خطب ومحاضرات
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [15]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [القاعدة الخامسة والسبعون: فيمن يرجع بما أنفق على مال غيره بغير إذنه، وهو نوعان:
أحدهما: من أدى واجباً عن غيره.
والثاني: من أنفق على ما تعلق به حقه من مال غيره.
فأما النوع الأول فيندرج تحته صور:
منها: إذا قضى عنه ديناً واجباً بغير إذنه فإنه يرجع به...] إلى آخره.
تقدم لنا في الدرس السابق جملة من القواعد، ومن هذه القواعد قاعدة الأكل من أموال الغير إذا لم يكن هناك إذن، وذكرنا أن هذه القاعدة اشتملت على عدة أقسام منها:
الأكل من الأموال الزكوية كالزروع والثمار، وما هو قدر ما يجوز له أن يأكله، وكذلك أيضاً أكل ولي اليتيم من مال اليتيم، وكذلك أيضاً ناظر الأوقاف والصدقات وأكله منها، وكذلك أكل عامل المضاربة.
وتقدم أيضاً لنا من القواعد: من لا يشترط رضاه لا يشترط علمه، وأن هذه القاعدة يدخل تحتها صور، فمثلاً: الزوجة لا يشترط رضاها بالطلاق فلا يشترط علمها، والرقيق لا يشترط رضاه بالعتق فلا يشترط علمه، يعني: لا يشترط أن يواجهه بالعتق، وكذلك أيضاً المرأة لا يشترط أن يواجهها بالطلاق.
كذلك أيضاً تقدم لنا من القواعد ما يتعلق باشتراط نفع أحد المتعاقدين، وأن المؤلف رحمه الله ذكر تحت ذلك قسمين، وتقدم لنا أيضاً من القواعد ما يتعلق باستحقاق العوض لمن عمل لغيره عملاً دون أن يكون هناك مشارطة، فهل يستحق العوض أو لا يستحق العوض؟ وتقدم أن المؤلف رحمه الله ذكر تحت هذه القاعدة نوعين:
النوع الأول: إذا دلت الأحوال والقرائن والأعراف على استحقاق العوض، كمن نصب نفسه لهذا العمل، كالقصار، والطباخ، والمكاري، ونحو هؤلاء الذي نصبوا أنفسهم للعمل، فإنهم يستحقون العوض وإن لم يكن هناك مشارطة.
والقسم الثاني: إذا كان عمل هذا الشخص فيه غنى للمسلمين فإنه يستحق العوض، إلى آخر ما تقدم.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (القاعدة الخامسة والسبعون: فيمن يرجع بما أنفق على مال غيره بغير إذنه، وهو نوعان).
هذا القاعدة في الرجوع بالنفقة على مال غيره إذا لم يكن هناك إذن، أما إن كان هناك إذن فالأمر ظاهر، يعني: لو أن الغير أذن لهذا الشخص أن ينفق على ماله فهنا له أن يرجع، لكن إذا لم يكن هناك إذن فهذا الغير لم يأذن لهذا الشخص أن ينفق على ماله، فأنفق على ماله، فهل له أن يرجع عليه أو نقول بأنه ليس له أن يرجع عليه؟
وأيضاً قول المؤلف رحمه الله: على مال الغير، أو على غير مال الغير، يعني: قد تكون النفقة على المال، وقد تكون النفقة على غير المال، فمثلاً: إذا غاب هذا الرجل، ثم جاء جاره وأنفق على أهل هذا الرجل الذي غاب، فهل الجار يرجع بالنفقة على جاره، أو نقول بأنه ليس له أن يرجع؟ أو مثلاً: أنفق على سيارته، كأن احتاجت سيارته إلى إصلاح فأنفق على هذه السيارة، أو أنفق على بيته، يعني: بيته احتاج إلى شيء من الإصلاح ولو لم يصلح لهدمته الأمطار، ونحو ذلك مما يحتاج إلى إصلاح لمجاري الماء، فأنفق على بيت جاره أو صديقه، فهل له أن يرجع بما أنفقه من مال أو ليس له أن يرجع؟ ومثل ذلك أيضاً: لو أدى الزكاة عنه، أو أدى الكفارة عنه، هل له أن يرجع أو ليس له أن يرجع؟ لكن ما يتعلق بالزكوات والكفارات، فالحنابلة رحمهم الله تعالى لا يرون ذلك؛ لأنهم لا يرون أن التصرفات الفضولية تجري في العبادات.
ذكر المؤلف رحمه الله في هذه القاعدة أعني قاعدة: من أنفق على مال غيره أو على أهله، هل له أن يرجع دون أن يكون هناك إذن أو ليس له أن يرجع؟ ذكر ثلاثة أقسام:
القسم الأول: من أدى واجباً عن غيره
فإذا أدى واجباً عن غيره فإن له أن يرجع، لكن يشترط أن لا ينوي التبرع، فإن نوى التبرع فليس له أن يرجع؛ لأنه إذا نوى التبرع فإنه يكون واهباً، والواهب لا يجوز له أن يرجع، فالعائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه.
وذكر المؤلف رحمه الله صور هذا القسم:
قال: (إذا قضى عنه ديناً واجباً عليه بغير إذنه).
هذا زيد يريد منه ألف دينار، ثم جاء جاره وقضى هذه الألف، فإنه يرجع عليه؛ لأنه أدى واجباً عنه، كذلك أيضاً: إذا اشترى أسيراً مسلماً فأطلقه، وهذا الأسير عند الكفار فاشتراه فأطلقه، فإنه يرجع عليه بالفداء الذي دفعه إلى الكفار، وكذلك أيضاً الإنفاق على الغير على من تجب عليه نفقتهم، إذا أنفق على أهل هذا البيت فإنه يرجع على رب البيت إذا جاء؛ لأنه أنفق على زوجته وأولاده ونحو ذلك.
وكذلك أيضاً إذا أنفق على اللقطة كأن تكون اللقطة مما يحتاج إلى نفقة، ولنفرض أن اللقطة شاة، والشاة تحتاج إلى نفقة، فأنفق على هذه اللقطة ثم جاء صاحبها، فإنه يرجع عليه بالنفقة.
وكذلك لو أنفق أيضاً على اللقيط فإنه يرجع على مال اللقيط، فإذا لم يكن له مال فإنه يرجع على بيت المال.
وكذلك أيضاً: الوديعة، كأن تكون الوديعة حيواناً يحتاج إلى طعام، أو الوديعة آلات تحتاج إلى نفقة وإلى إصلاح ونحو ذلك، ولو لم ينفق عليها ولو لم يصلحها لفسدت، فنقول بأنه يرجع عليه.
ومثل ذلك أيضاً -كما قلنا على الصحيح- إذا أدى عنه كفارة يمين، فمثلاً: لو لزم شخص كفارة يمين ثم أداها عنه وأخرجها عنه، فالصحيح أنه يجري فيه تصرف الفضولي، فإذا أجازه من لزمته الكفارة فإنه يرجع المخرج على من لزمته الكفارة بقيمة الكفارة.
ومثله أيضاً: لو أدى عنه زكاة فإنه يرجع عليه على الصحيح.
هذا هو القسم الأول الذي ذكره المؤلف رحمه الله، وذكرنا أن هذا القسم يشترط فيه أن لا ينوي التبرع، فإن نوى التبرع فإنه لا يجوز له أن يرجع لما تقدم.
القسم الثاني: من أنفق على ما تعلق به حقه من مال غيره
القسم الثاني: أن ينفق على مال الغير لكونه متعلقاً بماله، وهو ما يرجع فيه للإنفاق على مال غيره لتعلق حقه به، فله صور، منها:
قال: [إنفاق أحد الشريكين على المال المشترك مع غيبة الآخر أو امتناعه].
فإذا كان هناك شريكان، واحتاج المال المشترك إلى النفقة، فأنفق أحد الشريكين فإنه يرجع على شريكه بحصته من النفقة، وقدر النفقة التي تلزمه قدر ما يملكه في هذا الشركة، ولنفرض أن الشركة في مزرعة، والمزرعة تحتاج إلى نفقة بين اثنين مناصفة، فأنفق أحد الشريكين فإنه يرجع على شريكه بقدر النفقة، فإذا كانت الأملاك على النصف فإنه يرجع عليه بنصف النفقة، وإذا كان يملك الثلث فإنه يرجع عليه بثلث النفقة، فهنا الآن أنفق على مال الغير لكونه متعلقاً بماله، فالشركة الآن مشاعة في هذه المزرعة.
قال: [ومئونة الرهن من نفقة وعمارة ونحوهما].
الرهن أمانة عند فالمرتهن، والمرتهن لا يملك الرهن، وإنما يملك حق التوثيق، والذي يملك الرهن هو الراهن، فالرهن ملك للراهن تجب عليه نفقته، ونماؤه يكون للراهن، وعلى هذا لو أن المرتهن أنفق على الرهن، فإنه يرجع على الراهن بما أنفق، فهنا الآن أنفق على مال الغير لكونه متعلقاً بحق من حقوقه، وهو حق الاستيثاق؛ لأن المرتهن له حق الوثيقة فقط، فإذا أنفق مثلاً ولنفرض أن الرهن سيارة، والسيارة احتاجت إلى نفقة، أو حيوان والحيوان احتاج إلى طعام وشراب ونحو ذلك فأنفق عليه، فنقول بأنه يرجع على الراهن المالك.
ومثله أيضاً: العمارة، فلو كانت العين المرهونة بيتاً، وهذا البيت يحتاج إلى إصلاح، وإن لم تصلح أفسدتها الأمطار ونحو ذلك، فيحتاج إلى إصلاح مجاري المياه ونحو ذلك، وقام بعمارتها، أو مثلاً: تهدمت هذه البيت وقام بإقامة عمارتها، فإن المرتهن يرجع على الراهن.
قال: [وعمارة المستأجرة].
يعني عمارة البيت المستأجرة، فإذا استأجر بيتاً ثم بعد ذلك البيت فسدت فيه الأبواب، أو فسدت فيه مواصير المياه أو الكهرباء ونحو ذلك وقام بإصلاحها، فإنه يرجع على المؤجر؛ لأنه تعلق حقه بهذا البيت وهو ملك المنفعة، فهو مالك لمنفعة هذا البيت لمدة سنة أو سنتين، ولا يمكنه أن ينتفع إلا إذا أصلحت مثل هذه الأشياء.
القسم الثالث: من أدى واجباً عن غيره يتعلق بحقه
يقول المؤلف رحمه الله: قد يجتمع النوعان، يعني: يكون قد أدى عن غيره واجباً، وكذلك أيضاً هذه النفقة على مال الغير تعلقت النفقة بماله أو بحق من حقوقه، فإذا تعلقت بماله أو بحق من حقوقه وأدى عن غيره واجباً فإنه يرجع في هذه الحالة.
قال المؤلف رحمه الله: [في ذلك طريقان].
يعني أن في المذهب طريقان:
بعض الأصحاب يقولون: على روايتين، وهي طريقة الأكثرين: يرجع، ولا يرجع. وهذا الرأي الأول.
والرأي الثاني: أنه يرجع رواية واحدة، وهذا هو الصواب، فالصواب أنه يرجع، ومثل المؤلف رحمه الله فقال: [كالإنفاق على الحيوان الرهن والمستأجر] وهذا كما سلف الكلام عليه.
فتلخص لنا في هذه القاعدة أن من أدى عن غيره واجباً، أو نقول: من أنفق على مال غيره، أو على أهل غيره، أو كما عبر الشيخ السعدي رحمه الله في قواعده: من أدى عن غيره واجباً من الواجبات فإنه يرجع عليه، لكن اشترطنا أن لا ينوي بذلك التبرع، فإن نوى التبرع فإنه ليس له أن يرجع.
القسم الأول: قال: (من أدى واجباً عن غيره).
فإذا أدى واجباً عن غيره فإن له أن يرجع، لكن يشترط أن لا ينوي التبرع، فإن نوى التبرع فليس له أن يرجع؛ لأنه إذا نوى التبرع فإنه يكون واهباً، والواهب لا يجوز له أن يرجع، فالعائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه.
وذكر المؤلف رحمه الله صور هذا القسم:
قال: (إذا قضى عنه ديناً واجباً عليه بغير إذنه).
هذا زيد يريد منه ألف دينار، ثم جاء جاره وقضى هذه الألف، فإنه يرجع عليه؛ لأنه أدى واجباً عنه، كذلك أيضاً: إذا اشترى أسيراً مسلماً فأطلقه، وهذا الأسير عند الكفار فاشتراه فأطلقه، فإنه يرجع عليه بالفداء الذي دفعه إلى الكفار، وكذلك أيضاً الإنفاق على الغير على من تجب عليه نفقتهم، إذا أنفق على أهل هذا البيت فإنه يرجع على رب البيت إذا جاء؛ لأنه أنفق على زوجته وأولاده ونحو ذلك.
وكذلك أيضاً إذا أنفق على اللقطة كأن تكون اللقطة مما يحتاج إلى نفقة، ولنفرض أن اللقطة شاة، والشاة تحتاج إلى نفقة، فأنفق على هذه اللقطة ثم جاء صاحبها، فإنه يرجع عليه بالنفقة.
وكذلك لو أنفق أيضاً على اللقيط فإنه يرجع على مال اللقيط، فإذا لم يكن له مال فإنه يرجع على بيت المال.
وكذلك أيضاً: الوديعة، كأن تكون الوديعة حيواناً يحتاج إلى طعام، أو الوديعة آلات تحتاج إلى نفقة وإلى إصلاح ونحو ذلك، ولو لم ينفق عليها ولو لم يصلحها لفسدت، فنقول بأنه يرجع عليه.
ومثل ذلك أيضاً -كما قلنا على الصحيح- إذا أدى عنه كفارة يمين، فمثلاً: لو لزم شخص كفارة يمين ثم أداها عنه وأخرجها عنه، فالصحيح أنه يجري فيه تصرف الفضولي، فإذا أجازه من لزمته الكفارة فإنه يرجع المخرج على من لزمته الكفارة بقيمة الكفارة.
ومثله أيضاً: لو أدى عنه زكاة فإنه يرجع عليه على الصحيح.
هذا هو القسم الأول الذي ذكره المؤلف رحمه الله، وذكرنا أن هذا القسم يشترط فيه أن لا ينوي التبرع، فإن نوى التبرع فإنه لا يجوز له أن يرجع لما تقدم.
قال: (والثاني: من أنفق على ما تعلق به حقه من مال غيره).
القسم الثاني: أن ينفق على مال الغير لكونه متعلقاً بماله، وهو ما يرجع فيه للإنفاق على مال غيره لتعلق حقه به، فله صور، منها:
قال: [إنفاق أحد الشريكين على المال المشترك مع غيبة الآخر أو امتناعه].
فإذا كان هناك شريكان، واحتاج المال المشترك إلى النفقة، فأنفق أحد الشريكين فإنه يرجع على شريكه بحصته من النفقة، وقدر النفقة التي تلزمه قدر ما يملكه في هذا الشركة، ولنفرض أن الشركة في مزرعة، والمزرعة تحتاج إلى نفقة بين اثنين مناصفة، فأنفق أحد الشريكين فإنه يرجع على شريكه بقدر النفقة، فإذا كانت الأملاك على النصف فإنه يرجع عليه بنصف النفقة، وإذا كان يملك الثلث فإنه يرجع عليه بثلث النفقة، فهنا الآن أنفق على مال الغير لكونه متعلقاً بماله، فالشركة الآن مشاعة في هذه المزرعة.
قال: [ومئونة الرهن من نفقة وعمارة ونحوهما].
الرهن أمانة عند فالمرتهن، والمرتهن لا يملك الرهن، وإنما يملك حق التوثيق، والذي يملك الرهن هو الراهن، فالرهن ملك للراهن تجب عليه نفقته، ونماؤه يكون للراهن، وعلى هذا لو أن المرتهن أنفق على الرهن، فإنه يرجع على الراهن بما أنفق، فهنا الآن أنفق على مال الغير لكونه متعلقاً بحق من حقوقه، وهو حق الاستيثاق؛ لأن المرتهن له حق الوثيقة فقط، فإذا أنفق مثلاً ولنفرض أن الرهن سيارة، والسيارة احتاجت إلى نفقة، أو حيوان والحيوان احتاج إلى طعام وشراب ونحو ذلك فأنفق عليه، فنقول بأنه يرجع على الراهن المالك.
ومثله أيضاً: العمارة، فلو كانت العين المرهونة بيتاً، وهذا البيت يحتاج إلى إصلاح، وإن لم تصلح أفسدتها الأمطار ونحو ذلك، فيحتاج إلى إصلاح مجاري المياه ونحو ذلك، وقام بعمارتها، أو مثلاً: تهدمت هذه البيت وقام بإقامة عمارتها، فإن المرتهن يرجع على الراهن.
قال: [وعمارة المستأجرة].
يعني عمارة البيت المستأجرة، فإذا استأجر بيتاً ثم بعد ذلك البيت فسدت فيه الأبواب، أو فسدت فيه مواصير المياه أو الكهرباء ونحو ذلك وقام بإصلاحها، فإنه يرجع على المؤجر؛ لأنه تعلق حقه بهذا البيت وهو ملك المنفعة، فهو مالك لمنفعة هذا البيت لمدة سنة أو سنتين، ولا يمكنه أن ينتفع إلا إذا أصلحت مثل هذه الأشياء.
القسم الثالث: قال: [فصل: وقد يجتمع النوعان في صور فيؤدي عن ملك غيره واجباً يتعلق به حق].
يقول المؤلف رحمه الله: قد يجتمع النوعان، يعني: يكون قد أدى عن غيره واجباً، وكذلك أيضاً هذه النفقة على مال الغير تعلقت النفقة بماله أو بحق من حقوقه، فإذا تعلقت بماله أو بحق من حقوقه وأدى عن غيره واجباً فإنه يرجع في هذه الحالة.
قال المؤلف رحمه الله: [في ذلك طريقان].
يعني أن في المذهب طريقان:
بعض الأصحاب يقولون: على روايتين، وهي طريقة الأكثرين: يرجع، ولا يرجع. وهذا الرأي الأول.
والرأي الثاني: أنه يرجع رواية واحدة، وهذا هو الصواب، فالصواب أنه يرجع، ومثل المؤلف رحمه الله فقال: [كالإنفاق على الحيوان الرهن والمستأجر] وهذا كما سلف الكلام عليه.
فتلخص لنا في هذه القاعدة أن من أدى عن غيره واجباً، أو نقول: من أنفق على مال غيره، أو على أهل غيره، أو كما عبر الشيخ السعدي رحمه الله في قواعده: من أدى عن غيره واجباً من الواجبات فإنه يرجع عليه، لكن اشترطنا أن لا ينوي بذلك التبرع، فإن نوى التبرع فإنه ليس له أن يرجع.
قال المؤلف رحمه الله: [القاعدة السادسة والسبعون: الشريكان في عين مال أو منفعة إذا كانا محتاجين إلى دفع مضرة أو إبقاء منفعة أجبر أحدهما على موافقة الآخر في الصحيح من المذهب، كانهدام الحائط أو السقف المشترك، وتعمير القناة المشتركة...] إلى آخره.
هذه القاعدة فرع عن القاعدة السابقة، وتقدم أن المؤلف رحمه الله ذكر أن من أنفق على مال غيره لكون مال الغير تعلق بماله أو تعلق بحق من حقوقه فإنه يرجع على الغير، هنا الآن هذه الصورة في هذه القاعدة داخلة في القسم الثاني الذي سبق، فعندك القسم الثاني: الشريكان في عين مال، أو شريكان في مزرعة أو منفعة، يعني: استأجر هذا البيت، أو استأجر هذا الدكان لمدة سنة، فهما شريكان في منفعة؛ فإما أن يكونا شريكين في عين، وإما أن يكونا شريكين في منفعة، فإذا احتاج أحدهما إلى أن ينفق على هذه العين لكي يدفع ضرراً أو يجلب المنفعة، فإنه يرجع على صاحبه.
ومثال آخر: احتاج أن ينفق على المزرعة لكي تسلم من الضرر ويستفاد منها، كأن تحتاج المزرعة إلى حفر آبار، وإلى إصلاح مرشات ونحو ذلك، فإنه يرجع على صاحبه، والنفقة بقدر الأملاك؛ فإذا كانت الأملاك على النصف فإن يرجع عليه بنصف النفقة، كذلك أيضاً إذا كان الشريكان في منفعة -كمنفعة الدكان- ولا يمكن الانتفاع بهذا الدكان إلا إذا أصلح، فاحتاج إلى تعمير ونحو ذلك، فنقول: يرجع على شريكه.
قال رحمه الله: (كانهدام الحائط أو السقف المشترك، وتعمير القناة المشتركة).
القناة: هي عبارة عن أبيار متتالية يستخرج منها الماء، فإذا احتاجت المزرعة إلى أبيار أو احتاجت هذه القناة إلى إصلاح، وهذه القناة مشتركة ولا يمكن أن ينتفع بهذه القناة إلا بإصلاحها، فإنه يصلحها ويرجع على شريكه.
قال رحمه الله: [وطلب القسمة في ما يقبلها يجبر عليه الآخر، وقسمة المنافع بالمهايأة، هل تجب الإجابة إليها أم لا؟].
يعني إذا طلب أحد الشريكين القسمة فيما يمكن قسمته لأن الأعيان قد تمكن قسمتها وقد لا تمكن قسمتها، فإذا كانت تمكن قسمتها وطلب أحد الشريكين المقاسمة فإنه تجب إجابته، أما إذا كانت لا تمكن قسمتها إلا مع وجود الضرر أو رد العوض فإنه لا تجب عليه الإجابة، أما إذا كانت تمكن قسمتها لكبر مساحتها ولا يترتب على ذلك ضرر أو رد عوض، فهنا لا ينظر إلى الرضا وتقسم هذه الأعيان.
(وقسمة المنافع المهايأة، هل تجب الإجابة إليها أم لا؟ وجهان والمشهور عدم الوجوب).
والمهايأة هي: توزيع المنافع على حسب الزمان، فمثلاً: إذا فرضنا أنهما يمتلكان منفعة الدكان أو منفعة البيت، فهذا ينتفع في هذا الدكان لمدة شهر، والآخر ينتفع لمدة شهر آخر، أو هذا ينتفع لمدة شهرين في هذا البيت، وهذا ينتفع لمدة شهرين.
والنسبة لقسمة المنافع بالمهايأة، هل تجب الإجابة لها أو لا تجب؟ ذكر المؤلف رحمه الله وجهين، وأن المذهب لا تجب الإجابة، فلو أنه رفض المهايأة، فيقول المؤلف رحمه الله: لا تجب الإجابة وحينئذ تؤجر، والوجه الثاني عند الأصحاب أنه تجب الإجابة، وهذه رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
قال رحمه الله: [والزرع والشجر المشترك إذا طلب أحد الشريكين سقيه وهو محتاج إلى ذلك أجبر الآخر عليه].
الخلاصة في هذه المسألة أن الشريكين في عين أو مال إذا أنفق أحدهما على هذه العين أو هذه المنفعة، فإنه يرجع على صاحبه بالنفقة بقدر ملكه في هذه العين، فما دام أن ترك النفقة يترتب عليه ضرر، وفعله فيه مصلحة، فيجبر عليه.
قال المؤلف رحمه الله: [القاعدة السابعة والسبعون: من اتصل بملكه ملك غيره متميزاً عنه وهو تابع له، ولم يمكن فصله منه بدون ضرر يلحقه، وفي إبقائه على الشركة ضرر، ولم يبطله مالكه، فلمالك الأصل أن يتملكه بالقيمة من مالكه، ويجبر المالك على القبول، وإن كان يمكن فصله بدون ضرر يلحق مالك الفصل، فالمشهور أنه ليس له تملكه قهراً لزوال ضرره بالفصل، ويتخرج على هذه القاعدة صور].
هذه القاعدة معناها أو خلاصتها تملك ملك الغير إذا اتصل بملك شخص، يعني إذا اتصل بملكك مال لغيرك فهل لك أن تتملك ملك الغير الذي اتصل بملكك، أو ليس لك أن تتملكه؟ المؤلف رحمه الله تعالى ذكر قسمين تحت هذه القاعدة:
القسم الأول: يمكن فصل ملك الغير بغير ضرر
هذا القسم الأول: أن يمكن فصل ملك الغير عن ملك الشخص بدون ضرر يلحق بملك الشخص (مالك الأصل) فإذا أمكن الفصل بين الملكين فإنه يفصل بينهما وليس له الحق بالتملك، فعندنا القاعدة تملك ملك الغير إذا اتصل بملك الشخص وكان هذا الشخص صاحب أصل، فهل لصاحب الأصل أن يتملك هذا الملك الذي اتصل بملكه أو ليس له أن يتملك؟
نقول: عندنا قسمان: القسم الأول: أن يمكن فصل مال الغير بلا ضرر يلحق ملك صاحب الأصل فإنه يفصل، ولا يتملك صاحب الأصل ملك الغير.
قال المؤلف رحمه الله: [منها: غراس المستأجر وبناؤه بعد انقضاء المدة إذا لم يقلعه، فللمؤجر تملكه بالقيمة].
صورة المسألة: رجل استأجر أرضاً وغرس فيها غرساً ولنفرض أنه غرس فيها نخلاً، واستأجرها لمدة خمس سنوات، والنخل يطول بقاؤه في الأرض لسنوات كثيرة، فانتهت السنوات الخمس، فالآن هذا الغرس اتصل بملك الغير، وهذا الغير هو صاحب الأصل، فهل لصاحب الأصل أن يتملك الغراس أو لا يتملكه؟ نقول هنا: إذا أمكن فصل الغراس فإنه ليس له الحق أن يتملكه، فلو قال المستأجر: أنا سأقلع الغراس؛ لأن الشجر يمكن قلعه، فنقول: ما دام أنه لا يلحق صاحب الأرض ضرر فلك الحق أن تقلع هذا الغرس، وحينئذ ليس لمالك الأصل أن يتملك هذا المال (الغراس) الذي اتصل بملكه؛ لأنه وضع بحق فهو مال محترم، فما دام أن صاحبه يريد أن يقلعه فنقول: لك الحق بأن تقلعه.
لكن لو قال صاحبه: أنا لا أريد أن أقلعه، فنقول للمؤجر حينئذ أن يتملكه بقيمته، إذا قال: أنا لا أريد وأختار أن يكون الخيار لصاحب الغرس -المستأجر- فإن أراد أن يقلعه فله ذلك، وإن أراد أن يبقيه أبقاه ويتملكه صاحب الأصل بقيمته، فالمهم أن نفهم أنه إذا أمكن فصل هذا المال الذي تعلق بمال الأصل بلا ضرر يلحق صاحب الأصل، فإنه ليس له الحق بالتملك.
ومن أمثلة القسم الأول قال: [وغراس المستعير]، يعني: إذا استعار أرضاً لمدة خمس سنوات ثم بعد ذلك غرسها، فللمستعير أن يقلع الغرس كما سلف، ولو قال المستعير: أنا لا أقلع الغرس، نقول: للمعير أن يتملكه بقيمته.
ومثله أيضاً قال: [والمشتري في الأرض المشفوعة]، يعني: غراس المشتري في الأرض المشفوعة، فلو كان عندنا شريكان (زيد وعمر) في أرض، فزيد باع نصيبه من الأرض على صالح، فصالح غرس في هذه الأرض، ثم جاء الشريك الذي هو عمر وشفع على صالح، يعني: أعطاه الثمن الذي دفعه لشريكه، فالأرض الآن التي غرس فيها المشتري أصبحت لعمر الشريك، فأصبح جميع النصيب لعمر، لكن بالنسبة لغراس المشتري الأول نقول له: اقلع غرسك، فإذا اختار أن يبقى فنقول للشافع: تملكه بقيمته.
وكذلك أيضاً قال: [والمفلس]، يعني: غراس المفلس، وصورة المسألة: هذا رجل اشترى أرضاً وغرس فيها غرساً، ثم بعد ذلك حجر عليه القاضي لطلب الغرماء، فعليه ديون وعنده أموال، وديونه أكثر من ماله، وطلب الغرماء أو بعضهم الحجر عليه فإنه يحجر عليه القاضي ويسمى مفلساً، وهذا الرجل الذي باع الأرض للمفلس تعلق الحجر بأعيان أمواله الموجودة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به) أي: أحق به من الغرماء، فهذا الرجل الذي باع الأرض على المفلس -وما أعطاه قيمة الأرض- وجد عين ماله عند هذا الرجل المفلس فيكون أحق بها، ولا تكون أسوة الغرماء، يعني يكون أحق بهذه الأرض ولا يزاحمه الغرماء في هذه الأرض، فالآن رجع في الأرض وبقينا في الغرس الذي غرسه المفلس، فنقول للمفلس وللغرماء؛ لأن الغرماء حقهم تعلق بمال المفلس: اقلعوا هذا الغراس، فإذا اختاروا أنهم لا يقلعون ذلك، وأن البائع يتملكه فإنه يتملكه بالقيمة.
قال المؤلف رحمه الله: [والمشتري من الغاصب وبناؤهم].
فلو أن رجلاً اشترى من غاصب يظنه مالكاً ثم غرسها، ثم تبين أن هذه الأرض مغصوبة وأنها رجعت إلى مالكها، فنقول للمشتري: اقلع الغرس، فإن اختار المالك أن يتملكه بقيمته فله أن يتملكه بقيمته، ومثل ذلك أيضاً البناء إذا أمكن قلعه، فيقال مثله كما قيل في الغراس.
القسم الثاني: لا يمكن فصل ملك الغير إلا بضرر
فالخلاصة في هذه القاعدة أنه إذا اتصل بمال صاحب الأصل مال آخر، فهل لصاحب الأصل أن يتملك هذا المال أو ليس له أن يتملكه؟ قلنا: إذا كان يمكن أن يفصل بلا ضرر يلحق صاحب الأصل فليس له الحق بأن يتملكه، وإن كان لا يمكن فصله إلا بضرر يلحق صاحب الأصل فلصاحب الأصل أن يتملكه.
القسم الأول قال: (وإن كان يمكن فصله بدون ضرر يلحق مالك الأصل).
هذا القسم الأول: أن يمكن فصل ملك الغير عن ملك الشخص بدون ضرر يلحق بملك الشخص (مالك الأصل) فإذا أمكن الفصل بين الملكين فإنه يفصل بينهما وليس له الحق بالتملك، فعندنا القاعدة تملك ملك الغير إذا اتصل بملك الشخص وكان هذا الشخص صاحب أصل، فهل لصاحب الأصل أن يتملك هذا الملك الذي اتصل بملكه أو ليس له أن يتملك؟
نقول: عندنا قسمان: القسم الأول: أن يمكن فصل مال الغير بلا ضرر يلحق ملك صاحب الأصل فإنه يفصل، ولا يتملك صاحب الأصل ملك الغير.
قال المؤلف رحمه الله: [منها: غراس المستأجر وبناؤه بعد انقضاء المدة إذا لم يقلعه، فللمؤجر تملكه بالقيمة].
صورة المسألة: رجل استأجر أرضاً وغرس فيها غرساً ولنفرض أنه غرس فيها نخلاً، واستأجرها لمدة خمس سنوات، والنخل يطول بقاؤه في الأرض لسنوات كثيرة، فانتهت السنوات الخمس، فالآن هذا الغرس اتصل بملك الغير، وهذا الغير هو صاحب الأصل، فهل لصاحب الأصل أن يتملك الغراس أو لا يتملكه؟ نقول هنا: إذا أمكن فصل الغراس فإنه ليس له الحق أن يتملكه، فلو قال المستأجر: أنا سأقلع الغراس؛ لأن الشجر يمكن قلعه، فنقول: ما دام أنه لا يلحق صاحب الأرض ضرر فلك الحق أن تقلع هذا الغرس، وحينئذ ليس لمالك الأصل أن يتملك هذا المال (الغراس) الذي اتصل بملكه؛ لأنه وضع بحق فهو مال محترم، فما دام أن صاحبه يريد أن يقلعه فنقول: لك الحق بأن تقلعه.
لكن لو قال صاحبه: أنا لا أريد أن أقلعه، فنقول للمؤجر حينئذ أن يتملكه بقيمته، إذا قال: أنا لا أريد وأختار أن يكون الخيار لصاحب الغرس -المستأجر- فإن أراد أن يقلعه فله ذلك، وإن أراد أن يبقيه أبقاه ويتملكه صاحب الأصل بقيمته، فالمهم أن نفهم أنه إذا أمكن فصل هذا المال الذي تعلق بمال الأصل بلا ضرر يلحق صاحب الأصل، فإنه ليس له الحق بالتملك.
ومن أمثلة القسم الأول قال: [وغراس المستعير]، يعني: إذا استعار أرضاً لمدة خمس سنوات ثم بعد ذلك غرسها، فللمستعير أن يقلع الغرس كما سلف، ولو قال المستعير: أنا لا أقلع الغرس، نقول: للمعير أن يتملكه بقيمته.
ومثله أيضاً قال: [والمشتري في الأرض المشفوعة]، يعني: غراس المشتري في الأرض المشفوعة، فلو كان عندنا شريكان (زيد وعمر) في أرض، فزيد باع نصيبه من الأرض على صالح، فصالح غرس في هذه الأرض، ثم جاء الشريك الذي هو عمر وشفع على صالح، يعني: أعطاه الثمن الذي دفعه لشريكه، فالأرض الآن التي غرس فيها المشتري أصبحت لعمر الشريك، فأصبح جميع النصيب لعمر، لكن بالنسبة لغراس المشتري الأول نقول له: اقلع غرسك، فإذا اختار أن يبقى فنقول للشافع: تملكه بقيمته.
وكذلك أيضاً قال: [والمفلس]، يعني: غراس المفلس، وصورة المسألة: هذا رجل اشترى أرضاً وغرس فيها غرساً، ثم بعد ذلك حجر عليه القاضي لطلب الغرماء، فعليه ديون وعنده أموال، وديونه أكثر من ماله، وطلب الغرماء أو بعضهم الحجر عليه فإنه يحجر عليه القاضي ويسمى مفلساً، وهذا الرجل الذي باع الأرض للمفلس تعلق الحجر بأعيان أمواله الموجودة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به) أي: أحق به من الغرماء، فهذا الرجل الذي باع الأرض على المفلس -وما أعطاه قيمة الأرض- وجد عين ماله عند هذا الرجل المفلس فيكون أحق بها، ولا تكون أسوة الغرماء، يعني يكون أحق بهذه الأرض ولا يزاحمه الغرماء في هذه الأرض، فالآن رجع في الأرض وبقينا في الغرس الذي غرسه المفلس، فنقول للمفلس وللغرماء؛ لأن الغرماء حقهم تعلق بمال المفلس: اقلعوا هذا الغراس، فإذا اختاروا أنهم لا يقلعون ذلك، وأن البائع يتملكه فإنه يتملكه بالقيمة.
قال المؤلف رحمه الله: [والمشتري من الغاصب وبناؤهم].
فلو أن رجلاً اشترى من غاصب يظنه مالكاً ثم غرسها، ثم تبين أن هذه الأرض مغصوبة وأنها رجعت إلى مالكها، فنقول للمشتري: اقلع الغرس، فإن اختار المالك أن يتملكه بقيمته فله أن يتملكه بقيمته، ومثل ذلك أيضاً البناء إذا أمكن قلعه، فيقال مثله كما قيل في الغراس.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [13] | 2635 استماع |
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [1] | 2283 استماع |
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [7] | 2084 استماع |
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [19] | 2059 استماع |
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [12] | 2011 استماع |
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [8] | 2007 استماع |
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [14] | 1934 استماع |
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [11] | 1911 استماع |
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [17] | 1876 استماع |
شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [18] | 1860 استماع |