شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [11]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [ القاعدة الخمسون: هل يتوقف الملك في العقود القهرية على دفع الثمن أو يقع بدونه مضموناً في الذمة؟ هذا على ضربين:

أحدهما: التملك الاضطراري، كمن اضطر إلى طعام الغير ومنعه وقدر على أخذه، فإنه يأخذه مضموناً، سواء كان معه ثمن يدفعه في الحال أو لا؛ لأن ضرره لا يندفع إلا بذلك.

والثاني: ما عداه من التمليكات المشروعة لإزالة ضرر ما، كالأخذ بالشفعة، وأخذ الغراس، والبناء من المستعير، والمستأجر، والزرع من الغاصب، وتقويم الشقص من العبد المشترك إذا قيل: إنه تملك يقف على التقويم، وكالفسوخ التي يستقل بها البائع بعد قبض الثمن يتخرج ذلك كله على وجهين.

تنبيه: الأملاك القهرية تخالف الاختيارية من جهة أسبابها وشروطها وأحكامها، ويملك ما لا يتملك بها ].

تنقسم هذه القاعدة إلى قسمين:

ما لا يتوقف فيه الملك على دفع الثمن

القسم الأول: ما يحصل به التملك وإن لم يدفع العوض، فهذا مثل عقود البيع، والإجارة، والنكاح.. فهذه يحصل بها التملك، يعني يحصل بها ملكٌ وإن لم تدفع العوض، ولكن إذا أعسر بالعوض فللعاقد الآخر الفسخ.

مثلاً: اشترى سيارة، فقد ملك السيارة وإن لم يدفع العوض، ولكن للبائع أن يفسخ إذا أعسر بالعوض.

مثال آخر: استأجر بيتاً، فقد ملك المنافع، ولكن للمؤجر أن يفسخ إذا أعسر بالأجرة.

مثال آخر أيضاً: تزوج امرأة، فقد ملك الاستمتاع، ولكن للمرأة الحق في الفسخ إذا أعسر بالمهر.

ومن ذلك أيضاً -يعني الذي لا يشترط له دفع العوض- قال: (التملك الاضطراري، كمن اضطر إلى طعام الغير، ومنعه وقدر على أخذه، فإنه يأخذه مضموناً، سواءٌ كان معه ثمن يدفعه في الحال أو لا؛ لأن ضرره لا يندفع إلا بذلك).

أي: من اضطر إلى طعام الغير، مثاله: هذا رجلٌ في مسغبة، واضطر إلى طعام الغير وليس معه دراهم، فإذا أكل الطعام فالمشهور من المذهب أنه يضمن مطلقاً.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله: إن كان غنياً فإنه يضمن، وإن لم يكن غنياً فإنه لا ضمان عليه؛ لأنه يرى أن إطعام الجائع وكسوة العاري هذه من فروض الكفايات.

ما يتوقف فيه الملك على دفع الثمن

القسم الثاني: ما يتوقف فيه الملك على دفع الثمن، قال: (كالأخذ بالشفعة).

صورة ذلك: لو أن زيداً وعمراً شريكان في أرض، وزيد باع نصيبه على صالح، فعمرو له أن يشفع، قال: شفعتك، فنقول له: أعطنا الدراهم، فأنت ما تملك حتى تعطينا الدراهم، فإن دفع الدراهم ملك، أما إذا لم يدفع فلا ملك له؛ لأنه لما أقول: تشفع، وما معك شيء، فليس لك حق في الشفعة؛ فالشفيع له أن يشفع على المشتري ولكن إذا دفع الدراهم.

قال: (وأخذ الغراس والبناء من المستعير والمستأجر).

مثلاً: أنت أعرت زيداً أرضاً لمدة سنتين، فغرس فيها غراساً، ثم انتهت السنتان، لو انتهت السنتان قلنا للمستعير: أنت بالخيار: إما أن تبقيه، وإما أن تأخذه، فإن قال: سآخذه، قلنا له: خذ، وإن قال: سأبقيه، قلنا لصاحب الأرض: هل تريد أن تتملكه أو لا؟ فإن قال: أريد أن أتملكه، قلنا له: ادفع الثمن، فهو لم يتملك الغراس والبناء إلا بدفع العوض.

فإن قال: لا أريد أن أتملكه، قلنا له: إما أن نقلعه وعليك أرش النقص، أو يعطيك قيمة الأرض.

قال: (والزرع من الغاصب).

مثاله: لو أن رجلاً غصب أرضاً ثم زرعها، ثم تاب إلى الله عز وجل، النبي صلى الله عليه وسلم حكم كما في حديث رافع بن خديج ، بأن الزرع يكون للمالك بقيمته، فإن قال المالك: أنا أريد أرضي، فنقول للمالك: أنت مخير؛ إما أن تملك الزرع، أو تبقيه حتى يحصد الغاصب ولك الأجرة، فإن قال: لا، أنا أريد أن أتملك، قلنا له: أعطنا القيمة، فإن قال: أنا لا أريد التملك، قلنا له: الزرع يكون للغاصب وعليه الأجرة.

قال: (وتقويم الشقص من العبد المشترك إذا قيل: إنه تملك يقف على التقويم).

صورة المسألة: عندنا رقيق شريك بين زيد وعمرو، جاء عمرو وقال: نصيبي لله عز وجل، فنقول: يسري عليك، بحيث أن الرقيق يكون كله حر وولاؤه يكون لك، لكنه يملك إعتاق جميع الرقيق إذا دفع قيمة النصيب للشريك الآخر، فإن لم يدفع وجاء الشريك الآخر وأعتق نصيبه صح إعتاقه.

قال: (وكالفسوخ التي يستقل بها البائع قبل قبض الثمن، يتخرج ذلك كله على وجهين).

مثاله: زيد باع سيارته على عمرو، وقال: لي الخيار لمدة يومين وأخذ الدراهم، ثم بعد أن مضى يوم فسخ البائع، ففسخه ليس صحيحاً حتى يرد الثمن للمشتري، أو وجد في ثمن البيع عيباً ثم فسخ، فنقول له: ما تملك الفسخ حتى ترد الثمن للمشتري، وإلا يكون فيه تلاعب ويضيع حق المشتري.

وقول المؤلف رحمه الله في أول القاعدة: (العقود القهرية)، يعني: غير الاختيارية، وتكون جبراً على المالك.

الفرق بين التملك القهري والتملك الاختياري

وقول المؤلف: (الأملاك القهرية تخالف الاختيارية)، وهذا يفيد أن التملك ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: تملك قهري.

والقسم الثاني: تملك اختياري.

فالتملك القهري يكون بغير رضا المالك، وأما التملك الاختياري فيكون برضا المالك.

مثال التملك القهري كما تقدم لنا: الأخذ بالشفعة، فالمضطر إذا اضطر إلى طعام الغير.. فكل هذه تملكات قهرية.

والاختيارية هي التي تكون برضا المالك.

والأملاك القهرية تخالف الاختيارية من جهة أسبابها، فالأسباب مختلفة؛ فهنا اضطرار وهنا اختيار، وهنا تملك لمال الأجنبي، والاختيار ليس فيه تملك لمال الأجنبي، وكذلك مختلفة من جهة شروطها.

فالاختيارية يشترط فيها من الضبط والتحرير ما لا يشترط في القهرية، فمثلاً في الاختيارية: لا بد أن يكون العلم بالثمن، ولكن في القهرية ليس كذلك، مثلاً: زيد وعمرو شريكان في أرض، زيد باع على صالح، فعمرو له الحق أن يشفع؛ لأن الشفعة نوع من الشراء، ولكنه ما يدري بكم اشترى، لكن لما علم أن شريكه باع، قال: شفعت، فنحن لا ندري قد يكون المشتري اشترى بألف، وقد يكون اشترى بخمس مائة، فإذا شفع فعليه أن يعطيه الدراهم التي أعطاها لشريكه، ومع ذلك فهذا مجهول، يقول: هذا يختلف. فقوله: (وشروطها)، يعني أن الاختيارية يشترط فيها ما لا يشترط في القهرية.

قال: (وأحكامها) في البيع الاختياري يملك وإن لم يدفع الثمن، لكن الاضطراري لا يملك بدفع الثمن.

قال: (ويملك ما لا يملك بها) يعني: القهرية، فهناك أشياء ما تملكها بالاختياري، لكن تملكها بالقهري، فمثلاً: المصحف لا يصح أنك تشتري المصحف، ولكن لو ورثته صح؛ لأن الملك بالميراث -كما يقول الفقهاء- ملك قهري، يعني يدخل في ملكك وبغير اختيارك، فإذا مات قريبك دخل ماله في ملكك وبغير اختيارك، فإذا كان -مثلاً- حيواناً يحتاج إلى نفقة، يجب أن تنفق عليه. ومثله أيضاً: المحرم في الاختيار ليس له أن يشتري الصيد، إذا كان محرماً، ولكن لو مات قريبه وعنده غزالة، دخلت في ملكه؛ لأنه ملكها عن طريق القهر، ولكن عن طريق الاختيار ليس له أن يشتري.

القسم الأول: ما يحصل به التملك وإن لم يدفع العوض، فهذا مثل عقود البيع، والإجارة، والنكاح.. فهذه يحصل بها التملك، يعني يحصل بها ملكٌ وإن لم تدفع العوض، ولكن إذا أعسر بالعوض فللعاقد الآخر الفسخ.

مثلاً: اشترى سيارة، فقد ملك السيارة وإن لم يدفع العوض، ولكن للبائع أن يفسخ إذا أعسر بالعوض.

مثال آخر: استأجر بيتاً، فقد ملك المنافع، ولكن للمؤجر أن يفسخ إذا أعسر بالأجرة.

مثال آخر أيضاً: تزوج امرأة، فقد ملك الاستمتاع، ولكن للمرأة الحق في الفسخ إذا أعسر بالمهر.

ومن ذلك أيضاً -يعني الذي لا يشترط له دفع العوض- قال: (التملك الاضطراري، كمن اضطر إلى طعام الغير، ومنعه وقدر على أخذه، فإنه يأخذه مضموناً، سواءٌ كان معه ثمن يدفعه في الحال أو لا؛ لأن ضرره لا يندفع إلا بذلك).

أي: من اضطر إلى طعام الغير، مثاله: هذا رجلٌ في مسغبة، واضطر إلى طعام الغير وليس معه دراهم، فإذا أكل الطعام فالمشهور من المذهب أنه يضمن مطلقاً.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله: إن كان غنياً فإنه يضمن، وإن لم يكن غنياً فإنه لا ضمان عليه؛ لأنه يرى أن إطعام الجائع وكسوة العاري هذه من فروض الكفايات.

القسم الثاني: ما يتوقف فيه الملك على دفع الثمن، قال: (كالأخذ بالشفعة).

صورة ذلك: لو أن زيداً وعمراً شريكان في أرض، وزيد باع نصيبه على صالح، فعمرو له أن يشفع، قال: شفعتك، فنقول له: أعطنا الدراهم، فأنت ما تملك حتى تعطينا الدراهم، فإن دفع الدراهم ملك، أما إذا لم يدفع فلا ملك له؛ لأنه لما أقول: تشفع، وما معك شيء، فليس لك حق في الشفعة؛ فالشفيع له أن يشفع على المشتري ولكن إذا دفع الدراهم.

قال: (وأخذ الغراس والبناء من المستعير والمستأجر).

مثلاً: أنت أعرت زيداً أرضاً لمدة سنتين، فغرس فيها غراساً، ثم انتهت السنتان، لو انتهت السنتان قلنا للمستعير: أنت بالخيار: إما أن تبقيه، وإما أن تأخذه، فإن قال: سآخذه، قلنا له: خذ، وإن قال: سأبقيه، قلنا لصاحب الأرض: هل تريد أن تتملكه أو لا؟ فإن قال: أريد أن أتملكه، قلنا له: ادفع الثمن، فهو لم يتملك الغراس والبناء إلا بدفع العوض.

فإن قال: لا أريد أن أتملكه، قلنا له: إما أن نقلعه وعليك أرش النقص، أو يعطيك قيمة الأرض.

قال: (والزرع من الغاصب).

مثاله: لو أن رجلاً غصب أرضاً ثم زرعها، ثم تاب إلى الله عز وجل، النبي صلى الله عليه وسلم حكم كما في حديث رافع بن خديج ، بأن الزرع يكون للمالك بقيمته، فإن قال المالك: أنا أريد أرضي، فنقول للمالك: أنت مخير؛ إما أن تملك الزرع، أو تبقيه حتى يحصد الغاصب ولك الأجرة، فإن قال: لا، أنا أريد أن أتملك، قلنا له: أعطنا القيمة، فإن قال: أنا لا أريد التملك، قلنا له: الزرع يكون للغاصب وعليه الأجرة.

قال: (وتقويم الشقص من العبد المشترك إذا قيل: إنه تملك يقف على التقويم).

صورة المسألة: عندنا رقيق شريك بين زيد وعمرو، جاء عمرو وقال: نصيبي لله عز وجل، فنقول: يسري عليك، بحيث أن الرقيق يكون كله حر وولاؤه يكون لك، لكنه يملك إعتاق جميع الرقيق إذا دفع قيمة النصيب للشريك الآخر، فإن لم يدفع وجاء الشريك الآخر وأعتق نصيبه صح إعتاقه.

قال: (وكالفسوخ التي يستقل بها البائع قبل قبض الثمن، يتخرج ذلك كله على وجهين).

مثاله: زيد باع سيارته على عمرو، وقال: لي الخيار لمدة يومين وأخذ الدراهم، ثم بعد أن مضى يوم فسخ البائع، ففسخه ليس صحيحاً حتى يرد الثمن للمشتري، أو وجد في ثمن البيع عيباً ثم فسخ، فنقول له: ما تملك الفسخ حتى ترد الثمن للمشتري، وإلا يكون فيه تلاعب ويضيع حق المشتري.

وقول المؤلف رحمه الله في أول القاعدة: (العقود القهرية)، يعني: غير الاختيارية، وتكون جبراً على المالك.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [13] 2635 استماع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [1] 2283 استماع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [15] 2093 استماع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [7] 2084 استماع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [19] 2059 استماع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [12] 2011 استماع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [8] 2007 استماع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [14] 1934 استماع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [17] 1876 استماع
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [18] 1860 استماع