خطب ومحاضرات
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [12]
الحلقة مفرغة
تقدم لنا القسم الأول في القاعدة الثانية والخمسين: إذا ملك متى يجوز له أن يتصرف قبل القبض؟ وتكلمنا عن عقد البيع، وتبين لنا أن الكلام إما أن يكون عن الثمن، وإما أن يكون عن المثمن، وكل منهم تحته أنواع، وقد تقدم الكلام عليها والتفصيل فيها.
ثم بعد ذلك شرع المؤلف رحمه الله تعالى فيما قال: (فأما غير المبيع من عقود المعاوضات فهي ضربان: ما يخشى انفساخ العقد بتلفه قبل قبضه كالأجرة المعينة).
إذا تلفت الأجرة فالمؤجر له أن يفسخ؛ لأن الإجارة بيع المنافع، والمنافع تقبض شيئاً فشيئاً، فله الحق في الفسخ، ومثله أيضاً قال: (والعوض في الصلح بمعنى البيع ونحوها، فحكمه حكم البيع).
معنى كلامه: إذا تلف فيه العوض يخشى فيه الانفساخ لتلفه فهذا حكمه حكم البيع، وعلى هذا نرجع هذا القسم إلى القسم الأول.
التصرف فيما لا يخشى انفساخ بتلفه قبل قبضه
الوجه الأول: يجوز التصرف قبل القبض.
والوجه الثاني: لا يجوز.
والصواب أنه يجوز؛ فعندك ما مثل به المؤلف رحمه الله: الصداق، فلو أن رجلاً تزوج امرأةً وأصدقها ألف دينار، وقبل أن تقبضها هل لها أن تتصرف فيها أو ليس لها أن تتصرف؟ المؤلف يقول: فيه وجهان، والصواب: أن لها التصرف؛ لأن المنع إنما ورد في البيع، فهذه المرأة إذا أصدقها زوجها سيارةً أو أصدقها أرضاً أو أصدقها دنانير... ونحو ذلك، وقبل أن تقبض هذا المهر، نقول: لها أن تتصرف، ولها أن تبيع، ولها أن توقف، ولها أن تهب... إلى آخره.
ومثله أيضاً: وعوض الخلع، فلو أنها خالعت زوجها على أن تعطيه عوضاً، فهل له أن يتصرف في هذا العوض؟ يعني قالت: اخلعني ولك سيارة، فهل له أن يتصرف قبل قبض هذه السيارة؟ نقول: نعم.
وقال: (والعتق) قال: أعتق رقيقك وأعطك كذا وكذا، هل له أن يتصرف في هذا العوض أو لا؟ نقول: نعم له أن يتصرف.
وقال: (والمصالح به عن دم العمد)، فلو أن شخصاً قتل شخصاً عمداً، ثم بعد ذلك صالح القاتل أولياء الدم على أن يعطيهم مثلاً أرضاً، أو يعطيهم مثلاً عشر سيارات وألا يقتل، فهل لأولياء الدم أن يتصرفوا في هذه الأرض أو في هذه السيارات أو في هذه الدراهم قبل قبضها أو ليس لهم ذلك؟ نقول: لهم ذلك؛ لأن الشارع إنما منع في البيع فقط.
التصرف في العقود التي يثبت بها الملك من غير عوض
هذا القسم الرابع: العقود التي يثبت بها الملك من غير عوض، يعني: عقود التبرعات.
والخلاصة في عقود التبرعات أنه يصح التصرف فيها قبل قبضها.
قال المؤلف: [فأما الوصية فيجوز التصرف فيها بعد ثبوت الملك وقبل القبض باتفاق الأصحاب].
فلو أن رجلاً أوصى لرجل وقال: إذا مت فأعطوا زيداً كتابي، أو أعطوه سيارةً من سياراتي، أو أعطوه سيارة.. إلى آخره، ولما مات قبل الموصى له، الآن هل للموصى له أن يتصرف بهذه الوصية بأن يبيعها وأن يوقفها وأن يهبها، أو ليس له أن يتصرف فيها؟ نقول: له أن يتصرف فيها.
ومثل ذلك الهبة، لو أنه وهبه سيارة وقبل أن يقبضها باعها، هل يصح ذلك أو لا يصح؟ نقول: يصح؛ لأن المنع إنما جاء في البيع، كما جاء في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام حتى يقبضه)، يعني: حتى يستوفيه.
قال: (القرض)، لو أنه أقرضه براً أو شعيراً أو دراهم، وقبل أن يقبض القرض تصرف فيه، هل يصح هذا التصرف أو لا يصح؟ نقول: بأنه يصح.
التصرف في غير العقود بعد ثبوت الملك
هذا القسم الخامس: الملك بغير عقد، أي ما يملكه الشخص بغير عقد هل له أن يتصرف فيه أو ليس له أن يتصرف فيه؟
قال المؤلف رحمه الله: [أما الملك بغير عقد كالميراث والغنيمة والاستحقاق من مال الوقف أو الفيء للمتناولين منه كالمرتزقة في ديوان الجند، وأهل الوقف المستحقين له، فإذا ثبت لهم الملك وتعين مقداره، جاز لهم التصرف فيه قبل القبض بغير خلاف].
إذاً القسم الخامس: إذا ثبت الملك بغير عقد، جاز لمن ثبت له الملك أن يتصرف فيه.
فمن ثبت له الملك وتعين مقداره فله أن يتصرف فيه، ومثل المؤلف رحمه الله مثل: (الميراث إذا ثبت)، فلو مات هذا الرجل وخلف ثلاثة أولاد، فكل ولد من الأولاد له ثلث التركة، فالتركة دخلت في ملك الورثة وتعين مقداره، وعرف أن له الثلث، فهل له أن يتصرف في نصيبه أو ليس له أن يتصرف؟ نقول: له أن يتصرف.
ومثله أيضاً: الوقف على الفقراء، أو الوقف على طلبة العلم، فلو عندنا هذا البيت وقف على طلبة العلم، أو هذا النخل وقف على طلبة العلم، وطلبة العلم في هذا المسجد خمسة، فلكل منهم خمس الثمرة، فنقول: ما دام أن الآن ثبت له الملك وتعين مقداره، فله أن يتصرف فيه وإن لم يقبض، يعني: الموقوف عليه له أن يتصرف في نصيبه وإن لم يقبض ما دام أنه ثبت الملك وتعين له مقداره.
ومثل ذلك أيضاً: الاستحقاق أو الفيء؛ فالفيء يقسم على المسلمين، فلو أن الإمام قسم مال الفيء على أهل هذه البلدة وتعين مقدار كل واحد، فله أن يتصرف فيه.
التصرف في غير العقود قبل ثبوت الملك
فالقسم السادس: ألا يوجد سبب الملك، مثلاً: أحد الورثة باع نصيبه من الميراث قبل موت مورثه، هل وجد سبب الملك أو لم يوجد؟ نقول: سبب الملك -بالموت- ما وجد الآن، فأنت قد تموت قبله، فنقول بأن هذا لا يصح، فلو أن أحد الأبناء مثلاً باع نصيبه من ميراث أبيه قبل أن يموت أبوه، نقول بأن هذا لا يصح؛ لأنه لم يثبت الملك ولم يوجد سبب الملك؛ ولأنه قد يموت هذا الوارث قبل المورث.
ومثله أيضاً قال: (والغانمين قبل انقضاء الحرب)؛ لأن الغانمين يملكون الغنيمة بالحيازة، وقيل: يملكونها بالقسمة، فالآن لم يحوزوا الغنيمة، ولم يوجد سبب الملك وهو انقضاء الحرب، فباع هذا الغانم الغازي نصيبه من الغنيمة قبل انقضاء الحرب، فهل يصح هذا أو لا يصح؟ نقول: لا يصح.
وقال أيضاً: [من لا رسم له في ديوان العطاء في الرزق].
مثلاً: إنسان لم يكتب في ديوان العطاء، يعني الإمام إذا كان يوزع بيت المال على المسلمين، وهذا الشخص لم يسجل في ديوان العطاء، وباع نصيبه، نقول: لا يصح. ومثله أيضاً: الموظف لو باع راتبه قبل أن يتعين في هذه الوظيفة، فهل يصح أو لا يصح؟ نقول: لا يصح؛ لأنه حتى الآن لم يوجد سبب الملك.
التصرف في غير العقود بعد ثبوت الملك وقبل الاستقرار
فسبب الملك وجد وهو الحيازة، فقد حاز الغانمون الغنيمة، فالآن وجد السبب، لكنها لم تقسم الغنيمة، فلو قسمت الغنيمة وتعين مقداره صح أن يعاوض عليه، لكن حتى الآن ما قسمت، هل يجوز أو لا يجوز؟
فالمؤلف رحمه الله يرى أنه لا يجوز، حتى بعد وجود السبب إذا لم يتعين مقداره، فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: بأن هذا لا يجوز.
قال رحمه الله: [والمرتزقة قبل حلول العطاء]، يعني: الذين يرزقهم الإمام من بيت المال ولم يأت وقت العطاء، هل يجوز أن يبيعوا حقهم من بيت المال أو لا يجوز؟ فالسبب موجود؛ وهو أنهم قد كتبوا في العطاء، يعني: سجلوا في العطاء، لكنه حتى الآن ما جاء وقت العطاء، لكن السبب موجود، فهل يجوز أن يبيعوا نصيبهم؟
ومثل ذلك أيضاً: الموظف لو تصرف في راتبه قبل حلول الشهر، هل يجوز هذا أو لا يجوز؟ فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: (بأن هذا لا يجوز).
قال رحمه الله: [فقال ابن أبي موسى: لا يجوز بيع العطاء قبل قبضه، ولا بيع الصك بعين ولا ورق قولاً واحداً].
الصك هو: السند الذي يأخذه الإنسان من بيت المال -وقد كان هذا في الزمن السابق- ليدل على أنه يريد من بيت المال كذا وكذا من الدنانير، فإذا باعه بدنانير أو بذهب أدى هذا إلى الوقوع في الربا؛ لأنه لا بد من التقابض يداً بيد، فعندما تبادل عملة بعملة لا بد أن تكون يداً بيد، وهنا لا يوجد تقابض، فأنت تبيع الآن ديناً بدنانير حاضرة، أي: دنانير غائبة بدنانير حاضرة، أو دراهم حاضرة بدنانير غائبة، نقول: هذا لا يجوز.
قال رحمه الله: [وإن باعه بعروض جاز في إحدى الروايتين إذا قبض العروض قبل أن يتفرقا، ومنع منه في الأخرى].
إذا باعه بعروض يقول المؤلف رحمه الله بأن هذا جائز ولا بأس به وهو الصواب؛ لأنك الآن بعت الدين.
إذا باعه بعروض فنقول: يجوز بيع الدين بعرض بشرطين.
وقبل أن نذكر الشروط، نذكر أقسام بيع الدين فهو ينقسم إلى قسمين:
بيع الدين على بيعه على من هو عليه وبيعه على غير من هو عليه من هو عليه
أنت تريد من زيد ألف دينار، قلت: أعطني ألف دينار، قال: ما عندي ألف دينار لكن عندي دولارات فأنا أعطيك دولارات، فالآن أنت بعت الدينارات عليه بالدولارات، قال: أنا ما عندي دينارات لكن أنا سأعطيك دولارات أو سأعطيك ريالات، فالآن أنت عوضت عن الدينارات بدولارات وهذا بيع، فإذا كان على من هو عليه يشترط شرطين:
الشرط الأول: أن يكون بسعر يومه. والشرط الثاني: التقابض إذا كان يجري بينهم ربا النسيئة.
ومثال أن يكون بسعر يومه: أنت تريد منه دينارات، فالدينارات كم تساوي بالريالات؟ مثلاً تساوي بالريالات كذا وكذا، فألف دينار مثلاً تساوي كذا من الريالات، المهم أن يكون بسعر يومه.
ومثال اشتراط التقابض إذا كان يجري بينهم ربا النسيئة: العملات، فالعملات تجري بينهما ربا النسيئة، فلا بد من قبض، لكن إذا كان لا يجري بينهما ربا النسيئة فلا يشترط القبض، فأنت تريد منه دينارات، قال: أنا سأعطيك بدلاً من ذلك ثياباً، أو سيارة، أو أرضاً، فهذا يصح وإن لم يكن هناك قبض، لكن لا بد أن يكون بسعر يومه، فأصبح بيع الدين على من هو عليه يشترط فيه شرطان:
الشرط الأول: أن يكون بسعر يومه. والشرط الثاني: القبض إن كان يجري بينهما ربا النسيئة، أما إذا كان لا يجري بينهما ربا النسيئة، مثل عملة بعروض: ثياب، كتب، أرض، سيارة فلا يشترط القبض، لكن لا بد بسعر يومه، لكن عملة بعملة فهذا لا بد من التقابض ما دام أنه يجري بينهما ربا النسيئة، هذا بيع الدين على من هو عليه.
بيع الدين على غير من هو عليه
فنقول: بيع الدين على غير من هو عليه يجوز بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون بسعر يومه كما سلف.
الشرط الثاني: ألا يكون العوضان يجري بينهما ربا النسيئة؛ لأنك تقع في الربا، يعني لا يصح أن تبيع عملة بعملة حتى ولو اختلفت جنسها؛ لأنه لا بد من القبض، وهنا القبض غير ممكن، فمثلاً: أنت تريد من زيد ألف دينار بعتها على عمرو بدولارات، نقول: لا يجوز؛ لأنه لا بد من التقابض، ولا يوجد تقابض هنا، ولو بعت على عمرو بريالات فلا يجوز؛ لأنه لا بد من التقابض، فيشترط ألا يكون العوضان يجري بينهما ربا النسيئة، فإن كان يجري بينهما ربا النسيئة -يعني عند مبادلة أحد للآخر- لا بد من التقابض؛ لأن هذا لا يجوز، فبهذا نعرف أن ما تفعله بعض البنوك -من أنهم يشترون منك الديون عملة بعملة- لا يجوز؛ لأنه أعطاك دراهم بدراهم، والذي يأخذها نسيئة، حتى لو اختلف الجنس ولا يوجد تقابض، فنقول: إنه لا يجوز.
فنقول: الشرط الأول: أن يكون بسعر يومه.
الشرط الثاني: ألا يكون العوضان مما يجري بينهما ربا النسيئة، فإن كان العوضان يجري بينهما ربا النسيئة فإن هذا لا يجوز.
الشرط الثالث: أن يكون المشتري قادراً على أخذه وتحصيله، فالمشتري لا بد أن يكون قادراً على أخذه وتحصيله، فإن كان لا يقدر على أخذه وتحصيله فهذا غلط، ومثل هذا بعض الناس الآن يريد من بعض الشركات أسهماً ويريد ديوناً ثم يبيعها على البنك، وقد تكون هذه الشركة مفلسة ويبيع على شخص وهو مفلس، فالمشتري يدخل وهو مخاطر مغامر إما غانم أو غارم، نقول: بأنه لا يجوز.
فالخلاصة في هذا القسم الأخير: إذا كان بعد وجود السبب وقبل الاستقرار، فيقول المؤلف رحمه الله تعالى بأنه لا يجوز، وأشرنا إلى التصرف في الديون قبل الاستقرار، يعني كتصرف الغانمين قبل القسمة وبعد الحيازة، فيقول المؤلف: لا يجوز، والمرتزقة قبل حلول العطاء فالدين هنا لم يستقر إلا بحلول وقت العطاء، والموظف راتبه لا يستقر إلا بتمام الشهر، فيقول المؤلف: لا يجوز، لكن الديون المستقرة هذه ذكرنا أنها تنقسم إلى قسمين: بيع الدين على من هو عليه، وبيع الدين على غير من هو عليه، وذكرنا التفصيل في هذه المسألة.
القسم الثالث: قال رحمه الله: [ما لا يخشى انفساخ العقد بهلاكه قبل قبضه، مثل: الصداق، وعوض الخلع، والعتق، والمصالح به عن دم العمد، ونحو ذلك فيه وجهان]:
الوجه الأول: يجوز التصرف قبل القبض.
والوجه الثاني: لا يجوز.
والصواب أنه يجوز؛ فعندك ما مثل به المؤلف رحمه الله: الصداق، فلو أن رجلاً تزوج امرأةً وأصدقها ألف دينار، وقبل أن تقبضها هل لها أن تتصرف فيها أو ليس لها أن تتصرف؟ المؤلف يقول: فيه وجهان، والصواب: أن لها التصرف؛ لأن المنع إنما ورد في البيع، فهذه المرأة إذا أصدقها زوجها سيارةً أو أصدقها أرضاً أو أصدقها دنانير... ونحو ذلك، وقبل أن تقبض هذا المهر، نقول: لها أن تتصرف، ولها أن تبيع، ولها أن توقف، ولها أن تهب... إلى آخره.
ومثله أيضاً: وعوض الخلع، فلو أنها خالعت زوجها على أن تعطيه عوضاً، فهل له أن يتصرف في هذا العوض؟ يعني قالت: اخلعني ولك سيارة، فهل له أن يتصرف قبل قبض هذه السيارة؟ نقول: نعم.
وقال: (والعتق) قال: أعتق رقيقك وأعطك كذا وكذا، هل له أن يتصرف في هذا العوض أو لا؟ نقول: نعم له أن يتصرف.
وقال: (والمصالح به عن دم العمد)، فلو أن شخصاً قتل شخصاً عمداً، ثم بعد ذلك صالح القاتل أولياء الدم على أن يعطيهم مثلاً أرضاً، أو يعطيهم مثلاً عشر سيارات وألا يقتل، فهل لأولياء الدم أن يتصرفوا في هذه الأرض أو في هذه السيارات أو في هذه الدراهم قبل قبضها أو ليس لهم ذلك؟ نقول: لهم ذلك؛ لأن الشارع إنما منع في البيع فقط.
قال: [عقود يثبت بها الملك من غير عوض، كالهبة والوصية والصدقة].
هذا القسم الرابع: العقود التي يثبت بها الملك من غير عوض، يعني: عقود التبرعات.
والخلاصة في عقود التبرعات أنه يصح التصرف فيها قبل قبضها.
قال المؤلف: [فأما الوصية فيجوز التصرف فيها بعد ثبوت الملك وقبل القبض باتفاق الأصحاب].
فلو أن رجلاً أوصى لرجل وقال: إذا مت فأعطوا زيداً كتابي، أو أعطوه سيارةً من سياراتي، أو أعطوه سيارة.. إلى آخره، ولما مات قبل الموصى له، الآن هل للموصى له أن يتصرف بهذه الوصية بأن يبيعها وأن يوقفها وأن يهبها، أو ليس له أن يتصرف فيها؟ نقول: له أن يتصرف فيها.
ومثل ذلك الهبة، لو أنه وهبه سيارة وقبل أن يقبضها باعها، هل يصح ذلك أو لا يصح؟ نقول: يصح؛ لأن المنع إنما جاء في البيع، كما جاء في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام حتى يقبضه)، يعني: حتى يستوفيه.
قال: (القرض)، لو أنه أقرضه براً أو شعيراً أو دراهم، وقبل أن يقبض القرض تصرف فيه، هل يصح هذا التصرف أو لا يصح؟ نقول: بأنه يصح.
قال رحمه الله: [فأما الملك بغير عقد كالميراث والغنيمة].
هذا القسم الخامس: الملك بغير عقد، أي ما يملكه الشخص بغير عقد هل له أن يتصرف فيه أو ليس له أن يتصرف فيه؟
قال المؤلف رحمه الله: [أما الملك بغير عقد كالميراث والغنيمة والاستحقاق من مال الوقف أو الفيء للمتناولين منه كالمرتزقة في ديوان الجند، وأهل الوقف المستحقين له، فإذا ثبت لهم الملك وتعين مقداره، جاز لهم التصرف فيه قبل القبض بغير خلاف].
إذاً القسم الخامس: إذا ثبت الملك بغير عقد، جاز لمن ثبت له الملك أن يتصرف فيه.
فمن ثبت له الملك وتعين مقداره فله أن يتصرف فيه، ومثل المؤلف رحمه الله مثل: (الميراث إذا ثبت)، فلو مات هذا الرجل وخلف ثلاثة أولاد، فكل ولد من الأولاد له ثلث التركة، فالتركة دخلت في ملك الورثة وتعين مقداره، وعرف أن له الثلث، فهل له أن يتصرف في نصيبه أو ليس له أن يتصرف؟ نقول: له أن يتصرف.
ومثله أيضاً: الوقف على الفقراء، أو الوقف على طلبة العلم، فلو عندنا هذا البيت وقف على طلبة العلم، أو هذا النخل وقف على طلبة العلم، وطلبة العلم في هذا المسجد خمسة، فلكل منهم خمس الثمرة، فنقول: ما دام أن الآن ثبت له الملك وتعين مقداره، فله أن يتصرف فيه وإن لم يقبض، يعني: الموقوف عليه له أن يتصرف في نصيبه وإن لم يقبض ما دام أنه ثبت الملك وتعين له مقداره.
ومثل ذلك أيضاً: الاستحقاق أو الفيء؛ فالفيء يقسم على المسلمين، فلو أن الإمام قسم مال الفيء على أهل هذه البلدة وتعين مقدار كل واحد، فله أن يتصرف فيه.
هذا القسم السادس: أن يكون الملك بغير عقد. ولا يوجد سبب الملك، ومثل المؤلف قال: [كتصرف الوارث قبل موت مورثه، والغانمين قبل انقضاء الحرب].
فالقسم السادس: ألا يوجد سبب الملك، مثلاً: أحد الورثة باع نصيبه من الميراث قبل موت مورثه، هل وجد سبب الملك أو لم يوجد؟ نقول: سبب الملك -بالموت- ما وجد الآن، فأنت قد تموت قبله، فنقول بأن هذا لا يصح، فلو أن أحد الأبناء مثلاً باع نصيبه من ميراث أبيه قبل أن يموت أبوه، نقول بأن هذا لا يصح؛ لأنه لم يثبت الملك ولم يوجد سبب الملك؛ ولأنه قد يموت هذا الوارث قبل المورث.
ومثله أيضاً قال: (والغانمين قبل انقضاء الحرب)؛ لأن الغانمين يملكون الغنيمة بالحيازة، وقيل: يملكونها بالقسمة، فالآن لم يحوزوا الغنيمة، ولم يوجد سبب الملك وهو انقضاء الحرب، فباع هذا الغانم الغازي نصيبه من الغنيمة قبل انقضاء الحرب، فهل يصح هذا أو لا يصح؟ نقول: لا يصح.
وقال أيضاً: [من لا رسم له في ديوان العطاء في الرزق].
مثلاً: إنسان لم يكتب في ديوان العطاء، يعني الإمام إذا كان يوزع بيت المال على المسلمين، وهذا الشخص لم يسجل في ديوان العطاء، وباع نصيبه، نقول: لا يصح. ومثله أيضاً: الموظف لو باع راتبه قبل أن يتعين في هذه الوظيفة، فهل يصح أو لا يصح؟ نقول: لا يصح؛ لأنه حتى الآن لم يوجد سبب الملك.
القسم الأخير قال المؤلف رحمه الله: [بعد وجود سبب الملك وقبل الاستقرار، كتصرف الغانمين قبل القسمة].
فسبب الملك وجد وهو الحيازة، فقد حاز الغانمون الغنيمة، فالآن وجد السبب، لكنها لم تقسم الغنيمة، فلو قسمت الغنيمة وتعين مقداره صح أن يعاوض عليه، لكن حتى الآن ما قسمت، هل يجوز أو لا يجوز؟
فالمؤلف رحمه الله يرى أنه لا يجوز، حتى بعد وجود السبب إذا لم يتعين مقداره، فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: بأن هذا لا يجوز.
قال رحمه الله: [والمرتزقة قبل حلول العطاء]، يعني: الذين يرزقهم الإمام من بيت المال ولم يأت وقت العطاء، هل يجوز أن يبيعوا حقهم من بيت المال أو لا يجوز؟ فالسبب موجود؛ وهو أنهم قد كتبوا في العطاء، يعني: سجلوا في العطاء، لكنه حتى الآن ما جاء وقت العطاء، لكن السبب موجود، فهل يجوز أن يبيعوا نصيبهم؟
ومثل ذلك أيضاً: الموظف لو تصرف في راتبه قبل حلول الشهر، هل يجوز هذا أو لا يجوز؟ فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: (بأن هذا لا يجوز).
قال رحمه الله: [فقال ابن أبي موسى: لا يجوز بيع العطاء قبل قبضه، ولا بيع الصك بعين ولا ورق قولاً واحداً].
الصك هو: السند الذي يأخذه الإنسان من بيت المال -وقد كان هذا في الزمن السابق- ليدل على أنه يريد من بيت المال كذا وكذا من الدنانير، فإذا باعه بدنانير أو بذهب أدى هذا إلى الوقوع في الربا؛ لأنه لا بد من التقابض يداً بيد، فعندما تبادل عملة بعملة لا بد أن تكون يداً بيد، وهنا لا يوجد تقابض، فأنت تبيع الآن ديناً بدنانير حاضرة، أي: دنانير غائبة بدنانير حاضرة، أو دراهم حاضرة بدنانير غائبة، نقول: هذا لا يجوز.
قال رحمه الله: [وإن باعه بعروض جاز في إحدى الروايتين إذا قبض العروض قبل أن يتفرقا، ومنع منه في الأخرى].
إذا باعه بعروض يقول المؤلف رحمه الله بأن هذا جائز ولا بأس به وهو الصواب؛ لأنك الآن بعت الدين.
إذا باعه بعروض فنقول: يجوز بيع الدين بعرض بشرطين.
وقبل أن نذكر الشروط، نذكر أقسام بيع الدين فهو ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: بيع الدين على من هو عليه.
أنت تريد من زيد ألف دينار، قلت: أعطني ألف دينار، قال: ما عندي ألف دينار لكن عندي دولارات فأنا أعطيك دولارات، فالآن أنت بعت الدينارات عليه بالدولارات، قال: أنا ما عندي دينارات لكن أنا سأعطيك دولارات أو سأعطيك ريالات، فالآن أنت عوضت عن الدينارات بدولارات وهذا بيع، فإذا كان على من هو عليه يشترط شرطين:
الشرط الأول: أن يكون بسعر يومه. والشرط الثاني: التقابض إذا كان يجري بينهم ربا النسيئة.
ومثال أن يكون بسعر يومه: أنت تريد منه دينارات، فالدينارات كم تساوي بالريالات؟ مثلاً تساوي بالريالات كذا وكذا، فألف دينار مثلاً تساوي كذا من الريالات، المهم أن يكون بسعر يومه.
ومثال اشتراط التقابض إذا كان يجري بينهم ربا النسيئة: العملات، فالعملات تجري بينهما ربا النسيئة، فلا بد من قبض، لكن إذا كان لا يجري بينهما ربا النسيئة فلا يشترط القبض، فأنت تريد منه دينارات، قال: أنا سأعطيك بدلاً من ذلك ثياباً، أو سيارة، أو أرضاً، فهذا يصح وإن لم يكن هناك قبض، لكن لا بد أن يكون بسعر يومه، فأصبح بيع الدين على من هو عليه يشترط فيه شرطان:
الشرط الأول: أن يكون بسعر يومه. والشرط الثاني: القبض إن كان يجري بينهما ربا النسيئة، أما إذا كان لا يجري بينهما ربا النسيئة، مثل عملة بعروض: ثياب، كتب، أرض، سيارة فلا يشترط القبض، لكن لا بد بسعر يومه، لكن عملة بعملة فهذا لا بد من التقابض ما دام أنه يجري بينهما ربا النسيئة، هذا بيع الدين على من هو عليه.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [13] | 2632 استماع |
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [1] | 2276 استماع |
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [15] | 2091 استماع |
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [7] | 2083 استماع |
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [19] | 2054 استماع |
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [8] | 2006 استماع |
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [14] | 1933 استماع |
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [11] | 1909 استماع |
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [17] | 1874 استماع |
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [18] | 1857 استماع |