، إنما استحق بسبب ملكك لهذه السيارة.