شرح متن الرحبية [7]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وعدناكم في نهاية الدرس الماضي بإجابة أسئلتكم، فلعلنا نبدأ بها إن شاء الله تعالى في هذه الليلة.

السؤال: هل المطلقة طلاقاً بائناً في صحة أو مرض غير مخوف ترث سواءً كانت في العدة أم لا؟

الجواب: لا، فالمطلقة طلاقاً بائناً في صحة أو في مرض غير مخوف لا ترث مطلقاً، نحن ذكرنا أن المطلقة إما أن تكون رجعيةً في عدتها، فهذه ترث بالاتفاق، أو أن تكون مطلقةً طلاقاً بائناً في صحة، معناه: طلقها وهو صحيح، أو طلقها وهو مريض مرضاً غير مخوف ليس متصلاً بالموت، فإنها حينئذ لا ترث، وأنها إذا طلقت في مرض مخوف متصل بالموت لها حالتان: إما أن يكون طلاقها من قِبله، وإما أن يكون من قِبلها، فإن كان طلاقها من قبله هو فهذه التي ذكرنا فيها الخلاف بين العلماء، وإن كان طلاقها من قبلها هي بأن خالعته، أو حصلت لها ردة، أو نحو ذلك، فإنها لا ترث، أما إذا كان طلاقها من قبله هو فقد ذكرنا فيها أربعة أقوال، وذكرنا أن الراجح عند الشافعي: أنها لا ترث مطلقاً سواءً كانت في العدة أو في غيرها، سواءً نكحت غيره أو لا، سواءً ارتدت أو لا، وأن هذا هو القول المشهور في المذهب الشافعي، وبه الفتوى لدى الشافعية.

والقول الثاني: أنها ترث مطلقاً، ولو خرجت من عدتها، ولو تزوجت غيره، ولو ارتدت ثم رجعت للإسلام، وهذا مذهب المالكية.

والقول الثالث: أنها ترث ما دامت في عدتها، وهذا مذهب الحنفية.

والقول الرابع: أنها ترث ما لم تتزوج غيره أو ترتد، وهذا مذهب الحنابلة.

هذه أربعة أقوال في المطلقة طلاقاً بائناً في مرض الموت، أو مرض متصل بالموت إذا كان الطلاق من قبل الرجل، والصور الأخرى ليس فيها إشكال أصلاً؛ لأنها لا خلاف فيها، وهي المطلقة الرجعية في عدتها، فهذه ترث بالاتفاق، والمطلقة البائن في غير مرض الموت، أو في مرض غير متصل بالموت، أو في صحة أصلاً، سواءً كانت في عدتها أو انتهت عدتها فإنها لا ترث، والمطلقة في مرض مخوف متصل بالموت إذا كان طلاقها من قبلها هي بأن خالعته فهو لا يتهم على إخراج وارثه، فإنها لا ترث أيضاً.

السؤال: ما الفرق بين هذا القسم والقسم الثاني، وهي المطلقة طلاقاً بائناً، التي لا يتهم فيها الرجل بإخراجها، إنما طلقت بناءً على رغبة خاصة لديها، فكلتاهما لا ترثان، بمعنى: هل يختلف حكم القسم الثاني على القسم الرابع؟

الجواب: نعم يختلف القسم، وقد ذكرنا ذلك، فهذه مطلقة في صحة أو في مرض غير مخوف، والأخرى مطلقة في مرض الموت، فهي أقرب إلى المطلقة في مرض الموت التي طلقها هو من قِبل نفسه يريد بذلك إخراج وارث.

السؤال: هل يسمى الخلع أصلاً طلاقاً بائناً إذا اعتبرنا أن المخالعة لا تعود لمن خالعته إلا بعقد جديد؟

الجواب: إن الخلع مختلف فيه: هل هو طلاق بعوض كما هو مذهب المالكية، أو هو فسخ كما هو مذهب الحنابلة وهو أيضاً عند الشافعية، فعموماً الخلع مختلف فيه: هل هو طلاق أم لا؟ والذين يرون أن فرقة النكاح إذا كانت في حياة الزوجين -أي بغير الموت- فلا تكون إلا بطلاق يرون الخلع طلاقاً، ويجعلون هذا النوع من الطلاق طلاقاً بعوض، فهو طلاق بعوض؛ أي: بمقابل عوض، سواءً كان ذلك العوض متمولاً، كالشيء المملوك، كما إذا خالعته بصداقها، كما هو الحديث في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ثابت بن قيس بن شماس وزوجته جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول، فإنه سألها عما أعطاها، فذكرت حديقةً، فقال: ( ردي عليه الحديقة، وطلقها تطليقة )، فهذا الخلع بالصداق.

أو بغير متمول، كما إذا خالعته بحضانة أولادها مثلاً، فهذا الحق في الحضانة ما دامت لم تتزوج لها هي إذا توافرت فيها شروط الحاضن فهذا حق لها غير متمول، فلها أن تخالع به، فإذا خالعته بحضانة أولادها صح الخلع، وكذلك لو خالعته بغير متمول، وهو شيء موجود، كما إذا أمسكت حبةً من الأرز في يدها فقالت: أخالعك على ما في يدي، فقبل ذلك، فإذا هي حبة واحدة من الأرز مثلاً، فالخلع قد مضى وخسر هو، لكن إذا قالت: أخالعك على ما في يدي وليس في يدها شيء، ففتحت يدها، فإذا هي خالية، فالخلع لم يحصل، واختلف إذا كان ما في يدها موجوداً ولكنه ليس من جنس المال، كما إذا أمسكت ذبابةً أو بعوضةً، فقالت: أخالعك على ما في يدي، ففتحت يدها، فإذا فيها بعوضة أو ذبابة، فقال بعض أهل العلم: يلحق هذا بالشيء اليسير من المتمول من جنس ما يتمول، كحبة الأرز أو القمح، وقال آخرون: بل هو كالعدم، فلا يحصل معه الخلع.

السؤال: ما الحكم في القاتل المخمور هل يسمى قتله عمداً، أو خطأً، أو شبه عمد؟ وهل يعاقب على قتله وسكره أم لا؟

الجواب: أن الذي شرب الخمر عمداً -تعمد أن يشرب الخمر، أدخل السكر على نفسه- فتصرفاته مضمونة؛ أي: أنه تقام عليه الحدود التي ارتكبها، لكن لا يلزمه الإقرار ولا العقود، وهذا هو الراجح في المسألة، وفيها أقوال أخرى، فالقاعدة: أن السكران لا يلزمه الإقرار ولا العقود، ولكن يلزمه ما جنى وتلزمه الحدود، وهذه التي يقول فيها القواعديون:

لا يلزم السكران إقرار عقود بل ما جنى عتق طلاق وحدود

فإذا قتل فإنه يقتل بمن قتله؛ لأن قتله عمد، إذا تعمد الضرب، تعمد القتل فهو قاتل، فيقتل بمن قتله؛ وذلك سداً للذريعة؛ لئلا يدعي كل من أراد القتل أنه سكران، فسدت الذريعة على ذلك.

السؤال: هل يسوغ في الدعاءِ الدعاءَ بهداية الكافر عموماً؟

الجواب: نعم، يدعو الإنسان لمن أحبه من الكفار حبّاً طبعياً، كأقاربه منهم وأصحابه ومن أحسن إليه يدعو له بالهداية والدخول في الإسلام، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لعدد من الناس بالدخول في الإسلام فأسلموا، كأم أبي هريرة رضي الله عنهما، وكـعمر بن الخطاب وعدد من الذين دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإسلام فردياً وجماعياً كدعائه لثقيف قال: ( اللهم اهد ثقيفاً، وائتني بهم مسلمين ) فأسلموا جميعاً.

أما الحديث الذي ذكر في السؤال، وهو أنه دعا أن يعز الله الإسلام بأحد العمرين، فهذا الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج.

السؤال: هل من نصائح لمن يريد عبادة الله على بصيرة وعنده ملكة الحفظ، والكتابة، والاستنباط، ويريد استثمارها حول متون يحفظها وعلوم يلم بها، فماذا عليه أن يفعل؟ وما أولى العلوم بذلك؟ وما الأفضل له؟

الجواب: أن العلوم لا تؤخذ إلا عن شيوخ، ومن يريد تلقيها عن طريق الكتب لا بد أن يزل زلات كثيرةً، وقد قال أبو حيان:

يظن الغمر أن الكتب تهدي أخا فهم لإدراك العلوم

وما يدري الجهول بأن فيها غوامض حيرت ذهن الفهيم

إذا رمت العلوم بغير شيخ ضللت عن الصراط المستقيم

وتلتبس الأمور عليك حتى تصير أضل من توما الحكيم

فلا بد أن يدرس الإنسان عن الشيوخ، والشيوخ ينصحون، ويختارون، وينتخبون، فيرتبون للإنسان الأولويات، ويبصرونه بما عليه أن يدرسه، فكل حالة حينئذ تنفرد بجواب، ولكل مقام مقال.

السؤال: هل يجوز للمرأة أن تفصح عن محبتها لعالم كأن تقول له: أحبك في الله؟ وهل يختلف حب الرجل في الله وحب المرأة؟

الجواب: أن الحب في الله، معناه: أن يحب الإنسان من يظن أنه يحب الله، أو رأى منه ما يدل على ذلك، كما إذا رأى منه صدقاً، أو وفاءً، أو عبادةً، أو نحو ذلك، فإنه يحبه لله جل جلاله، وهذا الحب لا يختص به جنس دون جنس، بل من رآه الإنسان أهلاً لذلك يحبه، فنحن الآن نحب جبريل و إسرافيل و ميكائيل، حبّاً شديداً، ونحب جميع أنبياء الله، ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحب آل بيته، ونحب أزواجه أمهات المؤمنين، ونحب أئمة العلوم -أئمة الدين- حبّاً شديداً، فهذا الحب الذي هو إجلال، وتقدير، وتوقير، وتعلق قلب بهم، فكل إنسان منكم الآن يحب عدداً كبيراً من الذين لم يرهم قط أشد مما يحب أبويه، وإخوته وأهل بيته، فيحب مثلاً أمهات المؤمنين أشد مما يحب أمه التي ولدته، ويحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما يحب والده وإخوته، وهكذا حبه للأنبياء، وحبه للملائكة الكرام، وحبه للصالحين المحبين لله، وهذا حب يختلف عن الحب الفطري الذي يقع في فطرة الإنسان وخليقته، فهذا الحب الفطري قد تتعلق نفس الإنسان بكافر، ولا يكون ذلك منافياً للبراء منه، فهو يبرأ من دينه، ولكنه يحبه حباً فطرياً، فالمؤمن يجوز له أن يتزوج نصرانيةً أو يهوديةً، ولا يمكن أن يقال: يجب عليك بغضها، ويحل لك زواجها، فهذا مستحيل، لكن الحب حينئذ حب فطري لا حب ديني، فالحب لله هو الحب الديني.

أما الحب الطبعي والفطري: فهو ملاءمة الطبع، وقطع منافرته، ووصف الكمال لدى الإنسان، فهذا إذا حصل حصلت به المحبة الفطرية، أحبكم الله أجمعين. نسأل الله أن يوفقنا ويرشدنا إلى الطريق الحق.

السؤال: تاجر كان يعمل في السنغال واقترض بعض النقود من تاجر آخر، لكن خسر تجارته بسبب أحداث ألف وتسعمائة وتسع وثمانين فهل عليه قضاء ما اقترض من التاجر؟

الجواب: نعم، الذمة إذا عمرت بمحقق لا تبرأ إلا به، فمن تحمل ديناً من مسلم أو غيره فيجب عليه الوفاء، وتوصيل الأمانات إلى أهلها، وقد أمر الله بذلك فقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، وهذه الأمانات تشمل الديون، فكل من في ذمته دين لإنسان عليه أن يؤدي إليه الدين قبل أن تقع المحاصة والخصومة بين يدي الله جل جلاله، وإذا لم يعرفه، أو لم يجده ولم يتوصل إليه بأي وجه فإن وجد من له به صلة أو لديه وكالة منه أو نحو ذلك فهو ناقل شرعي معتبر، فيوصل إليه الدين، وإن لم يجد سلمه إلى القاضي إن كان في بلد فيه قاض معتبر، وإلا فقالت طائفة من أهل العلم: يتصدق به عنه، وقالت طائفة: بل يتركه لديه، ويكتب في وصيته أن هذا المال لفلان الفلاني، ويعرفه بما يعرف به، وإذا تصدق عنه بالمال فجاء يطلبه في أي وقت من الأوقات فإن ذلك لا يسقط حقه بل يقضيه، وتكون الصدقة في ميزان حسناته هو.

السؤال: من معاني لا إله إلا الله: لا موجود بحق إلا الله، هل من مستدل لهذا؟

الجواب: لا، فالقائل موجود، والسائل موجود، والمجيب موجود، فإنكار وجود الموجودات مكابرة، فليس هذا من معنى لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، معناه: لا معبود بحق إلا الله، لا يستحق أحد أن يعبد لجماله وكماله وإحسانه وإنعامه وخلقه ورزقه إلا الله جل جلاله، فهذا هو معنى لا إله إلا الله، وفي هذه الجملة الشريفة نفي الشريك، ونفي التعدد عن الله سبحانه وتعالى، ففيها إثبات الوحدانية الذي هو التوحيد والربوبية، وفيها إثبات توحيد الإلهية؛ أي: العبادة لله، ونفي التعدد في مستحق العبادة، ويشمل ذلك الدعاء والنذر والتشريع وغير ذلك من خصائص الإلهية، فخصائص الإلهية هي العبادة والتعبيد في التسمية -عبد فلان- وكذلك الدعاء بالتوكل ونحوه، وكذلك التشريع لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، وكذلك محبة الإلهية، وهي المحبة الخاصة التي هي ثمرة من ثمرات العبادة، كما قال الله تعالى: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165].

السؤال: هذا يقول: قال لي صديقي: إننا أكلنا وشربنا في رمضاننا الأول، ولم أتذكر ما قال لي في بداية الأمر، لكن مع الوقت بدأت وكأن ما قاله حق، مع أنني لم أكن مقتنعاً بصومي لذلك الشهر، مع أنني بالغ حينها، فماذا علي؟

الجواب: أن من كان ناقص العقل في أول بلوغه ولم يكن مقدراً للتكليف ولا ملماً بكثير من الأحكام فحصل منه مثل هذا النوع من الغلط عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يستغفر، وأن يقضي الصوم في تلك الأيام، وإذا كفر فذلك احتياط وهو أولى، وإذا لم يكفر فلا أراها واجبةً عليه في مثل هذه الحالة؛ لأنه معذور بجهله ولم ينتهك في الواقع بقصده، فالاحتياط أن يكفر، والمذهب الحنفي أن كفارةً واحدةً تكفي عن رمضان؛ لأنه عبادة واحدة في هذا الجانب حتى لو أفطر فيه جميعاً جهلاً أو عدم إدراك للمسئولية.