شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [7]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [القاعدة الخامسة والثلاثون: من ملك منفعة عين بعقد ثم ملك العين بسبب آخر هل ينفسخ العقد الأول؟].

تقدم في الدروس السابقة جملة من قواعد هذا الكتاب، فمن تلكم القواعد التي طرقنا الحديث حولها ما يتعلق بتداخل العبادات، وذكرنا ما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى من ضابط، وذكرنا أن الأقرب أن يقال: إذا كانت العبادة ليست مقصودة لغيرها دخلت مع غيرها من العبادات، أما إذا كانت كل من العبادتين مقصودة بذاتها فإنه لا تداخل.

كذلك أيضاً سلف لنا ما يتعلق بتزاحم العبادات ذات الشرف أو الكثرة, يعني: إذا تزاحم عند الإنسان إما أن يفعل عبادة ذات شرف، أو أن يعدد هذه العبادة أيهما أفضل، وقسمنا ذلك إلى قسمين، وتكلمنا أيضاً عن إمكان الأداء هل هو شرط أو ليس شرطاً.

وكذلك أيضاً ما يتعلق بالعين المنغمرة في غيرها هل تأخذ حكم العدم أو لا.. إلى آخر ما تكلمنا عليه من القواعد.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (القاعدة الخامسة والثلاثون: من ملك منفعة عين بعقد ثم ملك العين بسبب آخر فهل ينفسخ العقد الأول؟).

صورة هذه القاعدة: أنه ملك المنفعة أولاً ثم ملك الرقبة، يعني: ملك منفعة هذه العين ثم بعد ذلك ملك الرقبة، فهل ينفسخ العقد الأول وهو ما يتعلق بالمنفعة أو لا؟

فمثلاً: رجل استأجر دكاناً لمدة شهر، أو شهرين، أو سنة أو سنتين، هنا الآن ملك منفعة هذا الدكان لفترة من الزمن، ثم بعد ذلك اشترى هذا الدكان، فهل ينفسخ العقد الأول وهو عقد الإجارة لما اشترى الرقبة أو نقول: عقد الإجارة لا ينفسخ؟

هذه القاعدة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

ملك المنفعة بعقد معاوضة مؤبد

القسم الأول: أن يملك المنفعة بعقد معاوضة مؤبد، فنقول: بأنه ينفسخ العقد الأول.

مثال ذلك: رجل يباح له أن يتزوج الإماء وتوافر فيه شرطا تزوج الأمة: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء:25]، فهو لا يستطيع طول الحرة يعني مهر الحرة: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُم [النساء:25]، ويخشى مشقة العزوبة، فتوافر فيه الشرطان، فتزوج هذه الأمة، ولما تزوجها أيسر الله عز وجل عليه، فاشترى هذه الزوجة، فهو الآن تزوج هذه الأمة، هذه الأمة كانت مملوكة، فذهب واشتراها، فما حكم العقد الأول؟

يعني: اجتمع الآن عندنا عقدان: عقد النكاح، وعقد الشراء، فما حكم عقد النكاح؟

يقول المؤلف رحمه الله تعالى: بأن عقد النكاح ينفسخ؛ لأنه ملك المنفعة بعقد معاوضة مؤبد، وعقد النكاح يدخله العلماء رحمهم الله -وإن كان هذا فيه شيء من النظر- في عقود المعاوضات.

لكن الصحيح أن عقد النكاح ليس عقد معاوضة، هم يقولون: النكاح عقد معاوضة، فالزوج يبذل العوض وهو المهر، والزوجة تبذل المعوض وهو الاستمتاع، فهو عقد معاوضة، ويرتبون عليه أحكاماً كثيرة، مثل النفقات وغير ذلك من الأحكام، لكن ابن القيم رحمه الله لم يرتض ذلك، وكذلك أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ذكرا أن عقد النكاح ليس عقد معاوضة.

على كل حال، على كلام المؤلف رحمه الله نقول من باب التقسيم: إنه إذا ملك المنفعة بعقد معاوضة مؤبد، ثم ملك العين، فما حكم العقد الأول؟ نقول: بأنه ينفسخ.

ملك المنفعة بقصد معاوضة غير مؤبد

القسم الثاني: أن يملك المنفعة بعقد معاوضة غير مؤبد، ثم بعد ذلك يملك الرقبة، فهنا لا ينفسخ العقد الأول.

مثال ذلك: رجل استأجر دكاناً أو بيتاً ثم بعد ذلك اشترى هذا البيت، أو الدكان، أي أنه بعد أن استأجر اشترى، فهو الآن ملك المنفعة بعقد معاوضة، والإجارة من عقود المعاوضات، وهذا العقد ليس مؤبداً لأنه لفترة، يعني هو اشترى الآن المنافع لفترة مؤقتة فهو ليس عقداً مؤبداً، ثم بعد ذلك اشترى الرقبة.

مادام أنه عقد معاوضة غير مؤبد فنقول: بأن العقد الأول لا ينفسخ، فكونه طرأ عليه العقد الثاني وهو ملك الرقبة لا ينفسخ بسببه، إذاً: ما ثمرة قوله: لا ينفسخ؟

نقول: ما دام أنه عقد إجارة فإنه يأخذ أحكام الإجارة في هذه الفترة، فلو تبين أن في المنافع عيباً رجع بأرش الإجارة، وكذلك أيضاً لو حصل تلف لهذه العين في مدة الإجارة فهل الضمان يكون على المستأجر أو على المؤجر؟ يكون على المؤجر، مادام أن المستأجر لم يتعد ولم يفرط، لكن لو قلنا بأنه انفسخ عقد الإجارة وأصبح كل عقد بيعاً، ثم حصل تلف في هذه العين فإنه يكون من ضمان المشتري؛ لأنها دخلت في ملكه وأصبحت الآن من ضمان المشتري.

خلاصة القسم الثاني: إذا ملك المنفعة بعقد معاوضة غير مؤبد ثم ملك الرقبة بعد ذلك، فنقول: بأن العقد الأول لا ينفسخ، وفي مدة الإجارة يأخذ أحكام الإجارة، وما بعد ذلك يأخذ أحكام البيع.

ملك المنفعة بغير عقد معاوضة

القسم الثالث: أن يملك المنفعة بغير عقد معاوضة، ثم بعد ذلك يملك الرقبة.

مثال ذلك: رجل وصي له بمنافع رقيق، زيد أوصى لعمرو وقال: هذا الرقيق يخدم عمراً لمدة شهر أو شهرين، الآن عمرو يملك هذه المنافع بالإيصاء، أي: بعقد غير معاوضة.. عقد تبرع، ثم بعد ذلك ذهب الموصى له واشترى هذا الرقيق، اشترى هذه العين، فهل ينفسخ عقد الوصية؟

عقد الوصية لا ينفسخ ما دام أنه ملك المنافع بالعقد الأول بغير عقد معاوضة عقد تبرع، ثم ملك الرقبة، لما ملك الموصى له الرقبة بالشراء، وفي وقت الوصية تثبت أحكام الوصية ثم بعد ذلك تثبت أحكام الشراء.

ومثل ذلك أيضاً: لو وهبت له منافع هذا البيت، لك أن تسكن في هذا البيت لمدة سنة، ثم ذهب واشتراه، الآن ملك المنافع بعقد معاوضة أم عقد تبرع؟

ملك المنافع بعقد تبرع، الآن لما اشترى هذا البيت هل ينفسخ العقد الأول أو لا ينفسخ؟ نقول: بأن العقد الأول لا ينفسخ، وعلى هذا تثبت للعقد الأول أحكام الهبات، والتبرعات، وتثبت للعقد الثاني أحكام البيع.

القسم الأول: أن يملك المنفعة بعقد معاوضة مؤبد، فنقول: بأنه ينفسخ العقد الأول.

مثال ذلك: رجل يباح له أن يتزوج الإماء وتوافر فيه شرطا تزوج الأمة: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء:25]، فهو لا يستطيع طول الحرة يعني مهر الحرة: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُم [النساء:25]، ويخشى مشقة العزوبة، فتوافر فيه الشرطان، فتزوج هذه الأمة، ولما تزوجها أيسر الله عز وجل عليه، فاشترى هذه الزوجة، فهو الآن تزوج هذه الأمة، هذه الأمة كانت مملوكة، فذهب واشتراها، فما حكم العقد الأول؟

يعني: اجتمع الآن عندنا عقدان: عقد النكاح، وعقد الشراء، فما حكم عقد النكاح؟

يقول المؤلف رحمه الله تعالى: بأن عقد النكاح ينفسخ؛ لأنه ملك المنفعة بعقد معاوضة مؤبد، وعقد النكاح يدخله العلماء رحمهم الله -وإن كان هذا فيه شيء من النظر- في عقود المعاوضات.

لكن الصحيح أن عقد النكاح ليس عقد معاوضة، هم يقولون: النكاح عقد معاوضة، فالزوج يبذل العوض وهو المهر، والزوجة تبذل المعوض وهو الاستمتاع، فهو عقد معاوضة، ويرتبون عليه أحكاماً كثيرة، مثل النفقات وغير ذلك من الأحكام، لكن ابن القيم رحمه الله لم يرتض ذلك، وكذلك أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ذكرا أن عقد النكاح ليس عقد معاوضة.

على كل حال، على كلام المؤلف رحمه الله نقول من باب التقسيم: إنه إذا ملك المنفعة بعقد معاوضة مؤبد، ثم ملك العين، فما حكم العقد الأول؟ نقول: بأنه ينفسخ.

القسم الثاني: أن يملك المنفعة بعقد معاوضة غير مؤبد، ثم بعد ذلك يملك الرقبة، فهنا لا ينفسخ العقد الأول.

مثال ذلك: رجل استأجر دكاناً أو بيتاً ثم بعد ذلك اشترى هذا البيت، أو الدكان، أي أنه بعد أن استأجر اشترى، فهو الآن ملك المنفعة بعقد معاوضة، والإجارة من عقود المعاوضات، وهذا العقد ليس مؤبداً لأنه لفترة، يعني هو اشترى الآن المنافع لفترة مؤقتة فهو ليس عقداً مؤبداً، ثم بعد ذلك اشترى الرقبة.

مادام أنه عقد معاوضة غير مؤبد فنقول: بأن العقد الأول لا ينفسخ، فكونه طرأ عليه العقد الثاني وهو ملك الرقبة لا ينفسخ بسببه، إذاً: ما ثمرة قوله: لا ينفسخ؟

نقول: ما دام أنه عقد إجارة فإنه يأخذ أحكام الإجارة في هذه الفترة، فلو تبين أن في المنافع عيباً رجع بأرش الإجارة، وكذلك أيضاً لو حصل تلف لهذه العين في مدة الإجارة فهل الضمان يكون على المستأجر أو على المؤجر؟ يكون على المؤجر، مادام أن المستأجر لم يتعد ولم يفرط، لكن لو قلنا بأنه انفسخ عقد الإجارة وأصبح كل عقد بيعاً، ثم حصل تلف في هذه العين فإنه يكون من ضمان المشتري؛ لأنها دخلت في ملكه وأصبحت الآن من ضمان المشتري.

خلاصة القسم الثاني: إذا ملك المنفعة بعقد معاوضة غير مؤبد ثم ملك الرقبة بعد ذلك، فنقول: بأن العقد الأول لا ينفسخ، وفي مدة الإجارة يأخذ أحكام الإجارة، وما بعد ذلك يأخذ أحكام البيع.

القسم الثالث: أن يملك المنفعة بغير عقد معاوضة، ثم بعد ذلك يملك الرقبة.

مثال ذلك: رجل وصي له بمنافع رقيق، زيد أوصى لعمرو وقال: هذا الرقيق يخدم عمراً لمدة شهر أو شهرين، الآن عمرو يملك هذه المنافع بالإيصاء، أي: بعقد غير معاوضة.. عقد تبرع، ثم بعد ذلك ذهب الموصى له واشترى هذا الرقيق، اشترى هذه العين، فهل ينفسخ عقد الوصية؟

عقد الوصية لا ينفسخ ما دام أنه ملك المنافع بالعقد الأول بغير عقد معاوضة عقد تبرع، ثم ملك الرقبة، لما ملك الموصى له الرقبة بالشراء، وفي وقت الوصية تثبت أحكام الوصية ثم بعد ذلك تثبت أحكام الشراء.

ومثل ذلك أيضاً: لو وهبت له منافع هذا البيت، لك أن تسكن في هذا البيت لمدة سنة، ثم ذهب واشتراه، الآن ملك المنافع بعقد معاوضة أم عقد تبرع؟

ملك المنافع بعقد تبرع، الآن لما اشترى هذا البيت هل ينفسخ العقد الأول أو لا ينفسخ؟ نقول: بأن العقد الأول لا ينفسخ، وعلى هذا تثبت للعقد الأول أحكام الهبات، والتبرعات، وتثبت للعقد الثاني أحكام البيع.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [من استأجر عيناً ممن له ولاية الإيجار ثم زالت ولايته قبل انقضاء المدة فهل تنفسخ الإجارة؟

هذا قسمان:

أحدهما: أن تكون إجارته بولاية محضة, فإن كان وكيلاً محضاً فالكلام في موكله دونه.

وإن كان مستقلاً بالتصرف فإن انتقلت الولاية إلى غيره لا تنفسخ الإجارة; لأن الولي الثاني يقوم مقام الأول كما يقوم المالك الثاني مقام الأول, وإن زالت الولاية عن المولى عليه بالكلية كصبي يبلغ بعد إيجاره أو إيجار عقاره والمدة باقية, ففي الانفساخ وجهان: أشهرهما عدمه، وقول القاضي: أن تكون إجارته بملك ثم تنتقل إلى غيره, وهو أنواع].

هذه القاعدة في الإجارة إذا اختلف المؤجر، هل تنفسخ الإجارة أو لا تنفسخ الإجارة؟ أضرب مثلاً:

رجل وكل رجلاً أن يؤجر بيته، وبعد أن تم عقد الإجارة عزل المالك الوكيل ووكل غيره، فهل ينفسخ عقد الإجارة الأول أو لا ينفسخ؟ مع أنه تبدل المؤجر، والآن الوكيل الأول انتهى وأصبح هناك وكيل آخر غيره يتولى التأجير فهل ينفسخ عقد الإجارة الأول أو لا ينفسخ؟

هذه القاعدة تحتها سبعة أقسام:

إجارة من له ولاية محضة

قول المؤلف رحمه الله تعالى: (أن تكون إجارته بولاية محضة).

المراد بالولاية المحضة أي ليس له شيء من ملك الرقبة، فالذي أجر هنا ليس له شيء من ملك الرقبة، كالوكيل مثلاً أو الولي على الأيتام، أو ناظر الوقف أو الوصي، أي: هو الذي يملك مجرد العقد لكنه يملك الرقبة أي العين، فهذا معنى قوله: (ولاية محضة) يعني ليس له شيء من ملك الرقبة.

قوله: (فإن كان وكيلاً محضاً فالكلام في موكله دونه).

هذا القسم الأول: أن يكون المؤجر الوكيل ثم ينعزل، فنقول: بأن الإجارة لا تنفسخ.

مثال ذلك: رجل وكل رجلاً في أن يؤجر بيته أو دكانه فأجره الوكيل لمدة سنة أو سنتين ثم بعد ذلك فسخت الوكالة وعزل، ما حكم عقد الإجارة الذي نفذه هل هو باق أو أنه ينفسخ؟

نقول: بأنه باطل؛ لأن الأصل صحة التصرفات، فكونه تغير الوكيل هذا لا يؤثر على عقد الإجارة، هذا القسم الأول.

إجارة من له تصرف مستقل

القسم الثاني: قوله: (وإن كان مستقلاً بالتصرف فإن انتقلت الولاية إلى غيره لم تنفسخ؛ لأن الولي الثاني يقوم مقام الأول كما يقوم المالك الثاني مقام الأول).

أي: أن يكون المؤجر هو الولي، ثم بعد ذلك انتقلت الولاية إلى غيره.

مثال ذلك: هذا الرجل ولي على أيتام، أو ولي على هؤلاء القصر من السفهاء والمجانين فأجر بيتهم ثم بعد ذلك انفسخت ولايته، مثلاً: عزله القاضي، أو هو فسخ الولاية ونحو ذلك، فما حكم عقد الإجارة؟

وهذا الفسخ هل يؤثر على عقد الإجارة أو لا يؤثر عليها؟ هذا لا يؤثر على عقد الإجارة، ويبقى عقد الإجارة صحيحاً، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (لأن الولي الثاني يقوم مقام الأول كما يقوم المالك الثاني مقام الأول) فالولي الثاني الآن يقوم مقام الأول في تنفيذ عقد الإجارة واستلام الأجرة، أما بالنسبة لعقد الإجارة فإنه يبقى كما هو عليه.

زوال الولاية أثناء عقد الإجارة

القسم الثالث: قال: (وإن زالت الولاية عن المولى عليه بالكلية، كصبي بلغ بعد إجارة أو إيجار عقاره والمدة باقية، ففي الانفساخ وجهان).

مثال ذلك: عندنا يتيم، والولي عليه زيد من الناس -مثلاً أخوه- والذي أجر عقار هذا اليتيم لمدة سنة، ثم بلغ اليتيم الآن، فلما بلغ اليتيم زالت الولاية عنه، والله عز وجل يقول: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]. ما دام أنه الآن بالغ ورشيد فليس لأحد عليه ولاية، فكونه زالت الولاية عنه أصبح الآن رشيداً له حق التصرف بنفسه، بلغ: حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6].. وآنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا [النساء:6] أي: رشيد يحسن التصرف، فهذا الولي قبل أن يبلغ الصبي أجر العقار لمدة سنة أو سنتين، فهنا زالت الولاية عن هذا اليتيم، هل يؤثر هذا على عقد الإجارة؟

يقول المؤلف رحمه الله: فيه وجهان، أشهرهما على المذهب أن هذا لا يؤثر على عقد الإجارة، ويبقى عقد الإجارة على ما هو عليه، هذا إذا أجر عقاره.

كذلك أيضاً لو أجره، قال المؤلف: (لصبي بلغ بعد إجارة أو إيجار عقاره)، يعني: أجر الصبي بأن جعل الصبي يشتغل ويعمل، فمثلاً أجره بألف لمدة سنة أو سنتين ثم بعد ذلك بلغ الصبي، فهل هذا يؤثر على عقد الإجارة أو لا يؤثر عليها مع أنه زالت الولاية عنه؟

نقول: لا يؤثر على عقد الإجارة ويبقى عقد الإجارة صحيحاً؛ لأن الأصل صحة تصرفات الولي.

لكن يبقى مسألة وهي أن الولي لا يملك أن يؤجر الصبي سنوات يظن أنها تزول ولايته أو يعلم أنها تزول ولايته فيها، مثلاً هو يعرف أن هذا الصبي سيبلغ بعد سنة ثم يؤجره لمدة عشر سنوات، فللصبي إذا بلغ أن يفسخ؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولكن يملك أن يؤجر لمدة سنة، أو لمدة سنتين ونحو ذلك، لكن كونه يؤجره مدة طويلة يغلب على الظن أو يعلم أن المولى عليه تزول الولاية عنه في هذه الفترة نقول: هو لا يملك ذلك.

انتقال الملك أثناء عقد الإجارة

قول المؤلف رحمه الله: (والضرب الثاني: أن تكون إجارته بملك ثم تنتقل إلى غيره وهو أنواع).

أي: أن تكون إجارته لا بالولاية وإنما على سبيل الملك, وما تقدم قال: إجارته على سبيل الولاية، أما الآن إجارته على سبيل الملك، فمثلاً: هذا رجل يملك هذا البيت فأجره ثم بعد ذلك انتقل الملك عنه، باعه، أو وهبه، أو وقفه.. نقل الملك فيه فما حكم عقد الإجارة؟ وهل يؤثر كونه انتقل أو لا يؤثر؟

هذا لا يؤثر، والمشتري الثاني يقوم مقام المالك الأول في استحقاق القسط، يعني: قبل عقد البيع قسط الأجرة يكون للمالك الأول، وبعد العقد يكون للثاني، لكن لو أن الثاني ما علم أنه مؤجر فله حق الخيار، هذا القسم الرابع.

انتقال الوقف أثناء عقد الإجارة

القسم الخامس: إذا أجر الموقوف عليه ثم انتقل الوقف إلى البطن الثاني.

مثال ذلك: هذا رجل قال: هذا البيت وقف على زيد ثم على عمرو، أو وقف على هذه الجمعية، ثم على هذه الجمعية، وزيد أخذه قال: هذا وقف على زيد، وزيد له منافع هذا البيت، له أن يستوفيها بنفسه، وله أن يستوفيها بنائبه بأن يؤجره أو يعيره، أو يهب المنافع فهو مالك المنافع.

إذا أجره لمدة سنة ثم مات زيد فانتقل إلى عمرو من البطن الثاني، كونه الآن الموقوف عليه انتقل إلى البطن الثاني هل هذا يؤثر على الإجارة أو لا يؤثر على الإجارة؟

هذا لا يؤثر على الإجارة ولا يفسخ عقد الإجارة.

لكن أيضاً نقول: العلماء رحمهم الله يختلفون في الوقف هل يؤجر لمدة طويلة أو لا؟ يعني: البطن الأول هل له أن يؤجر الوقف إلى مدة طويلة؟

لا، ليس له أن يؤجر الوقف إلى مدة طويلة؛ لأنه قد ينقرض البطن الأول ثم بعد ذلك ينتقل البطن الثاني, فيكون هنا تصرف في وقت لا يملك فيه التصرف.

فالبطن الأول الموقوف عليه يملك أن يؤجر لمدة سنة، أو سنتين ونحو ذلك من الأشياء القريبة, ثم بعد ذلك إذا انقرض أو مات انتقل إلى البطن الثاني، والبطن الثاني يقوم مقام البطن الأول في استحقاق قسط الأجرة من حين موت الأول، لكن كونه ينتقل إليه فهل يؤثر على عقد الإجارة أو لا يؤثر على عقد الإجارة؟

نقول: بأنه لا يؤثر على عقد الإجارة.

انتقال الملك إلى طالب الشفعة

القسم السادس: المشتري إذا أجر الشقص فإن هذا لا يؤثر على الشفعة.

مثال ذلك: زيد وعمرو شريكان في أرض، فزيد باع نصيبه لصالح، فصالح الآن ملك نصيب زيد، وذهب وأجره مع أن عمرو الشريك هذا قد يشفع في يوم من الأيام، فما حكم تصرف المشتري وإجارة هذا الشقص؟ نقول: هذا التصرف صحيح، وإذا جاء عمرو وشفع بحيث أنه أخذ الشقص من صالح وأعطاه الذي دفعه لزيد, نقول: بأن هذا لا يؤثر على عقد الإجارة، وعقد الإجارة صحيح.

تأجير المالك للعقار ثم بعد ذلك باعه والمشتري وجد فيه عيباً

القسم السابع والأخير: إذا أجر المالك العقار ثم بعد ذلك باعه، والمشتري وجد فيه عيباً، الآن المشتري اشترى العين المؤجرة فهل تنفسخ الإجارة أو لا تنفسخ؟

لا تنفسخ كما ذكرنا: أن من تصرف بمقتضى الملك يعني: نقل العين التي أجرها بالبيع أو الهبة هذا لا يفسخ الإجارة، فهذا زيد عنده عقار أجره ثم بعد ذلك باعه لعمرو، عقد الإجارة لا يزال باقياً، عمرو وجد فيه عيباً فرده على زيد، هل هذا يؤثر على عقد الإجارة أو لا يؤثر على عقد الإجارة؟ هذا لا يؤثر على عقد الإجارة.

قول المؤلف رحمه الله تعالى: (أن تكون إجارته بولاية محضة).

المراد بالولاية المحضة أي ليس له شيء من ملك الرقبة، فالذي أجر هنا ليس له شيء من ملك الرقبة، كالوكيل مثلاً أو الولي على الأيتام، أو ناظر الوقف أو الوصي، أي: هو الذي يملك مجرد العقد لكنه يملك الرقبة أي العين، فهذا معنى قوله: (ولاية محضة) يعني ليس له شيء من ملك الرقبة.

قوله: (فإن كان وكيلاً محضاً فالكلام في موكله دونه).

هذا القسم الأول: أن يكون المؤجر الوكيل ثم ينعزل، فنقول: بأن الإجارة لا تنفسخ.

مثال ذلك: رجل وكل رجلاً في أن يؤجر بيته أو دكانه فأجره الوكيل لمدة سنة أو سنتين ثم بعد ذلك فسخت الوكالة وعزل، ما حكم عقد الإجارة الذي نفذه هل هو باق أو أنه ينفسخ؟

نقول: بأنه باطل؛ لأن الأصل صحة التصرفات، فكونه تغير الوكيل هذا لا يؤثر على عقد الإجارة، هذا القسم الأول.